التطهير بالبخار (2)
24 جمادى الثانية 1428
أ. د. عبدالله بن عبد الواحد الخميس

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المبحث الثاني: التطهير بالمائعات:
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: التعريف بالمائعات المطهرة وأنواعها:
المائع في اللغة بمعنى الذائب والسائل يقال: ماع الماء والدم والسراب ونحوه جرى على وجه الأرض جرياً، وهو في السراب مجاز(1)، والميع مصدر قولك ماع السمن يميع أي ذاب(2)، ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إذا وقعت الفأر في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه"(3).
قوله: "إن كان مائعاً" أي ذائباً، ومنه سميت الميعة لأنها سائلة(4).
وقال عطاء في تفسير الويل "الويل وادٍ في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت من شدة الحر"(5).
والميعة: سيلان الشيء المصبوب، والميعة والمائعة ضرب من العطر، والميعة: صمغ يسيل من شجر ببلاد الروم يؤخذ فيطبخ، وتميّع تسيّل، وأمعته إماعة أسلته إسالة(6).
والإماعة: تحويل جامد إلى سائل أو غاز(7).
ولا يختلف المعنى اللغوي عن المعنى الاصطلاحي؛ فالمائعات يراد بها الأشياء السائلة مثل السمن، والعصير، والمطهرات المستحدثة، والصابون السائل، ونحو ذلك كما يعد الماء من المائعات.
ويمكن أن أقسم المائعات المطهرة إلى الأنواع الآتية:
1 – المياه.
2 – الأغذية المائعة من غير الماء وذلك مثل السمن، والودك، والعصير، ونحو ذلك.
3 – المواد البترولية مثل البنزين، والكيروسين، والديزل، ونحو ذلك.
4 – المطهرات المائعة المستحدثة مثل الصابون السائل، والمواد الكيميائية والكلوركس، والبروكلين، ونحو ذلك.

المطلب الثاني: ما اتفق على التطهير به من المائعات:
اتفق العلماء على أن الماء الطهور تزول به النجاسة، وقد نقل الإجماع على ذلك جمع من العلماء منهم ابن سريج(8) وابن المنذر(9) وابن حزم(10) وأبو الخطاب الكلوذاني(11) والكاساني(12) وابن رشد الحفيد(13) وابن مودود الموصلي(14) وابن تيمية(15) وغيرهم.
وقد اختلف العلماء في الماء الطهور، فمنهم من أطلق عليه اسم الماء المطلق، وهو العاري عن الإضافة اللازمة(16)، ومنهم من قال هو الباقي على خلقته التي خلقه الله عليها(17).
ومن الأدلة على التطهير بالماء قوله تعالى: "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ" (الأنفال: من الآية11)، وقوله تعالى: "وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً" (الفرقان: من الآية48)؛ فقوله تعالى: "لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ" دليل على إثبات الطهارة بالماء النازل من السماء، وفي الآية الثانية وصف الماء بالطهور، ولفظة طهور حيث جاءت في الشرع فالمراد بها التطهير(18).
ومن الأحاديث قوله _صلى الله عليه وسلم_ لما سئل عن الوضوء بماء البحر: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"(19)، ومعلوم أنهم سألوه عن التطهير بماء البحر لا عن طهارته، ولولا أنهم يفهمون من الطهور المطهر لم يحصل الجواب(20).

المطلب الثالث: ما اتفق على عدم التطهير به من المائعات:
اتفق عامة العلماء على أن ثلاثة أنواع من المائعات غير مطهرة وهي كما يلي:
1- فضلات الإنسان، والحيوان المائعة كدم الحيض والبول، وذلك لأنها نجسة، والنجس لا يطهر غيره(21).
2- ما اتفق على تنجسه من المائعات، وذلك مثل الماء الذي تغير بمخالطة النجاسة أو المجاورة له بلا حائل(22)، وذلك لأن النجس لا يزيل النجاسة.
3- ما ثخن من المائعات الطاهرة – عدا النبيذ(23) – وذلك مثل اللبن والمرق والسمن والزيت فإنه لا يزيل النجاسة بلا خلاف، قال ابن قدامة رحمه الله: "فأما ما لا يزيل كالمرق واللبن فلا خلاف في أن النجاسة لا تزال به"(24).

المطلب الرابع: ما اختلف في التطهير به من المائعات:
سبق أن ذكرت ما اتفق على التطهير به من المائعات، وهو الماء الباقي على أصل الخلقة، ثم ذكرت المائعات المتفق على أنها غير مطهرة، وذلك مثل السمن واللبن، وما عداها مختلف في تطهيره لغيره، وذلك مثل المياه التي تعتصر من الثمار كماء الورد وماء العنب ونحوها، ويلحق بذلك بعض المنظفات التي وجدت في هذا العصر مثل الصابون السائل، والكلوركس، والبنزين، ونحوها فهل تعتبر هذه المطهرات مطهرة للنجاسة أم لا؟ أو بمعنى آخر، هل يتعين الماء لإزالة النجاسة أم يجوز بغيره من المنظفات من المائعات؟
هذه المسألة اختلف فيها العلماء، وسبب اختلافهم يرجع إلى أمرين أساسين:
الأول: هل إزالة النجاسة تعبدية؟ أم أنها معقولة المعنى، فمن ذهب إلى أنها تعبدية قال يتعين الماء، ومن ذهب إلى أنها معقولة المعنى قال بعدم تعينه.
الثاني: هل طهارة الخبث تلحق بطهارة الحدث أم لا؟ فمن ألحقها بطهارة الحدث قال بتعين الماء لإزالة النجاسة، ومن لم يلحقها قال لا يتعين الماء.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن إزالة النجاسة تصح بكل مائع مزيل لها وهو المذهب عند الحنفية(25)، وهو قول في مذهب المالكية(26)، ورواية عند الحنابلة(27) واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية(28) وجده مجد الدين أبو البركات، لكنه قيدها عند الحاجة(29).
واستدلوا بأدلة فيما يلي أبرزها:
1 – قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً"(30).
وجه الاستدلال:
أن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أمر الغسل مطلقاً فبأي شيء غسله يسمى غاسلاً، وتقييده بالماء يحتاج إلى دليل(31).
ونوقش: بأنه محمول على الغسل بالماء، لأنه المعروف المعهود السابق إلى الفهم عند الإطلاق، ولا يعرف الغسل باللغة إلى في الماء(32).
ويمكن أن يجاب بأن يقال: إن الغسل وإن كان ينصرف إلى الماء فقد جاء الغسل بالتراب في حال ولغ الكلب(33)، كما ثبت في نصوص أخرى إزالة النجاسة بغير الماء كالخمر المستحيلة بنفسها ونحو ذلك(34).
2 – ما رواه مجاهد قال: قالت عائشة رضي الله عنها ما كان لأحدنا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فقصعته بظفرها(35).
وجه الدلالة من الحديث:
أنها تطهر ثوبها – رضي الله عنها – بالريق فدل على أن المائعات الأخرى مطهرة، وأن الماء ليس بشرط لإزالة النجاسة(36).
ونوقش الاستدلال بهذا الحديث من وجهين:
أ – أن هذا في الدم اليسير الذي يكون معفواً، فأما الكثير فصح عنها أنها كانت تغسله(37).
وأجاب ابن التركماني عن ذلك فقال: إن الغسل لا يختص بالماء، ولو اختص دل ذلك على جواز الإزالة بالريق إذ لا تنافي بين الدليلين، فلا حاجة إلى تأويل البيهقي ذلك باليسير(38).
وقال العيني رداً على البيهقي: "هم – يعني الشافعية – لا يرون أن اليسير من النجاسات عفو، ولا يعفى عندهم منها عن شيء سواء كان قليلاً أو كثيراً وهذا لا يمشي إلا على مذهب أبي حنيفة؛ فإن اليسير عنده عفو، وهو ما دون الدرهم، فالحديث حجة على الشافعية حيث خصوا إزالة النجاسة بالماء"(39).
ب – أن هذا الحديث ليس فيه دلالة على أنها صلت فيه بعد إزالته بالريق دون الغسل بالماء، وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره، ولم تقصد تطهيره(40) لأنه ثبت عنها أنها قالت: كانت إحدانا تحيض ثم تقرض الدم في ثوبها عند طهرها فتغسله وتنضح على سائره، ثم تصلي فيه(41).
وأجيب: بأن الغسل لا يختص بالماء بدليل ما جاء في رواية عبد الرزاق كانت إحدانا تغسل دم الحيضة بريقها(42) جعلت رضي الله عنها ذلك غسلاً، وفي ذلك رد على القول بأنها أزالت الدم بريقها ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره.
والحديث الذي ورد فيه الغسل ليس فيه أنها كانت تغسله بعد القرض بالريق فيحتمل كون الغسل بعد قرضها بغير الريق، لأن القرض بالريق كان غسلاً عندها فلا يكون للغسل بعد الغسل معنى(43).
3 – القياس على الماء بجامع أنه مائع طاهر، وهو مزيل فجازت إزالة النجاسة به كالماء(44).
ونوقش الاستدلال بهذا القياس من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أنه قياس مع الفارق؛ فإن الماء يرفع الحدث، ولا ترفعه سائر المائعات(45).
وأجيب بأن رفع الحديث أمر تعبدي غير معقول المعنى فيقتصر فيه على الوارد، وهو الماء؛ بدليل أن الذي يخرج ريحاً يغسل يديه ووجهه ورجليه ويمسح رأسه ولا يغسل الموضع الذي خرج منه الريح، كما أن المتوضئ لو عدم الماء عدل إلى التيمم، فهو أمر تعبدي بخلاف إزالة النجس فهو أمر معقول المعنى، لوجودها حساً فجاز فيها الإلحاق جاء في مجموع الفتاوى "واعتبار طهارة الخبث بطهارة الحدث، ضعيف، فإن طهارة الحدث من باب الأفعال المأمور بها، ولهذا لم تسقط بالنسيان والجهل، واشترط فيها النية عند الجمهور، وأما طهارة الخبث فإنها من باب التروك فمقصودها اجتناب الخبث، ولهذا لا يشترط فيها فعل العبد ولا قصده، بل لو زالت بالمطر النازل من السماء حصل المقصود، كما ذهب إليه أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم"(46).
الوجه الثاني: أنه منتقض بالدهن والمرق؛ فإنها من المائعات ولا تزيل النجس بخلاف الماء(47).
وأجيب بأن الدهن والمرق يخالف بقية المائعات بكونها إذا أصاب الثياب لا تنعصر؛ فلا تخرج منها النجاسة بخلاف بقية المائعات(48).
الوجه الثالث: أن الماء له من اللطف والنفاذ في الأعماق ما ليس لغيره من المائعات فلا يلحق به غيره(49).
وأجاب عن هذا الوجه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: "ليس الأمر كذلك، بل الخل وماء الورد وغيرها يزيلان ما في الآنية من النجاسة كالماء وأبلغ، والاستحالة له أبلغ في الإزالة من الغسل بالماء؛ فإن الإزالة بالماء قد يبقى معها لون نجاسة فيعفى عنه، كما قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "يكفيك الماء ولا يضرك أثره"(50)، وغير الماء يزيل اللون والطعم والريح"(51).
القول الثاني:
إن إزالة النجاسة لا بد فيها من الماء المطلق، وهو مذهب المالكية(52)، والشافعية(53)، ورواية عند الحنابلة اختارها أكثر الأصحاب، قال المرداوي "وهو المذهب"(54)، وبه قال محمد بن الحسن(55)، وهو رواية عن أبي يوسف(56).
واستدلوا بأدلة فيما يلي أبرزها:
1 – قوله تعالى: "وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً" (الفرقان: من الآية48)، وقوله سبحانه: "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ" (الأنفال: من الآية11).
وجه الاستدلال: أن الله تعالى قد من على عباده بإنزال الماء الطهور، فلو حصل بغيره لم يحصل الامتنان، فدل على اختصاصه بذلك(57).
ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن يقال: إن امتنان الله سبحانه وتعالى بإنزال الماء الطهور لا يعني قصر هذا الحكم عليه، وكون غيره يشاركه في ذلك لا يؤدي إلى فوات الامتنان به؛ إذ العلماء متفقون على أنه الأصل في التطهير، كما اتفقوا على أن الحدث لا يرفعه على الإطلاق إلا الماء(58).
2 – ما روته أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: تحتّه ثم تقرضه بالماء وتنضحه وتصلي فيه(59).
3 – ما روته أم قيس بنت محصن قالت: سألت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عن دم الحيض يكون في الثوب؟ قال: حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر(60).
وجه الدلالة:
أن قوله "تقرضه بالماء" وقوله "اغسليه بماء" فيهما "دليل على أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات، لأنه إذا أمر بإزالتها بالماء فأزالها بغيره كان الأمر باقياً لم يتمثل، وإذا وجب ذلك عليه في الدم بالنص كان سائر النجاسات بمثابته لا فرق بينهما في القياس، وإنما أمر بحكه بالضلع لينقلع المستجسد منه اللاصق بالثوب ثم تتبعه بالماء ليزيل الأثر"(61).
وأجيب على الاستدلال بهذين الحديثين بعدة أجوبة منها:
أ – إن لفظة الماء في الحديثين المذكورين والاستدلال بها على عدم جواز غير الماء من باب مفهوم اللقب(62)، وهو ليس بحجة عند أكثر الأصوليين(63). قال الغزالي: "اعلم أن توهم النفي من الإثبات على مراتب ودرجات وهي ثمانية: الأولى: وهي أبعدها وقد أقر ببطلانها كل محصل من القائلين بالمفهوم وهو مفهوم اللقب"(64).
وقال ابن الهمام "من المفاهيم مفهوم اللقب نفاه الكل إلا بعض الحنابلة شذوذاً"(65).
ب – أن هذا خرج مخرج الغالب لا مخرج الشرط كقوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) (النساء: من الآية23)، والمعنى في ذلك أن الماء أكثر وجوداً من غيره ولذلك ذكره(66).
ج – أن التخصيص للشيء بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه(67).
4 – ما رواه أبو ثعلبة الخشني أنه قال: يا رسول الله إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في دورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر، فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها(68) بالماء وكلوا واشربوا"(69).
فقد ورد الأمر بالغسل بالماء، والأمر للوجوب، ولا يخرج المكلف من عهدة الأمر إلا بالامتثال.
ويمكن أن يجاب عنه بما سبق من أن تخصيص الشيء بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه، والقول بأن الأمر للوجوب محل نظر، لأن الأمر يتعلق بالغسل، والماء وصف فينصرف إلى الإباحة، نظير قوله تعالى: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (النساء: من الآية25)، فعلق الأمر بالإذن، والإباحة بنفس النكاح، فثبت بهذا كون أحدهما واجباً والآخر مباحاً(70).
5 – من المعقول: أن سائر المائعات لا يدفع النجاسة عن نفسه فكيف يدفعها عن غيره(71).
ويمكن أن يجاب عنه بأن يقال: وكذلك الماء لا يدفع النجاسة عن نفسه فإنه ينجس إذا كان دون القلتين ووقعت فيه نجاسة عند الشافعية(72) والحنابلة(73) ويتنجس عند المالكية بالتغير(74) ومع ذلك اتفق العلماء على التطهير به(75).
6 – قال ابن العربي "إن النجاسة ليست معنى محسوساً حتى يقال كل ما أزالها قام به الغرض، وإنما النجاسة حكم شرعي عين له صاحب الشرع الماء فلا يلحق به غيره؛ إذ ليس في معناه، ولأنه لو لحق به لأسقطه، والفرع إذا عاد إلحاقه بالأصل بالإسقاط سقط في نفسه"(76).
ويمكن أن يجاب عنه بأن يقال: لا نسلم بأن النجاسة ليست محسوسة بل هي معنى محسوس يزول بزوالها، ولذا لو قطع موضع النجاسة بالمقراض بقي الثوب طاهراً، وإزالة العين كما تحصل بالماء تحصل بسائر المائعات(77).
الترجيح:
والذي يترجح – في نظري – هو القول الأول، وهو جواز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر، لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة، ولمناقشة أدلة القول المخالف لأن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها، لكن لا تجوز الأطعمة والأشربة في إزالة النجاسة لغير حاجة، لما في ذلك من فساد الأموال، كما لا يجوز الاستنجاء بها(78) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "النجاسة من باب ترك المنهي عنه فحينئذ إذا زال الخبث بأي طريق كان حصل المقصود، ولكن إن زال بفعل العبد ونيته أُثيب على ذلك، وإلاّ إذا عدمت بغير فعله ولا نيته زالت المفسدة ولم يكن له ثواب ولم يكن عليه عقاب"(79).

المبحث الثالث: تطهير الثياب بالبخار.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حكم البخار المتحلل من النجس:
اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه طاهر وهو قول في مذهب الحنفية(80) قال ابن الهمام وهو الصحيح(81) وقال به بعض الشافعية(82) واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية(83).
وبناء على هذا القول فإن البخار المتصاعد من الماء النجس طاهر يزيل النجس.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1 – القياس على البخار الخارج من الجوف كالجشأ(84).
2 – أنه أجزاء هوائية مائية ليس فيه شيء من وصف الخبث(85).
القول الثاني: أنه نجس، وبه قال بعض الحنفية(86) وبعض المالكية(87)، وبعض الشافعية(88)، وبعض الحنابلة(89) إلا أنهم قالوا يعفى عن البخار اليسير ما لم تظهر له صفة في الشيء الطاهر.
وبناء على هذا القول فإن البخار المتصاعد من الماء النجس لا يزيل النجس.
ويفهم مما ذكروه أنهم يستدلون لذلك بأن البخار المتصاعد متحلل من نجس، وصعوده في الهواء لا يطهره فإذا أصاب شيئاً نجّسه(90).
القول الثالث فيه تفصيل: قالوا: إن تصاعد البخار بواسطة النار فهو نجس، لأنه من أجزاء النجاسة تفصلها النار بقوتها فيعفى عن قليله بشرطين:
أن لا توجد رطوبة بالمحل، وأن لا يكون بفعله.
وإن تصاعد بلا نار كالبخار الخارج من الكنيف فطاهر، وإليه ذهب بعض علماء الشافعية جمعاً بين قول من أطلق الطهارة منهم وبين من أطلق النجاسة(91).
واستدلوا للقول بالطهارة إذا تصاعد بلا نار بالقياس على الريح الخارجة من الدبر فإنها لا تنجس الثياب، وكذا الجشأ الخارج من جوف الإنسان فإنه طاهر(92).
الترجيح:
بعد النظر في الأقوال السابقة وما استدلوا به فإنني أميل إلى القول الأول، وهو أن بخار النجاسة طاهر – وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية – لأنه قد استحال من نجس إلى شيء آخر غير أصلها.
ومن وجهة نظر شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه لا ينبغي أن يعبر عنه بأنه طهر بالاستحالة، فإن نفس النجس لم يطهر، لكن استحال، وهذا الطاهر ليس ذاك النجس، وإن كان مستحيلاً منه، والمادة واحدة، كما أن الإنسان ليس هو المني وذكر ابن تيمية – بأن "جميع النجاسات إنما نجست بالاستحالة كالدم فإنه مستحيل عن الغذاء الطاهر، وكذا البول والعذرة، حتى الحيوان النجس مستحيل عن الماء والتراب ونحوهما من الطاهرات"(93) فليس بمستغرب – إذن – أن تستحيل إلى طاهر مرة أخرى.

المطلب الثاني: حكم البخار المتحلل من غير النجس:
الكلام في هذا المطلب على البخار المتحلل مما ليس بنجس، كالبخار من الماء المطلق، أو مما هو في الأصل ماء، ولكنه متجمد كالثلج والملح، أو من الندى إذا جمع هل يجوز التطهر به من الحدث وتطهير النجس؟
وسيكون الكلام على ذلك في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: حكم بخار الماء المطلق:
المراد بالماء المطلق كما ذكر بعض الفقهاء "الباقي على وصف خلقته"(94) قال النووي والصحيح في حده "أنه" العاري عن الإضافة اللازمة(95) فإذا أغلى ماء مطلق وتولد منه رشح فالذي يظهر أن عامة العلماء – كما سيأتي – يرون صحة الطهارة وإزالة النجس به إلا ما نقله الروياني(96) في البحر(97) عن بعض علماء خراسان من الشافعية أنه لا تجوز الطهارة به لأنه عرق، قال الروياني: "وهذا غير صحيح عندي، لأنه رشح الماء حقيقة وينقص منه بقدره فهو ماء مطلق يجوز التطهر به(98).
قال النووي "الأصح جواز الطهارة به"(99).
والذي يظهر لي أن الحنفية يرون طهارته لأنهم ذكروا أن الأصح في بخار النجاسة أنه طاهر – كما سبق – وهذا من باب أولى.
والمالكية ذكروا أن العرق من رطوبات المياه المستعملة، فهو جزء ماء فإذا لم يكن فيه تغير فهو مطهر(100)، والبخار خارج من الماء لا من الجسد فهو طاهر عندهم من باب أولى.
وأما الحنابلة فقد ذهب بعضهم إلى أن ما يتصاعد من بخار الحمامات طهور(101) والبخار الناشئ من الماء المطلق من باب أولى، فتبين مما سبق أن عامة العلماء يرون أن بخار الماء يعتبر طهوراً، وأن الخلاف فيه ضعيف – لأنه متحلل من أجزاء طاهرة، ولأنه جزء من ماء فإذا جمع أصبح ماء.
المسألة الثانية: حكم بخار الحمامات:
اتفق عامة الفقهاء على أن بخار الحمامات – إذا أصاب الثوب – طاهر حتى لو كانت الثياب مبتلة(102) وذلك أن الحمامات معدة للاغتسال والوضوء لا لقضاء الحاجة، فالطهارة فيها متيقنة، فكذا بخارها، واحتمال كونها نجسة لا يؤثر، لأن الأصل الطاهرة، وقياساً على الريح الخارجة من الإنسان فإنها لا تنجس ثيابه(103).
المسألة الثالثة: حكم بخار المائعات الطاهرة:
لم أجد من نص على هذه المسألة إلا بعض علماء الشافعية(104) فقد ذكر النووي أنه إذا أَغْلَى مائعاً فارتفع من غليانه بخار تولد منه رشح فليس بطهور بلا خلاف كالعرق(105).
ولعل قول النووي "بلا خلاف" يريد به في مذهب الشافعية، لأنهم يقولون بعدم التطهير إلا بالماء الطهور.
وأما علماء الحنفية فالذي يظهر لي أنهم يرون طهارته، فقد جاء في الفتاوى الخانية أنه حكي عن الفقيه أبي جعفر(106) رحمه الله تعالى: أنه قال: إذا صار ما فيه من الخمر خلا يطهر الظرف كله، وبه أخذ الفقيه أبو الليث(107)، واختاره الصدر الشهيد(108)، وعليه الفتوى، لأن بخار الخل يرتفع إلى أعلى الظرف فيطهر كله(109).
وأما المالكية والحنابلة فلم أطلع على قول لهم في هذه المسألة، ولكن يتخرج من قول بعض علماء المالكية إن بخار المصطكى(110) إذا كانت طاهرة فبخارها طاهر(111) أنهم يرون أن المائعات الطاهرة بخارها طاهر.
ويتخرج من قول بعض الحنابلة إن الطاهر من الماء أو المائع يجوز استعماله في كل شيء، لكن لا يصح استعماله في رفع الأحداث وإزالة الأنجاس ولا في طهارة مندوبة(112) أنه لو كان الماء أو المائع طهوراً جاز استعماله ، وكذا بخار الماء والمائع إذا جمع وأصبح ماء.
والذي يترجح عندي هو أن البخار المتولد من المائع إذا كان ماءً فلا مانع من الطهارة وإزالة النجس به، وإن كان غير ماء فلا تجوز الطهارة به، وأما إزالة النجاسة به فجائزة كما سبق. والله أعلم.
المسألة الرابعة: حكم تطهير الثياب بالبخار:
انتشرت في هذا العصر المغاسل الأوتوماتيكية التي تنظف الثياب بالبخار، وقد أشكل على كثير من العلماء وطلبة العلم حكم التطهير بها، وقبل الكلام على حكم هذه المسألة لا بد من الإشارة إلى أمرين قررهما المحققون من العلماء:
الأمر الأول: أن إزالة النجاسة معقولة المعنى وليست تعبدية، وذلك أن النجاسة من باب ترك المنهي عنه، فإذا زالت بأي طريق حصل المقصود، وقد سبق بيان ذلك عند الكلام على ما اختلف في التطهير به من المائعات.
الأمر الثاني: أن النية لا تشترط لإزالة النجاسة، وذلك أن طهارة الخبث من باب التروك، ولهذا لا يشترط فيها فعل العبد ولا قصده، بل لو زالت بالمطر النازل من السماء حصل المقصود، وقد سبق الكلام على ذلك عند الكلام على ما اختلف في التطهير به من المائعات.
ورغبة مني في استجلاء حكم هذه المسألة فقد اتصلت بعدد من أصحاب المغاسل، واطعلت بنفسي على كيفية الغسل بالبخار وهي كما يلي:
توضع الثباب المراد غسلها داخل الماكينة، ويتم إغلاقها بإحكام، ثم تضاف المادة الكيماوية الخاصة بهذه الماكينة، والتي تسمى البروكلين إلى الغسيل بعد مرورها على مصفاية (فلتر) خاصة بالمادة، بعد ذلك تغسل الملابس بالبروكلين وبعد دورة الغسيل يعود البروكلين إلى الخزان الذي جاء منه، ويأتي دور العصر حيث يعود باقي البروكلين إلى الخزان، ثم يرسل البخار على الملابس لتجفيفها بعد العصر، ويتم تكثيف هذا البخار لسحب ما علق من البروكلين وإعادته إلى الخزان، ويخرج البخار بعد ذلك من المدخنة، ويرسل هواء إلى الثياب لإزالة الروائح الكيماوية الناتجة من أثر الغسل بعد ذلك يفتح باب الغسالة ليكون بذلك قد انتهت عملية الغسيل، ولا يستعمل الماء في عملية الغسل بالبخار.
وقد سألت أحد المهندسين في إحدى الشركات هل البروكلين الذي يعود إلى الخزان تغسل به ملابس أخرى فأجاب:
البروكلين الذي يعاد إلى الخزان بعد دورة الغسل يتم تجميعه ويزاد بإضافة مادة البروكلين إليه كلما نقص؛ ليتم استعماله لدورات غسيل أخرى، والماء لا يدخل أبداً في عمليات الغسيل بماكينة الغسيل الجاف الدراي كلين (Dry Cleaning Machine).
ويظهر لي بناء على ما سبق حصول التطهير بمغاسل البخار للأمور التالية:
1- أن مغاسل البخار تزيل النجاسة إزالة لا يظهر معها أثر للنجاسة فهي تزيل اللون والرائحة، والغسل بها – غالباً – يكون أفضل من الغسل بالماء.
2- أن المواد الكيميائية المستعملة في مغاسل البخار مواد طاهرة، والماء غير متعين لإزالة النجاسة كما سبق.
3- أن البروكلين الذي يعاد إلى الخزان يضاف إليه مادة بروكلين أخرى عند الغسل مرة أخرى عند الغسل مرة أخرى.
4- أنه سبق أن البخار المتحلل من المائعات الطاهرة طاهر، وكذلك ترجيح بعض المحققين من أهل العلم أن البخار المتحلل من النجس طاهر، لأنه استحال إلى شيء آخر غير أصلها، وذلك أنه أجزاء هوائية ونارية ومائية وليس فيه شيء من وصف الخبث.
5- أن هناك أنواعاً من الملابس لا يمكن غسلها إلا بمغاسل البخار، وهي ملابس غالية الثمن، ولو غسلت بالماء لأصبحت عرضة للفساد والانكماش، ويلحق بالناس حرج ومشقة لو قيل بعدم جواز غسلها بالمغاسل الجافة، ومن القواعد المقررة عند الفقهاء أن المشقة تجلب التيسير.
6- أن مغاسل البخار من الأمور التي عمت بها البلوى، وقد ورد عن الصحابة والسلف وبعض الفقهاء العمل بالتيسير في وقائع مما لا يمكن التعليل للحكم فيها إلا بعموم البلوى ومن ذلك:
أ – ما ورد أن عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص _رضي الله عنهما_ خرجا في ركب حتى وردا حوضاً فسأل عمرو بن العاص صاحب الحوض، وقال: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا(113).
فقد اعتبر عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ الماء طاهراً، وعلل ذلك بشيوع ملابسة السباع لهم مما يعسر معه احترازهم منها، وفي ذلك دليل على اعتبار عموم البلوى سبباً في التيسير، ولذلك قال أبو الوليد الباجي "ويحتمل قوله (فإنا نرد على السباع وترد علينا) معنيين أحدهما: قصد تبيين علة منع الاعتبار بورودها لأنما لم يمكن الاحتراز منه فمعفو عنه...) (114).
ب – ما ورد عن الوليد بن مسلم رحمه الله قال قلت للأوزاعي: "فأبوال الدواب مما لا يؤكل لحمه كالبغل والحمار والفرس(115) فقال: كانوا يبتلون بذلك في مغازيهم فلا يغسلونه من جسد ولا ثوب(116).
فهذا إخبار عن حال من سبق من الصحابة رضي الله عنهم وكبار التابعين على اعتبار شيوع ملابستهم لتلك الحيوانات أمراً يخفف عنده ولو كانوا مكلفين بغسل ما أصابهم لشق عليهم ذلك مشقة عامة فجاء التيسير بعدم التكليف بغسل ذلك.
ج – ما ورد عن الأعمش رحمه الله قال: رأيت يحيى بن وثاب وعبد الله بن عياش وغيرهما من أصحاب عبد الله(117) يخوضون الماء قد خالطه السرقين(118) والبول فإذا ذهبوا إلى باب المسجد لم يزيدوا على أن نفضوا أقدامهم، ثم يدخلون في الصلاة(119).
ومثل ما ورد عن سعيد بن جبير _رحمه الله_ أنه قال: "لا بأس بطين يخالطه البول"(120)، وكل ذلك يدل على اعتبار عموم الابتلاء بالشيء سبباً في التيسير.
د – ورد عن بعض علماء الحنفية في بعض النجاسات التي لا يطهرها إلا الماء عندهم اعتبارها من المعفو عنها، لأنها عمت بها البلوى أو استحساناً لما فيها من الحرج ومشقة الاحتراز منها، قال صاحب الغنية "المعلوم من قواعد أئمتنا التسهيل في مواضع الضرورة والبلوى العامة"(121) ومن تلك الأمثلة:
- روث الفرس والبغل والحمار، والخثي للبقر والفيل نجس عند الحنفية، وحكم بطهارتها محمد بن الحسن في آخر أمره حين دخل الري مع الخليفة ورأى بلوى الناس من امتلاء الطرق والخانات بها(122).
- طين الشوارع عفو، وإن امتلأ الثوب للضرورة، ولو مختلطاً بالعذرات، وتجوز الصلاة معه، وقد قاسه المشايخ من الحنفية على قول محمد آخذاً بطهارة الروث والخثي، ومقتضاه أنه طاهر(123).
- جعل الدهن النجس في صابون يفتى بطهارته، لأنه تغير؛ والتغير يطهر عند محمد، ويفتى به للبلوى(124).
- تنور رش بماء نجس، أو بال فيه صبي، أو مسح بخرقة مبتلة نجسة لا بأس بالخبز فيه بعد ذهاب البلل بالنار(125).
- ماء الطابق(126) نجس قياساً لا استحساناً، وصورته إذا أحرقت العذرة في البيت فأصاب ماء الطابق ثوب إنسان لا يفسده استحساناً ما لم يظهر أثر النجاسة فيه(127).
وقال في شرح المنية: "والظاهر أن وجه الاستحسان فيه الضرورة لتعذر التحرز أو تعسره إذ لا نص ولا إجماع في ذلك(128).
7 – ويتأيد ما رجحته بما أفتى به شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله_، فقد سئل: هل تطهر النجاسة بغير الماء؟ وهل البخار الذي تغسل به الأكوات مطهر لها فأجاب:
"إزالة النجاسة ليست مما يُتعبد به قصداً، أي أنها ليست عبادة مقصودة، وإنما إزالة النجاسة هو التخلي من عين خبيثة نجسة، فبأي شيء أزال النجاسة، وزالت وزال أثرها، فإنه يكون ذلك الشيء مطهراً لها، سواء كان بالماء أو بالبنزين، أو أي شيء مزيل يكون، فمتى زالت عين النجاسة بأي شيء يكون، فإنه يُعتبر ذلك تطهيراً لها، حتى إنه على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، لو زالت بالشمس والريح فإنه يطهر المحل، لأنها كما قلت: هي عين نجسة خبيثة، متى وجدت صار المحل متنجساً بها، ومتى زالت عاد المكان إلى أصله، أي إلى طهارته، فكل ما تزول به عين النجاسة وأثرها – إلا إنه يُعفى عن اللون المعجوز عنه - فإنه يكون مطهراً له، وبناء على ذلك نقول: إن البخار الذي تُغسل به الأكوات إذا زالت به النجاسة فإنه يكون مطهراً"(129). وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

الخاتمة:
أهم نتائج البحث:
بعد الفراغ من كتابة هذا البحث يحسن بي أن أذكر أهم النتائج التي برزت من خلال هذا البحث وهي:
1- أن إزالة النجاسة معقولة المعنى وليست تعبدية، وذلك أن النجاسة من باب ترك المنهي عنه، فإذا زالت بأي طريق حصل المقصود.
2- أن النية لا تشترط لإزالة النجاسة، وذلك أن طهارة الخبث من باب التروك، ولهذا لا يشترط فيها فعل العبد ولا قصده، بل لو زالت بالمطر النازل من السماء حصل المقصود.
3- أنه يجوز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر لأن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها لكن لا تجوز الأطعمة والأشربة في إزالة النجاسة لغير حاجة، لما في ذلك من فساد الأموال، كما لا يجوز الاستنجاء بها.
4- أن البخار المتحلل من النجس طاهر، لأنه استحال إلى شيء آخر غير أصلها، وذلك أنه أجزاء هوائية ونارية ومائية، وليس فيه شيء من وصف الخبث.
5- أن تنظيف الثياب بمغاسل البخار يطهرها لاعتبارات ذكرتها فيما سبق.
وأخيراً فهذا ما تيسر لي ذكره في هذا البحث، فإن كان صواباً فمن الله تعالى وحده وله المنة – سبحانه وتعالى – عليّ في ذلك، وإن كان خطأً فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله – _صلى الله عليه وسلم_ – منه بريئان وأستغفره سبحانه وتعالى مما زلّ به القلم أو به اللسان، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

________________
(1) ينظر المحكم لابن سيده 2/267، وتاج العروس للزبيدي 11/456، مادة (ميع).
(2) لسان العرب لابن منظور 13/234 (ميع).
(3) أخرجه أبو داود في سننه 4/181 (3842).
(4) لسان العرب لابن منظور 13/234 (ميع).
(5) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 1/159، ولسان العرب لابن منظور 13/234 (ميع).
(6) ينظر: تاج العروس للزبيدي 11/466 (ميع)، ولسان العرب لابن منظور 13/234.
(7) المعجم الوسيد 2/893.
(8) الودائع لمنصوص الشرائع 1/186.
(9) الإجماع لابن المنذر ص33، والأوسط لابن المنضر 2/170، 1/351.
(10) مراتب الإجماع، ص 24.
(11) الانتصار لأبي الخطاب 1/113.
(12) بدائع الصنائع للكاساني 1/165.
(13) بداية المجتهد 1/268.
(14) الاختيار لتعليل المختار 1/35.
(15) مجموع الفتاوى 20/516.
(16) ينظر: الشرح الصغير للدردير 1/13، شرح الخرشي على خليل 1/64، ومواهب الجليل 1/46، والإقناع للشربيني 1/18، والمجموع شرح المهذب 1/128، والمنهاج للنووي 1/17.
(17) ينظر: الذخيرة للقرافي 1/159، وبداية المجتهد لابن رشد 1/24، والمهذب للشيرازي 1/128، والمحرر لأبي البركات ½، والتحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي 1/27، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي 1/11.
(18) ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3/492، 494، والمجموع شرح المهذب للنووي 1/132.
(19) أخرجه الإمام مالك في الموطأ 1/22 (12 من كتاب الطهارة)، والشافعي في مسنده ص7، الإمام أحمد في مسنده 2/237، 361، 378، 393، 3/373، 5/365، وأبو داود في سننه 1/64 (83)، والنسائي في المجتبى 1/50، وفي الكبرى ص16 (59)، وابن ماجه في سننه 1/329 (386)، وصحح الحديث ابن حجر في التلخيص الحبير 1/10، والشوكاني في نيل الأوطار 1/28-32، والألباني في الإرواء 1/42، 43.
(20) ينظر: المجموع شرح المهذب للنووي 1/132، والمغني لابن قدامة 1/13.
(21) ينظر: الهداية للمرغيناني والعناية للبابرتي مطبوعان مع فتح القدير 1/170، والبحر الرائق لابن نجيم 1/233، والمغني لابن قدامة 1/38.
(22) ينظر: الإجماع لابن المنذر ص33، وتبيين الحقائق للزيلعي 1/21، ومواهب الجليل للحطاب 1/70، وأسنى المطالب للأنصاري 1/15، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي 1/18.
(23) ينظر: حاشية ابن عابدين (رد المحتار) 1/152، وبداية المجتهد لابن رشد الحفيد 1/23، 24، والمجموع شرح المهذب للنووي 1/141، والانتصار لأبي الخطاب 1/136، والمغني لابن قدامة 1/18.
(24) المغني لابن قدامة 1/17، وينظر: المبسوط للسرخسي 1/96، والمجموع شرح المهذب للنووي 1/141.
(25) ولكنهم يشترطون في المائع المزيل للنجاسة شروطهاً، وهي:
1. كونه مائعاً يسيل كالخل ونحوه.
2. كون المائع طاهراً لأن النجس لا يزيل النجاسة.
3. كون المائع الطاهر مزيلاً كالخل وماء الورد ونحوها.
ينظر: البناية في شرح الهداية 1/709، 710، وبدائع الصنائع للكاساني 1/83، والبحر الرائق لابن نجيم 1/233.
(26) ينظر: مواهب الجليل للحطاب 1/162، وجامع الأمهات لابن الحاجب ص38، وقد ذكر ذلك ابن تيمية في مجموع الفتاوى 21/474.
(27) ينظر: اختلاف الأئمة العلماء لابن هبيرة 1/29، والمغني لابن قدامة 1/17، ومجموع فتاوى ابن تيمية 21/474، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي 1/116، والإنصاف للمرداوي 1/309، وفتح الملك العزيز 2/131.
(28) ينظر: مجموع الفتاوى 21/474.
(29) ينظر: الإنصاف للمرداوي 1/309.
(30) أخرجه البخاري في صحيحه ص58 رقم الحديث (172).
(31) ينظر: المجموع شرح المهذب للنووي 1/95، والمغني لابن قدامة 1/17.
(32) ينظر: المجموع شرح المهذب للنووي 1/97.
(33) ينظر: فتح الباري 1/275.
(34) ينظر: مجموع الفتاوى 21/475.
(35) أخرجه البخاري في صحيحه ص81 رقم الحديث (312).
(36) ينظر اللباب للمنبجي 1/72.
(37) السنن الكبرى للبيهقي 1/21.
(38) حاشية السنن الكبرى 1/21.
(39) عمدة القاري 3/281 بتصرف.
(40) ينظر فتح الباري لابن حجر 1/413.
(41) أخرجه البخاري ص81 رقم الحديث (312).
(42) مصنف عبد الرزاق 1/130 (1227).
(43) إعلاء السنن 1/378.
(44) ينظر: أحكام القرآن لابن العربي 3/441، والمجموع شرح المهذب للنووي 1/145، والمغني لابن قدامة 1/3.
(45) المجموع شرح المهذب للنووي 1/145.
(46) 21/477.
(47) ينظر: المجموع شرح المهذب للنووي 1/145.
(48) ينظر: فتح القدير لابن الهمام 1/170.
(49) ينظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1/109، والمجموع شرح المهذب للنووي 1/141، وفتح الباري لابن حجر 1/331، والنجم الوهاج للدميري 1/223.
(50) أخرجه أبو داود في سننه 1/257 (365) بلفظ "يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره".
(51) مجموع الفتاوى 21/476.
(52) ينظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف للبغدادي 1/108، وجامع الأمهات لابن الحاجب ص38، ومواهب الجليل للحطاب 1/162، وشرح الخرشي على خليل 1/62.
(53) ينظر: التهذيب للبغوي 1/207، والمجموع شرح المهذب للنووي 1/141.
(54) ينظر: الإرشاد لابن أبي موسى، والمغني لابن قدامة 1/16، واختلاف الأئمة العلماء لابن هبيرة 1/29، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي 1/116، وكشاف القناع للبهوتي 1/181، والإنصاف للمرداوي 1/309.
(55) ينظر: حاشية سعد جلبي على الهداية 1/169.
(56) ينظر: بدائع الصنائع 1/83.
(57) ينظر: أحكام القرآن لابن العربي 3/441، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 13/29، ورؤوس المسائل للزمخشري ص 94، والمجموع شرح المهذب للنووي 1/144.
(58) ينظر اختلاف الأئمة العلماء لابن هبيرة 1/30.
(59) أخرجه البخاري في صحيحه ص221 (227).
(60) أخرجه أبو داود في سننه 1/256 (363).
(61) معالم السنن للخطابي مطبوع مختصر سنن أبي داود للمنذري 1/220.
(62) عرف مفهوم اللقب بتعريفات تجتمع في معنى واحد يقول ابن الهمام في التحرير في أصول الفقه 1/193 "هو إضافة نقيض حكم معبر عنه باسم علماً أو جنساً إلى ما سواه".
ويقول صاحب فواتح الرحموت 1/432 "هو ثبوت الحكم المخالف للمنطوق فيما وراء اللقب" ومثاله: إذا قلت زيد قائم فإن مفهومه أن غير زيد ليس بقائم.
(63) ينظر: المستصفى للغزالي 2/204، والمعتمد في أصول الفقه 1/159، 160، والإحكام للآمدي 3/95، وشرح الكوكب المنير لابن النجار 3/510، وفتح الباري لابن حجر 1/331، وعمدة القاري للعيني 3/141.
(64) المستصفى للغزالي 2/204.
(65) التحرير مع شرحه تيسير التحرير 1/193.
(66) عمدة القاري للعيني 3/141.
(67) المرجع السابق نفس الصفحة.
(68) الرحض: الغسل ينظر: معالم السنن للخطابي مطبوع مع سنن أبي داود 4/178، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2/208.
(69) أخرجه أبو داود واللفظ له 4/177-178 (3839، وأحمد في مسنده 29/268 (1733)، والحاكم في المستدرك 1/143.
والحديث المذكور أخرجه البخاري في صحيحه ص1082 حديث (5478) ومسلم في صحيحه ص1067 (1930) ولكن بدون ذكر الماء.
(70) العناية في شرح الهداية للعيني 1/713.
(71) أحكام القرآن لابن العربي 3/441.
(72) ينظر: المجموع شرح المهذب للنووي 1/161.
(73) ينظر: شرح منتهى الإرادات للبهوتي 1/17.
(74) ينظر: شرح الخرشي على خليل.
(75) ينظر: اختلاف الأئمة العلماء لابن هبيرة 1/30.
(76) أحكام القرآن لابن العربي 3/442.
(77) ينظر: المبسوط للسرخسي 1/96.
(78) ينظر: مختصر الفتاوى المصرية للبعلي ص17.
(79) مجموع الفتاوى 21/478.
(80) ينظر: فتح القدير لابن الهمام 2/187، وغنية المتملي للحلبي ص192، وحاشية ابن عابدين 1/216، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار 1/161.
(81) فتح القدير 2/187.
(82) ينظر: مغني المحتاج للشربيني الخطيب 1/81.
(83) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/71.
(84) فتح القدير لابن الهمام 2/187.
(85) مجموع فتاوى ابن تيمية 21/71.
(86) فتح القدير 2/187، وغنية المتملي للحلبي ص192، ومنحة الخالق 1/244، حاشية ابن عابدين 1/216.
(87) ينظر: مواهب الجليل للحطاب 1/107، ومنح الجليل لعليش 1/35.
(88) ينظر: مغني المحتاج للشربيني الخطيب 1/81.
(89) كشاف القناع 1/186، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي 1/99، والفروع لابن مفلح 1/181، والإنصاف للمرداوي 1/319.
(90) ينظر: الفروع لابن مفلح 1/181، والإنصاف للمرداوي 1/319.
(91) ينظر: حاشية إعانة الطالبين للمليباري 1/106، والمنهاج القويم لابن حجر الهيتمي 64، ومغني المحتاج للشربيني الخطيب 1/81، وفتح الوهاب بشرح منهج الطلاب لزكريا الأنصاري 1/38.
(92) ينظر: المراجع السابقة نفس الموضع.
(93) الفتاوى الكبرى لابن تيمية 1/262، ومختصر الفتاوى المصرية للبعلي ص17، 18.
(94) المجموع شرح المهذب للنووي 1/128.
(95) المجموع شرح المهذب للنووي 1/128.
(96) الروياني: هو القاضي شيخ الشافعية أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني الطبري الشافعي ولد سنة 415هـ، برع في الفقه، وقتلته الملاحدة من (الإسماعيلية) سنة 501هـ، سير أعلام النبلاء للذهبي 19/260-262 (162)، وشذرات الذهب لابن العماد 4/4.
(97) بحر المذهب للروياني 1/54.
(98) المرجع السابق 1/54.
(99) المجموع شرح المهذب للنووي 1/147.
(100) ينظر: مواهب الجليل 1/107، ومنح الجليل 1/35.
(101) المبدع 1/218، الفروع 1/181، الإنصاف 1/319.
(102) ينظر: غنية المتملي للحلبي ص192، وحاشية ابن عابدين 1/216، ومواهب الجليل 1/35، ومنح الجليل 1/107، وحاشية إعانة الطالبين 1/107، والفروع لابن مفلح 1/181، والمبدع 1/218، والإنصاف 1/319.
(103) ينظر: المنهاج القويم لابن حجر الهيتمي، ص 24، وحاشية إعانة الطالبين 1/107.
(104) ينظر: أسنى المطالب لزكريا الأنصاري 1/5.
(105) المجموع شرح المهذب 1/147.
(106) هو أبو جعفر محمد بن عبد الله بن محمد الهنداوي البلخي من كبار فقهاء الحنفية في عصره يلقب بأبي حنيفة الصغير تفقه عليه أبو الليث السمرقندي وغيره من علماء المذاهب توفي سنة 362هـ. ينظر: تاج التراجم ص 264-265، والفوائد البهية ص 79.
(107) أبو الليث: هو نصر بن محمد بن أحمد السمرقندي الإمام المعروف وصاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة توفي بين عامي 383هـ و393 ينظر الجواهر المضيئة للقرشي 3/544-545 والفوائد البهية 221.
(108) هو عمر بن عبد العزيز بن مازه حسام الدين إمام في الفروع والأصول له الفتاوى الصغرى والكبرى وشرح أدب القضاء للخصاف قتل شهيداً بسمرقند سنة 536هـ، الفوائد البهية ص 149.
(109) ينظر: الفتاوى الخانية 3/223، 224، وينظر مجمع الأنهر لشيخي زاده 2/573.
(110) المصطكى: بالفتح والضم، ويمد في الفتح فقط علك رومي، يخرج على هيئة قطرات من قلف شجرة المستكى ويستعمل في الشرق كلبان يمضغ، وله رائحة طيبة إذا تطيب به. ينظر: تاج العروس للزبيدي 13/644 (مصطك) ومنح الجليل لعليش 1/35، والموسوعة العربية الميسرة 2/1695.
(111) ينظر: منح الجليل 1/35، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/38.
(112) الإنصاف 1/62.
(113) أخرجه مالك بهذا اللفظ عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب في كتاب الطهارة (باب الطهور للوضوء) الموطأ ص 26-27، برقم (42)، وأخرجه الدارقطني في سننه 1/32، بهذا اللفظ عنهما في كتاب الطهارة (باب الماء المتغير)، وأخرجه البيهقي عنهما في السنن الكبرى 1/379 رقم الحديث (1181)، وهذا الأثر – كما ذكر النووي في المجموع 1/218 – مرسل إلا أن له شواهد تقويه، والمرسل عند الشافعي إذا اعتضد احتج به، وهو حجة عند أبي حنيفة مطلقاً. ا.هـ.
(114) المنتقى 1/62.
(115) لحم الفرس فيه خلاف، ينظر: بدائع الصنائع للكاساني 5/38، 39، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/104، ونهاية المحتاج للرملي 8/143، والمغني لابن قدامة 13/324.
(116) أورده ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/241، 244، ولم أهتد إلى من خرجه.
(117) يعني ابن عباس رضي الله عنه.
(118) السرقين كلمة معربة وأصلها سركين، ويقال أيضاً سرجين، والمراد الروث. ينظر: المصباح المنير للفيومي 1/323.
(119) أخرجه عبد الرزاق بهذا اللفظ في كتاب الطهارة باب: من يطأ نتناً يابساً أو رطباً ينظر المصنف 1/31 برقم (97).
(120) أخرجه ابن أبي شيبة بهذا اللفظ في كتاب الطهارات باب في الرجل يتوضأ فيطؤ على العذرة، ينظر: الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار 1/56.
(121) غنية المتملي للحلبي ص206.
(122) حاشية ابن عابدين (رد المحتار) 1/213.
(123) حاشية ابن عابدين (رد المحتار) 1/216.
(124) حاشية ابن عابدين (رد المحتار) 1/210 وينظر معالم القربة لابن الإخوة الشافعي، ص 59.
(125) الطابق: ظرف يطبخ فيه، والجمع طوابق وطوابيق، ينظر لسان العرب 8/124 (طبق).
(126) حاشية ابن عابدين (رد المحتار) 1/216.
(127) غنية المتملي للحلبي ص193.
(128) فتاوى أركان الإسلام ص207-208.