أنت هنا

الدور التركي الجديد في العراق
4 ربيع الأول 1428

تغيرت المواقف كثيرا في دول الجوار العراقي بعد أربع سنوات من الغزو الأمريكي لعل أوضح تغير هو عند الجانب التركي فقد اكتسبت السياسة الخارجية التركية حيال منطقة الشرق الأوسط خصوصا في ما يتعلق بالملف العراقي حيوية وفاعلية مع بداية العام الجديد الإشارة الأولى لهذه السياسية الجديدة كان تصريح رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان مطلع العام الجاري الذي أكد فيه أن بلاده لن تقف متفرجة إزاء التطورات التي تجري على الساحة العراقية وأن العراق تحول إلى أولوية خاصة بالنسبة لتركيا متقدما على ملف الإتحاد الأوروبي وهو التصريح الذي وصفه الخبراء الاستراتيجيين بالخطير نظرا لأن رهان حزب العدالة والتنمية كان دوما على أوروبا.كما ترجمت وسائل الإعلام التركية تصريحاته المنتقدة للولايات المتحدة بشأن تقاعسها عن مكافحة الانفصاليين في شمال العراق على أنه إشارة على احتمال قيام تركيا بعمليات عسكرية قريبة في شمال العراق للمرة الأولى منذ احتلال العراق.أما الإشارة الثانية فقد جاءت من رئيس الاستخبارات التركية ايمري تانير والتي حذر فيها من استمرار سياسة التفرج تجاه ما يجري في المنطقة ودعا تركيا إلى أن تكون شريكا مـؤسسا في اللـعبة الإقليمية.المحللون السياسيون يرون بأن أسباب التوجه التركي نحو الشرق الأوسط من جديد تعود إلى التطورات الخطيرة التي تشهدها الساحة العراقية واحتمالات تفتت بلاد الرافدين مذهبيا وعنصريا الأمر الذي فرض على أنقرة النظر في سلم أولوياتها الإستراتيجية من جديد إذ أن قيام دولة كردية في شمال العراق يشكل في حد ذاته خطرا كبيرا على الأمن القومي التركي.فبعدما كانت مسألة الاتحاد الأوروبي هي الورقة التي يراهن فيها الحزب الحاكم في تركيا طغى موضوع العراق وما يحمله من أبعاد على الأمن القومي التركي مما دعا حكومة حزب العدالة والتنمية لإعادة النظر في سياستها تـجاه المنطقة والعراق تحديدا والتي حملت عنوان بالخط العريض "عدم التفرج".فقد رفعت تركيا من درجة تحركاتها الدبلوماسية في الوقت الذي تناقش فيه أنقرة كل الخيارات المطروحة بشأن العراق.هذا وترى تركيا بأن تزاحم التطورات في العراق مؤخرا بلغ حدودا خطيرا تنذر بانفجار واسع لحرب أهلية قد تفتح الطريق إلى تقسيم فعلي يستغله الأكراد للإعلان عن قيام دولة كردية مستقلة في شماله قريبة من تركيا قد تحرض أكرادها أيضا في جنوب شرق البلاد على الطلب بالاستقلال الذاتي وهو ما يعني بالتالي تجزيء تركيا أيضا. ومن هذا المنطلق، فإن أنقرة التي بدأت تستوعب خطورة الوضع بالنسبة لها تحاول إنقاذ الموقف قبل فوات الأوان وهو ما بدى من تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان الذي أعلن بأن العراق تحول إلى أولوية بالنسبة لتركيا تتقدم على ملف الإتحاد الأوروبي.ويرى الخبراء العسكريين أن أحد الدوافع التي تقف وراء هذه السياسية التركية الجديدة المتعلقة بالعراق قلق أنقرة من تزايد نفوذ الأكراد في العراق وخصوصا في مدينة كركوك العراقية الغنية بالنقط.
اليوم الموعود
منذ أن احتلت أمريكا العراق والخبراء في الشرق الأوسط يتحدثون عن "سيناريوهات المصائب" مثل أن النار التي اندلعت في العراق لن تحرقه لوحده بل ستطال الدول المجاورة له.. وبطبيعة الحال؛؛ فإن أمريكا بدورها لم تخيب ظن الخبراء فتارة تعلن عن مشاريعها لاحتلال سوريا وتارة أخرى تهدد بضرب إيران.. لحد الآن نجحت كل من سوريا وإيران باتقاء الشر الأمريكي.. لكن في غضون ذلك، هناك بعض السيناريوهات التي تتحدث أيضا عن تركيا والأكراد والمتمثلة بأن إقامة دولة كردستان مستقلة في شمال العراق سوف تتوسع فيما بعد لتشمل المناطق الكردية في تركيا وسوريا وإيران وطبعا مثل هذه البنية ستشعل معها نزاعات جديدة في المنطقة وتندلع منها الحروب.ومن هنا جاءت مؤخرا بشرى وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس التي لا تقل سوءاً عن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط!! بأنه (في حال انسحاب أمريكا من العراق فإن الأتراك سوف يدخلون في مشاكل مع الأكراد)... ومن هذه التصريحات نقرأ أفكار الصقور الأمريكية يعني أنه بمثابة التهديد لتركيا !!
أمريكا والأكراد
يقول الكاتب الصحفي "سردار تورغوت" في مقالة نشرت قبل أيام في صحيفة أقشام اليومية "لو أن تركيا شاركت أمريكا في الحرب على العراق لكانت كلمتها ستصبح مسموعة وأقوى في شمال العراق.. بل لما كانت اليوم لتدخل حتى في متاهات وجدل حول "كركوك".. باختصار شديد وبدون اندهاش؛ أمريكا سوف تؤسس دولة كردستان في شمال العراق وهم وحدهم يعلمون ماذا سيحصل في جنوب شرق تركيا. هم يقومون بتأسيس دولة "كردستان" على مرمى حجر منا أمام أعيننا وعلى مسامعنا بينما لا زلنا نرى بعض الأوساط وهم يستعجبون هذا الأمر عاجزون عن استيعاب ما يحصل أمامهم.. وبدوري أنا أعجب منهم أكثر لأفقهم الضيق ورؤيتهم المحدودة بل وأقف عاجزا أمام كل هذا الجهل وبلادة التفكير التي تصل إلى حد البلاهة عندهم" ويضيف الكاتب التركي القصة كالتالي: "أنا كنت أعمل كصحفي في واشنطن عام 1994 وبالصدفة بينما كنت أتجول في أروقة البنتاغون رأيت من بين الوفود مسعود البرازاني وجلال الطالباني وممثلين عن منظمة حزب العمال الكردستاني يجلسون على طاولة مستديرة في غرفة مسئول بالمخابرات الأمريكية يعمل في تركيا وأمامهم خريطة مفتوحة يشرح فيها كيف سيتم تشكيل دولة كردستان في شمال العراق. كما كانت هناك إشارات على الخريطة تشمل بعض مواقع جنوب شرق تركيا وعندما سألت عما تعني هذه الإشارات.. طبعا لم أتلق الجواب!! بل حتى أن الاجتماع تفرق فور ملاحظة دخولي". ويشير الكاتب التركي إلى أن أحد الذين رآهم في الغرفة آنذاك كان عضوا مهما في معسكر الصقور التي خططت للحرب على العراق ومقربا جدا من المهندس الأساسي للحرب ريتشارد بيرل بينما أحد الأكراد الذين كانوا متواجدين في الاجتماع أصبح اليوم نائبا لرئيس الوزراء العراقي. ويخلص الكاتب القول إلى أن أمريكا وبدون أدنى شك سوف تنفذ على أرض الواقع الخريطة التي وضعت ملامحها الأخيرة عام 1994..
انتخابات كركوك
كشفت وسائل الإعلام التركية أن رفض رئيس الأركان التركي الجنرال يشار بيوكانيت لاقتراح الحكومة بلقاء زعماء الفصائل الكردية في شمال العراق هو نتيجة للتقرير السري الذي أعدته المخابرات التركية ورصدت فيه توقيع كل من حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني على اتفاقية خاصة مع منظمة حزب العمال الكردستاني لمحاربة تركيا عند الحاجة.وكشف موقع "انترنت خبر" التقرير السري للمخابرات والذي جاء فيه أن الحزبين الكرديين (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني) يعتزمان استغلال ورقة المنظمة الانفصالية ضد تركيا في الاستفتاء الذي سيجري نهاية العام الجاري على كركوك.وطبقا للتقرير، فإن هذه الفصائل سوف تستخدم الانفصاليين الأكراد لكبح وإعاقة أي خطوات قد تقدم عليها تركيا إزاء كركوك أثناء الانتخابات وهو السبب الأكبر في رفضها التعاون من أجل إنهاء وجود المنظمة الانفصالية في شمال العراق. وأشار الموقع إلى أن الملف يتحدث تفصيليا عن مواقف الفصائل الكردية من تركيا والمنظمة الانفصالية ما قبل وبعد الحرب على العراق.ويعرض الملف أيضا اللقاءات التي أجراها ممثلو الحزبين الكرديين (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني) والحماية التي يقدموها لقادة المنظمة الانفصالية ومن بينهم زعيم الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني مراد كارايلان مثل تقديم المعالجة الطبية في المستشفيات بالمناطق التي تخضع لسيطرة مسعود البرازاني.كما يذكر التقرير أن مراد كاريلان التقى مرتين مع ممثلي الاتحاد الوطني الكردستاني في أكتوبر ونوفمبر عام 2006 في قرية "سوراداة" القريبة من جبل قنديلي على الحدود التركية العراقية.
تركيا والعراق
تواجه السياسة التركية وضعا صعبا إزاء التطورات الجارية في العراق وتحديدا تلك الجارية في كردستان العراق حيث تصاعد المد القومي الكردي وسط بروز ما يسمى بحركة الاستفتاء حول مدينة كركوك العراقية.ولعل ما يزيد من مخاوف تركيا حيال هذا الأمر هو الموقف الأميركي الذي بدأ يفترق تدريجيا عن الموقف التركي إزاء العراق منذ أن رفض البرلمان في 1-3-2003 نشر قوات أميركية على الأراضي التركية في إطار الحرب ضد العراق ومن ثم احتلاله حيث تعيش العلاقات بين الجانبين منذ ذاك الوقت أزمة صامتة عنوانها فقدان الثقة على الرغم من تأكيد الجانبين على أهمية كل جانب للآخر على المستوى الاستراتيجي.وإذا كانت التطورات السياسية الجارية في العراق وخاصة في مرحلة ما بعد صدام حسين تأتي على شكل معاكس لمحددات السياسة التركية الإقليمية تجاه العراق فإن المتابعين للشأن التركي يتوقعون أن تدفع هذه التطورات بالسياسة التركية إلى مجموعة من الاستحقاقات بما فيها دخول الجيش التركي إلى شمال العراق لتطهيره من المتمردين الأكراد الذين يشنون العمليات المسلحة ضد المدنيين والعسكريين الأتراك.وتدرك تركيا أن صورتها قد اهتزت في المنطقة بعد وقوفها عاجزة عن تنفيذ تهديداتها بدخول شمال العراق إذا دخل الأكراد مدينتي الموصل وكركوك بعد الحرب إذ بدا أن الخطوط الحمراء التركية تهاوت تباعا وأن قوة الجيش التركي في شمال العراق تلجمها الخشية على العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وهو وضع قد يسمح للأكراد في العراق بالتحرك بحرية أكبر من دون الأخذ في الاعتبار أي تهديد أو محاولة تدخل تركية مقبلة.وعلى أي حال فإن التحرك التركي الجديد في شأن التأثير في شمال العراق سيتجه إلى محاولة الضغط على الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية كي تضغط بدورها على الأحزاب الكردية لوقف الهجرة المستمرة إلى مدينة كركوك والتي يرى الأتراك أن من شأنها أن تفجر حربا أهلية في المدينة التي يتنازع التركمان والأكراد والعرب حكمها.
وأخيرا فقد بدرت إشارات واضحة تشير إلى أن تركيا تعيد توزان سياستها في العراق من جديد من أجل الحفاظ على مصالحها القومية ومن أجل لعب إقليمي في المنطقة.