هل أعتقت رقبتك من النار؟!
6 رمضان 1428

نعم أخيا..
بعد عدة أيام من هذا الشهر المبارك شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن.
الشهر المسمى شهر العتق من النار.
لنا أن نسال هل أعتقت رقابنا من النار؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ).
رواه الترمذي (682) وابن ماجه (1642). وحسَّنه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" 759.

انظر أخي في أي ليلة أنت و يا ترى ما هو وضعك بعد هذه الليالي، هل سجلت عند الباري جل وعلا في سجل المعتقين من النار والذي أعطوا صكاً بالبراءة منها.

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ). رواه أحمد (21698)
وابن ماجه (1643). وصححه الشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه ".

أخي رعاك الله وجعلك من المعتقين في هذا الشهر الكريم
قبل أن تأخذك الظنون وتقول ومالي ولهذا أليس الله غفورٌ رحيم
ثم ما الذي ظهر مني وما الذي عملته حتى توجه لي هذا السؤال؟
ألا تراني أصلي وأصوم
بل وأقوم مع الإمام التراويح
ولست ولله الحمد ممن يفجر أو يفسق في هذا الشهر الكريم
ولست ممن يضيع أوقاته في القيل والقال وكثرة السؤال
ما لي ولهذا السؤال!!!!!
لماذا تحجر واسعاً؟؟؟!!!
أليست رحمة الله أوسع من غضبه وفي رواية سبقت غضبه؟
قلت لك: بلى.
رحمة الله واسعة وفضله عميم.
ولكنك إذا عرفت نفسك جيداً
ونظرت بعدل وإنصافٍ في حالها وماذا هي عليه لغيرت نظرتك وسؤالك البدهي.

و لكن ارعني سمعك قليلاً لبضع كلمات أقرأها عليك وبعد هذا فالحكم لك تحكم بما شئت
"بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ"

اعلم يا رعاك الله أن النار قريبةُ من الإنسان قرباً شديداً
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك". البخاري كتاب الرقاق حديث رقم 6123.

فانظر أخيا
إذا كانت الجنة قريبة فالنار مثل هذا والقسمة كما تراها ثنائية فعلى الأقل اجعل نصف اهتمامك النجاة من النار، خاصة أننا لا نملك ضماناً لا بدخول الجنة ولا بالنجاة من النار.
فإن قلت كيف تكون النار اقرب إلي وما الذي صدر مني أو بدر؟
أقول لك، خذ هذا المثال:
اخرج مسلمٌ من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر).

أتدري ما الكبر؟!!
الكبر عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث حيث قال رجلٌ للرسول صلى الله عليه وسلم عندما سمعه يقول هذا الحديث فقال: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال له صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس).
وكم من أناس نغمطهم ونظلمهم ونحتقرهم لا لشيء إلا لأنهم لم " يدخلوا مزاجنا"
فهذا "رفيق" والثاني "أبو ف..." والثالث وهكذا دواليك والله المستعان
و أما بطر الحق والأنفة من قبوله والمجادلة بالباطل فحدث ولا حرج والله المستعان.
وإذا لم ترُق لك تلك فهلا نظرت في حال الأولين وكيف تعاملوا مع هذه الحقيقة ألا وهي الخوف من النار والعمل على خلاص النفس منها.

أخي:
كان الصحابة الأطهار يسيرون على نفس المنهج ونفس الطريقة فهذا الخليفة الراشد المحدث الملهم عمر ابن الخطاب الذي بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ومع ذلك – اسمع – (لما طعن عمر جعل يألم فقال له بن عباس وكأنه يجزعه يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون قال أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإنما ذاك من من الله تعالى من به علي وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من من الله جل ذكره من به علي وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أره) البخاري.
فأين أنت من عمر رضي الله عنه هل بُشرت بالجنة ولو مناماً، هذا لو بالمنام لقلنا لك هي رؤية وهؤلاء في اليقظة ومع هذا لم يأمنوا وكأن النار لم تخلق إلا لهم.

و هذا المطهرة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمع إلى الموقفين التاليين، الأول: عقبة بن صهبان الحراني قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: (يا أم المؤمنين أرأيت قول الله عز وجل ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير فقالت عائشة رضي الله عنها: أما السابق فمن مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد له بالحياة والرزق، وأما المقتصد فمن ابتع آثارهم فعمل بأعمالهم حتى يلحق بهم، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك) المستدرك 3593.

أما الموقف الثاني: عن ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها:: (أنه استأذن لابن عباس على عائشة رضي الله عنها وهي تموت وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقال هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك فقالت دعني من ابن عباس ومن تزكيته فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن إنه قارىء لكتاب الله فقيه في دين الله فائذني له فليسلم عليك وليودعك، قالت: فائذن له إن شئت، قال: فأذن له، فدخل ابن عباس ثم سلم وجلس وقال: أبشري يا أم المؤمنين فوالله ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب ـ أو قال وصب ـ وتلقى الأحبة محمداً وحزبه ـ أو قال أصحابه ـ إلا أن تفارق روحك جسدك، فقالت: وأيضاً؟ فقال ابن عباس كنت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن يحب إلا طيباً وأنزل الله عز وجل براءتك من فوق سبع سموات فليس في الأرض مسجد إلا وهو يتلى فوق آناء الليل وآناء النهار وسقطت قلادتك بالأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها ـ أو قال: في طلبها ـ حتى أصبح القوم على غير ماء فأنزل الله عز وجل تيمموا صعيداً طيباً الآية فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سببك فوالله إنك لمباركة فقالت: دعني يا ابن عباس من هذا، فوالله لوددت أني كنت نسياً منسياً) المسند 3252.

وأما إذا جئت إلى سيد الخائفين وإمام الراجين إذا جئت إلى سيد الأولين والآخرين الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع هذا يقول عليه الصلاة والسلام بعد أن رأى النار: يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا) البخاري (الأيمان والنذور6256).
وكان عليه الصلاة والسلام إذا خطب عن الجنة والنار احمر وجهه كثيراً، واشتد غضبه وعلا صوته كأنه منذر جيش صبحهم ومساهم. مسلم (كتاب الجمعة 867)

و كان إذا سمع من بعض أصحابه كلمة فيها طمأنينة والثقة والجزم بالجنة يقول: - واسمع معي إلى هذا الكلام ممن يصدر – يقول عليه الصلاة والسلام: (و الله ما ادري – وأنا رسول الله ما يفعل بي) المسند (26911).

أخيا الحبيب:
يقول الله تعالى: "أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ".
ويقول: "إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ".
ويقول أيضا: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ".

أخي وإن من الحق ما قاله جلا وعلا: "وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا".
(كان عبد الله بن رواحة واضعاً رأسه في حجر امرأته فبكى فبكت امرأته فقال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت. قال: إني ذكرت قول الله عز وجل وإن منكم إلا واردها فلا أدري أننجوا منها أم لا؟.).
فهل تستطيع أن تقول أنك من المتقين فإن قلت ذلك فهذا الغرور بعينه وإن قلت لا فلم لا تعمل على فكاك نفسك

أما إذا سألت كيف أتقي النار؟!
فأول هذه الأمور أن تتعرف على صفتها وحالها وصفات من يدخلها وأن تتيقن أنك لست مبرأً من أن تدخلها فإن هذا سيولد عندك دافعاً قوياً إلى أن تبحث عن سبل النجاة منها.

ومما ينجي كذلك استجارتك إلى المولى جل وعلى بأن ينجيك منها، شعارك في هذا هو طريقة المؤمنين حقاً "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا"، وعند أحمد وابن ماجة من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما سأل أحد الله الجنة ثلاثا، إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ولا استجار رجل مسلم الله من النار ثلاثا إلا قالت النار قالت النار: اللهم أجره مني".

كذلك أخي أن تأتي بالأعمال التي ورد أنها تنجي من النار مثل عتق الرقبة، ومخافة الله، والصلاة قبل الظهر أربعاً، وبعده أربعاً.

بعد هذا كله أقول لك:
هل أعتقت رقبتك من النار؟!!