يا تجار المسلمين رفقاً بالمسلمين

تأملت في تأريخ المسلمين فقرأت أنه مرت بالمسلمين كثير من الأزمات والنكبات فأحببت أن أسلط الضوء حول واحدة من تلك الأزمات وهي عام الرمادة التي وقعت في زمن الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهذا العام قل فيه الطعام ودام مدة طويلة تسعة أشهر تقريبا وسمي هذا العام بالرمادة لأن الأرض صارت سوداء مثل الرماد فاتخذ عمر -رضي الله عنه - تدابير حث الناس فيها على الصلاة والرجوع إلى الله وكتب إلى عماله في الأمصار طالبا منهم الإغاثة فأرسلوا إليه ووزعه بين المسلمين لأن هذه الأمة أمة واحدة وهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

وإننا نعيش في زمن ارتفعت وغلت فيه الأسعار حتى في السلع المستهلكة اليومية كالخضار مثلا والمواد الغذائية وهذا الأمر يشكل خطرا على الأفراد ولا يقتصر على ذلك بل يزيد عليه بأنه يضر ويشكل خطرا جسيما على اقتصاد البلاد.
ولقد عظم الغلاء في أواخر عهد بني العباس حتى أكلوا الروث والجيف وماتوا في الطرقات وأكلت الكلاب وهرب الناس إلى أماكن أخرى طلبا للنجاة.

وإن من واجب المسلمين التناصح فيما بينهم دائما وأبدا وقد حثنا على ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم ولقد وجد في زمننا الحاضر الجشع والطمع من بعض التجار ولابد من علاج هذا الأمر ومتى ما ضعفت المراقبة فلا بد من تعزيزها.

يا تجار المسلمين إن الناس قد ضاقت بهم الحيل فأصبحوا في حالة لا يعلم بها إلا الله فقد سمعنا وقرأنا من أحوال الناس ما يحزن له القلب ويندى له الجبين فهذه أم قرأت قصتها في صحيفة من صحفنا اليومية تقلل من فترات إرضاع ولدها الصغير بسبب غلاء أسعار الحليب وغير ذلك كثير كثير.

يا تجار المسلمين إننا نحن المسلمين نمتاز بصفة تميزنا عن غيرنا فإننا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى فأين التجار من هذا المعنى العظيم وهم يسمعون بما حل بالناس بسبب غلاء الأسعار.

إن بعض التجار يتعلل بأن هذا حق له أن يرفع السعر بما يراه مناسباً فأقول له إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الضرر فقال: "لا ضرر ولا ضرار" وهذه قاعدة عامة في جميع شؤون الحياة.
إننا في هذا الزمن نعيش غلاء فاحشا للأسعار وذلك بسبب الطمع والجشع عند بعض التجار الذين احتكروا بعض السلع أو العقارات وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاحتكار.

وهذا الاحتكار وارتفاع الأسعار يضر بمصلحة البلاد والعباد بحيث يكلف الإنسان مالا يطيق وكذلك سيجعل الناس يعزفون عن الشراء فتكسد السلع وتضر بمصالح البلاد واقتصادها ناهيك عما تسببه من مفاسد وأضرار وزيادة معدلات الجريمة في البلد والسرقات وما إلى ذلك.

إنه ينبغي على جميع التجار أن يتذكروا أن هذا المال منحة من عند الله جل وعلا وقد هيأه الله للتجارة والنماء وقد يكون ذلك امتحاناً واختباراً له ومن أعطاه هذا المال وهذه التجارة قادر على أخذها منه فاللهَ اللهَ بالنصح للمسلمين ومراعاة أحوالهم وترك الطمع والجشع.

وإني أحب أن أذكر تجارنا الأفاضل بموقف التاجر المسلم على مر الزمن من عهد الصحابة رضوان الله عليهم إلى زمننا الذي نعيش فيه إنهم يحبون الخير للمسلمين ويجتنبون أكل أموال الناس بالباطل ولا يغشون ولا يكذبون ولا يحتالون فالتاجر سمحا في المعاملة سمحا في البيع والشراء سخيا بالصدقات كحال عثمان وابن عوف -رضي اله عنهما - فإنهم يجودون ولا يستغلون حاجة المسلمين.
وإني أسال الله أن يرفع عن المسلمين البلاء ويرزقنا جميعا حب الخير للمسلمين إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.