أنت هنا

بين الأدب والتربية والإعلام ..حوار مع الاستاذ مروان كجك
14 ربيع الأول 1428

1 - كيف يحب الأستاذ مروان كُجُك أن يقدم نفسه للقراء والمتابعين؟
- ولدت عام 1941م في مدينة تلكلخ بمحافظة حمص في سورية. عملت معلماَ في المرحلة الابتدائية ثم مدرساً للغة العربية وآدابها في المرحلتين الإعدادية والثانوية. حصلت على الليسانس في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق، وعلى دبلوم الدراسات العليا الإسلامية من القاهرة، وما زلت أطمح في المزيد من العلم. أقمت في القاهرة خمس عشرة سنة، وأقيم حالياً في مدينة الرياض في السعودية.

2 - كيف قادتك الأقدار إلى الكتابة في الأدب والتربية والإعلام، وماذا قدمت لهذه العلوم، وماذا قدمت هي لك؟
- الصلة بين الأدب والتربية والإعلام صلة وثيقة، والعلاقة بينها حميمة، والأدوار التي تؤديها في خدمة الفرد والمجتمع أدوار تكاملية، ولا بد لكل مهتم بالشأن العام لأمته من استخدام الأسلوب الأمثل المناسب للبلاغ، والوسيلة المكافئة للمهمة التي ندب نفسه لها، وليس لأحد من خيار في خدمة أمته. قال أمير الشعراء أحمد شوقي - رحمه الله -: وللأوطان في دم كل حرٍ يد سلفت ودين مستحَقُّ أما ما قدمْتُه لهذه العلوم فلا أدعي أني قدمت لها شيئاً سوى أني برهنت على مطواعيتها لمن أراد التوسل بها لحمل رسالة خير لنفسه وغيره، وإبلاغها ندية جلية، لا شطط فيها ولا غمط، أبية صادقة، مفعمة بالأمل بغد مشرق لهذه الأمة صاحبة الرسالة الخاتمة، دون يأس ولا قنوط ولا بَرَم. وما قدمَتْه لي هذه العلوم أنها ساهمت مع الدين في تشكيل شخصيتي وبناء ذاتي، وأتاحت لي الفرصة لقول كلمة حق في عصر عربي جائر.

3 - لفتة إلى قصائدكم وأدبياتكم المناضلة ضد الهيمنة الغربية والاحتلال، وضد الدكتاتورية في بعض الدول .. ألا تزال تؤمن بأن الأدب قادر على التغيير .. أم أنه فقط حالة من إثبات الذات وتنفيس الهموم؟
- ما من شك في أن للأدب، شعراً أو نثراً، دوره المميز في المساهمة في التغيير سلباً أو إيجاباً؛ فقد كان لشعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث أثرهم الملموس في إذكاء الشعور الإسلامي العام بما جادت به قرائحهم من قصائد محمَّلة بأحلام المسلمين عامةً والشباب على وجه الخصوص بغد مشرق نبيل يعيد لهذه الأمة كرامتها وقوتها وعزة أبنائها بمقتضى معطيات عصرنا الراهن، ووفق ثوابت عقيدتنا، وما الشريط الإسلامي المسموع والمصوَّر الذي يعم المعمورة اليوم ويجوب البلدان أقاصيها وأدانيها إلا إشارة إلى دور الشاعر المسلم ومساهمته في بث روح الأمل الطموح والتربية الإيجابية الناصعة لما تحمله تلك القصائد من المعاني الخيرة التي تؤكد على أن الإسلام وحده هو الذي يحمل الحل الناجع لمشكلات البشرية اليوم أفراداً وأمماً. ومما لا شك فيه أيضاً أن للأدب دوراً نحو صانعه؛ حين يتيح له التعبير عما يجول في خاطره ويعتمل في نفسه من هموم أمته التي لا تنفصل عن ذاته.

4 - نقرأ لك في الأدب والشعر والدين وتخريج الكتب وفي الإعلام والتربية تذكِّرنا بالشمولية التي كانت لدى بعض الكُتّاب والعلماء والباحثين .. هل تنظر إلى نفسك على أنك كاتب شامل وقفت عند حدود ما وصلت إليه، أم لا تزال تبحث عن آفاق جديدة في الأدب والكتابة لاستكشافها؟
- لست كاتباً شمولياً، ولكني أكتب في ما أُحسنه؛ ونُشدان الثقافة العامة يتيح للكاتب أن يدلي بدلوه في موضوعات حذقها أو ألـمَّ بها؛ وتشعُّب قضايا الأمة يتطلب من أبنائها تقديم شيء في مجال ما يملكه أو يتقنه أو يلم به دون أن يكون في ذلك عدوان على حقيقة، أو افتئات على علم، أو ادعاء فارغ، أو تعبير رخيص وإثارة زوابع في امتطاء مركب: خالِفْ تُعرَفْ، أو مالئ تُحتضَن، أو خُنْ دينك تصبح تقدمياَ متنوراً. على المثقف أن يؤمن بطلب العلم من المهد إلى اللحد، وألا يكتب باستعلاء ولا غثائية؛ فالمسؤولية تجاه الكلمة التي يقولها الإنسان - في عقيدة المسلم - لا تـنـتـهي ولا تضيع في ثنايا الأيام والدهور حتى يقف المرء للحساب بين يدي ربه؛ فإما أن تدخله كلمته الجنة، أو تغمسه في النار؛ فليتحرَّ المرء ما يلفظ؛ فإنه {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.

5 - هل ثمة مقاربة بين ما نكتبه لأنفسنا وما نكتبه للآخر؟ بمعنى: هل تقول كل ما تفكر فيه، أم تضع لأفكارك حواجز إلى جانب حواجز الرقيب؟
- قد لا يستطيع الإنسان بصورة عامة والكاتب بصورة خاصة قول كل ما يفكر فيه؛ غير أن ما ينبغي الالتزام به ألا يقول إلا حقاً ولا ينطق إلا صدقاً. قد نقول الحقيقة كلها أو جزءاً منها لاعتبارات مختلفة، ومن الخير للمرء أن يصمت ويسكت من أن يقول باطلاً أو يشارك فيه. ولكلٍّ طاقته؛ فلا يحمّل نفسه ما لا تطيق. من المؤكد أن ممارسة الكاتب المسلم لدعوته وحماسه في الدفاع عن دينه ينبغي ألاَّ يجعله يتجاهل الواقع وما يخصه من الأحكام الشرعية والروائز العقلية.

6 - ما مدى هامش الحرية المتاح للعربي والمسلم أن يكتب فيه؟ وكيف تنظر إلى الحرية لدى الكاتب العربي؟
- يختلف هامش الحرية المتاح للكاتب العربي والمسلم بين قطر عربي وآخر، ويظل لبنان على كل تقلباته وما يعتريه بين وقت وآخر من حوادث واضطرابات أكثر بلداننا حرية في هذا المجال، وقد قال لي يوماً أحدهم: لبنان وكر المؤامرات، فقلت له: ولكنه في الوقت نفسه ملاذ الأحرار. كان ذلك قبل الاحتلالات التي ما يزال لبنان يعاني من آثارها وما نجم عنها. وهذا لا يعني أنه يجوز إهدار القيم أو الاستهتار بالمقدسات ثم نسمي ذلك حرية؛ ولو كان الأمر كذلك لاقتضى خلو الأديان من المحرمات، واستغناء الدول والحكومات عن قوانين العقوبات وأصول المحاكمات. الحرية ليست مطلقة كما يتخيلها السخفاء، ولا مقيدة منتهكة كما يريدها الطغاة والمستبدون.

7 - عندما يكتب الأستاذ مروان كُجُك ألا يزال يأمل بهذه الأمة أن تعود لتسود؟ أم أن نهضة الأمة تحتاج إلى نوع آخر من الناس غير الموجودين حالياً؟ وإن كان الأمر كذلك؛ فعلامَ تعوِّل للإصلاح والنهضة؟
- الأمة التي حمَّلها الله - سبحانه وتعالى - أمانة الرسالة الخاتمة تظل محط الأمل، وأخَصُّ شعوبِ الأمة الإسلامية بالأمل في عودتها لاستئناف مهمتها وتجديد دورتها هم العرب قوم النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث أكد المولى - سبحانه - على هذه الحقيقة بقوله: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تُسألون} [الزخرف: 44]. وتباشير النصر قد لاحت ولله الحمد، وإن لم تكن من خلال معارك حاسمة؛ فاليقظة الروحية والنهضة الدينية في مختلف الأصقاع التي يذكر فيها اسم الله بحق وصدق تشي - بإذن الله - بانفراج أزمة هذه الأمة على الرغم مما يجدُّ من مؤامرات خارجية وداخلية على ثوابت الأمة وأسس وحدتها وقوتها. والناس الموجودون من المسلمين اليوم قادرون على النهوض من جديد إذا هم وعوا الأحداث على حقيقتها بعيداً عن الخزعبلات الإعلامية التي تصوِّر المتآمر على الأمة بطلاً، والمنافح عنها متخاذلاً أو مغرضاً أو إرهابياً؛ فبالتغيير الذي يبتدئ من النفس ينبثق الإصلاح وتنطلق النهضة؛ فـ {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد:11]. والتاريخ والواقع يؤكدان أن الكافر المحارِب للحق إذا غيَّر ما بنفسه من الكفر إلى الإيمان فإنه يتحول إلى طاقة فاعلة في الصف الإسلامي دون أي تغيير في خلقته الجسمانية؛ ولعل ما في الأمة من خير يحميها من سُنَّة الاستبدال التي لوَّح الله بها لعباده محذراً فقال: {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} [سورة محمد: 38].

8 - ثمة مطالب بين حين وآخر تنشرها وسائل إعلام حول ضرورة تطبيق ما خلص إليه الغرب من أساليب تربوية على أطفالنا وأبنائنا؛ فهل تضم صوتك إليهم، أم أن لديك وجهة نظر حول ذلك؟
- علينا أن نفرق بين الأساليب والمضامين؛ ومن الطبيعي أن يُنظَر إلى كل من الشكل والمحتوى. وما يبتدعه الغرب من أساليب تربوية تجريبية على أنه نتاج إنساني تشترك فيه البشرية ويظل دائماً خاضعاً للتجربة والتهذيب والتغيير؛ غير أن المضمون هو الذي ينبغي أن نقف أمامه بكل يقظة وتبصُّر؛ فإن كان مخالفاً لعقيدتنا ومناوئاً لشريعتنا وبعيداً عن تقاليدنا المباحة شرعاً وعقلاً رفضناه ولا نعقِّب؛ لأن المسألة مسألة دين ولا يمكننا التخلي عن ديننا الذي هو عصمة أمرنا وبهاء وجودنا. فإن لم يكن كذلك وكان من المباحات أو ما سكت عنه الشرع نظرنا فيه؛ فإن كان فيه لنا خير في ديننا ودنيانا وعاقبة أمرنا أخذنا به، وإن كان غير ذلك فالأوْلى بنا عدم الالتفات إليه أو الاهتمام به؛ فإن في ساحتنا من المهمات والواجبات لنهضة الأمة ما يكفينا ويملأ أيامنا بالعمل والجد إن أردنا ذلك؛ ولأن تأخرنا وضعفنا وهواننا على الناس ليس ناشئاً عن فقر في الفكر والأساليب وإنما سببه عدم إعمال النصوص والتوجيهات التي أنزلها الله لنا وبينها لنا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام عملاً وتطبيقاً وما نشأ عن ذلك من حضارة سامقة سامية تحمل كل مبادئ الخير والإصلاح ولا تحتاج إلا لمخلصين يستنبتونها من جديد.

9 - كيف تنظر إلى واقعنا الإعلامي بشكل عام، وهل ثمة أمل في أن يكون لدينا إعلام يعوِّض أبناءنا عن البرامج الغربية، ويقدم صوراً تاريخية أو إسلامية ناصعة؟
- على الرغم من غثاثة الجزء الأعظم من وسائل الإعلام العربية وسقوط كثير منها في حمأة الدعوة إلى الرذيلة فإن بشارات تدعو إلى الأمل في أن تتعدل الكفة نحو الفضيلة؛ وإن لم يكن ذلك من الناحية العددية لهذه الوسائل فعلى الأقل من ناحية الجذب والجدية والتأثير، وهذا ما نلاحظه من كثرة المشاهدين للقنوات الفاضلة التي تدل على الخير وتحذر من الشر، وعلى رأس هذه القنوات قناة المجد الفضائية التي نتمنى لها مزيداً من التطور والتقدم، إلى جانب قنوات فاضلة أخرى كقناة الناس والأمة والحكمة وغيرها من الفضائيات المباركة؛ وهذا يستدعي بدوره قيام مؤسسات إعلامية تنتج لهذه القنوات البرامج المناسبة لواقعنا الديني والاجتماعي والسياسي؛ ولدى المسلمين مادة حضارية غزيرة ورائعة يمكنها تلبية كافة المتطلبات الإعلامية التي يحتاجها الكبير والصغير، والشاب والطفل، والمرأة والرجل؛ في شتى النشاطات التي تحتاجها البشرية عامة وأمتنا خاصة. قد نحتاج إلى فترة تطول أو تقصر إلى البرامج العلمية الغربية؛ فلا بأس في ذلك بشرط ألا تحتوي على ما يتصادم مع العقيدة الصحيحة أو يستهتر بالجوانب الأخلاقية والسلوكية.

10 - كلمة أخيرة! لمن توجهها؟ وماذا تقول فيها؟
- أوجه كلمتي إلى فئتين: - فئة قليلة العدد عظيمة الشأن والأثر. - والأخرى كثيرة العدد عظيمة الأهمية جليلة الأثر. الفئة الأولى هم الحكام، وأما الأخرى فهم الشباب. - الحكام أدعوهم إلى العدل والتوكل على الله لا على طغيانهم؛ فعلى أيديهم تقام الشريعة وتجري الأحكام، وصلاحهم صلاح للأمة وفي فسادهم فسادها، وعزهم وكسبهم في العدل لا في الظلم، وقد أدرك سلفنا الصالح هذه الحقيقة؛ حيث جاء في كتاب [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للاّلكائي] قول الفُضَيْل بن عياض - رحمه الله -: «لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام؛ لأنه إن صلح الإمام أمَّن البلاد والعباد» [1/172]. ويروى ذلك عن الإمام أحمد: «لو أني أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان» [حلية الأولياء 8/91]. - والشباب، ومنهم سلاطين المستقبل، أقول لهم: ربوا أنفسكم على العدل ودربوها عليه؛ فإن العدل أساس الملك، وثقوا بالله واتقوه، واعلموا أن بناء الأمة وعزتها تصنعه أيدي الشباب المؤمن بربه والواثق بوعده والعامل على إقامة العدل لا في أمته وحدها بل في الأرض كل الأرض؛ فـ {إن الله يأمر بالعدل والإحسان ..} هكذا مطلقاً من غير خصوصية لأحد دون أحد أو أمة دون أمة، ولكنها نفحة من نفحات {رب العالمين}. والحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، وعلى آله وصحابته أجمعين.