أنت هنا

رمضان وتقوية الصلة بالله
28 شعبان 1428
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فإن الإنسان يتكون من جسم وعقل وروح، والجسم غذاؤه الطعام والشراب، والعقل غذاؤه العلم والمعرفة، والروح غذاؤها الإيمان والتقوى.
فإذا حصل غذاء الروح قويت التقوى وارتفعت النفس وسمت بصاحبها، ووثقة الصلة بالله، وهذا الشهر المبارك فرصة لنقوّي الصلة بالله، ونثبت دعائمها، وذلك بتزويد الروح بزادها وغذائها، فنتعاهدها بمراقبة الله في السر والعلن، ونحثها على تقواه وخشيته وملازمة طاعته والحرص على رضاه.
علينا في هذا الشهر أن نكثر من الصوات وخاصة من قيام الليل، وأن نكثر من قراءة القرآن، وتدبر معانيه، والإيمان بمتشابهه والعمل بمحكمه.
علينا أن نصوم الصيام الشرعي بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب والجماع وعن كل فحش وسوء ومخالفة في دين الله، وكذلك التصدق على الفقراء والمساكين وتربية النفس على الجود والكرم والبذل والعطاء والقضاء على شح النفس.
يشرع لنا أيضاً في رمضان الاعتكاف وملازمة بيوت الله بالطاعة والقربى والعمل الصالح، وترك ملذات النساء والفراش والزهد فيها، والإقبال على الله عز وجل، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شدّ المئزر وأيقظ أهله.
ومن زاد الروح المشروع في هذا الشهر العمرة، فالعمرة في هذا الشهر تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن في العمرة تقوية للصلة بالله وتربية للروح التربية الإيمانية، إذ فيها ترك الأهل والمال والأوطان والذهاب إلى بيت الله الحرام، يصاحب ذلك إنفاق المال في سبيل الوصول إلى هناك، ثم العبادات البدنية كالطواف بالبيت العتيق، والقلبية كالخشوع في جنبات الحرم الشريف، ونحوهما كالدعاء والسعي بين الصفا والمروة وما يكتنف ذلك من تذكر لأنبياء الله السابقين الذين طافوا حول الكعبة وسعوا وذكروا الله كثيراً في ذلك المكان الطاهر، الأمر الذي يربطه بذلك الرهط الكريم فيستشعر بنسبه العريق وصلته القوية بهم، سلام الله عليهم أجمعين.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة" أو قال "حجة معي"(1).
إن مظاهر توثيق الصلة بين العبد وربه في رمضان عديدة، ومن أبرز مظاهر هذه الحقيقة ما يلي:
• الصيام، وإحساس المؤمن أنه يتعبد الله بإمساكه عن الطعام والشراب مما يذكره بالله ويحقق عبوديته.
• قراءة القرآن، ومعايشة كتاب الله ليلاً ونهاراً والتي ينبغي أن يستشعر معها المسلم خطاب الله له.
• قيام الليل وكثرة الصلاة والنوافل والبكاء بين يدي الله. وما يلحق بذلك من استشعار العبد خطابه لربه ووقوفه بين يديه.
• كثرة مجالس الذكر والاستماع إلى المواعظ والرقائق التي تسمو بروح الإنسان عن أوحال الدنيا وأعلاقها.
• العمرة في رمضان – لمن قدر على ذلك – وما فيها من منافع جمّة أشير إلى شيء منها.
• الاعتكاف، وهو خلوة إيمانية، عظيمة الأثر في النفس والسلوك، حيث ينقطع الإنسان عن الدنيا وملذاتها، ويخلص في جوانحه وجوارحه ومشاعره لله رب العالمين.
نسأل الله أن يوفقنا لاغتنام هذه الأيام المعدودة، وتزودوا منه عباد الله (فإن خير الزاد التقوى)، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

--------------------
1 - أخرجه البخاري رقم (1782) ومسلم رقم (1256).