شبابُ أمة

في ظلمة الزمان، ومع تسارع الفتن، وتزاحم الأهواء والأدواء، كان لا بد من التشبث بالمبادئ والتمسك بالقيم، وكما قيل إن الحياة عقيدة وجهاد، لقد جاءت الشرائع على مر العصور لسد الفراغ الروحي الذي يعيشه الإنسان، إذ إن الروحانية مطلب أساسي الكل يسعى لتحقيقه، والكل يطمئن لما يعتقد، إلا أن الإنسان مهما اعتنق من الأديان ومهما عاش فلن يجد أكمل ولا أشمل، ولا أهدى ولا أوفى من هذا الدين السليم الخالص الذي ارتضاه الله للناس أجمعين (دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام: من الآية161) هو الكنز الذي تتهاوى دونه الكنوز، هو رأس المال الذي لا يُعادله ثمن، من استمسك به عاش حياة السعداء ومن استبدله أو استبدل شيئا منه خاب وخسر وهوى وعاش أمر حياة، وأتعس معيشة، ولازمه الضنك، وقارنه الاكتئاب، فيا رب ثبتنا على دينك، واجعلنا من أنصاره..


والدين رأس المال فاسمتسك به فضياعه من أعظم الخسرانِ

أيها الأحبة، نحن نخوض اليوم معركة فكرية في ظاهرها عقديَّة في محتواها الحقيقي، تُدار بأسلحة فتَّاكة تفتك فتكاً يفوق فتك القنابل والصورايخ والمدافع والأسلحة، فيا ربِ سلم سلم..

فالأمة اليوم يلزمها لزوما حتمياً أن تكون في حالة استنفار، ترفض التفريط في ثرواتها – بكل أنواعها – سواء كانت ثروات فكرية – وهي الأغلى – أو ثروات اقتصادية، والفرصة فرصة الشباب في رد العدوان المتلاحق، بالثبات على المبادئ ونبذ الفرقة والتشرذم، إنها المرحلة الحرجة، لا أقول هذا يأساً، لكن أقوله تفاؤلاً لأن الشباب اليوم على الرغم من السهام الموجهة لعقولهم إلا أن فيهم من توافرت فيه أهلية القيادة ومقومات المجابهة.

إن الانطلاقة الأولى لنا في الوقوف ضد الزحف التغريبي الذي يحاول نزع لب الإسلام منا إننا إذا استشعرنا هذه الحرب وعرفنا مغزاها وجوهرها وأنها لم تكن لتقوم لولا إيماننا بالله ونهوضنا بكتاب ربنا لكنا أكثر حرصاً على أغلى ما نملك وأكثر جدّيَّةً في الدفاع عنه..، وبعدها يكون ارتباطنا بربنا أقوى وبكاتبه أشــد وهذا حال أولياء الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)) رواه الحاكم في مستدركه.

وعن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا: يا رسول الله إن هذا لموعظة مودع؟ فإذا تعهد إلينا قال: "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي وعليكم بالطاعة وإن كان عبدا حبشيا عضوا عليها بالنواجذ" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حديث حسن صحيح وحكى الله تعالى عن المؤمنين قولهم في الصف أما العدو "وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران:147، 148)..

ولو تتبعنا حال الأنبياء والصالحين والمجاهدين الصادقين لوجدنا الحال يفصح عن القاعدة المضطردة وهي أن الأزمات فرصة للجأ إلى الله والأوبةِ إليه، وكتاب الله خير شاهد على ذلك، وكذلك كتب السنة والسير والتراجم، كلها تدل على هذا الأصل.

كم هو مؤلم أن نرى اليوم فئة من الشباب المحسوبين على أهل الصلاح أو طلاب العلم يتربون على مظاهر جوفاء فلم يعرفوا من السنن إلا الظاهر وينتقون من الدين ما يروق لهم، ويأخذون السهل اليسير ويعرضون عن المكاره التي أخبرنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن الجنة قد حفت بها، فلا ورع ولا عمل ولا جهاد ولا تقوى وإنما هي صور تخالف الحقائق، ومظهر يُخالف المخبر، فتلك فتنتهم على الأمة أشد، ومن أجل هذا كانت العقوبة للمنافقين أشد وأنكى، لأنهم فتنة بعملهم هذا، فمن يخادعون بزعمهم؟ (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (البقرة:9).

أيها الشاب اعمل واعمل واعمل واعلم أنّ إنْ لم تُتعِب قواك في الحق جنحت إلى إتعابها في الباطل، ومن أعظم أسباب الثبات المرابطة على ثغر، قد لا تستطيع أن تلقي محاضرة أو تشرح كتاباً لكن تأمل معي في باب (المحاضرات)، ومن يعمل في هذا المجال الدعوي، فإن كان الشيخ يلقي فاعلم أن هناك من نسق للمحاضرة وهناك من سجل وهناك من وزع الأسئلة وهناك من اهتم بالحضور وهناك من جهَّز الصوتيات وهناك من أحضر الشيخ إلى المكان وهناك من وزع الإعلانات و... إلخ انظر إلى العمل الدعوي الواحد التكاملي وكيف يظن البعض أن المحاضرة ليست إلا جهداً فردياً من المُلقي فقط؟!
و مع الوقت تتطور ويتدرج بك الأمر، لكن المشكلة أن يحقر الإنسان نفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عنّي ولو آية".