الدعوة إلى توحيد الله وإصلاح المجتمع .. نظرات في وصايا قرآنية
15 رمضان 1428

لعل الخيط الرابط بين دعوة كافة الأنبياء والرسل إلى الله عز وجل أن دعوتهم إلى توحيده سبحانه تقترن بالدعوة الجلية الناصعة إلى الاستقامة على هديه والتشبث بالأخلاق الفاضلة، فكانت كل دعوة منهم إلى عبادة الله وحده مصاحبة للدعوة إلى إصلاح المجتمع وتنقيته من شوائب الأخلاق الفاسدة والسلوكات الذميمة وآفات المعاصي ومزالق الخطايا، وبذلك كانت دعوة عملية تجمع بين ركيزتين أساسيتين يقوم عليهما الدين: توحيد الخالق مع إصلاح المجتمع والاهتمام بقضاياه الحيوية.

التوحيد والإصلاح في سير الأنبياء
وبتفحص سير الأنبياء الكرام عليهم وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام، نجد أنهم ما فتئوا يدعون أقوامهم وأممهم ومجتمعاتهم للابتعاد عن الشرك به سبحانه وللأمر بتوحيده سبحانه وتعالى دون التفريط في إبراز الطريق إلى السلوكات القويمة وإصلاح ما شذ في المجتمع الإسلامي، وذلك في تناغم واضح وانسجام تام بين الدعوتين، فكل واحدة تفضي إلى الأخرى بالضرورة، وبينهما تلازم وتجاذب كاملان. فها هو نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام يدعو قومه للبراءة من الشرك وتوحيده عز وجل، وهو موقف سلوكي معتبر لم يقم به ابراهيم إلا لأن عقيدة التوحيد ملأت كيانه فدفعته إلى رغبته في إصلاح قومه من فظائع الشرك بالله تعالى الذي يقول في كتابه المبين:(قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم أنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنون بالله وحده) الممتحنة 4.

أما نبي الله لوط فقد استنكر ما كان قومه يقومون به من إتيان الذكور دون الإناث ومن منكرات أخرى لم تكن معروفة من قبل في أقوام أخرى، فدعا إلى وحدانية الله تعالى، وبتحقق شرط الوحدانية دعا النبي لوط قومه أيضا إلى التعالي عن تلك المعاصي المقيتة والرذائل الدنيئة لعل مجتمعهم يصلح ويستقيم بعد ترك اللواط الذي حرمه الله تعالى تحريما غليظا، غير أن جواب قومه له لم يكن في مستوى دعوة لوط وصبره وإخلاصه: (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتاتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) الأعراف 80 82.

ركيزتان وثيقتان
أما دعوة شعيب لقومه فقد دونها القرآن الكريم مدوية مجلجلة لا يغطيها غبش، فربط دعوته إلى توحيد الله تعالى ارتباطا وثيقا بندائه لقومه بأن يوفوا الكيل والميزان وعدم بخس الناس أشياءهم والابتعاد عن الإفساد في المجتمع، لأنها السبل الأكيدة لبلوغ الخير العميم للمجتمع، يقول جل وعلا في كتابه المنير:(وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم

فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين) الأعراف 22.
وكذلك الأمر بالنسبة لنبي الله هود حيث أقام دعوته إلى الله تعالى على توحيده سبحانه وواعظا إلى الأخلاق السوية التي تدعم هذا التوحيد وتتماشى معه في ظل نظام إيماني واضح المعالم متين الأركان:" إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ َاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ "(124 ـ 135 الشعراء).

وصالح أيضا دعا قومه إلى توحيد الله تعالى وذكرهم أنه هو من أمدهم بالنعم التي يتصرفون فيها ليل نهار، وذكرهم بالأمن الذي يرفلون فيه في حدائقهم وبيوتهم وقصورهم ومزارعهم ، فدعاهم إلى تقوى الله عز وجل مع الإصلاح في المجتمع والابتعاد كليا عن إفساده بشتى السبل والطرق الخبيثة، يقول تعالى:"أتتركون فيما ههنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنتحون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون" (الشعراء 146 ـ 152).

ويمكن قياس هذا المنوال على جميع أنبياء الله تعالى الآخرين مثل نبي الله موسى وعيسى، وآخرهم رسولنا الحبيب محمد _صلى الله عليه وسلم_، الذي بدأ دعوته المباركة في مكة المكرمة معتمدا فيها على دعوة الناس إلى توحيد رب العباد وترك عبادة الأصنام، ورافقت دعوته الجليلة هذه دعوة عظيمة إلى مكارم الأخلاق والبعد ما أمكن عن انحرافات المجتمع الجاهلي آنذاك مثل البغي وأكل أموال الناس بالباطل وقطع الرحم والزنا..

التوحيد والعمل الصالح
وتأتي سورة الأنعام لتضم عدة نصائح ووصايا تجمع بين الدعامتين معا: التوحيد وإصلاح المجتمع، فكانت الوصايا العشر في سورة الأنعام ناطقة بملامح هذه القاعدة التي دأب الأنبياء وبعدهم الدعاة والعلماء على اتباعها واقتفاء أثرها: إرشاد الناس إلى عبادة رب العباد بموازاة مع بيان الحق لهم في المعاملات اليومية خاصة في تلك التي يترتب عنها صلاح المجتمع أو فساده.

يقول الله تعالى في سورة الأنعام:(قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، ألا تشركوا به شيئا، وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون، ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا نكلف نفسا إلا وسعها، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذّكّرون، وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)..

*يقول الدكتور محمد عز الدين توفيق أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء إنها عشر وصايا إلهية جمعتها ثلاث آيات من سورة الأنعام: الأولى تأمر بتوحيد الله تعالى، والأخيرة تأمر بمتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبين الأولى والأخيرة وصايا ثمانية هي: الوصية بالوالدين والإحسان إليهما بدلا من عقوقهما، والوصية بالأولاد بالإنفاق عليهم والقيام بتربيتهم بدل قتلهم، والوصية باجتناب الفواحش الظاهرة والباطنة، والوصية باجتناب قتل من حرم الله تعالى قتله، والوصية بإنصاف اليتيم والإحسان إليه ودفع ما له إليه عندما يرشد، والوصية بالعدل في الوزن والكيل، والوصية بالعدل في الشهادة والقول ولو كان المشهود عليه قريبا، والوصية باحترام العهود والوفاء بها، ولقد جمعت هذه الوصايا بين الاعتقاد الصحيح والعمل الصالح وبدأت بالأساس الأول لدين الله تعالى وهو توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له، وانتهت بالأساس الثاني وهو عبادته بما شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله* (1).

الوصية الأولى: "ألا تشركوا به شيئا "
هي الوصية الأولى ضمن عشرة وصايا، والمقصود بها توحيده تعالى، وليس غريبا أن يبدأ الله تعالى وصاياه العظيمة بالنهي عن الإشراك به فهي أول وصية في دين الرسل، وهو أول ركن من أركان الإسلام.
إن الشرك بالله تعالى ظلم عظيم، وضلال مبين. ويتساءل د. عز الدين توفيق "هل هناك ظلم أعظم من أن يجعل الإنسان لربه نداً يعبده من دون الله، وهل هناك ضلال أبعد من أن يسوي العبد بين رب العالمين وبعض مخلوقاته، فينسب إليهم ما هو خاص به عز وجل، ويعتقد فيهم القدرة على النفع والضر، والإحياء والإماتة والعطاء والمنع، ويجعل لهم نفوذا في الكون، وقدرة على التدخل في شؤون الربوبية، فيدفعه ذلك إلى استرضائهم بأنواع من القربات والعبادات، التي لا تنبغي إلا لله وحده ؟! إن التوحيد يقوم على مقدمة واضحة وهي أن الخالق واحد وأن الرازق واحد فيكون المعبود واحداً. وهذه النجوم وهذه الشمس وهذا القمر، وهذه الغيوم وهذه البحار وهذه الأنهار والجبال وهذه الأشجار والدواب، وهؤلاء الناس، خلقهم رب واحد، فكيف يكون بعض هذه المخلوقات شريكا مع الله"؟ *(2).

الوصية الثانية والثالثة
والوصية الغالية الثانية هي الإحسان للوالدين التي جاءت مباشرة بعد النهي عن الشرك والدعوة إلى التوحيد، مما يجعل الدعوة إلى التوحيد مقترنة بالدعوة إلى حسن التعامل والأدب مع الوالدين وطاعتهما في المعروف.. وعلى هذا سارت دعوة الرسل كلهم ومن بعدهم دعوة العلماء والدعاة إلى يومنا هذا، وتلك هي الدعوة الحقيقية التي من شأنها أن تؤتي الثمار الطيبة الزكية .

وبعدها تأتي وصية ثالثة تتعلق بتحريم قتل الأولاد مخافة الفقر، وإذا كان قتلهم محرما فإن القيام عليهم بالنفقة والرعاية والتربية حتى يكبروا ويرشدوا أمر واجب. ويقول أهل العلم أن لفظة "الإملاق" لا تعني الفقر فحسب، بل حتى الأم التي تقتل وليدها خشية الفضيحة أو العار بسبب حمل ناتج عن سفاح فيمكن اعتباره أيضا إملاقا، وأيضا بالنسبة لمن يقتل ولده لأنه معاق ويثير لديه الحزن أو التضايق من نظرات الناس وتعليقاتهم أو من يقتل أبناءه بغية حرق قلب الزوجة أو غير ذلك من الوقائع الكثيرة.. كلها تدخل في الخوف من الإملاق.

الوصية الرابعة والخامسة
وتتوالى الوصايا التي تتبع الدعوة إلى التوحيد، فجاءت الوصية الرابعة متمثلة في الدعوة إلى اجتناب الفواحش الظاهرة والباطنة، فبتجنبها تصفى النفس الإنسانية أكثر وتسمو على سفاسف الأمور ورذائل السلوكات، فيتحقق التوحيد أكثر ويتجسد أفضل، ثم تأتي الوصية الخامسة المرتبطة بتحريم قتل النفس بغير حق، وهذه الوصية الإلهية تبين أن النفس البشرية معصومة الدم في الأصل، أما القتل بسبب حسد أو غل أو انتقام شخصي أو بسبب طيش أو قوة أو جبروت
فتلك كلها ليست أسباب مشروعة تبيح القتل الذي أوضح الخالق سبحانه وحده متى يتم القتل بالحق.

الوصية السادسة والسابعة
وحسن التعامل مع اليتيم هو محور الوصية السادسة، فبإغداق الحنان عليه والاهتمام بشؤونه يمكن تفادي الوقوع في شرور اجتماعية عديدة منها إلقاء اليتيم في براثين الانحراف بمخالطته رفاق السوء والمتسكعين والمنحرفين في الشوارع، حيث يجد بغيته هناك من حرية مزعومة وتحرر وشعور بالانطلاق. فالاهتمام باليتيم من صلب الإحسان المطلوب والذي يتفرع من توحيد الله تعالى، لأن الموحد الحق يرى في اليتيم صورة مصغرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يتيما فأحسن إليه ربه تعالى، فضلا عن التأسي به صلى الله عليه وسلم الذي كان يحث على كفالة اليتيم حتى أن كافله يكون في الجنة مع الرسول الكريم قريبا منه ، وهذا كرم كبير ما بعده كرم سوى النظر في وجه الله تعالى.

ثم سلوك آخر رفيع يدرجه الله تعالى ضمن هذه الوصايا الخالدة، ويتفرع من الدعوة إلى التوحيد ألا وهو الوفاء في الكيل والوزن، ذلك انه من علامات الصدق والعدل،وهي من صفات الرحمان تعالى، فمن كان متصفا بهما كان متصفا بإحدى صفات الله العلي القدير، والذي راقب الله في ميزانه وكيله ولا يغش المسلمين يعني أنه موحد لربه تمام التوحيد، يراقبه ويخشاه ولا يعبد طمعه أو رغبته في الربح، فيكون حب الله وخشيته أقوى من كل حب للربح أو الكيل المطفف. وهنا تظهر العلاقة جلية بين الدعوة إلى التوحيد والدعوة إلى إصلاح الأرض والمجتمع بالوفاء والعدل في الوزن والكيل بالقسط بين الناس في جميع أمور الحياة الدنيا لما فيه صلاح البلاد والعباد.

الوصية الثامنة والتاسعة
(وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)، تلك الوصية الثامنة، إنها الدعوة إلى العدل في القول؛ بعد أن أوصى الله بالعدل في الفعل في الوصية السابقة (الوفاء في الكيل والوزن)، و"الناس ـ يشرح محمد عز الدين توفيق ـ إذا استحضروا الظلم يستحضرون ظلم الفعل، وغالبا ما ينسون ظلم القول، وإذا قال أحدهم إن فلانا ظلم فلانا يتوقعون أنه ضربه أو سجنه أو أخذ ماله أو أخرجه من أرضه أو قتله أو اعتدى على عرضه مع أن الظلم بالقول مثل الظلم بالفعل وهو كثير، ورب كلمة ظالمة ينطق بها صاحب سلطة أو قوة تجر مظالم كثيرة، فالحاكم ينطق بالحكم قبل أن يجد طريقه إلى التنفيذ، وهكذا يبدأ الظلم قولا ويصير فعلا... وهذه الوصية الإلهية لا تخاطب القضاة وحدهم ولا تخاطب الشهود وحدهم، فالظلم في القول لا يكون في الأحكام والشهادات فحسب، بل يكون عند الشاهد والقاضي والأديب والشاعر والصحفي والمؤرخ والجار والصديق والزوج والزوجة والأستاذ والواعظ والطبيب والتاجر وغيرهم"* (3).
ثم الوصية التاسعة ترتبط بالوفاء في العهد، وله معنيان أساسيان في كتاب الله، الأول هو العهد الذي بين المسلم وربه حيث أنه عهد مرتكز على توحيده تعالى وعبادته حق العبادة كما هو مطلوب منه، دون إفراط ولا تفريط، والعهد الثاني هو مابين الفرد المسلم وباقي أفراد مجتمعه، حيث يقوم العهد في هذه الصورة على التعاملات سواء كانت مالية أو اجتماعية أو اقتصادية أو عهودا في الأقوال والالتزامات ..الخ، وكلها يؤمر بها المسلم أن يأتي بها ويحققها وينجزها ما
استطاع لذلك سبيلا، فيظهر لنا العلاقة بين العهدين، عهد التوحيد وعهد إصلاح العلاقات المجتمعية وصلاحها.

العاشرة
والوصية العاشرة ضمن سلسلة وصايا سورة الأنعام التي تجسد بحق العلاقة بين الدعوة إلى التوحيد مع الدعوة إلى مكارم الأخلاق وإصلاح المجتمع تلك الوصية التي تدعو إلى اتباع هدي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فكما بدأت الدعوة إلى توحيد الله والنهي عن الإشراك به سبحانه اختتمت الوصايا بالدعوة إلى اقتفاء نهج الرسول الكريم، وبينهما تلك الوصايا السابقة، إنه عقد فريد وجميل تضمه هذه السورة الكريمة: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)، فلو اتبع المسلم هذا الصراط المستقيم واتبع وصايا الله تعالى المذكورة لفلح ونجا بنفسه ولساهم في إصلاح أسرته ومحيطه ومجتمعه، كل يبادر إلى هذه النصائح يعمل بها فتكون النتائج طيبة وسارة بإذن الله تعالى.

طرق الدعوة لإصلاح المجتمع
إن أبلغ الطرق وأفضل السبل لتبليغ هذه الدعوة عبر مركزيها الأساسيين: التوحيد وإصلاح الأرض والمجتمع، هي تلك الدعوة المبنية على الرفق واللين في القول والعمل مع المدعوين، فالأنبياء كلهم نهجوا حسن الأدب في تبليغ دعوتهم والرحمة بأقوامهم رغم ما لاقوه أحيانا كثيرة من صد ونفور واتهامات وتنكيل وشتم وسب واستهزاء.. ورغم كل ذلك ما حادوا عن طريق الدعوة بالتي هي أحسن، والنموذج الناصع هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فنجده في جميع مواقفه متواضعا باسما حنونا يرجو الرحمة للعالمين، وليس غريبا عنه هذا فهو الرحمة المهداة لجميع الخلق، وعلى الدعاة اليوم تتبع هذا الأثر واقتفاء هذا السلوك الطيب الأبي.

يقول عالم المقاصد المغربي الدكتور أحمد الريسوني في هذا الباب: "الكلام المؤدب والخطاب المهذب مفتاح من مفاتيح النجاح في كافة المعاملات والعلاقات دعوية أو سياسية أو اجتماعية، بل إن حسن الخطاب ركن من أركان النجاح وركن من أركان الشخصية الناجحة، ولنتأمل كيف أن الله عز وجل قد جعل حسن القول مما يأخذ فيه العهد والميثاق على عباده: قال تعالى: "وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا"، قال القرطبي في تفسيره 16/2: "فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر والسني والمبتدع من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضى عن مذهبه لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: "فقولا له قولاً ليناً"، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون والفاجر ليس أخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه..".ويردف الريسوني بالقول إن الأخذ "بالتي هي أحسن" كما أمر الله في قوله: "وادفع بالتي هي أحسن"، في مجال الدعوة إلى الله وإلى دينه وشرعه هو بمثابة "كلمة السر" التي بها تفتح الأبواب بل تفتح القلوب والعقول وتنشرح الصدور والنفوس.

****************************************
(1) , (2) , (3) الدكتور محمد عز الدين توفيق ( حول وصايا الأنعام )