أمّّ تضرب أطفالها ! (2)

( سبق في الجزء الأول من المقال أن أكدنا على بعض النصائح الهامة في علاج وإصلاح سلوك الأم التي تكثر من ضرب أبنائها وعقابهم بالشدة واليوم نكمل معا تلك النصائح والتوجيهات .)

11- علينا أن نجلس مع الأم على انفراد ونتخير الوقت المناسب لنتناقش معها حول الأمر .. لنبين لها أن هناك العديد من الطرق التي يمكنها استخدامها لتأديب وتهذيب وتعويد الطفل على الانضباط غير الضرب , دعونا نسألها بصراحة لماذا تضرب أطفالها؟؟ .. وما هدفها من الضرب ؟ ستكون إجابتها بالتأكيد لتأديب الأطفال !!
عند ذلك نخبرها أن هدفها الذي تسعى إليه بالتأكيد هو هدف إيجابي ولكن الطريقة التي تستخدمها لتحقيق هذا الهدف طريقة سلبية.. والطرق السلبية لا تأتي إلا بنتائج سلبية . لأن الضرب لن يؤدب الأطفال بل سيكسبهم العقد والاضطرابات النفسية المختلفة، والعناد أو العدوانية، وقد تتزعزع لديهم الثقة بأنفسهم وتشعرهم بعدم الأمان، كما ستجعلهم يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية المطلوبة، وسيعانون من الحساسية المفرطة والتأثر من أدنى الأمور وتحجيمها ، وستنعدم لديهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم.. وغير ذلك..

12 – نبين لها أن التربية والتهذيب لا تعني أن نجعل الطفل إما أن ينفذ ما نريد وإما أن نعاقبه!
ولكن التربية هي أن نعلمه ونوجهه ونبين له خطأه الذي وقع فيه وندله على أسباب هذا الخطأ وندله على السبيل الذي يمكنه من خلاله مواجهة أخطائه وتعويده على ضبط نفسه في المواقف المختلفة.. وكيف يجب أن يتصرف إذا تعرض له مرة أخرى .. ونطبق ذلك على جميع المواقف التي قد يتعرض لها الطفل بحكمة.

13- فإذا اشتكت من طباع أطفالها السيئة أو المستفزة لها علينا أن نذكرها أن طباعهم ما هي إلا سلوكيات وتصرفات اكتسبوها من البيئة المحيطة بهم.. وقد تكون هي السبب في اكتسابهم لها فأسلوب التربية الذي تتبعه معهم هو الذي يحدد في الغالب طباع الأطفال. لذا إن لم يكن يعجبها سلوكهم عليها أن تعيد النظر في طريقة تربيتها لأطفالها , ولتتمكن من الحصول على أفضل السلوكيات لدى أطفالها عليها أن تختار الأسلوب المناسب في التربية والمعاملة.. الأسلوب الذي يشبع احتياجات أطفالها المعنوية والجسدية والنفسية.. لكي تنشئ بينها ويبن أطفالها الألفة والانسجام الذي يعتبرا أول الطريق لإقامة علاقة ارتباط جيدة وفعالة بينها وبينهم. فالطفل المرتبط بأبويه يحرص عادة على طاعتهما وإسعادهما قدر الإمكان.

14- نسألها هل لاحظت أي تحسن في سلوكياتهم وهي تستخدم معهم أسلوب الضرب!! سترد بأن الأمر يزداد سواء مع الأيام وإلا لما استمر ضربها لهم حتى الآن .

15 – عندئذ يمكننا أن نذكرها أن كثرة الضرب والصراخ، والتعنيف كلها أساليب عقيمة لن تصلح من الأمر شيئا بل على العكس قد تزيد من الأمر سواء لأنها في معظم الحالات تزيد من السلوك السيئ للأطفال... لأنهم سيعتادون على الانتقاد والعقاب الدائم ، ويصبح ذلك أمراً عادياً بالنسبة لهم... وبالتالي لن يحسن هذا الأسلوب من سلوكهم بل قد يجعله أسوأ... هذا علاوة على أن الضرب والتوبيخ الدائم يجعل الطفل يشعر بالخوف والغضب من والديه، ويشعر بأنه لا يعني لهما شيئا لأنهما يقللا من شأنه دائماً، فلا يطيعهما بل يعاكس ويشاكس ويعاند.. حتى وان أطاعهما فلن يكون ذلك عن حب لهما أو رغبة لرضاهما بل سيكون خوفا منهما وهذا بحد ذاته أول طريق الهلاك والتوتر والاضطراب النفسي لديه والذي سيؤثر عليه سلبا في مستقبله والذي قد يجعله عدوانيا وهذا ما لا تريده هي بالتأكيد.

16 – لنقض وقتا أطول معها في تقدير الجوانب الإيجابية في شخصية كل طفل من أطفالها ونطلب منها أن لا تركز فقط على الجوانب السلبية التي لديه فقط بل على الجوانب الإيجابية أيضا . لأن التركيز على مساؤي الطفل سيزيد من ردود أفعاله السلبية... نطلب منها أن تستخدم معهم التعليقات الإيجابية على أي تصرف أو عمل جيد يقومون به مثل "ما شاء الله أنت موهوب" أو " عملك هذا ممتاز أو فيه إبداع"، أو"ما أروعك عندما تكون طيب وحساس ولا تقبل أن تؤذي أحد". وتدعو لهم بالصلاح والفلاح

17 – دعونا ندرس معها طباع وشخصية كل طفل من أطفالها ونضع الطرق المناسبة التي يمكنها من خلالها التعامل معه ومع طبيعته في جميع المواقف التي يتعرض لها أو التي يشاكس فيها ولا يشترط أن تعالج الأمور دوما بنفس الطريقة ولكن العلاج يختلف باختلاف المواقف المهم عليها أن تركز على أن تتجنب الغضب، وتركز على تعليم الطفل على الطرق الصحيحة للتنفيس عن مشاعره السلبية بحيث لا يستخدم أي سلوك سيء لينفس فيه عن مشاعر الغضب أو التوتر الموجودة داخله. ومحاولة إقناعه بذلك وتحسين هذا الأسلوب له.

18- فإن كان أطفالها من النوع كثير الحركة والنشاط، فيمكننا أن نقترح عليها أن تساعد أطفالها في إخراج هذه الطاقة الزائدة لديهم عن طريق ممارسة الرياضة أو الألعاب البدنية في مكان آمن ... ونشجعها أن تحاول أن تستقطع من وقتها ولو فترة بسيطة لتخصصه للعب معهم ... فاللعب مع الطفل يفجر طاقاته الكامنة الموجودة بداخله وينمي قدراته المختلفة وتستقر به نفسيته، ويتمكن من خلاله التحكم في انفعالاته ومشاعره واستكشاف مواهبه المختلفة واستغلالها بشكل ايجابي.. وعليها أن لا تهتم بكمية الوقت الذي تقضيه مع أطفالها.. بل تركز على الكيفية التي تقضيها معهم فيه

لذا علينا أن نساعدها على اكتشاف مواطن الإبداع والقوة لدى كل طفل من أطفالها، ونجعل الطفل يتعرف على مواهبه وقدراته وساعداه على تنمية تلك المواهب، لأنها أولا ستشغله عن الطباع والسلوك السيئ الذي كان يسلكه للفت النظر أو للتعبير عن ما بداخله.. وسيتمكن من خلالها من الإبداع والنجاح الذي سيعزز ثقته بنفسه .. وسيكتشف انه مبدع وسيحاول أن يركز على تلك الميزة التي لديه وسيقل شغبه إن لم ينتهي بإذن الله... فالطفل الذي يتعرض للفشل المتكرر والطفل الذي لا يستطيع أن ينجز أي نجاح في حياته، يتجه تدريجياً نحو سوء السلوك السيئ.

19 - ننبهها إلى أن شغب أطفالها ما هو إلا سلوك يستخدموه ليعبرون عما يضايقهم أو عما بداخلهم من خوف أو قلق• فقد ينتج هذا السلوك إلى سوء المعاملة التي يتعرض لها أو كثرة المشاجرات بين الوالدين وخلو البيت من الدفء العاطفي وإحساس الطفل بعدم الأمان. أو بسبب شعوره بالنقص لأي سبب كان مما يضطره إلى إتباع أسلوب الشغب والعناد لإثبات ذاته وكيانه ليس إلا.

20 – نسألها كيف تريد أن يكون أولادها في المستقبل؟؟
هل تريدهم أن يتمتعوا هم وأسرهم بحياة مستقرة سعيدة تتوالى عليها النجاحات تلو النجاحات أو العكس؟؟
فإذا كانت تريد لهم حياة أفضل من حياتها.. ومستقبل مشرق زاهر ذكرناها بأنها هي التي من تضع لهم اللبنة الأولى لطريق المستقبل
لأن شخصيه الطفل تتكون منذ السنوات الخمس الأولى من عمره حيث تُرسخ لديه المبادئ والقيم التي سيسير على نهجها في المستقبل.. وسيتأثر بمن حوله من ايجابيات أو سلبيات.. وسينعكس كل ذلك على شخصيته عندما يكبر.. فإذا تعود أن يتلقى الأوامر من أبواه عن طريق الضرب والتوبيخ فما الذي سيجنيه في المستقبل؟؟
سيفقد الثقة في نفسه وسيكون معقد .. انطوائي .. عدواني.. عاق .. وستنعدم عنده الأحاسيس بمشاعر الأمان والحنان وسيصبح لديــه خلل في الشخصية وينعكس ذلك على تصرفاته وتعامله مع أبنائه في المستقبل ولن يشعر بالسعادة معظم حياته إلا إذا تخلص من هذه العقد.

لذا عليها أن تكون الصديقة المقربة لأبنائها، عليها أن تستخدم معهم أسلوب الإقناع والحوار .. فالحوار الدائم يساعد على زرع المفاهيم التربوية المطلوبة ، فهي تزرع الثقة في نفس الطفل وتجعله متفتح الذهن حاضر البديهة... كما تعلمه طرق أخرى في التفكير الإيجابي، وعليها أن تتقن فن الإنصات لأطفالها لأن ذلك سيشعرهم بأهميتهم لديها وينمي لديهم القدرات العقلية ، كما أنها ستتمكن من خلال إنصاتها لهم من معرفة كيفية تفكيرهم ورغباتهم.
ولا يعني ذلك ألا تطبق أي عقوبة على أطفالها !! بل على العكس عليها أن تطبق مختلف العقوبات لتتمكن من التحكم في تصرفاتهم .. و لكن بأسلوب عقلاني فتختار العقاب المناسب في الوقت المناسب..

فيمكنها أن تستخدم أسلوب العقاب عن طريق الحرمان من الامتيازات شرط أن لا يصاحبه غضب وتسلط لأن ذلك سيكون له أثر سئ على نفسية الطفل، فيجب أن يكون الهدف منه توجيه سلوك الطفل لصالحه...
وعليها أن تستخدم أسلوب الثواب والعقاب الذي يتناسب مع نفسية وشخصية كل طفل على حدة. والذي يفرض عليها أن تكافئ الطفل إذا أحسن التصرف لا أن تعاقبه فقط إذا أساء!! وعليها أن تستخدم أسلوب المكافأة والثواب بنفس الفاعلية والقوة التي تعاقب بها...
ولتحذر من أن تكون العقوبة بهدف التنفيس عن ما بداخلها من ضغوط فقط لا بسبب الذنب الذي اقترفه طفلها.. بل لا بد أن تتذكر بأنها وسيله لتقويم سلوك طفلها وتنبيهه على الخطأ الذي حصل منه، ولابد أن تكون العقوبة على انفراد قدر الإمكان.

21 - نذكرها بأنها لن تكسب حب أطفالها لها إذا استمرت في معاملتهم بهذه الطريقة، بل قد يحدث العكس .. لأن عملية العقاب المؤلم المتكرر من الأم سيجعلها شخصا مخيفا كريها لديهم.. .. خاصة اذا كانت لا تشبع احتياجاتهم أو رغباتهم.. خاصة العاطفية فحرمان الأطفال من حنان الأمومة سيزيد من عنادهم ومشاغبتهم... بل قد تولد لدى الأطفال ميول عدوانية قد لا تحمد عقباها.

22- ننصحها أن لا تحاول إعطاء الأوامر المطلقة التي لا مجال للتراجع عنها ، لأن مثل هذه الأوامر لا تنتج إلا المشاكل ... فعليها أن تترك لأطفالها بعض المنافذ الذي يمكن من خلالها أن يعتذر عن تنفيذ بعض الأوامر دون أن يغضبها أو يقع هو في حرج.

23- نذكرها بأن الطفـــل يعكس صورة مصغرة لوالديه وسلوكهم معه ومع الآخرين فعليها أن تكون القدوة الحسنة لهم فلا تأمرهم باحترام الآخرين وحسن المعاملة وتفعل عكس ما تطلبه منهم .. ولتتذكر أنها قد تكون هي السبب في عناد ومشاغبة أطفالها معها لأنهم يتعلمون من أسلوبها القاسي معهم أن بعض المواقف لا تحل إلا بالقوة. أو أنهم يتبعون سلوك والديهم في معاملتهم للآخرين.

24 - إذا كانت علاقتها بزوجها متأزمة ويكثر بينهما الخلاف والمشاكل، فنطلب منها أن لا تقحم الأطفال في مشاكلهم لا من قريب ولا من بعيد .. وعليها أن تحدد هي وزوجها السلوك المناسب الذي سيتبعانه في تعليم وتربية أطفالهم.. وعليها أن تطبقه عليهم ... بغض النظر عن علاقتها معه لكي لا يتولد في نفسيه الطفل تزعزع ويصبح غير قادر على تمييز الصواب من الخطأ . ويجب على كلا الوالدين أن يحترما بعضهما البعض ولا يقلل احدهما من شان الأخر أمام أولاده.

25 - نطلب منها أن تنسى الماضي وتنسى طريقتها القديمة في تربية أطفالها. ونبدأ معها بوضع خطة جديدة لإتباعها في تربية الأطفال منذ هذه اللحظة، على أن تتضمن هذه الخطة النقاط التالية:

• يجب أن تسعى بشتى الطرق لتوفير الجو الهادئ المستقر المشبع بالحب والحنان واللطف والهدوء والاستقرار حتى ينشأ الطفل نشأة مستقرة وسليمة.
• عليها أن تبتعد قدر الإمكان عن المشاجرات العنيفة خاصة مع الأب أمام الأطفال والحرص على أن يتوفر جو التسامح داخل البيت•
• عدم انتقاد أطفالها أو السخرية بهم أمام الآخرين حتى لا يشعروا بالنقص أو الضيق•
• عليها أن تعير أطفالها الكثير من الاهتمام عندما يقومون بأي عمل حسن وتشجعهم عليه.
• إذا شعرت أنهم يقومون ببعض السلوكيات السيئة للفت نظرها .. عليها أن تتجاهلهم عندما يقومون بذلك السلوك لكي لا يكرروه مرة أخرى.
• شغل أوقات فراغهم بتشجيعهم على اللعب مع إخوانهم وزملائهم الجيدين واستغلال أوقاتهم بكل ما هو مفيد وممتع في نفس الوقت وتعويدهم على احترام الآخرين•
• عليها أن تضبط أعصابها وتبتعد عن الانفعال المبالغ به عندما يخطئ الطفل، بل تركز على توجيهه وتعريفه على أخطائه بأسلوب سهل ومرن وتعريفه كيفية مواجهتها والتغلب عليها.
• إذا كانت لا تستطيع أن تتحكم في أعصابها فانصحها أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .. وأن تضع نفسها في مكانهم قبل أن تندفع إليهم لتعاقبهم بالضرب.. وتسال نفسها كيف كنت سأتصرف لو كنت مكانهم!! ...إذا وجدت انه كان بإمكانهم إتباع أي سلوك أو تصرف آخر بدل التصرف السيئ الذي قاموا به وان ذلك التصرف بديهي لمن هم في أعمارهم.. ووجدت أن الحل الأمثل لتعليمهم هو عقابهم فلتسال نفسها أولا ألا يوجد طريقة أخرى للتأديب غير الضرب!
• يمكنها استخدام تقنية الثواب والعقاب الهادفة التي تعتبر من أساسيات تربية الأطفال وإكسابهم السلوكيات الجيدة فالطفل يحتاج إلى استخدام أسلوب التشجيع والتدريب أكثر من أسلوب الضرب أو التعنيف.
• المتابعة المستمرة من قبل البيت والوالدين للطفل مع المدرسة لمعرفة أحواله وسلوكياته مع زملائه ومدرسيه والتدخل في حال وجود أي مشكلة للطفل في المدرسة بكياسة وعقل وحكمة ومرونة.
• تجنبهم متابعة الأفلام أو المسلسلات التي يكون فيها سوء معاملة الوالدين أو سبهم لأنهم يتأثرون بسرعة ويقلدون ما يرون.
• يمكن طلب العون من ذوي التخصص إذا لزم الأمر ليساعدها على اختيار أنسب الطرق التي يمكنها أن تتبعها لعلاج بعض السلوكيات المزعجة عند أطفالها.