فمن خلق الله؟

خرجت الكلمات من بين شفتيه ونظرة التحدي تقفز من بين عينيه، بينما عم الصمت المكان، نظرات الترقب تقافزت من عيون أقرانه الذين يعبدون الله على حرف، بينما تلعثمت الكلمات بين شفاه أقراني،
بينما وقفت فيهم متكلما...
فهل تسمحون لي؟
لا مانع ، تفضل
قال الله تبارك وتعالى في حديثه القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"... أتدرون لم؟
لأن الله سبحانه وتعالى رحمة بنا وهبنا في هذه الحياة الدنيا مقدرة محدودة من الرؤية والسمع والتفكير والعلم
كيف؟
أولاً: في الرؤية... لقد وهبنا الله رؤية انعكاسات الضوء من المنطقة الحمراء إلى البنفسجية والتي نطلق عليها ألوان الطيف، وهي الأحمر ، البرتقالي ، الأصفر ، الأخضر ، الأزرق ، النيلي ، والبنفسجي، فهل نرى بالعين المجردة انعكاسات الأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء؟
طبعا لا
هذا من رحمة الله بنا ، فلكم أن تتخيلوا لو أن الله ابتلانا برؤية هذه الانعكاسات ، أتدرون كيف ستكون حياتنا لا قدر الله؟
لما نعمنا بظلام الليل الذي نسكن فيه وننعم فيه بهذا النوم الهانئ، ولبقينا في ضوء كالنهار ليل نهار، و لما نعمنا بستر هذه الجدران التي تسترنا أو ستر هذه الملابس التي نستتر بها. بل والأكثر من هذا كنا ابتلينا برؤية ما بداخل أجسامنا من أحشاء وعظام كما يراها الأطباء بهذه الأجهزة الطبية المتخصصة، ولذلك عندما سأل موسى عليه السلام رب العالمين أن يراه كما أخبرنا بهذا القرآن الكريم: "وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ، قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِين".
أما فيما بعد حياتنا الدنيا ستتغير رؤيتنا كما أخبرنا القرآن الكريم بهذا في سورة (ق): "لقد كنت في غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد"... كذلك قال عز وجل: "وجوهٌ يَومئذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرة".
هذا من ناحية النظر فما بال السمع؟
كذلك "ولا أذن سمعت"
فلقد وهبنا الله منطقة معينة نسمع خلالها فلا نسمع أقل منها ولا أعلى منها. تخيل لو أننا كنا نسمع غير هذه الطبقة البسيطة لما نعمنا بهذا الهدوء الذي يتيح لنا التفكر والتدبر أو نعمة النوم. تخيل لو كنا نسمع صوت انفجارات النجوم الرهيب الذي حدث من مليارات السنين والذي يصلنا الآن. أو لو كنا نسمع دقات قلوبنا أو تقلص أمعائنا. أو كنا نسمع مثلا دبيب جيوش النمل المتواصل للبحث عن الرزق وصراع الحشرات من أجل البقاء.
أو تسبيح الأشياء من مقاعد وطاولات وأسقف وجدران وشجر وحجر فكما قال تعالى في سورة الإسراء:
"تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا".
ولكن الله عز وجل خص بعض عباده بهذه الخاصية مثل سليمان عليه السلام كما أخبرنا القرآن الكريم في سورة النمل: "حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين".

فما بال ( ولا خطر على قلب بشر ) أيها الفيلسوف؟؟؟
كذلك وهبنا الله تعالى منطقة محدودة من التفكير والعلم، فلقد قال سبحانه وتعالى: "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً". فعلمنا وتفكيرنا وعقولنا محدودة أيضا.
لكم أن تتخيلوا...
الروح التي هي من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، لا نقدر ولا نستطيع أن ندرك ماهيتها وكينونتها، فما بالكم بخالق الروح جل شأنه وتعالى علوا كبيرا؟!
و لقد أخبرنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه عن هذا حيث قال : "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله، وَلْيَنْتَهِ".