حِكَم مشروعية زكاة الفطر
29 رمضان 1428

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
لا ريب أن الله تعالى لا يأمر بشيء إلا لحكمة عظيمة علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وأعظم هذه الحكم: تحقيق العبودية لله تعالى، والتقرب إليه بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه وزجر "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات:56).
ولقد اختصت زكاة الفطر بحكمتين عظيمتين ذكرهما حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: "فرض رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" رواه أبو داود، وسكت عنه هو والمنذري، ورواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، ورواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي، وحسنه الألباني.

الحكمة الأولى: تخص الصائم وهي أنها تطهره من اللغو والرفث:
وذلك الصيام الكامل هو الذي يصوم فيه اللسان والجوارح كما يصوم البطن، فلا يسمح الصائم للسانه ولا لأذنه ولا لعينه ولا ليده أو رجله أن تتلوث بما نهى الله عنه من قول أو فعل.
وحيث إنه قلما يَسلم الصائم من مقارفة شيء من ذلك بحكم الضعف البشري، جاءت هذه الزكاة في ختام الشهر بمثابة: الغسيل الذي يتطهر به من شاب صيامه أو جرحه أو كدَّر صفاءه، والحسنات يذهبن السيئات.

ولذلك شبَّه بعض الأئمة زكاة الفطر في الصيام بسجود السهو في الصلاة، قال وكيع بن الجراح: "زكاة الفطر لشهر رمضان كسجود السهو للصلاة تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة".
بمعنى أن زكاة الفطر تطهر الصائم من اللغو: (وهو ما لا فائدة فيه، وما لا يعنى، وما لا ينعقد عليه القلب من القول وقيل: الباطل).
وتطهره من الرفث: (والرفث في الأصل ما يتصل بالجماع مما يجري بين المرء وزوجه، ثم استعمل في كل كلام فاحش أو قبيح) كالمجون والسخف والغزل...

الحكمة الثانية: تتعلق بالمجتمع وإشاعة المحبة والمسرة بين أفراده لاسيما المساكين: فهي طعمة لهم.
ذلك أن اليوم يوم عيد وفرح وسرور – فإذا فرع الأغنياء بما رزقهم الله فرح الفقراء بهذه الهدايا والأعطيات من الأطعمة المحبوبة – حيث لن يفرح المسكين ويسر إذا رأى الموسرين يأكلون مما لذ وطاب وهو لا يجد قوت يومه.
فاقتضت حكمة الشارع أن يفرض له في هذا اليوم ما يسد أوده ويغنيه عن الحاجة وذل السؤال ويشعره بأن المجتمع لم يهمل أمره، ولم يهمشه، ولم ينسه، ولذا جاء في الحديث "أغنوهم عن طواف هذا اليوم" أخرجه البيهقي والدارقطني.

وكان من حكمة الشرع أيضاً تقليل مقدار الواجب، وإخراجه مما يسهل على الناس من غالب قوتهم، ليشترك أكبر عدد ممكن من الأئمة في هذه المساهمة الكريمة وهذا الإسعاف العاجل في هذه المناسبة المباركة.
والله تعالى أعلم وأحكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.