هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا

كثيرا ما تفسد المقاييس لدى الناس فيرفعون من يستحق الخفض ويخفضون من يستحق الرفع ويجلون من يستحق الوضع ويضعون من يستحق الإجلال.
فيكرم الرجل لماله وثروته...
ويكرم الرجل لجاهه وسلطانه...
ويكرم الرجل لحسبه ونسبه.....
ويكرم الرجل مخافة شره......
هذا هو واقعنا الأليم....!!!!
ولقد كان الأمر كذلك قبل الإسلام وظن المسلمون في بداية الأمر أن شيئا لم يتغير من هذا ولكن هيهات أن يقر الإسلام هذه المعايير والمقاييس الفاسدة.

"مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا قَالُوا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ قَالَ ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا قَالُوا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا"(1)

إن الإسلام يضرب بهذه المقاييس والمعايير الجاهلية كلها عرض الحائط فالناس في نظر الإسلام لا يميزهم جاه ولا سلطان ولا مال ولا ثروة وإنما يتمايزون بشيء واحد فقط هو العلم والتقوى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (المجادلة:11).
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات:13).

ولا تنتشر المقاييس الفاسدة والموازيين المقلوبة إلا عند ابتعاد الناس عن كتاب ربهم وهدي نبيهم اللذين هما عصمة من الزيغ والانحراف وعندئذ تعمل الأهواء والمصالح!
وانتشار هذه المقاييس الفاسدة يؤدي إلى شيوع العديد من الأمراض الاجتماعية فينتشر النفاق، ويتصدر للقيادة والرئاسة من هو ليس من أهلهما.
وقد عبر أحد الشعراء(2) عن هذا الخلل بقوله:





إِن الغنيَّ إِذا تكلمَ كاذباً   قالوا: صدقْتَ وما نطقْتَ مُحالا
وإِذا الفقيرُ أصابَ قالوا: لم   يُصِبْ وكذبْتَ ياهذا وقُلْتَ ضلالا
إِن الدراهمَ في المواطنِ كُلِّها   تكسو الرجالَ مَهابةً وجلالا
فهي اللسانُ لمن أرادَ فصاحةً   وهي السلاحُ لمن أرادَ قِتالا

إنه تميز كاذب لا يدوم وإنما بقاؤه مقرون ببقاء أسبابه فإذا زالت هذه الأشياء رجع كل شيء إلى أصله وقد نبه ابن المقفع على ذلك بقوله" إذا أكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبْك ذلك’ فإن الكرامة تزول بزوالهما ولكن ليعجبك إذا أكرموك لدين أو أدب".

أخي المسلم لا يخدعنك قول القائل(3)


المالُ يسترُ كُلَّ عيبٍ في الفتى   والمالُ يرفعُ كلَّ وغدٍ ساقطِ
فعليكَ بالأموالِ فاقصدْ جمعَها   واضربْ بكتبِ العلمِ بطنَ الحائطِ

وتذكر قول الله عز وجل: "فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً" (طـه:114)، فإن الملائكة وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على أهل العلم الذين ينيرون الطريق للناس ويعلمونهم الخير.
وتذكر قول الله عز وجل: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"، فالأتقى هو الأكرم عند الله تبارك وتعالى.
وردد قول المولى سبحانه: "وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ" (سـبأ:37).

_______________
(1) رواه البخاري
(2) محمد بن القاسم الهاشمي- مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي
(3) أبو هفان-مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي