أَمِنْ أجل هذا تُرَد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟!
13 شوال 1428

قرأت ما كتبته الكاتبة حسناء القنيعير في جريدة الرياض بتاريخ 11/10/1428هـ، بعنوان (أمن أجل هذا تطرد المرأة من رحمة الله)، وتشير في مقالها إلى ما جاء النص بتحريمه من (الوشم- والوصل- والنمص و تفليج الأسنان). قرأت المقال جيداً، فتبين لي وجود نتيجة مسبقة لدى الكاتبة، قبل بحث المسالة والنظر فيها، وقد تشبثت بأسطر للكاتب يوسف أبا الخيل يقرر فيها أن حديث النهي عن ذلك موقوف على ابن مسعود وليس بمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم شرعت برد النص بالذوق والاستنتاج العقلي البسيط، وقد كان يجدر بها أن يكون لنصوص الشريعة في قلبها هيبة وتقدير.

وهنا أعقب على الدكتورة حسناء القنيعير في ثلاث نقاط وهي محاور استدلالها:
أولاً: ذكرت الكاتبة أن دليل النهي عن الوشم والنمص والتفليج والوصل حديث موقوف على ابن مسعود وهذا الأمر شيء جديد اكتشفه عبر القرون الخمسة عشر الأستاذ يوسف أبا الخيل ولم تكلف الدكتورة ولا الكاتب يوسف أبا الخيل نفسيهما عناء بحث المسألة إلا بالرجوع عبر محرك بحث موقع وزارة الشؤون الإسلامية وهذا في الحقيقة شيء مؤسف أن تكون المحرمات الشرعية تنسف من كتَاب وكاتبات، الأولى بهم الأمانة والصيانة للدين وتعظيمه.

إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الوشم والوصل والتفليج والنمص في أكثر من عشرة أحاديث صحيحة كالشمس، هذا على التسليم بأن حديث ابن مسعود موقوف فلا ظاهره يدل على ذلك ولا أحد من العلماء عبر القرون قال ذلك حتى البخاري ومسلم في صحيحهما.
فالنهي عن الوشم والوصل جاء في أحاديث كثيرة منها: حديث ابن عمر في صحيح البخاري ج5/ ص 2218 ومسلم 3/1676 عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة.

وجاء النهي عن الوشم في حديث أبي جحيفة في صحيح البخاري ج2 / ص 735 قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الواشمة والموشومة.
ومن حديث أبي هريرة قال: أتي عمر بامرأة تشم، فقام فقال: أنشدك بالله من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الوشم؟ فقال أبو هريرة: فقمت فقلت: يا أمير المؤمنين: أنا سمعته، قال: وما سمعت؟ قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: لا تشمن ولا تستوشمن ... رواه البخاري ج5/ ص 2219.

وجاء النهي عن الوصل في صحيح البخاري ج5/ ص 2218، ومسلم 3/1676 من حديث أسماء قالت: سالت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إن ابنتي أصابتها الحصبة فامرق شعرها وإني زوجتها، أفأصل فيه، فقال: لعن الله الواصلة والموصولة.

وجاء النهي عنه في صحيح البخاري، ج5/ ص 2218 عن ابن نسيب قال: قدم معاوية المدينة آخر قدمه قدمها فخطبنا فأخرج كبة من الشعر فقال: ما كنت أرى أحداً يفعل هذا غير اليهود، إن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور يعني الواصلة في الشعر.

وجاء النهي عن الوصل في صحيح مسلم ج3/ ص 1677 عن عائشة في سنن النسائي الكبرى ج5 /ص 426 عن أبي ريحانة وعن ابن عباس وعلي بن أبي طالب مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مصنف ابن أبي شيبة ج5 / ص201 وعن عائشة مرفوع في مسند إسحاق بن راهويه ج3 / ص781 وعن أبي هريرة عند ابن حبان في صحيحه 12/ص312.

وجاء النهي عن النمص عن عائشة في سنن النسائي الكبرى ج5 / ص 423 ومسند أحمد (6/257) قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة.
وفي سنن أبي داوود ج4/ ص 78 عن مجاهد بن جبر عن ابن عباس قال: لعنت الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة من غير داء.

وكذلك عن معاوية بن أبي سفيان وهو على المنبر بالمدينة يقول: أين فقهاؤكم يا أهل المدينة إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند منبره ينهى عن مثل هذه القصة ثم وضعها على رأسه فلم أرها على عروس ولا غيره أجمل منها على معاوية، يقول: لعن الله الواشمة والمستوشمة والمتنمصة والنامصة والواشرة والمستوشرة.

هذه أدلة كثيرة متوافرة وكثير منها في الصحيحين مرفوعة بلا تردد أو شك وهي معروفة وواضحة لمن أرادها ومن أدنى مراتب الأمانة الوقوف عليها عند الكلام على أحكام الشريعة.
ولو سكت الأخوان أبا الخيل والقنيعير لكان خيراً لهما لأن الأمر يتعلق بالدين والتشريع.
وكما قال الأولون: لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف.

ثانياً: بعد اعتماد الأخت القنيعير على بحثها العشوائي السريع للحديث بدأت تحلل هذا الاكتشاف وسلبياته وترد النهي وتلوم النفس والمفتين والكتاب لماذا لم يفكروا ويبحثوا قبل التحريم كما بحثت وحققت وبدأت ترد النهي عن المحرمات السابقة بالعقل المزعوم وذلك بقولها: (لقد أدت إشكالية عدم إعمال العقل في بعض الروايات إلى وضع الدين في قالب جامد). وقالت (لا يصدق عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يلعن امرأة لمجرد أنها أرادت أن تتجمل بزينة مباحة تجلب لها الرضا عن النفس) إلى غير ذلك.

أقول: إن تحليل النصوص بالعقل المجرد، أحدث كثيراً من الطوائف الإلحادية والشركية ابتداء بالمعتزلة وانتهاء بالصوفية، وإن ضرب النصوص وهدمها بالتحسين والتقبيح العقليين هو استمرار للطريقة التي رددتها الأمم والشعوب الجاهلية في وجه الأنبياء، ابتداء بقوم نوح إلى كفار قريش الذين ردوا بتحليلهم العقلي تحريم الربا وقالوا: "إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا" (البقرة: من الآية275) كما حكاه الله عنهم وأنكروا الإسراء والمعراج بالتحليل العقلي.

والله عز وجل ذكر عن نفسه أنه يحرم ما يشاء ولا يسأل عما يفعل لحكم وغايات نعلم بعضها ولا نعلم الآخر ولو جعلنا الشريعة للأذواق والتحسينات لأصبح لكل واحد استنتاج يضرب به الشريعة وتصبح الشريعة كلها محل خلاف، مع وجود النصوص.

ولقد ظهر في القرون المتقدمة من اتخذ هذا المنهج، وجعل من عقله حكما على الله سبحانه، وكأن الشريعة وضعت لتوافق الأهواء، ونسوا أن هناك جانباً مهماً في الشريعة كبيرا وهو التعبد والتسليم، واختبار الامتحان والامتثال، لهذا حرم الله على بني إسرائيل طيبات أحلت لهم، وحرم الله عليهم بعض اللحوم والشحوم.
وكذلك يحرم الله في شريعة نبي ما يحلله في شريعة آخر، اختباراً وامتحاناً، وهذا معلوم لمن له أدنى نظر في القرآن والسنة.

الاستنتاج العقلي والتحسين والتقبيح به، في مقابل النصوص الواضحة أظهر الإلحاد، ورد الأحكام صراحة، من ذلك ما أوصل أحد الشعراء باستنتاجه وتحكيم عقله إلى أن قال:


يد بخمس مئين عسجد وديت   ما بالها قطعت في ربع دينار

يعني كيف تكون دية اليد هي نصف دية الرجل، تقطعها بحد السرقة إذا سرقت ربع دينار، فرد عليه أحد العقلاء بقوله:

عز الأمانة أغلاها وأرخصها   ذل الخيانة فافهم حكمة الباري

ومن ذلك ما استنتجه عباد القبور والأوثان، حينما طافوا على أضرحة الصالحين والأولياء بتحليل عقلي، وذلك أن الله جعل حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة، بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: (لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن تستباح حرمة المسلم)، قالوا لما كان مشروع الطواف على الحجر الذي هو دون الإنسان المؤمن العادي تحريماً وتعظيماً، فكيف بالولي الصالح، فهو أولى بالطواف.

يجب أن نعلم أنه في حال ثبوت النص القاطع لا مجال للعقل إلا التسليم والإتباع، فهي صفة أهل الإيمان الحق، بقوله تعالى: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" (النساء:65).

ثالثاً: إن كثيراً من الحكم تغيب عنا، فيجب التسليم، ولا مجال للأقيسة والمقارنة مع النصوص، والكاتبة القنيعير، ساقت كثيراً من الأشياء التي جاء النص بلعن فاعلها في القرآن، وقارنتها بالوشم والنمص والوصل وجاءت بمفارقات، فأقول للأخت الكاتبة: الحكم لله، وقد عاقب أمة بالصيحة بذبح ناقة، فأهلكها عن بكرة أبيها وهم قوم صالح، وحرم على أمة بني إسرائيل اللحم والشحم وطيبات أحلت لغيرهم.
ليست العبرة هنا بنوع المحرم، وقدره، العبرة هل بلغنا النص أم لا؟ لأن الله يختبر ويبتلي ويوجب الامتثال.

وفي الختام، ظهر في وقتنا بعض المسلمين ممن تأثر بالطرح الغربي وأشبع منه، وأخذ يطالع مقالات المستشرقين والمستغربين، في نقد الشريعة، فأصبح ينظر في النصوص الإسلامية نظرة الريبة والنقص، ومن غير شعور، يقرأ بلا ثقة وبلا إيمان، حتى إذا ما وصل لشيء يوافق ما عليه عمل الناس أو الذوق النفسي ولو لشبهة بعيدة تشبث بها وفرح وبالغ في طرحها، تحت ستار التيسير والدين الوسط.
ولو جعل لنفسه نصيباً من قراءة الشريعة قرآناً وسنة وآثاراً وتأمل كلام الله وتفسيره لكان واثق الخطا مطمئن المسلك. والله الموفق.