ابن بجاد .. والحلقة الأخيرة في مسلسل الإفساد!!
6 محرم 1429

إن المتأمل في أطروحات الليبراليين فيما يتصل بشأن الإسلام ، يجدها في كثير من الأحيان تقوم على فكرة تفريغ الإسلام من محتواه ومحاولة إحلال محتوى آخر محله مع استبقاء الغلاف ليتحصلوا بعدها على إسلام يناسب أمزجتهم (وعلى الكيف)!
كان هذا هو الخاطر الأول الذي مر بذهني وأنا أقرأ مقال (إسلام النص .. وإسلام الصراع!) لكاتبه عبدالله بن بجاد العتيبي ، فالمقال لا يعدو أن يكون حلقة في مسلسل مسخ الدين ، وزعزعة ثوابته ، بل والإغارة على أغلى ما فيه ركن الإسلام الأعظم (الشهادتين) ، وذلك تحت شعار استعادة الإسلام من مستلبيه ليعود كما كان ديناً ليناً سهلاً لا يبدي (أي عدائية أو تعقيد تجاه الآخر المختلف خارجياً أو داخلياً)! -هكذا يزعمون- ، ويقوم مشروع (السوء) هذا على أساس تخليص الإسلام من التأويلات والتفسيرات التي لحقته نتيجة صراعات المتصارعين -كما يرى الكاتب- والذين هجموا على الإسلام فأحالوه إسلام صراع لا إسلام رحمة وتسامح .

وبعيداً عن العبارات المجملة والجُمل الفضفاضة والكلام العائم ، والذي يلتبس فيه الحق بالباطل ، والخطأ بالصواب ، فإني أود التوقف مع كلام الكاتب حول الشهادتين ، وذلك أنه أخطر ما في المقال ، وهو مثال معبر عن حجم الانحراف فيما يؤصل له الكاتب ويُنظّر ، ويؤكد على أن الكلمة المجملة قد يقولها الصديق والزنديق وكل يريد معنىً فإذا جاءت الأمثلة والشواهد انفضح أهل الزيغ وتبين الانحراف. يقول الكاتب: (ولنأخذ أمثلة على الزيادات التي أدخلها المتصارعون على النصّ ليبرّروا بها رغباتهم وأهدافهم، فمن ذلك أننا نجد الحديث السابق يقول: (أن تشهد أن لا إله إلا الله)، غير أنّ المتصارعين لم يجدوا هذه العبارة كافية بالنسبة لهم للحكم بالإيمان والإسلام، بل رأوا أنه يجب أن تتم تجزئتها إلى جزأين كحدٍ أدنى: الجزء الأول (لا إله) والجزء الثاني (إلا الله)، ثم تأتي مرحلة الشحن التأويلي ومرحلة التعبئة التفسيرية، فيكون الجزء الأول:(لا إله) المقصود به هو "الكفر بالطاغوت" ونفي جميع "الأديان" و"التأويلات" الأخرى، ويضاف لذلك تكفير المخالفين وقتالهم والبراءة منهم، ثم يأتي دور الجزء الثاني: (إلا الله) لتتم تعبئتها كالتالي: أي لا معبود بحقٍ إلا الله، أو لا موجود إلا الله، أو غيرها من التفسيرات المشحونة والملغومة التي اختلفت باختلاف المدارس والفرق والمذاهب والطوائف، وعلى هذا فقسْ.
وإذا كان هذا جزءا من التشويه الأيديولوجي لأهم مبدأ في الإسلام (الشهادتين)، فما بالك بما دون ذلك من عقائد وشعائر، من روحانياتٍ وسلوكيات، من عبادات ومعاملات؟!) ا.هـ.

هذا نصه بحروفه ، هدمٌ واضحٌ متعمدٌ لأعلى وأغلى وأجل ما في هذا الدين ، وتعطيل لأعظم كلمة من معانيها وأحكامها ، فلا (الكفر بالطاغوت) من (لا إله إلا الله) ، ولا نفي جميع الأديان من لوازمها ، وما لهذه الكلمة وللتكفير والقتال والبراءة من المخالفين ، أما تفسيرها بـ(ـلا معبود بحق إلا الله) فتفسير مشحون ملغم! بل وتفسيرها بـ(ـلا موجود إلا الله) حتى مع سعتها وبداهتها وكونها معنىً متضمناً ضرورةً في هذه الكلمة تشويه أيدلوجي لأهم مبدأ في الإسلام (الشهادتين)!
فليت شعري إذا كان هذا صنيعه بأهم مبدأ في الإسلام فكيف سيكون صنيعه بغيره ، وإذا كانت هذه جرأته على هذا المبدأ الحق فكيف ستكون جرأته على ما دونه من أمور العقيدة والشريعة ، إنها الحلقة الأخيرة في مسلسل مسخ الدين وإعادة تأهيله ليتناسب وأمزجة أولئك المنحرفين ، إنها الهجمة على كلمة التوحيد بالهدم ، وعلى أساس الدين بالثلب ، فأي دين يبقى وأي إسلام يُقام ، و والله ما كنت أظن عاقلاً ينتسب للإسلام يهجم على كلمة التوحيد بمثل هذا الكلام أو يجرؤ أن يتفوه به ، ولكن الكاتب كان عند (سوء) ظني ، وخيّب كل ظن حسن.

لقد كان يسع الكاتب ما وسع أصحابه من محرّفين ومميعين من شواهد وأمثلة أُخر يكثر الدندنة عليها في محاولة لتجاوز حقائقها الشرعية ، أما كلمة التوحيد فمن العجلة والحمق إقحامها في مثل هذا الصراع الأجوف! إن (إضلال) الناس و(إفسادهم) يستدعي من صاحبه حنكة وذكاء وتدرجاً ليصل إلى مبتغاه ، وإن (مسلسل الإفساد) يحتاج إلى حلقات لا إلى حلقة واحدة تحقق المطلوب ، ومن شاء فلينظر في حال الشيطان ففي (خطواته) عبرة ، أم أن كاتبنا يعتقد أنه من (أصحاب الخطوة)! وأنه أقدر من إبليس على الإضلال والإفساد! لقد (خاب) إذن و(خسر)!!

ألا فليَعلم أن كلمة التوحيد ليست مجرد ألفاظ تتحرك بها الألسن دون أن يكون لها معنى يستقر في القلب ويتفهمه العقل وأحكام تظهر على الجوارح والأعضاء ، بل لها معانٍ وأحكام من أتى بها فهو المسلم ومن أخل بها فهو الكافر.

ألا فليَعلم أن الكفر بالطاغوت من مدلولات (لا إله إلا الله) ، (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً).

ألا فليَعلم أن كلمة التوحيد تستلزم نفي جميع الأديان المخالفة لدين الإسلام ، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ).

ألا فليَعلم أن تكفير المخالفين لهذه الكلمة من الحق ، وأن مخالفتها كفر قال تعالى: (وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

ألا فليَعلم أن قتال الكافرين قائم على هذا الأصل بوجود شروطه ومقتضياته ، قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه ، وحسابه على الله) [رواه البخاري ومسلم].

ألا فليَعلم أن البراءة من الكافرين لازم من لوازم هذه الكلمة ، (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ..) الآية.

ألا فليَعلم أن تفسير كلمة التوحيد بهذا التفسير الشريف (لا معبود بحق إلا الله) هو الحق المحض لا أدلجة فاسدة ولا عقيدة باطلة ، بل هي لفظ الأنبياء جميعاً (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) ، وبها بعث الله الرسل (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) ، ولأجلها خلق الله الخليقة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ).

ألا فليُعلم أن مشكلة هؤلاء الزائغين ليست مع من يسمونهم (سدنة القديم وحراس السائد وجنود المألوف) كلا! وإنما مشكلتهم مع دين الإسلام نفسه ، وما هم وإياه إلا كثيران هائجة تنطح بقرونها جبلاً أشماً فما ضر الجبل نطحهم ، وتوشك أن تنكسر تلك القرون ، ولقد كان غيركم (أشطر) و(أشطن) منكم فكيف كان المصير ظل الدين كما هو قوةً وعزةً وجلالاً ، وذهب أولئك بحسرتهم مقهورين ، لا يُذكرون ، فإن ذكروا فباللعنات!!

والله الموفق