أنت هنا

أغراض السياحة وتأثيرها في مشروعيتها
25 جمادى الثانية 1428

أولاً: أغراض السياحة.(*)
للسياحة أغراض متعددة ومتنوعة ومن أهم وأبرز أغراض السياحة في هذا العصر ما يلي:
1 – الترفيه والتسلية والنزهة:
وهذه السياحة الترفيهية هي الغالب في إطلاق السياحة في عصرنا الحاضر وهي أكبر أنواع السياحة أهمية وانتشاراً، وأهم عناصر الجذب السياحي، وقد أصبحت من الحاجات الاجتماعية الضرورية في العصر الحاضر نتيجة للحياة العصرية السريعة الإيقاع والمليئة بالضغوط المختلفة.
وهذا النوع من السياحة يشمل عدداً من الأنشطة الترويحية كزيارة المنتزهات والتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة وممارسة الرياضات المتنوعة كالصيد والسباحة والتزحلق على الجليد وصعود الجبال وحضور المنافسات والدورات الرياضية والمهرجانات الشعبية والغنائية والثقافية والتسوق ومدن الألعاب وحدائق الحيوانات والمتاحف والأماكن التاريخية والمسارح وصالات السينما.
وغيرها من الأنشطة التي تحقق قدراً كبيراً من المتعة والبهجة للسائح(1).
2 – زيارة الأقارب والأصحاب:
للمحافظة على العلاقات الاجتماعية الوثيقة وتسلية النفوس برؤية الأحباب في الأفراح والأتراح وغيرها.
وتسمى بالسياحة الاجتماعية(2).
3 – السياسة والاقتصاد:
ويشمل هذا السياحة الرسمية التي يقوم بها أشخاص ووفود رسمية للمشاركة في محادثات أو احتفالات أو معارض دولية(3).
وكذا السياحة التجارية التي يقوم بها رجال الأعمال لأداء مهام تجارية وحضور المعارض الدولية وقد تطورت السياحة الاقتصادية أو التجارية في هذا العصر تبعاً لنمو العلاقات الاقتصادية الدولية والتوسع في الاستثمارات الضخمة والمشاريع الدولية وتشير الإحصائيات إلى أن هذه السياحة تشكل 20% من إجمالي حركة السياحة الدولية(4).
وهذا النوع والغرض عرف منذ القدم وجاء ذكره في سورة قريش كما تقدم.
4 – العلاج:
فقد تكون السياحة بغرض الحاجة إلى العلاج الجسمي والنفسي وتغيير البيئة ومراجعة المراكز الطبية المتخصصة وقصد بعض الأماكن الطبيعية التي يقصدها الناس للاستشفاء بمياهها أو نقاء جوها ونحو ذلك(5).
وكما أن السفر يكون لطلب العلاج إلا أنه قد يكون شفاء بذاته لما فيه من الرياضة ولا يتعارض مع حديث: "السفر قطعة من العذاب" كما تقدم بيان ذلك، ولذا قال الشافعي:
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه وانصب فغن لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده إن ساح طاب وإن يجر لم يطب(6)
وهذه السياحة معروفة منذ القدم، وقد تفنن الرومان في بناء الحمامات العلاجية وازدهرت(7) هذه السياحة في هذا العصر وصممت فنادق السياحة العلاجية بشكل خاص لهذا الغرض حيث تشمل مصحات تحتوي على ينابيع للمياه المعدنية الحارة والباردة وقاعات للتمارين الرياضية كما تستغل وسائل أخرى للعلاج كطبيعة الجو وخصائصه أو الماء (كالعيون الحارة والمياه المعدنية) أو الرمل (كالدفن فيه للعلاج) أو الكهوف ذات الأبخرة الغازية وغير ذلك، والسائح هنا إما أن يكون مريضاً، أو يريد النقاهة وإراحة أعصابه وجسمه من التعب ونصب الحياة ومشاكلها(8).
5 – تغيير البيئة:
وهو ما يسمى بالسياحة البيئية طلباً للمناخ المعتدل والأجواء الجميلة والبيئة النقية الصحية وهرباً من شدة الحرارة أو شدة البرودة أو أماكن انتشار الأمراض والأوبئة(9) وتقدمت الإشارة إلى هذه السياحة في سورة قريش.
6 – الاستكشاف والاستطلاع:
ويشمل استكشاف الكنوز والآثار والأماكن والكائنات الحية وثقافات الأمم الأخرى والتعرف على ملامحها وتراثها وآثارها وقيمها وتاريخها عموماً(10).
7 – العبادة:
والسياحة بغرض العبادة تعرف بالسياحة الدينية.
وفي هذه التسمية نظر فإنها مستلة من مصطلحات السياحة الغربية التي صنفت السياحة لعدة أنواع منها الدينية وذلك ناشئ عن رواسب فكرية وعقدية وفيه إشارة إلى منهجهم في فصل الدين عن الحياة، والمسلم يمتثل شرع الله عز وجل في كل أعماله وعاداته كما قال سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162).
وليس في الإسلام ما يسمى بالسياحة الدينية التي تتخذ عبادة في ذاتها إذ لا رهبانية في الإسلام وليس هناك انقطاع للعبادة ورهبنة وسياحة في الأرض غير هادفة كما أنه لا يعظم ولا يقدس غير ما عظمه الله وقدسه، والآثار القديمة والمزارات والمشاهد التي يعظمها الناس اليوم ليست مما يعظم ومن ثم فالنظرة إليها كالنظرة إلى غيرها من المعالم السياحية الأخرى، ومن الخطأ أن نسمي زيارتها بالسياحة الدينية.
وذهب البعض إلى أنه لا يليق إطلاق اسم (سائح) على الحجاج والمعتمرين نظراً لاشتهار وغلبة الترفيه واللهو على السياحة المعاصرة فلا علاقة بين عمل السائح فيها وعمل الحاج والمعتمر؛ لأن عمل السائح في الغالب مجرد عادة دنيوية وتلك عبادات فالأليق بهم هو لفظ (وفد الله) و(ضيوف الرحمن).
ولا مشاحة في الاصطلاح لكن المراد بيان وجهة من فضل عدم إطلاق هذه الألفاظ على الأغراض الدينية التعبدية في السياحة لغلبة غرض اللهو والترفيه عليها في هذا العصر وهو رأي له وجاهته وحظه من الاعتبار(12).
وتتمثل هذه السياحة في زيارة الأماكن الدينية المقدسة كالمساجد الثلاثة وغيرها من المساجد الإسلامية والمشاهد والقبور والآثار الدينية تعظيماً لها وطلباً للثواب في زيارتها أو للاطلاع والتعرف والتأمل في آثار السابقين وتراث الأمة الإسلامية(13).
ويدخل في السياحة الدينية السياحة لأداء مناسك الحج والعمرة(13) وكذلك سياحة التفكر والتبصر في آيات الله وبديع خلقه وإحكامه لنظام الكون وهذا من أعظم العبادات كما تقدم، ولذا قال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20).
8 – طلب العلم:
ومنه النافع والضار، والنافع منه ما هو من علوم الدين أو الدنيا والسياحة لطلب العلم النافع من العبادات العظيمة إذا حسنت نية صاحبه، والناظر في سير أعلام المسلمين يجدهم قد رحلوا إلى الأقطار في طلب العلم وجمعه في كل الفنون(14).
وقد تقدم أن معاني السياحة في القرآن الكريم: طلب العلم، والرحلة فيه، ومما ورد في الحث على ذلك قوله سبحانه: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ.. الآية) (التوبة: من الآية122).
وقد ذهب موسى - عليه السلام – إلى الخضر – عليه السلام – وقال: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) (الكهف: من الآية66).
ومن هنا قال العلماء: "من لم تكن له رِحْلة لا يكون رُحَلَةً"(15).
أي: أن من لا يرحل لطلب العلم والسياحة في الأرض لأجله فيبعد تأهله ليُرْحَلَ إليه.
ومن فوائد هذه السياحة: التمكن من الجوانب العلمية فالبيئة إذا تغيرت حررته من سيطرة المألوفات فيتبع فهمه وإدراكه.
وكذلك نشر ما حصله من العلوم واتساع ثقافته العامة لاحتكاكه بالناس واطلاعه على مختلف عاداتهم وثقافاتهم فيكون صاحب خبرات وتجارب وإلمام بالأحكام وحسن تنزيل لها على مختلف الوقائع والأشخاص(16).
وكثير من المفسدين تكون سياحته لطلب العلم الضار بعقله ودينه وأمته وتقاليده من علوم إلحادية وتغريبية ومبادئ هدامة وعقائد منحرفة وآراء مضللة(17).
وهذا النوع من السياحة يدخل فيه ما يعرف بالسياحة الثقافية للمشاركة في الندوات والمؤتمرات الثقافية وتثقيف النفس بحضارات الآخرين وقيمهم والتعرف عليها وهي سياحة تفاعلية من خلال التعرف على ثقافات الآخرين والتعريف بثقافات أمته(18).
وهذه السياحة ذات طبيعة ذهنية يستهدف السائح من خلالها التعرف على أشياء جديدة عن الشعوب التاريخية وآثارها وحضارتها، وفيها استكشاف واستطلاع كما تقدم إلا أنه هنا متبادل، كما أن هذه السياحة فيها نوع من المتعة والترفيه لكنه ليس المقصد الأساسي منها، وتقدمت الإشارة إلى أن الدراسة ليست من أغراض السياحة بمفهومها العصري، لكن طلب العلم وحصول المعرفة لا يقتصر على الدراسة وهو أمر متحقق في كل سياحة غالباً؛ حيث يطلع السائح على تاريخ وحضارات الأمم وعلومها وآثارها مما يوسع دائرة معارفه، ومن هنا جاء ربط الآثار بالسياحة، ومن الجدير بالذكر أن السياحة الثقافية المرتبطة بالمعالم الأثرية والحضارية لا يقبل عليها السائح غالباً إلا مرة واحدة ومعدل بقائه فيها قصير (بحدود 3-5أيام)(19).

ثانياً: تأثير هذه الأغراض في مشروعية السياحة:
تقدمت الإشارة إلى بيان مشروعية السياحة وأن الأصل فيها هو الإباحة، ولكن ليس كل أفراد جنس السياحة مباح بل يتفاوت ذلك بحسب الغرض من السياحة والموازنة بين المصالح والمفاسد فيها.
وإذا كانت السياحة بمفهومها اللغوي تشمل مطلق التنقل في الأرض لأي غرض فإن أغراض السياحة متنوعة متعددة وقد يغلب بعضها على مفهوم السياحة وذلك باختلاف الأشخاص والأزمان والأمكنة فتكون بعض الأمور من أغراض السياحة في زمن دون غيره وهكذا.
ولهذه الأغراض أثر بالغ في تفاوت الحكم الشرعي للسياحة وتغيره من الإباحة إلى الندب أو الكراهة أو التحريم أو الوجوب فتدور عليها الأحكام التكليفية بحسب الغرض منها كما في الحديث: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"(20).
فتكون السياحة مباحة:
وهو الأصل كما تقدم كالسياحة للنزهة والترفيه البريء النقي من أجل الاستجمام والراحة وطلب الأنس والترويح عن النفس وكذلك السياحة لزيارة الأصدقاء والأقارب للتسلي برؤيتهم والأنس بصحبتهم وكذا السياحة لإنجاز الأعمال والمهام واستثمار الأموال طلباً للربح والغنى والنماء دون تكبر وعلو وأكل للحرام، وكذا السياحة للعلاج والنقاهة وتغيير البيئة وطلب الراحة بذلك، فالتداوي حق وهو فعل الأنبياء – عليهم السلام – وعلل الأجساد تعالج حتى تُرَد إلى الهيئة التي كانت عليها ولوا ذلك لأهملت الأدوية ولم يخلقها الله عبثاً(21).
ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء"(22).
وقال الأعراب: يا رسول الله ألا نتداوى، فقال: "نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاء"، أو قال: "دواء" الحديث(23).
وقال صلى الله عليه وسلم: : "احرص على ما ينفعك واستعن بالله"(24)، والسفر لطلب العلاج تحقيق لذلك، وفيه تقوية للمؤمن على العبادة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم العرنيين لما اجتووا في المدينة بالخروج إلى الأرض النزهة والتداوي بألبان الإبل وأبوالها ففعلوا فصلحت أبدانهم(25).
وقد تكون السياحة العلاجية إلى مكة للاستشفاء بماء زمزم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه وقد أقام بين الكعبة وأستارها ثلاثين ما بين يوم وليلة ليس له طعام غيره: "إنها مباركة إنها طعام طعم وشفاء سقم"(26).
وقد تكون هذه السياحة إلى الينابيع والعيون المعدنية وهي داخلة في قوله سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء: من الآية30)، وقوله لأيوب بعد ابتلائه بالمرض: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) (صّ:42).
وقد تكون هذه السياحة بقصد الأمكنة الرحيبة ليجول النظر في ملكوت السماء والأرض جولاناً يورث الارتياح للأعصاب والبهجة للنفس والسرور للقلب وإزالة الهموم والكدر الذي يمرض الجسم(27).
وقد ذُكر أن الأطباء رَغّبوا مَنْ كَلَّ بَصَرُه بإدامة النظر إلى الخضرة، وقيل في لون السماء: "تأمل ما وضعت عليه السماء من هذا اللون الذي هو أحسن الألوان وأشدها موافقة للبصر وتقوية له"(28).
وهذا من الحكم العظيمة التي أرشدنا المولى سبحانه لاستنباطها بقوله: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) (قّ:6)، فالنظر إليها علاج لأمراض القلب ووساوسه وهمومه والجسد وآفاته وكلل بصره.
وكذا السياحة للاستكشاف والاستطلاع والتعرف على الثقافات والكائنات والأماكن والآثار وتأملها ودراسة تاريخها فكل ذلك على أصل الإباحة، وهذه السياحة قد تكون حاجية أو تحسينية كما تقدم.
وتكون السياحة مكروهة:
إذا غلب عليها الانغماس في الملذات والشهوات المباحة لما في ذلك من تشاغل عن العبادة والطاعة وتقسية القلوب وإضاعة للأوقات وكذا إذا اشتملت على مفاسد لا تصل بها إلى التحريم أو ترتب عليها التفريط في الطاعات والتكاسل عنها ونحو ذلك.
وقد تكون السياحة مندوبة:
إذا كان الغرض منها النزهة المباحة وتغيير البيئة والترفيه البريء الخالي من المنكرات والمفاسد للتقوي بذلك على عبادة الله وإيناس الأهل وإدخال الفرح والبهجة إلى قلوبهم وإراحتهم من عناء الدراسة والعمل وتقدم تقرير مشروعية ذلك وأن الأصل إباحته ونية التقوي على العبادة وبر الأهل والوالدين بالإيناس ترتقي به إلى الندب والاستحباب كما تقدم.
وكذا إذا كان الغرض من السياحة زيارة الأقارب والأصحاب وصلة الأرحام طلباً للثواب فإنها تكون مندوبة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "زار رجل أخاً له في قرية فأرصد الله ملكاً على مَدْرجته، فقال: أين تريد؟ فقال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك من نعمة تَرُدُّهَا عليه؟ قال: لا غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه"(29)، وفي الحديث: "صلوا الأرحام تدخلوا الجنة بسلام"(30).
وكذا إذا كان الغرض من السياحة زيارة المساجد الثلاثة وأداء مناسك حج النفل والعمرة، وطلب العلم النافع غير المتعين بنية حسنة، والتفكر والتدبر والاتعاظ، والدعوة إلى الله، وتعليم الغير الخير وتعريفهم بعادات الأمة الإسلامية وتقاليدها ومبادئها السمحة، وتصحيح التصورات الخاطئة عنها، أو لطلب الرزق الحلال فإنها تكون مندوبة لما فيها من المصالح والفوائد الدنيوية والأخروية.
كما تحرم السياحة إذا ترتب عليها مفسدة راجحة أو إضرار بالأهل أو الغير أو ارتكاب للمحرمات أو تضييع لحقوق أو واجبات ونحو ذلك.
فإذا علم السائح أو غلب على ظنه أنه سيتركب في سياحته محظوراً أو سيترتب عليها ضرراً أو منكراً أو إضاعة للواجبات والحقوق ونحو ذلك من المفاسد فإن سياحته محظورة عندئذٍ، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإذا كانت سياحته طريقاً أو ذريعة للفساد والإسراف وإضاعة الواجبات ونحو ذلك فإن ما يؤدي إلى محظور محظور مثله، وقد قررت الشريعة سد الذرائع.
وإذا كان في السياحة ضرر على السائح في نفسه أو دينه أو عقله أو ماله أو عرضه فإن الضرر يزال بإزالة سببه وطريقه وهو السياحة.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا أشكل على الناظر أو السالك حكم شيء هل هو الإباحة أو التحريم فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته، فإن كان مشتملاً على مفسدة راجحة ظاهرة فإنه يستحيل على الشارع الأمر به أو إباحته بل يقطع أن الشرع يحرمه لا سيما إذا كان مفضياً إلى ما يبغضه الله ورسوله"(31).
وقد تكون السياحة واجبة:
إذا كانت لأداء فريضة الحج، أو طلب علم نافع متعين، أو طلب الرزق الحلال إن تعذر بأرضه، أو كانت لأداء عمل يلزمه أداؤه ونحو ذلك من الواجبات تقريراً لقاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وأوجب بعض العلماء سياحة التفكر والاتعاظ(32) لعموم قوله سبحانه: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) (الأنعام: من الآية11) فهو وإن كان الغرض منه الدلالة على صدق ما قبلها من الآيات الناطقة بما حل من عقاب الله بالساخرين والمستهزئين برسل الله والخطاب فيه للمشركين المكذبين ليعتبروا قبلهم إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب(33).
والصواب ما قرره أكثر المفسرين من أن الأمر للإباحة لا للوجوب لأنه لم ينقل عن أحد من أهل العلم تأثيم من لم يسر في الأرض للعظة والاعتبار ولأن الخطاب في الآية موجه للمشركين المكذبين للغرض السابق ذكره وهو كافٍ في صرف الأمر عن الوجوب إلى الندب(34).

____________________
(*)مادة البحث استفيد من كتاب السياحة في الاسلام لعبد الله الخضيري
(1) ينظر: أثر السياحة على اقتصاديات المملكة العربية السعودية، ناصر الطيار، ص(38 وما بعدها)، وصناعة السياحة والسفر، خلود الخطيب ص(116)، السياحة والتنزه البيئي، إبراهيم الأحيدب، ص(15)، والموسوعة العربية العالمية، (13/213)، ومبادئ السفر والسياحة لمثنى الحوري وإسماعيل الدباغ ص(84، 89)، وأصول صناعة السياحة، حميد الطائي، (188)، وصناعة السياحة، للزوكة ص(107 وما بعدها)، بتصرف.
(2) ينظر: أثر السياحة على اقتصاديات المملكة، ناصر الطيار، ص(39)، وصناعة السياحة، للزوكة ص(107 وما بعدها)، بتصرف.
(3) ينظر: أثر السياحة على اقتصاديات المملكة، ناصر الطيار ص(40)، ومقال بعنوان: نحو مفهوم أعمق وأشمل للسياحة، د. عبد الله الطريقي، جريدة الجزيرة، العدد (10100)، وأصول صناعة السياحة، حميد الطائي، ص(188)، وصناعة السياحة، للزوكي ص(107 وما بعدها)، بتصرف.
(4) ينظر: مبادئ السفر والسياحة، لمثنى الحوري وإسماعيل الدباغ ص(88)، بتصرف.
(5) ينظر: أثر السياحة على اقتصاديات المملكة، ناصر الطيار ص(40)، وأصول صناعة السياحة، حميد الطائي، ص(188)، وصناعة السياحة، للزوكة ص(107 وما بعدها)، بتصرف.
(6) ديوان الشافعي، ص(26).
(7) ينظر: مبادئ السفر والسياحة لمثنى الحوري والدباغ، ص (85-86)، بتصرف.
(8) المصدر السابق.
(9) ينظر: المصدر السابق، والسياحة والتنزه البيئي، الأحيدب، ص(15 وما بعدها)، بتصرف.
(10) ينظر: صناعة السياحة والسفر، خلود الخطيب ص(115)، وأصول صناعة السياحة، حميد الطائي، ص(188)، وصناعة السياحة، للزوكة ص(107 وما بعدها)، بتصرف.
(11) ينظر: الدعوة إلى الله تعالى في المواقع السياحية، د. علي الأحمد، ص (152)، ونحو مفهوم أعمق وأشمل للسياحة، مقال د. عبد الله الطريقي في جريدة الجزيرة، الأربعاء 20/2/1421هـ، العدد (10100)، بتصرف.
(12) ينظر: أثر السياحة على اقتصاديات المملكة، ناصر الطيار ص(41)، ومبادئ السفر والسياحة لمثنى الحوري والدباغ ص (87)، وصناعة السياحة، للزوكة ص(107 وما بعدها)، بتصرف.
(13) ينظر: المصادر السابقة.
(14) للفائدة: ينظر: جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر.
(15) شرح صحيح مسلم، للنووي (2/51).
(16) ينظر: الدعوة إلى الله تعالى في المواقع السياحية، للأحمد، ص 165 وما بعدها، بتصرف.
(17) للفائدة: ينظر: خطر الابتعاث في كتاب المجموع المرتضى، للشيخ إبراهيم الحديثي ص(20).
(18) ينظر: صناعة السياحة والسفر، خلود الخطيب ص(116)، ومبادئ السفر والسياحة لمثنى الحوري والدباغ ص(83)، وأصول صناعة السياحة، حميد الطائي، ص(188)، وصناعة السياحة، للزوكة ص(107 وما بعدها)، بتصرف.
(19) ينظر: مبادئ السفر والسياحة لمثنى الحوري والدباغ ص (84)، بتصرف.
(20) تقدم تخريجه، وينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، (25/26).
(21) ينظر: نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، للترمذي (1/44).
(22) أخرجه البخاري، في كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء... الحديث، برقم (5678).
(23) أخرجه أبو داود، في كتاب الطب، باب في الرجل يتداوى، رقم (3855)، والترمذي، في كتاب الطب، باب ما جاء في الدواء والحث عليه، برقم (2081)، وقال: حسن صحيح.
(24) أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب الإيمان بالقدر، رقم (6774).
(25) اجتووا: أصابهم الجوى وهو المرض، تقول: اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيها وإن كنت في نعمة لوقوع الضرر بك بسبب الإقامة بها. ينظر: النهاية لابن الجزري (1/318). والحديث أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب المحاربين، برقم (6802).
(26) أخرجه مسلم، في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي ذر، برقم (6359)، بدون لفظ: "وشفاء سقم" وهو عند الطيالسي في مسنده ص(61)، رقم (457).
(27) ينظر: الدعوة إلى الله تعالى في المواقع السياحية، علي الأحمد، ص(172 وما بعدها)، بتصرف.
(28) مفتاح دار السعادة، لابن القيم (1/207).
(29) رواه مسلم، كتاب البر والصلة، باب في فضل الحب في الله ص (1127)، رقم (2567)، والبخاري، الأدب المفرد، باب فضل الزيارة ص (82)، رقم (354).
(30) رواه ابن ماجه، في كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في قيام الليل، ص (2555)، رقم (1334)، والترمذي، في كتاب الأطعمة، باب ما جاء في فضل إطعام الطعام، وقال: حديث حسن صحيح ص (1840)، رقم (1855)، والبيهقي في سننه، باب الترغيب في فضل العشاء (2/502)، والدارمي، في فضل صلاة الليل (1/405).
(31) القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية، عبد السلام الحصين (1/165).
(32) كالشيخ محمد رشيد رضا في المنار (8/290)، بواسطة أحكام السياحة، لهاشم ناقور، ص(41).
(33) المصدر السابق، بتصرف.
(34) المصدر السابق، بتصرف.