ضعف المجتمع السعودي في إنكار المنكر.. أسبابه وعلاجه-1
29 ذو الحجه 1428

عن ‏ ‏عبد الله بن مسعود، ‏قال: ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم: "‏لما وقعت ‏ ‏بنو إسرائيل ‏ ‏في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم ‏وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم ‏على لسان ‏ ‏داود ‏ ‏وعيسى ابن مريم ‏ ‏ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، قال فجلس رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وكان متكئا فقال: لا والذي نفسي بيده حتى ‏ ‏تأطروهم ‏ ‏على الحق ‏ ‏أطرا." رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه.

إن الكلام عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهميته الاجتماعية واعتباره الركن السادس من أركان الإسلام يعد من المسلمات التي نسمع عنها كثيراً في المقالات والمحاضرات والخطب نظراً لأهميته القصوى وحاجة الأمة الإسلامية إليه. ولعله من المناسب أن أذكر هنا أنه قد تجد الكثيرين ممن يأمرون بالمعروف لا ينهون عن المنكر ولا عكس! والسبب في ذلك أن الأمر بالمعروف غالباً ما يواجه بالتقدير ويحصل في ظروف هادئة يحددها الآمر بنفسه، وعكسه النهي عن المنكر الذي مبناه على المواجهة والتدخل السريع أحياناً بحسب المنكر والظروف المحتفة به. لذلك كان لزاماً علينا أن نسلط الضوء على مستوى تعامل المسلمين مع المنكرات وسبب الضعف في ذلك، ثم نعرج بالكلام حول علاج هذا الضعف الذي أصبح ظاهرة تؤرق الغيورين.

في الماضي القريب لم يكن لكثير من المتأثرين والمنبهرين بالحضارة الغربية ممن اعتادوا السفر إلى أمريكا وأوربا أثر يذكر في المجتمع بسبب الرقابة الاجتماعية آنذاك، فمهما كنت متأثراً بملابس معينة أو سلوك معين فهناك من يقول لك: لا يمكنك تطبيق ذلك في بلدنا... نحن مجتمع محافظ! بعد ذلك بدأت المخططات التغريبية عملها في المجتمعات الإسلامية لأهداف سيادية واقتصادية ودينية، وتبع ذلك حملة علمانية على ثوابت المجتمع الإسلامي للتهوين من ثقافته وقيمه مما كان له الأثر الكبير في تشكيك المسلمين في مسلماتهم لتصبح بذلك كثيرٌ منها أموراً قابلة للنقاش والأخذ والرد. وقد ساعد على ذلك بل كان الوسيلة الرئيسية لتسارعه الكبير انتشار الفضائيات الفاضحة من بعد أزمة الخليج وانتشار القوات الأمريكية في الأراضي الخليجية. هذه القنوات التي باعت دينها وأفسدت دين المسلمين بما تعرضه من مشاهد مخزية وصور فاضحة وأغانٍ ماجنة وأفكار هدامة جعلت الكثيرين من أفراد الأمة يعيشون في حيرة وقلق بسبب تكرار هذه المنكرات أمام أعينهم وعلى مسمع من آذانهم، وهم الذين اعتادوا استنكار أبسط المنكرات في الماضي القريب.

لا شك أن المُشاهد للفضائيات في بداية الأمر ينكر هذه المنكرات ويمقتها ولكنه في المقابل يهون عليه الشيطان مغبة النظر إليها بحجة أنها لن تحدث في نفسه أثراً مباشراً فهي صور لفنانات وفنانين تفصله عنهم الآف الكيلومترات فلا يمكنه الوصول إليهم! حتى صرح أحدهم عندما ناقشته بقوله: وهل النظر للنساء يعني الوقوع بهن! هذا هو واقع الكثيرين، حتى وللأسف الشديد اقتنى كثير من العقلاء هذه الفضائيات لحاجتهم إلى متابعة الأخبار المالية والسياسية وغيرها. ويجب التنبيه على أن الكلام هنا عن الواقع ليمكن تصوير المرض وإيجاد العلاج وليس عن ما يجب أن يكون عليه المسلم من البعد عن النظر المحرم والاستماع المحرم وتقديم الأمر الشرعي ومراد الله على هوى النفس وتزيين الشيطان.

أعود فأقول إن هذا السلوك في متابعة الفضائيات ولمدة تزيد على العشر سنوات قد حول المجتمع المحافظ إلى مجتمع مغلوب على أمره بسبب الزخم الإعلامي الذي يراه يومياً من المنكرات، حتى بدأ الدافع الداخلي للإنكار يضعف تدريجياً. واختلفت درجة الضعف والتأثر من شخص إلى شخص ومن جيل إلى آخر. فالبعض وصل به التأثر إلى درجة التشبع والرغبة في التقليد وعدم الاكتفاء بالمشاهدة، فصاروا يقلدون ما يرونه في الفضائيات فيما يتعلق بالملابس والسلوك. ويظهر ذلك جلياً في تسابق النساء وخاصة المراهقات على ارتداء البنطال الذي لم يكن معروفاً قبل عشر سنوات وكذلك الزفات في حفلات الزواج التي صارت مسرحاً للمنكرات من إيقاعات وأغنيات وحركات وفلاشات وتصوير للعورات، ناهيك عن منكرات الشواطئ والمنتزهات. والذي يعجب منه المتابع لهذه المتغيرات تسارعها العجيب الذي لم يكن ليحصل لولا طريقة تعامل الفئة الثانية وهم جيل الكبار الذين لم يصل بهم التأثر إلى حد الرغبة في التقليد وإنما كانت الجرعة بالنسبة لهم كافية للتخدير وعدم القدرة على الإنكار.

إنه لمن المؤسف أن تكون الفضائيات قد أحدثت تبلداً وشللاً للرقابة الاجتماعية التي أصبحت تعاني من أزمات كبيرة لا تخولها للنهوض بدورها المعهود في السابق. لقد كان كثير من المراقبين يتوقع انتشار المنكرات بعد دخول الفضائيات ولكن على ما أعتقد لم يتوقع أحد هذا التسارع في وقوعها.

ولعل من أهم أسباب الانتشار السريع للمنكرات ما يلي:
1. الضعف الشديد في المحافظة على الصلاة، فلا تكاد ترى 30% من جيران المسجد يصلون الفجر. والصلاة لها أثر كبير في صيانة الأمة ومحاربة المنكرات بما تحدثه من أثر إيماني لدى المحافظ عليها يحجزه عن فعل المنكرات، وفي المقابل ما يحصل لدى المتهاون في أدائها من الغفلة وقسوة القلب وضعف المراقبة (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت: من الآية 45).

2. الجلوس الطويل أمام الشاشات نظراً لطول فترات الفراغ لدى الكثيرين من أفراد المجتمع لعدم توفر الوظائف الجادة التي تشغل أوقات الناس بما ينفعهم وتحجزهم عن تضييع الأوقات في مشاهدة الفضائيات وغيرها. فترى الشباب في الاستراحات والرجال والنساء في المنازل والجميع منهمك في النظر إلى المشاهد المخزية بلا استحياء. بل وصل الأمر بالبعض إلى توفير جهاز تلفاز في كل غرفة ليتمكن الابن أو البنت من حرية المشاهدة دون خوف من رقيب!

3. انتشار وسائل الاتصال وخاصة الجوال الذي فتح للشباب مساحات واسعة من الحركة والحرية مكنتهم من التفلت من رقابة الوالدين والوصول لكثير من المنكرات من معاكسات ومشاهد فاضحات بكل يسر وسهولة. فبعد أن كنا نخشى من السماح بالاتصال بالوسائط المتعددة من صوت وصورة (MMS) صدمنا بالسماح لخدمة الجيل الثالث (3G) التي عم شرها واستطار ضررها لتمكينها الشباب من الاتصال المباشر بالصوت والصورة والتي غالباً ما تستخدم في المعاكسات والله المستعان، بل يمكن بواسطة هذه الخدمة من مشاهدة القنوات الفضائية الفاضحة، فتجد البنت أو الابن يشاهد أسوء القنوات وهو جالس بجوار والده، ووالده لا يشعر بشيء!

4. الحملة الشرسة على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشويه صورتها لدى الناس وتضخيم أخطاءها وضعف دعمها بالكوادر البشرية والإمكانات المادية في الوقت الذي تضاعفت فيه الأسواق التجارية أكثر من الضعف وزادت فيه المنكرات بسبب ما ذكر في الفقرتين السابقتين مما أدى إلى شل حركتها نسبياً ولسان حالها يقول:


تكاثرت الكلاب على خراش فما يدري خراش ما يصيب

بل يمكن أن يقال أن هذا الأمر ليس خاصاً بالهيئة فحسب، أعني الصدمة والارتباك بسبب سرعة انتشار المنكرات وتعدد أنماطها، فقد أربك ذلك أيضاً الغيورين من العلماء وطلبة العلم والدعاة وغيرهم، الذين اسقط في أيديهم فلا يدرون بماذا يبدؤون وأي منكر ينكرون. والله المستعان ومنه وحده نستلهم العون والتأييد.

5. بعد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية انتشرت محلات التجزئة الغربية التي صارت تسوق لمنتجاتها والتي أصبحت محط اهتمام الشباب والشابات لما يجدونه فيها من الملابس الغربية التي تلبي رغباتهم المنحرفة من التشبه بالكفار ومحاكاتهم.

6. الجرأة لدى الإعلام الحكومي على الحجاب وعلى الثوابت والعادات الاجتماعية والذي ظهر أكثر وضوحاً في قناة الإخبارية التي سمحت للمذيعات المتبرجات بتقديم الأخبار وغيرها من البرامج.

7. التركيز الإعلامي على نشر مفهوم التسامح والتعايش بين أفراد المجتمع، وهذا حق أريد به باطل! فالمقصود بالتسامح عندهم احترام حريات الناس وعدم التدخل في رغباتهم الشخصية حتى ولو كانت على خلاف الشرع، فلا إكراه في الدين!

8. الاختلاط بغير السعوديين وخاصة النساء اللاتي أدى بهن ما رأينه من الانفتاح الكبير في البلد إلى الشعور بالأمن من الرقيب وبالتالي عدم التزامهن بالحجاب مما جرأ البعض من النساء على المحاكاة، ويلاحظ ذلك جلياً في انتشار كشف الوجه الذي لم يكن معهوداً من قبل.

9. الصورة المشوهة للإسلام في الإعلام الغربي بل والعربي! ووصم المسلمين بالإرهاب والقسوة مما أحدث ردت فعل ليست فقط عند عامة الناس فحسب بل لدى بعض الدعاة الذين صاروا يصبحون الناس ويمسونهم بعبارات انهزامية تركز على مبدأ التسامح في التعامل والإنكار بالتي هي أحسن مغلبين جانب اللين ودرء المفاسد مضخمين الأخطاء وما تحدثه من تشويه لسمعة الإسلام وصد عن سبيله مقيدين الإنكار بشروط لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، فصار الناس يخشون خوض غمار إنكار المنكر أو حتى القرب من حياضه!

10. نشر فقه الخلاف الفقهي بين الناس وكأنه حق مكتسب لكل فرد، يحق له بموجبه اختيار القول الفقهي ولو كان رأياً شاذاً لم يقل به إلا عالم واحد! وقد ركزت بعض وسائل الإعلام على بعض المشايخ الذين لديهم لين في الفتوى كمن يفتي بجواز لبس البنطال الواسع للنساء بحجة أنه ساتر ولا يتعارض مع الحجاب إذا كان ساتراً فضفاضاً ليس فيه تشبه ولا تبرج، وكأنه يفتي لجيل الصحابيات! ونسي هذا العالم أن المجتمع لديه رقة في الدين جعلته يبحث عن الفتوى لتبرير فعله المخالف للشرع لا لحرصه على المتابعة والالتزام بالأوامر الشرعية. فبالتالي صار الكثيرون يأخذون الفتوى ويطبقونها بحسب ما يناسبهم لا بما يراه المفتي. وكان الأولى بمن يفتي العامة أن يأخذ بالقواعد الفقهية التي نصت على اعتبار مآل الفتوى الشرعية وسد الذرائع.