أنت هنا

جبر الكسر بعيد سعيد
28 رمضان 1428

تنكسر القلوب بمضي آخر أيام شهر رمضان.. تنهمر الدموع من مآقي المصلين، كلما سمعوا الكلمات الشهيرة من إمامهم في القنوت "اللهم اجبر كسرنا بانتهاء شهرنا"، لا يقوى الكبير والصغير أن يحبس دمعات تترقرق على خدود العابدين.. يشاء الله وتمضي سننه وتمر الأيام، "والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم"؛ فتنقضي أيام وليالي رمضان كالبرق كما عهدناها على الدوام، وتترك في النفس ما تترك من لوعة الفراق ولوم على التقصير مع ضيف العام الكريم، ويُقبل العيد المبارك فتتقارب القلوب وتتصل الأرحام وتسع الفرحة أمة الإسلام، سبحانك ربنا، بثثت في قلوب المسلمين السعادة من غير تقدير منهم ولا إرادة، فسبحان من أضحك وأبكى.
أما رأيتم الله يقدر للأحبة الفرحة في ساعة الفراق، فيمنحهم نعمة السلوان بهذا العيد السعيد من بعد فوات الشهر الفضيل، وتلك المنحة الربانية كثيراً ما تتكرر في حياتنا ولا نذكرها إلا قليلاً.. الفرحة حين تولد من رحم الألم، فلا تدع المرء نهباً للأحزان، ولا تكسر من همته للعبادة، كذا الله يفيض علينا بنعمائه في لحظات المحنة والألم، فتستحيل اللوعة فرحاً وطاقة على مواصلة الطريق والاستزادة من معين الإيمان في لحظة يستظل فيها المرء بواحة الأمل والبشر والسعادة.
لا بأس، الصوم جُنة، وعند الفطر فرحة، وما بينهما من ألم الفراق يَجبُر بعضَه سعادةٌ تلف ديار المسلمين وطرقاتهم.. كذلك، كان النبي صلى الله عليه وسلم في ألم فراق خديجة رضوان الله عليها ومساندة عمه وتكذيب ثقيف، فصيره الله فوق البراق يحلق فوق الدنيا بأتراحها وآلامها، يرتفع فوق مشكلاتها وأزماتها، ثم يعرج إلى سدرة المنتهى.. عندها جنة المأوى..
إن هذا المعنى متكرر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي تاريخ المسلمين، فالله لطيف بعباده، لا يجمع عليهم من الألم إلا ويفتح لهم من أبواب الخير والسعادة ما يسلي المؤمن ويذهب أحزانه، مما قد يراه العبد المؤمن أو لا يراه في علمه المحدود، ولو لم نره نحن لرآه العبد ذاته فيما لا ندركه وفيما يخبئه الله من قدره الحكيم.. "وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين.....إني آمنتم بربكم فاسمعون. قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين"..إنها الفرحة حين تولد من رحم الألم فيسبغها الله على عباده المؤمنين.
هكذا يذهب الشهر الفضيل ويعزينا الله باجتماع عظيم في الخلاء للمسلمين بالآلاف في كل مدينة وقرية.. يلبس الصغير والكبير الجديد اقتداء بسنة الحبيب، راسمين معنى فريد للعيد الذي يبدأ خطوة جديدة وثابة للأمة كلها بصفحة بيضاء صبغها الشهر الفضيل بنقائه وصفائه وإيمانه.
[] [] []
تقبل اللهم منا ومنكم صالح الأعمال..