أنت هنا

تعقيب على بحث: "زكاة المساهمات العقارية المتعثرة"
30 ربيع الأول 1428

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد.
فقد قرأت بحث "زكاة المساهمات العقارية المتعثرة" كاملاً، ووجدته بحثاً مفيداً محرراً ولله الحمد.
وقد تميز بالاعتناء ببيان مفردات عنوان البحث، ثم تخريج حكم المسألة على الأحكام التي ذكرها فقهاؤنا المتقدمون - رحمهم الله -، مع الترجيح المدعم بسببه.
وأحب أن أشير في هذه العجالة إلى بعض النقاط التي من شأنها تكميل البحث وإتمامه إن شاء الله:

أولاً:
ذكر الباحث ـ وفقه الله ـ في ص2 أن هذه المسألة من المسائل النازلة في هذا العصر ومع ذلك لم يعتني بذكر أقوال الفقهاء المعاصرين، وقد جرت العادة بأن المسألة إذا كانت نازلة نظر الفقيه في أقوال من سبقه من الفقهاء.
وقد نتج عن ذلك أن في المسألة كلاماً مهماً للمعاصرين لم يذكره الباحث.

ثانياً:
في ص6 ذكر الباحث تعريف "المساهمات" في الاصطلاح، فذكر تعريف السهم في الشركات المساهمة فقط، وهو قصور إذ المساهمات التجارية لا تقتصر على مساهمات الشركات المساهمة، بل تشمل أيضاً المساهمات العقارية ـ وهي المقصودة بالعنوان ـ، وقد يقصد غيرها أيضاً، فكان ينبغي أن تُذكر جميع المعاني الاصطلاحية، ثم يعين المعنى المقصود كما جرت العادة في التعريفات المركبة.

ثالثاً:
في ص7 ذكر الباحث المقصود بالمساهمات العقارية المتعثرة فقال:" الأموال التي يساهم بها الشخص..." والصواب:" النقود التي يساهم...".

رابعاً:
يعتبر المبحث الثاني وهو ضابط التعثر من أهم مباحث الموضوع؛ لشدة الحاجة إليه في حكم المسألة من جهة؛ ولتسهيل ضبط المسألة للناس الذين يحتاجون إليها من جهة أخرى.
وقد ضبط الباحث التعثر بالعرف وأحب أنبه إلى أمرين:
أ‌) يختلف عرف عامة الناس، عن عرف أهل العقار، في اعتبار وقوع التعثر، ولذلك كان الأحسن ضبطه بعرف أهل العقار، لاسيما ونحن في سياق بيان " ضابط".

ب‌) قمت بسؤال الذين يتعاملون بالمساهمات من العقاريين عن ضابط ولو تقريبي للتعثر، فذكر لي أحدهم ضابطاً استحسنته جداً وهو:
"أن المساهمة المتعثرة هي المساهمة التي توقفت بسبب لا يعرف متى يزول".
مثاله: قد تتوقف المساهمة لكونها خارج النطاق العمراني، أي بسبب تخلف هذا الشرط النظامي فيها.
وزوال هذا السبب لا يعرف وقته، بمعنى لا نعرف متى تدخل الأرض محل المساهمة في النطاق العمراني.

وذكر لي ضابطاً آخر:
وهو أن تتجاوز المساهمة المدة النظامية المفروضة لإنهاء المساهمة العقارية، وهي في النظام القديم ثلاث سنوات.
وقد يجد الإنسان بالبحث ضوابط أخرى يمكن أن تقرب مفهوم التعثر.
والمقصود أن هذا المبحث يحتاج إلى مزيد عناية وتوسع.

خامساً :
في المبحث الرابع ص13 تحدث الباحث عن مدى اعتبار القيمة السوقية للمساهمة المتعثرة، وبعد مناقشة المسألة خلص إلى أن بيع هذه السهم من باب بيع الغرر؛لجهالة القيمة، كما أنه لا يصح إخراج الزكاة بناء على هذه القيمة :

والذي يظهر لي أن هذا التقرير فيه بُعد لما يلي:
أ‌) جهالة الثمن عند الفقهاء تعني جهالة المقدار، وجهالة الوصف، وهنا مقدار ثمن الأسهم، ووصفه معروف، كما لا يخفى.

ب‌) جهالة العاقبة شيء، وجهالة القيمة شيء آخر، والباحث لم يميز بينهما، فالقيمة السوقية لهذه الأسهم معروف، والجهالة في عاقبة شراء هذه الأسهم، فقد يبيع، وقد لا يبيع، وقد يبيع بسعر منخفض، أو مرتفع.

وقد جعل الباحث بيع هذه الأسهم كبيع العبد الآبق، وبيع العبد الآبق ممنوع؛ لأنه لا يعلم هل يحصل عليه المشتري أم لا، بينما في هذه الأسهم المشتري حصل على مضمونها ـ وهو جزء من الأرض المساهمة ـ ويتمكن من بيعه.
لكن قد لا يستطيع أن يبيعه لعدم وجود مشتري، أو لانخفاض سعره، وهذا شيء آخر.

ج‌) لو أن سلعة من السلع ـ فلنقل مثلاً مواد غذائية ـ انخفض سعرها جداً، لسبب أو لآخر، وأعرض عنها الناس، فلو اشتراها شخص فسيشتريها بثمن منخفض جداً، ثم قد يبيعها، وقد لا يبيع، وقد يبيع بسعر منخفض، أو مرتفع، فهذا مجهول فهل يقال لا يجوز شراء هذه السلع؟
جهالة العاقبة لا تؤدي إلى الغرر دائماً.
بناءً على ما سبق فإن الذي يظهر أن هذا السعر السوقي للأسهم سعر حقيقي،يتناسب مع وضع هذه المساهمة التجاري، فلا مانع من إخراج الزكاة بناءً عليه، ولو كان منخفضاً.

سادساً:
الفصل الثاني يناقش المسألة المقصودة بالبحث، وسأذكر بعض النقاط حوله:
أ‌) اعتبر الباحث دين المعسر،والمماطل،من الدين المرجو، والأقرب أنه من غير المرجو.
انظر الموسوعة الفقهية 239/23.

ب‌) ذهب شيخنا محمد بن صالح العثيمين(1) إلى أنه يجب أن يزكي الأراضي الكاسدة(2)، بأن يضبط زكاة كل سنة، ثم إذا باع زكى الجميع. و ذكر فرقاً بين الدين، وبين ملك الأراضي، بأن الدين في ذمة الفقير، بينما الأرض ملك بيده.

قلت: ومالك السهم في المساهمات العقارية يستطيع أن يبيع أسهمه في السوق، بخلاف الدين الذي للإنسان في ذمة المعسر، فهذا لا يتمكن منه بحال. وبهذا ظهر أن القياس لا يتوجه لوجود الفارق المؤثر.

والباحث ذكر في الترجيح، في مسألة زكاة الدين على معسر، وزكاة المال المغصوب، أنه لا تجب الزكاة لكون المال خرج عن ملك صاحبه، وفي الأسهم العقارية، لم يخرج عن ملك صاحبه، كخروجه في حال الدين، بدليل أنه يتمكن من بيع حصته من المساهمة العقارية كما تقدم.

أما مسألة حكم زكاة دين المعسر، والمماطل، وحكم زكاة المال الضمار، فقد ذكرهما الباحث للتخريج عليهما فقط، والخلاف في هذه المسألة معروف، ولكل قول وجهة نظر قوية، فلست بحاجة للتعليق عليها بشيء.
والله أعلم.

________________
(1) مجموع فتاوى شيخنا محمد بن صالح العثيمين 18/205.
(2) والكساد أحد أسباب التعثر.