أنت هنا

الزوراء :كاشفة لحرية الاعلام ومناورات السياسة!
4 ربيع الأول 1428

حصار واغلاق وفتخ قناة الزوراء الفضائية ،التى يملكها ويشرف على سياستها السياسى العراقى مشعان الجبورى ،عضو البرلمان العراقى تحت الاحتلال والسابق دخوله العملية السياسية (تحت الاحتلال ايضا) ،هى عملية كاشف لحرية الاعلام الامريكية المزعومة ،كما هو يظهر الى اين وصلت حالة محتلى العراق والى اين وصلت العملية السياسية "الديموقراطية جدا " والاغلب انه يظهر ايضا وبالدرجة الاولى كيف تجرى العلاقات والمصالح فى السياسة الدولية والاقليمية وكذا هو امر يفضح حكاية حرية الاعلام الفضائى وعبوره الحدود دون موانع سياسية .
وقناة الزوراء منذ بدات اختطت موقفا سياسيا واضحا ومحددا .هى فى توجهاتها كانت تعمل على مواجهة "التغلغل الفارسى فى العراق "،وهى فى ذلك كانت لا تمل الاشارة فى كل وقت الى انها تفرق "بين الشيعة العرب ..والفرس المتدخلين والمحتلين فى العراق "،وهى اعلنت مطولا وقوفها ضد الاحتلال الايرانى فى العراق .كما القناة كانت من خلال بثها افلام لعمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال الامريكى ،تظهر موقفا رافضا للاحتلال ومساندا للمقاومة ،وبين هذا وذا كانت القناة تبث جرائم المليشيات ضد ائمة المساجد والمواطنين السنة وعمليات سحلهم فى الشوارع وتناهض عمليات التهجير القسرى داخل الوطن.وفى اخر ايام بث القناة قبل توقفه –قبل تغيير ترددات البث والمعاودة رة اخرى فى مسلسل لا ينتهى-وجه مالكها وصاحب توجهها السياسى ،مشعان الجبورى ،رسالة الى امير دولة العراق الاسلامية ،شدد فيها ليس فقط على رفض قتل العراقيين ،ولكنه طالب ايضا ومحددا ،بوقف التصفيات التى قال ان تنظيم القاعدة (المنضوى تحت راية دولة العراق الاسلامية واميرها) يقوم بها ضد شيوخ العشائر العراقيين .
وكانت القناة قبل وقف بث برامجها قبل تغيير تردداتها،قد تعرضت الى وقف بث مواد اعلامية جديدة ،مقارنة بالفترة السابقة عليها ،وخلالها ظلت القناة غير قادرة على بث اية افلام او تحليلات او لقاءات جديدة ، فصارت تقوم باعادة بث ما كانت بثته من قبل وصارت تعيد بثه وتكرره ،الى ان جرى السماح لها ببث مواد جديدة لفترة اسابيع ،ثم توقف بثها ،واعيد على ترددات جديدة.
وكانت القناة مهتمة كثيرا بالتحليلات او التعليقات فى المواد الاعلامية التى كانت تبثها ،وفيها مالت القناة الى طابع التحريضى السياسى والى نمط الاعلام الحربى متناسبة فى ذلك مع الحالة الحربية الجارية فى العراق ومع استنفارها فى مواجهة المد الصفوى الايرلاانى داخل العراق.وكان من بين ما بثته ايضا رسائل واضحة ومحددة الابعاد والدلالات ضد بعض الشخصيات المتعاونة مع الاحتلال والحكم العميل ،كما كان الحال مع وفيق السامرائى ،الذى هو واحد من اخطر الشخصيات المخابراتية والامنية التى تعاملت وتعاونت مع المخابرات الامريكية والغربية عموما منذ عهد الرئيس صدام وحتى الاحتلال وبعده بطبيعة الحال،وفى الرسالة الموجهة له ، جاء تحذير او تهديد الزوراء له واضحا وقاطعا .اما المواد الاعلامية اتى كانت تبثها القناة الى جانب افلام عمليات المقاومة -والتى تميزت بالانفتاح على معظم المجموعات او التنظيمات المقاومة -فقد تمثلت فى اذاعة احد مشاركات مشعان الجبورى فى برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة ،وبرامج وصور عن عمليات التنكيل والتعذيب التى كانت تمارس ضد العراقيين فى سجن ابو غريب ومعتقل الجنادرية وافلام عن قناص الفلوجة وغيرها .
قنوات التحريض الحقيقية
فى الوقت الذى حوصرت فيه ثم منعت من البث قناة الزوراء ،فان ذلك لا يمثل حالة عامة فيما يخص القنوات الفضائية الصادرة بمسميات عراقية بعد الاحتلال ،بل الامر على العكس .وكما هو الحال فى العملية السياسية فى العراق –تحت الاحتلال وبامره ووفق مصالحه-التى لم يسمح فيها الا لمن والى ويوالى الاحتلال بالظهور والعمل العلنى ودخول الانتخابات ..الخ ،فان الامر نفسه جرى فيما يتعلق بالقنوات الفضائية والصحف التى ظهرت بكثرة بعد الاحتلال الامريكى للعراق.
واللافت هنا امران ،اولهما ان الخط الاعلامى للاحتلال قد سار فى اتجاه التوسع و"الكثرة الشديدة والمبالغ فيها " فى السماح بتاسيس واطلاق لقنوات فضائية والصحف ،حتى اصبح العراق اشد كثرة فيما يصدر من فضائيات من الدولة العربية التى كانت المثل فى كثرة القنوات والصحف فى المنطقة العربية –لبنان .والثانى ،مرتبط بالاول وعكسه فى ذات الوقت اذ ان القنوات الفضائية اللبنانية انما تعبر عن مختلف مكونات الشعب اللبنانى (المستقبل لتيار المستقبل –والمنار لحزب الله ..الخ )،بينما القنوات الفضائية العراقية التى صدرت جميعها بعد الاحتلال ،هى من لون واحد –اللهم الا قناة الرافدين وندرة اخرى من القنوات-هو بالتحديد لون الموافقين والداعمين والمؤيدين والصامتين على الاحتلال .
واذا كان الخط الاعلامى –او لنقل الخطة الاعلامية لعملية الغزو والاحتلال –هى فى واقع الامر جزء من الخطة الشاملة للاحتلال وفى اغلب الوقت جزء مباشر من الخطة الحربية المعدة قبل الاحتلال (كان الصحفيون والمراسلون لوكالات الانباء والصحف والقنوات الفضائية يعرضون تقاريرهم للمخابرات العسكرية الامريكية )،فان القنوات الاعلامية العراقية التى نشات بعد الاحتلال –الا ما اطلق من خارج يد الاحتلال او بالدقة من خارج العراق كما هو حال الرافدين-كانت بدورها جزء من خطة التمكين للاحتلال وفق نمط الكثرة والاغراق المعمول بها فى الاعلام الامريكى .لقد استهدفت ادارة احتلال العراق ،اظهار نمط "الديموقراطية" التى يتمتع بها العراقيين –فى الشكل –ليس فقط بحكم ان الجميع ينطق بلون واحد فى الفهم والرؤية والرسالة الاعلامية ولا لان الزوراء قد عطلت وحوصرت وهى ناشئة بعد الاحتلال هى الاخرى ،ولكن لان هذا النمط من الاعلام هو واحد من اعقد اساليب التضليل والالهاء الاعلامى .هو نفس نمط الاعلام الامريكى الذى هو اشد تضليلا من اعلام النظم ذات الحزب الواحد ،حيث الفارق فى الحالة الامريكية ان المشاهد والمتابع –المواطن المستهلك حسب الفهم الامريكى-يعرض عليه بضاعة من نفس الصنف لكن بالوان واشكال متعددة ،بما يشعره زيفا بانه يختار بينها او منها ما يشاء هو ،بينما هو فى واقع الامر محاصر فى اختيار واحد فى اشكال مختلفة من حيث الالوان لا من حيث المضمون .وتلك طريقة معروفة فى عمليات الانتاج والتسويق لدى الشركات .اما فى حالة النظم الشمولية ،فان المشاهد لا يرى سوى لون واحد ،وفيه يصبح المشاهد مفروض عليه شكل واحد واختيار واحد يجد نفسه مكرها على الشراء –او على المشاهدة بلا خيارات ولو كانت زائفة.
والحاصل ان العراق بات "زاخرا" بالوان عديدة من الصحف والقنوات الفضائية ،لكنه فى واقع الامر لا يرى حرية تعبير –بل حرية عرض-ولا يستمع الى عدة اراء،بل لعدة اشخاص يقولون نفس الراى باخراج مختلف ..اما الرسالة الاعلامية والمضمون فهو واحد !
واللافت هنا ،ان قنوات الاعلام المسموح بها ،انما هى تمارس اشد انواع التحريض ضد الاخر فى العراق ،لكنه تحريض "مرضى عنه " على خلاف التحريض الذى كانت تمارسه قناة الزوراء .فاذا كانت الزوراء قد حرضت على مقاومة المد الفارسى ومواجهة اعمال المخابرات الايرانية فى العراق ومواجهة الاحتلال الامريكى ،فان القنوات المرضى عنها ،تحرض على التعاون مع سلطات الاحتلال والاستعانة بها فى ادارة الشان العراقى الداخلى وتروج للسلطة السياسية التى عينها واسسها الاحتلال ،كما هى تحرض على القتل "فعليا" بما تبثه من "جرائم الاحتلال منسوبا لاطراف عراقية ،ومن خلال اتهامها عراقيين مقاومين للاحتلال والسلطة العميلة –بوجهيها الامريكى والعراقى –بالارهاب .ولقد كان فيلم اعدام الرئيس العراقى صدام حسين الذى اذيع على احدى هذه القنوات ،هو اشد الحالات الكاشف لدور هذه القنوات واهدافها الاعلامية المرتبطة بالاحتلال وبنشاط الميليشيات الطائفية.
الزوراء ..المساومة السياسية
غير ان قناة الزوراء وحصارها واغلاقها ومحاولاتها المستمرة للافلات من الحصار،لم تكشف فقط زيف الانفتاح الاعلامى والحرية الاعلامية لاجهزة الاعلام فى العراق بعد الاحتلال ،ولكنها كشفت ايضا عن طبيعة "العملية السياسية" الجارية تحت الاحتلال ،وعن طبيعة المساومات التى تجرى بين الاجهزة المتحكة فى البث الفضائى دوليا ،بما يمثل تكذيبا للمقولة الرائجة دوليا ،حول فضاء العولمة وحرية الاعلام الفضائى ،وعبور الحدود بلا مانع ودون قرارات سياسية بالمنع وعن ان العالم اصبح قرية كونية .
من حيث النشاة ،فان صاحب القناة والمشرف السياسى عليها –مشعان الجبورى-كان من قبل وبعد بدء الاحتلال –لسبب او لاخر –قد انضوى فى داخل العملية السياسية ،لكنه وبعد وقت وجد ان الامور تسير فى اتجاه هو لم يرضاه من بعد –كان بامكانه ان يكون مثل المشهدانى الذى باع كل شىء من اجل استمرار موقعه فى البرلمان المزيف-فغادر العملية او اللعبة السياسية وصار مهاجما قويا لها وشخوصها ،الى ان نشات القناة التى مثلت بدورها كاشفا للحرية الاعلامية وللعملية السياسية الجارية .
الا ان ما لاقته القناة هو ذاته كاشف للاوضاع السياسية والمساومات الجارية بشان العراق بين مختلف الدول فى المنطقة وعلى المستوى الدولى ،حيث جرى ايقاف البث لفترة وسط مطالبات وضغوط ومساومات امريكية وايرانية على الاقل ،بسبب مواقفها بطبيعة الحال .وفى ذلك رسالة للجميع وايضاح ،بان الغرب لا يحترم حرية الاعلام ولا يحزنون وان الاعلام هو صنيعة المواقف السياسية ،مرتبط بها ومحدد على اساسها لا فى مواقفه فقط ،ولكن ايضا فى السماح له من الاصل بالصدور والاستمرار.