الحصار ولا العار

في غير سابقة لآل اليهود، يُمارس في هذه الأثناء حصار شامل على قطاع غزة في دولة فلسطين العزيزة، فلسطين تلك المنطقة الزاهية بألوان الحب والسلام، فلسطين...ذلك الطعم الزيتوني الذي يتدفق عسلاً من أفواه بساتينها وحدائقها، فلسطين...تلك الأبية بإباء أهلها، تلك الفتية بفتوة أهلها، فلسطين، ذلك البلد الرائع، الذي يهب عليه نسيم الصباح كالأرج، ويمر به حداء السحر فيطرب، وتنعم معه خيوط الأصيل، وتتراقص في بكور شمسه قطرات الندى، فلسطين...الوطن الذي تشتاق له نفوس المتقين، وترنوا إلى السجود فيه جباه المسلمين، ولكن ..اليهود وراء إفساد لوحة فلسطين.
في كل يوم نرى شهداء الأقصى وقد حملوا على الأكتاف، إلى قبورهم بل إلى جناتهم – بإذن الله – ولكننا لا نشعر بأثر هذا الموت والاستشهاد في التواني أو الوقوف، أو التراجع، فوالله لكأن الأموات عندما يدفنون يُخرجون لنا نبتاً طيبا تؤتي ثماره يانعة سريعة، فيالله هذه الحياة التي لا تتوقف عن الإنجاب، و يالله هذا الموت الذي لا يتوقف عن إدراك طبيعة من يقتلهم.
إن هذا الشعب الذي يواجه الحصار الشامل في غذائه وكسائه ودوائه ومواصلاته ودراسته ونومه وغير هذا، إن هذا الشعب لا يحتاج إلى مساندة أحد، لأنه يعلم أن الله معه، إن هذا الشعب لو كان ينتظر أحداً لتنازل عن مبادئه وقيمه وتصوراته، إن هذا الشعب، لا يمكن أن يكون في يوم من الأيام صاحب مسكنة أو مذلة وإن ظهر للناس بعضاً من ذلك، إن هذا الشعب ينتظر فرج الله أولا وأخيراً، ولكن..
ماذا عن الجماهير المتفرنجة والمتفرجة على هذه المسرحيات المأساوية، ماذا عن أولئك الذين استقدموا الأطباق الفضائية ليشاهدوا العالم ويتابعوا الأخبار أولا بأول، ماذا عن الشعوب والحكومات التي تشاهد أو لا تشاهد هذه المآسي في بلدنا العزيز فلسطين؟ ماذا عنهم جميعا؟ أخبارهم.
هذه أخبارهم، انخفض سعر السهم، ارتفعت الطن من الحديد، هناك وعود بزيادات في الرواتب، هل تابعت نتيجة المباراة الأخيرة في الدوري الأوربي، ما هي آخر الأفلام الأمريكية، ما رأيك برحلة سياحية إلى...، وتتابع أخبارهم في هذه الدنيا، فلا يجدون لأنفسهم نفساً، إلا في الدنيا، ولن تصل تلك الأنفاس إلى الآخرة، ولن ترتفع تلك الأنفاس، لأنها مليئة بالأنجاس.
ولا شؤم ...فالأمة فيها الخير اليسير، ولا تعدم هذه الأمة المسلمة من خير يكون على أرضها، أو في أصلاب رجالها و ترائب نسائها، فيهم القانت، والخاشع، فيهم من يتصدق، فيهم من يدعو لإخوانه في كل ركعة، فيهم من يحزن لهم، فتذرف دموع قلبه قبل دموع عينه، فيهم من يخاطب ويحرك ويتحرك، فيهم الفاسق الذي لا يرضى المهانة لأخواته المسلمات، فيهم الكتاب والشعراء والمربون الذين يذكون في نفوس المؤمنين جذوة الخير والغيرة، وليس عليهم بأس، إنما البأس أن نقف متفرجين لا نشعر ولا نستشعر، فنموت، في الحياة، ثم نموت عند الموت