أنت هنا

هموم التعليم وتعليم الهموم في الاغتراب
14 صفر 1428


في الغربة.. بعيداً عن الأهل والأصدقاء والأحباب، وبعيداً عن وسائل الإعلام العربية والسعودية، يعيش آلاف الطلاب السعوديين في غربتهم، أملاً في تحصيل دراسي ناجح، وأملاً في الوصول إلى الهدف الذي رسموه لأحلامهم ومستقبلهم.. عملاً أو مكانة أو علماً.

وفيما تبدو الصورة غير واضحة المعالم، مع ندرة ما يكتب وينشر عنهم في الصحف والوسائل الإعلامية الداخلية، يبدو الطلاب وكأنهم في عالم آخر، لا يتم الحديث عنهم إلا حين يتم اعتقال أحدهم، أو طرد آخر، أو سجن ثالث.. إلا أنه وفي ثنايا تلك الحياة اليومية الشاقة، ثمة أحلام وآمال، ومشاكل وأزمات.. لا يدري عنها الكثيرون.

في سعيه للاقتراب من صورة الواقع التي يعيشها الطلاب السعوديون المبتعثون للخارج، قام موقع (المسلم) بمراسلة عدد من الطلاب المبتعثين، واستقصى آراءهم حول أهم المشاكل التي يعانونها هناك.. وأحلام بعضهم في العودة للوطن.. وقد فتح الكثيرون صدورهم لذلك.. مع تعاون مشكور وجهد طيب للملتقى السعودي في أمريكا، الذي كان له دور في التواصل مع بعض الطلاب هناك.

أزمة ثقة:
لعل من أولى المشاكل التي كشفت عنها رسائل الطلاب المبتعثين هناك، قلة تواصلهم مع الجهات الإعلامية هنا، وعدم وصول صوتهم إلى وطنهم وأهلهم، ما يزيد من أزمتهم، وإحساسهم بالبعد والغربة، وهو ما تجلى برسائل الشكر على فتح مثل هذا الموضوع للنقاش.. وعلى فرصة إيصال صوتهم بعد طول انقطاع.

أما أكثر المشاكل التي تم طرحها والحديث عنها، فهي المشاكل الأمنية، والتي توقع البعض منهم في أزمات "مهلكة" تنتهي بالطرد أو السجن.
يقول الطالب خليل اليحيا (مبتعث لدراسة بيولوجيا الخلايا العصبية): "أهم المشاكل التي تواجهنا هو وجود الهاجس الأمني الذي يتعامل مع الطالب السعودي والمسلم كمتهم حتى تثبت براءته". مشيراً إلى أن من بين تلك المشاكل، مشكلة استخراج الفيزا.

وقد تحدثت الصحافة السعودية خلال الفترة الأخيرة، عن ظاهرة الهم الأمني بين الطلاب المبتعثين، والذين يواجهون العديد من المشاكل، ابتداءً من طريقة الإجابة على أسئلة الجمارك وشرطة المطار، وانتهاءً بالتهم الجاهزة لهم.
تورد الكاتبة مها الحجيلان (كاتبة سعودية في صحيفة الوطن) أمثلة على المشاكل الأمنية في المطارات، قائلة: " كثير من الطلاب يرددون إجابات جاهزة سمعوها من زملائهم حتى لو كانت خاطئة، كأن يجيب عن سبب ذهابه إلى أمريكا بأنه يريد زيارة أصدقاءه، وفي كثير من الأحيان يتبلمون ولا يحيرون جوابا؛ فالصمت وعدم الإجابة أمر مستغرب بل مدهش للأمريكيين رغم أنه ربما لا يكون كذلك في ثقافتنا لأن بعض الطلاب قد تعودوا عليه في منازلهم ومدارسهم".
وتضيف: " الأمريكيين لا يفهمون معنى لصمت الشخص عن الرد على سؤال مباشر موجّه له إلا أن يكون ذلك الشخص لم يسمع السؤال أو أن لديه عيبا خَلقيا في جهاز النطق أو أن يكون شخصا غير سويّ".
وربما أجاب الطالب على تلك الأسئلة بطريقة غير شفافة، محاولاً التفاخر، فيقع في مصيدة "الصدق والكذب".

وبطبيعة الحال لا يقتصر الأمر على هذه المشكلة، بل يتعداها إلى تحد آخر، وهو عدم معرفة القوانين العامة في الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت، تطبيق هذه القوانين بحرفيتها على زائرين دون غيرهم.
وكمثال يجب ذكرها هنا، نشير إلى أن بعض الاعتقالات التي تمت بين صفوف الطلاب السعوديين الذين عادوا إلى الولايات المتحدة بعيد انتهاء إجازة رأس السنة الميلادية، حصلت بسبب إدخال البعض منهم "برامج حاسوبية منسوخة"، أي غير أصلية، من تلك التي تباع في محلات العليا ومعظم محلات الكومبيوترات في البلاد العربية.
كذلك حدثت بسبب وجود بعض الصور الجنسية في أجهزة بعض الطلاب، أو وجود مواقع إسلامية في ذاكرة الجهاز، تحمل صفة "الإرهاب" أمريكياً، وهي أية مواقع تتحدث عن الجهاد ومعاداة أمريكا.

الطلاب الذين عادوا محملين ببعض البرامج "التي لا تعتبر جرماً في ثقافتنا نحن العرب" وقعوا بأيدي رجال الشرطة، لذلك فإن الملتقى السعودي للطلاب بأمريكا، نشر تحذيراً عبر موقعهم على الإنترنت، بتاريخ 8 يناير 2007، قال فيه إنه على الطلاب القادمين من السعودية التأكد من : "عدم وجود مواد أو صور جنسية في كمبيوتراتهم لأعمار تقل عن السن القانوني في قانون الولايات المتحدة الأمريكية .. أو بعض البرامج المنسُوخة بطريقة غير شرعية كالويندوز .. أو بعض الروابط لمواقع محظورة كالمواقع الإرهابية والجهادية"، مشيرا إلى أن إدارة الملتقى السعودي اطلعت على "بعض التفاصيل لعدد من الطُلاب السعوديين القادمين إلى الولايات المتحدة لأول مرة والذين تم ضبط مجموعة من المُخالفات في أجهزتهم المُحمولة منها صور جنسية وبعض البرامج المنسوخة بطرق غير شرعية"، وأضافت أن عدد من هؤلاء الطلاب " تم إرجاعهم ومنعهم نهائياً من الدخول لأراضي الولايات المتحدة .. والبعض الأخر تجري محاكمتهم حالياً بتهم تتراوح مدتها مابين الخمس سنوات إلى العشرين سنة .. وفي أضعف الحالات سيتم ترحيلهم إلى السعودية ومنعهم من الدخول نهائياً إلى أمريكا"..

وقد أثارت تلك الأنباء مخاوف عشرات الطلاب، ممن باتوا قلقين تماماً من وضعهم في الولايات المتحدة، أو من عودتهم إلى هناك. حيث تعكس المنتديات الطلابية مخاوفهم وهمومهم الأمنية. خاصة مع تأكيدهم أنهم "من السعودية" حيث يقول مشرف الملتقى رداً على مخاوف أحد الزملاء: " توقع أسوء الاحتمالات في المطارات الأمريكية، ومن مسئولي الجمارك .. حيث أن السعودية تُصنف دولة عالية الخطر بالنسبة للولايات المتحدة ويتم عادة تفتيش القادمين منها تفتيشاً دقيقاً". ولا يخفى على الطلاب أنهم "مقصودين" تماماً في تلك الأعمال الأمنية المشددة، مؤكدين أنه لو تم تطبيق هذه القوانين على الجميع، لتم اعتقال جميع الصينيين في أمريكا.!
هذا فضلاً عن مخاوف الاعتقال لأي شبهة، أو مخاوف اقتحام المنازل، والمراقبة الدائمة.
والاعتقال قد لا يكون لأي فعل يعتبره الطلاب "كافياً" للاعتقال، فربما كانت الاعتقالات لأبسط الأشياء، تماماً كما يحدث في المطارات. تقول الكاتبة مها الحجيلان: "هناك عادات سلبية منتشرة في السعودية يتداولها بعض المراهقين وربما يحملونها معهم إلى بلدان ذات ثقافة وقوانين مختلفة؛ فالمعاكسات والمضايقات التي تجري في شوارعنا لا يمكن لهؤلاء حملها معهم إلى بلدان مثل أمريكا؛ فالمرأة هناك لا تحتاج إلى شهود أو أدلة لكي تتهم شخصا بالتحرش الجنسي الشفهي أو الحسي من أجل أن يودع المتهم في السجن سنوات طويلة".
وتضيف "قيادة السيارة بالطريقة المتبعة في الرياض وما تتضمنه من مراوغات وخروج من مسار إلى آخر واعتداء على حق المشاة وغير ذلك من المخالفات المرورية التي أصبحت كأنها هي النظام عندنا- هذه الطريقة في القيادة لا يمكن أن تكون صحيحة في الخارج لأنها ستُسبب حوادث كثيرة ومخالفات مرورية قد تتبعها مخالفات جنائية تشكك في عقل سائق السيارة أو سلوكه كأنْ يتّهم بأنه كان يتعمد تعريض حياة مواطنين أمريكيين للخطر والرعب من خلال قيادته للسيارة بطريقة خطيرة".
إذن.. هناك الكثير من الأسباب "المقنعة" أمريكياً، لاعتقال الطلاب السعوديين، من على أبواب المطارات، وفي الشوارع، والمنازل (كالطالب حميدان التركي).. وهذا ما يحدث بالفعل للبعض منهم الآن..

الفقر في الوطن غربة.. فكيف في الغربة؟
لا نقصد هنا الفقر الدائم، وإنما الحاجة الملحة أحياناً للمصاريف الدراسية والعلاجية والاجتماعية، وأحياناً المعيشية.. فالحياة في دول غنية كالولايات المتحدة واستراليا ونيوزلندا وغيرها، تجعل من الصعب جداً على طالب يتلقى مصروفه من الملحقية الثقافية؛ الانتظار طويلاً للحصول على المكافئة، خاصة وأن دول مثل الولايات المتحدة، يتم فيها تطبيق النظام على طريقة "إن لم تدفع .. تسجن".
في بعض الأحيان لا تكفي المكافئة المصاريف الشخصية والدراسية كاملة، وفي أحيان أخرى، يكون التأخير بمثابة "كارثة" يعيش في كابوسها بعض الطلاب، وهو ما حصل بعض المرات، كان آخرها تأخر المكافئات خلال شهر سبتمبر 2006.
يقول الطالب ماجد محمد العشري، المبتعث لدراسة الأشعة الطبية في أستراليا: " أنا اعتمد بشكل كبير على المكافأة الممنوحة من الدولة، والمبلغ لا يكفي إلى حد كبير مقارنه بالأسعار الموجودة عندنا، حيث أن نصف الراتب تقريبا يذهب أجار السكن ويبقى مصروف شخصي وبنزين سيارة وملابس وخلافة, وانأ دائما أحول من حسابي في المملكة بعض المال الذي كنت مدخرة للزواج لشراء بعض الأشياء أو عندما ينقص علي المال".

ويؤكد الطالب سليمان توفيق البوقري (26 عاماً) والمبتعث لدراسة المحاسبة على حساب وزارة التعليم العالي في أمريكا، عدم كفاية المكافئات الشهرية لتغطية المصاريف كاملة، ويقول: " اعتمد بعد الله تعالى للمصاريف اليومية على المكافئة الشهرية، وهي غير مجدية وغير كافية بتاتا،ً واضطر إلى الطلب من السعودية لأغطي مصاريفي اليومية".
وتبدو ظاهرة الاقتراض لسداد المتطلبات اليومية؛ حاجة ملحة لدى الكثيرين، كما يبدو السكن إحدى أهم المشاكل التي تواجه الطلبة، مادياً... إذ يؤكد الطالب عبدالله محمد الحزيمي (25 عاماً)، والمبتعث لدراسة الكيمياء عبر وزارة التعليم العالي، أن الاقتراض وسيلة دائمة للخروج من الأزمات المالية، ويقول: "المبلغ المستلم لا يكاد يكفي احتياجات الحياة الأولية في ولايتي (فلوريدا)، بل إني قد احتاج إلى الاقتراض بين الحين والآخر".
ويشير الحزيمي إلى نقطة أساسية في مسألة المكافئة الموحدة للطلاب، والتي تجعل الوضع المادي يتفاوت حسب كل دولة أو ولاية يتم الابتعاث عليها، قائلاً: "في بعض الولايات لا تكاد (المكافئة) تكفي حتى كإيجار للسكن، وفي البعض الآخر تكون المكافأة بمثابة الثروة، فالطالب يصرف ويوفر منها".
وهذه النقطة سجلت لصالح بعض الطلاب الدارسين في ولايات أخرى، كالطالب يوسف (29 عاماً) والمبتعث لدراسة الماجستير في المحاسبة على حساب وزارة العليم العالي: " كنت في مدينة أخرى وكانت المكافأة تكفي وتزيد...أما في مدينتي الحالية والتي تعتبر أغلى بشكل أكبر من السابقة، فأنه لم يمر علي شهر إلا وقد طلبت تحويل مبلغ إضافي من الأهل.. رغم أن مكافأتي كمتزوج هي 2329 دولاراً تقريباً.. إلا أنني أدفع إيجار الشقة 1100 دولار، إضافة للمصاريف الأخرى مثل الجوال والكهرباء والتأمين الإلزامي للسيارة والبنزين والأكل وغيرها".
كما يقول الطالب عبد الله بن عبد الرحمن سعدان (22 عاماً) والذي يدرس التسويق في واشنطن، الذي يؤكد أن الراتب يكفيه ويزيد، يقول: "أحصل على مصروفي من الملحقية الثقافية بواشنطون، والحمد لله الصروف يكفيني ويتبقى منه الكثير، وقد جمعت مبلغاً جيداً أيضا لشراء سيارة، ولا أحتاج أي مبلغ آخر للاستلاف، وذلك لأني أجيد ترتيب وتنظيم ميزانيتي".

وهنا تبرز نقطة أخرى ربما تكون من مسؤولية الطالب وحده، وهي مسألة تنظيم وترتيب الميزانية، والتي أشار إليها عبدالله، خاصة وأن أكثر من طالب أشار إليها بأنها وسيلة مثلى لملائمة المكافئة مع المصروفات، مع الأخذ بعين الاعتبار غلاء بعض الولايات. ومنها ما يورده الطالب عبدالرحمن المطيري (33 عاماً) والمبتعث لدراسة علوم الأشعة الطبية على حساب وزارة الصحة، حيث يقول: " أحصل على مصروفي عبر مكافئة من الملحقية ومن العمل في السعودية أيضاً، وأسأل الله أن يبارك فيها, فالمبلغ إذا
أحسن التصرف فيه فهو كاف بإذن الله".

كما يشرح الطالب خليل اليحيا، تلك المسألة بشيء من التفصيل قائلا: " يعتمد المبتعث - بعد الله - على المكافأة الشهرية كمصروف شهري. ويتأكد هنا ضرورة استيعاب المبتعث للمرحلة التي يعيشها ووجود مفهوم الاقتصاد والتوفير. فمن خلال التجربة والاحتكاك، هناك عدد كبير من المبتعثين لا يملكون المهارات اللازمة لإدارة مواردهم المالية، مما يجعلهم دائماً في وضع المستلف.. والبعض الأخر يستنجد غالباً بالأهل في أرض الوطن لسد العجز في الميزانية مما يشكل إرهاقاً مُضاعفاً لهؤلاء الأهل يتعارض مع مفهوم الإبتعاث من حيث الاعتماد على النفس واكتسب مهارات إيجابية تبني الشخصية وتنميها. والأعجب أن تجد من أبناء الدول الغربية ومنها الأمريكية من يعتمد على نفسه دون الحاجة لوجود الأهل في منظومة حياته على عكس بعض شبابنا ممن يتجاوز سن الشباب ولا يزال يشكل عبئاً ثقيلاً على أهله وأقربائه".

على أن الوضع الحالي يعبر عن الوضع "الأفضل" بعد الزيادة التي دعم بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله؛ الطلاب المبتعثين، وهي ما يشير إليها الطالب نواف فريد السويح (21 عاماً) بالقول: "احصل على مصروفي من جهة ابتعاثي ولله الحمد. المبلغ تحسن بعد الزيادة والمكرمة واللفتة الأبوية من خادم الحرمين الشريفين، ولكنني قد اضطر للاقتراض بعض الأحيان من الأهل أو من الأصدقاء وخصوصا دفع بعض الفواتير المتعلقة بالسكن. ولكن وبحمد من الله استطعت بعد فترة في موازنة الأمور".

الامتحان الأصعب.. في العقيدة والأخلاق:
تبرز النقطة الأكثر حساسية في قضية الاغتراب، وقضية البعد عن الأجواء الإسلامية المحيطة بالشباب في السعودية، والتي تنعدم فجأة في الغربة.. فيصبح الطالب في امتحان هو الأصعب.. فلا رقيب عليه بعد الله إلا نفسه، ولا داعية بقربه إلا قلبه وإيمانه، فهل سقط البعض في فخ "الحرية الكاملة"؟!
الطالب عبدالله الحزيمي يؤكد وجود عدد كبير من الطلاب الذين تركوا الصلاة (والتي هي عماد الدين، ومقياس التزام المغتربين بدينهم) مقدراً نسبة الذين تركوا الصلاة من الطلاب المغتربين (60%) تقريباً، حسب ما يعرف من محيطه هناك.
وهذا الأمر يؤكد أكثر من طالب أيضاً، منهم الطالب نواف السويح، الذي يقول: " الطلاب الذي تركوا الصلاة بعد سفرهم كثير. وقد يكون ذلك لانصدامهم بالمجتمع، وقلة المساجد، وضعف الوازع الديني".
أما الطالب أحمد عبدالرحيم المتحمي (26 عاماً) والذي يدرس اللغويات، فيشير إلى ما هو أسوأ من ذلك، قائلاً: " هناك الكثير ممن تهاون في الصلاة ونام عنها بسبب السهرات والعياذ بالله... ونرى كثيراً من الشباب هائمون في الشوارع".
ويؤكد البعض الآخر وجود حالة من "الانبهار" بالغرب، لدرجة أصبح فيها الطالب يقوم بكل ما يقوم به الأجنبي في بلده، من سهر وشرب وسياحة في الشوارع ومعاكسة الفتيات، وربما أكثر من ذلك.. خاصة مع عدم وجود رقابة ولا منتديات رسمية خاصة بالطلاب، ولعدم وجود ملتقيات دينية أو زيارات دورية للدعاة إلى هناك.
بل إن البعض لم يترك الصلاة فحسب، بل ترك صيام شهر رمضان أيضاً، وهو ما يؤكده الطالب ماجد العشري، بالقول: " هناك بعض الشباب ممن ترك الصلاة، حتى صلاة الجمعة، وبعض الشباب ممن يترك فرض ويصلي فرض أو يحتاج إلى تذكير، وبعض الشباب ممن يجمع الصلوات بحجه أنه لا يرغب أن يصلي في الأماكن العامة, واعرف بعض الشباب مما لم يصوموا رمضان الماضي".

وأشار عدد كبير من الطلاب الذين شاركوا في التحقيق، إلى بعض أهم معوقات الصلاة وإقامة الشعائر الإسلامية للطلاب الذين لا يزالون يلتزمون بدينهم، وهي:
1- عدم وجود أماكن صلاة في محيط المنطقة التي يسكنها الطلاب أو يدرسون فيها.
2- وجود قوانين تحظر إقامة الشعائر الدينية في الأماكن العامة "كالصلاة في حدائق الجامعة أو المنتزهات أو غيرها".
3- ضعف الوازع الديني لدى البعض.
4- انبهار بعض الطلاب بالغرب.
5- الانشغال بالدراسة والمواصلات.

ورغم ذلك، لا يجب تجاهل العدد الكبير من الطلاب الذين لا يزالون يقيمون شعائر الله قدر استطاعتهم، بل إن بعض النماذج الإيجابية لا تخلو من كونها حقيقة موجودة هناك، كبعض الطلاب الذين باتوا "دعاةً" بين الغربيين، وبعضهم الذي يتمسك بالدين ويعظ عليه بالنواجذ. ومن ذلك ما يشير إليه الطالب سليمان البوقري، حيث يقول: " العجيب أن هناك من قرب إلى ربه بالعبادة بسبب الغربة، فالنظر إلى الغربة بأنها عنصر سلبي أمر خاطئ، فكثير من المبتعثين اهتدوا إلى طريق الحق بتواجدهم في بلد الغربة" فيا يجيب الطالب يوسف على سؤال عما إذا كان لا يزال يصلي، ونسبة من ترك الصلاة في محيطه، بالقول: " لا زلت محافظاً على الصلاة ولله الحمد.. رغم أننا نواجه مشكلة دخول الوقت وخروجه..وهذا يدفعنا أحيانا إلى جمع الصلوات التي غالبا ما تكون في المنزل بخلاف الجمعة التي تكون في المسجد، وذلك لاجتماع الناس. وحقيقة لم التقي بأحد ظهرت عليه علامات ترك الصلاة.. فحين نكون مجتمعين وتقام الصلاة، الكل يتوجه لها... ".
كما يقول الطالب عبدالعزيز المغلوث (20 عاماً) والذي يدرس تخصص الجيوفيزياء: " نسبة من ترك الصلاة في الاغتراب تكاد تعدم هذه النسبة.. فنحن وإن كنا في مجتمع غربي، إلا أن تمسكنا بديننا وثوابتنا هي أهم ما يميزنا عن المجتمع من حولنا.. والصلاة أحد هذه الثوابت..! وأتكلم عن نفسي وعن غيري من الأصحاب وزملاء الغربة.."

فإن هم ذهبت أخلاقهم...ذهبوا:
على ذات المسار الذي يؤدي بالطالب إلى ترك الصلاة، والابتعاد عن ثوابته الدينية والعقدية، ينغرس رويداً رويداً في أتون المجتمع الغربي، بكل إباحيته وسلبياته، بكل ما فيه من خير وشر، فيأخذ ما يريده، دون وازع ولا رادع.. طالما أن الجميع بات جزءاً من المجتمع الغربي.. ولو لسنوات معدودة.
هذه الأزمة الاغترابية، والابتعادية عن الوطن والدين والرقيب والداعية.. ولّدت أزمات أكبر وأشد.. قد تؤدي بالبعض إلى نهاية "لا يرجى عقباها"، أو طريق "تؤمن نهايته"..
وقد حصل ذلك للبعض.. هو على الأقل ما كشف عن قسم منه طلاب الابتعاث لموقع (المسلم)، منها ما أجاب به الطالب ماجد العشري، عن سؤال حول ما إذا كان يعاني بعض أصدقائه مشاكل أخلاقية، وكم نسبتهم، بالقول: " في الحقيقة شيء محزن أن أقول أن هناك العديد من الشباب الذين قابلتهم هنا يعانون من بعض المشاكل كالمخدرات والزنا والشرب المحرم, أما بالنسبة لنسبتهم بين الطلاب، فلا أجزم بل أتوقع أنها حوالي 60 %".
ونسبة 60% بشكل عام، أو ما يقاربها، هي نسبة كبيرة جداً، أي أن غالبية الطلاب السعوديين يعانون من مشاكل أخلاقية، كالزنا، والمخدرات، وشرب المسكرات، والسهر، والمشاركة في الحفلات الماجنة، وغيرها.
وهذه النسبة يؤكدها عدة طلاب آخرين، من بينهم الطالب عبدالله سعدان، حيث يقول: " حقيقة أنا لم أدخل أماكن محظورة، ولله الحمد، لذلك لا أستطيع أن أتصوره بشكل شخصي، ولكن أنقل لكم بعض كلام الطلاب السعوديين بأنه تقريبا بنسبة 80% من الطلاب يتهاونون بالدخول إلى الملاهي الليلية، و لكن لا أعلم هل يزنون أم يتعاطون المخدرات، ولكن الذي يشربون الكحول أتوقع تقريبا بأنهم حوالي 60% إن لم يكونوا أكثر بقليل".

ويشارك الطالب عبدالله الحزيمي مخاوف زميله العشري، قائلاً: " بعض من الزملاء يعاني من الشرب والزنا، ولكن لا أعرف أحداً يتعاطى المخدرات، ونسبة الذين يقعون بهذه الأمور من المبتعثين 40% تقريباً حسب توقعاتي الشخصية".
كما يؤكد الطالب عبدالرحمن المطيري وجود هذه الأزمة، خاصة بين خريجي الثانوية، قائلاً: " الوضع خطير، خاصة على الشباب الجدد، أي خريجي الثانوية. وأسمع أن فلان يذهب للأندية الليلة، والبعض ترى علية علامات المعصية. هدانا الله وإياهم للحق والى طريق الرشاد".
كما يشاطر الطالب خليل اليحيا رأي المطيري حول تضاعف الأزمة بين الخريجين الجدد، قائلاً: " مع برنامج الإبتعاث الجديد ظهرت بعض الأعراض الأخلاقية على الكثير من المبتعثين من حيث التمرد الأخلاقي والفكري على بعض الثوابت.. بالإضافة إلى الانزلاق في الشهوات الحسية كالمخدرات والزنا والشرب".

الطالب ناف السويح، المبتعث إلى بريطانيا، يجمل لموقع (المسلم) أهم المشاكل التي يقع فيها الطلاب المبتعثين إلى الخارج، قائلاً: "المشاكل الأخلاقية هي احد المشاكل التي تؤثر على مستوى الطالب السعودي المبتعث فهناك عدد ليس بالقليل من وقعوا بمشاكل أخلافية قد تودي بهم في النهاية إلى باب إحدى المحاكم في الدولة التي ابتعث إليها، وخصوصا بسبب الحمل عن طريق الزنا".
كما يشير السويح إلى سبب تلك المشاكل وازديادها لدى الطلاب الجدد بالقول: "إن أكثر من يقعون في تلك المشاكل هم المبتعثين الجدد، وذلك لعدة أسباب وهي:
1- وقت الفراغ، حيث أن معاهد اللغة لا تكون الحصص الدراسية بها مكثفة، ويكون لدى الطالب وقت فراغ كبير قد يؤدي إلى ذهابه إلى أماكن مشبوهة لإشغال نفسه.
2- الانصدام بمجتمع متفتح، و كثرة وجود أماكن الشبهات، خاصة وأن الطريق إليها سهل جدا.
3- ضعف الوازع الديني والثقافي لدى المبتعث.
أما عن النسبة، فحسب توقعي قلة في المملكة المتحدة (بريطانيا) وقد تصل إلى 45 % من الطلاب المبتعثين".

الملحقية.. أزمة تواصل:
المشكلة التي اعتاد الطلاب عليها بالدرجة الأولى حتى الآن، هي مشكلة "عدم التواصل مع الملحقيات الثقافية لبلادهم في دول الاغتراب". هذه المشكلة التي أجمع الطلاب بنسبة 100% على وجود أزمة حقيقية فيها، لدرجة أن البعض اعتاد على الأزمة لدرجة المصالحة، فبات الاتصال اليومي بالمحلقية.. مهمة أساسية.. غير مجدية.. إلا أنها متواصلة!
وتتركز جل هذه الأزمة في الولايات المتحدة، التي يبتعث إليها أكبر عدد من الطلاب السعوديين.
يقول الطالب نواف السويح، مجيباً عن سؤال لموقع (المسلم) حول تعامل الملحقية الثقافية معه: " إنكم بهذا السؤال تضعون أيديكم على جرح أرهق الطلاب السعوديين خلال فترة ابتعاثهم. الملحقية السعودية كان من المفترض أن تكون خير عون للطالب المبتعث، لكن هفواتها وأخطائها الكثيرة أرهقت الطالب السعودي. الذي يحتاج لأكثر من اتصال للتحدث للمشرف، وأكثر من أسبوع لإنهاء معاملة، وقد يحتاج الأمر للوصول لأحد المسؤولين لإنهاء مشاكلته. فمن المشاكل التي واجهتني تغير المشرف، فقد تم تغيير مشرفي المسؤول في الملحقية أكثر من ثلاث مشرفين خلال شهرين، فضلاً عن تنقيصه بعض أوراق الملفات، أو جهله بالجامعة التي يدرسها فيها الطالب".
ويؤكد الطالب يوسف المشكلة، مضيفاً أن "يوجد تأخير في المعاملات، ويقول: "المكالمات لازالت تجاب بصعوبة.. وأنا لم أزر الملحقية سوى في أول مرة قدمت فيها إلى الولايات المتحدة، وذلك لبعد المسافة.. لكنني فكرت كثيراً بالذهاب لإنهاء الأمور... بالنسبة للاتصالات لا أعلم كم مرة حاولت الاتصال بها.. لكنها وصلت في بعض الأيام إلى عشرين اتصال دون إجابة".
ويبدو أن أهم مشكلة هي التعامل مع الملحقية، هي عدم الرد على الهواتف، ويعبر الطالب عبدالرحمن المطيري عن ذلك بطريقة جميلة، قائلاً: " إذا ردوا على الهواتف قد تنحل المشكلة، ولكن المشكلة أنهم لا يردوا على الهاتف".
فيما يعبر بعض الطلاب عن أزمة أكبر في التعامل مع الملحقية، وهي ما يشرحها الطالب عبدالله الحزيمي، بالقول: " في العادة الطالب لا يحتاج من الملحقية الثقافية في السنة الواحدة أكثر من 3 أو 4 معاملات، مثل التذاكر أو غيرها، ولكن لانجازها فالطالب يحتاج أن يتصل أكثر من 200 مرة، وإن كان من المحظوظين فسيتم انجاز ما يريد في غضون بضعة أشهر!!".
ويضيف الحزيمي راوياً حادثة شخصية له مع الملحقية بالقول: "أذكر أني طلبت في شهر سبتمبر تعريفاً من الملحقية، ولم يصلني التعريف إلا في نهاية ديسمبر.. رغم أن طباعة التعريف لا تستغرق من الأمر سوى ثواني. كما أن معاملة تغيير التخصص، والتي قدمتها للمحلق الثقافي في أغسطس لا زالت في طي النسيان، رغم أني أريد التحويل من تخصص عام إلى تخصص أكثر دقة، (من كيمياء عامه إلى الهندسة الكيميائية).

ويوجز الطالب خليل اليحيا، أزمة الثقة مع الملحقية الثقافية بالقول: " علاقة الطالب بالملحقية الثقافية علاقة وثيقة ومستمرة على مدار الفصول الدراسية، كون الملحقية هي الممثل الشرعي للطالب المبتعث في الغربة، ومن خلالها يتم التخاطب مع الجهات التابع لها الطالب، سواء وزارة التعليم العالي أو الجهات الحكومية والمؤسسات التعليمية. وأداء الملحقية نسبي يتفاوت بحسب نوع الخدمة والطرف الذي يقوم بأداء هذه الخدمة.. فتجد أحياناً أن الأداء مثالي وسريع، وفي أحيان أخرى يكون الأداء سلبي ومستفز. وإجمالاً هناك بعض التذمر من أداء الملحقية مع برنامج الإبتعاث الجديد الذي كانت سعته أكبر من إمكانيات الملحقية ومستوى خدماتها.. وإن كان هناك إرهاصات للتغيير".

مشاكل بالجملة:

لا تقف حدود المشاكل لدى طلاب الاغتراب عند هذا الحد.. هناك حدود أبعد قد لا نراها هنا، ولكنهم يرونها في أفقهم هناك، وبشكل واضح جداً.. منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يرويه الطالب ماجد العشري بالقول: " توجد مشاكل اجتماعية، حيث قد تحصل بعض المشاكل مع بعض الأسر الأسترالية، خصوصا لطلاب الساكنين مع بعض الأسر من ناحية الدين والعادات".
ويفسّر الطالب نواف السويح شيئاً من تلك المشاكل، بالقول: " من المشاكل الأمنية التي يقع في الطالب هي عدم التوفيق في اختيار مكان السكن في المدينة أو اختيار المدينة نفسها.. فهناك عدد من المدن التي تكثر فيها المشاكل وخصوصا من ناحية العنصرية".
ويقترح حلاً للخروج من الأزمات التي يقع فيها البعض بسبب العنصرية، عبر "إرسال كتيبات خاصة من الملحقية لكل طالب تبين فيه المناطق التي يكثر فيها المشاكل، حتى يتفادى الطلاب الذهاب إليها، خصوصاً إذا كانوا مع أهلهم، وتوعيتهم بقوانين البلد الذي ابتعثوا له".
ويضيف السويح بعضاً من المشاكل الأخرى، قائلاً: "أعتقد أن الحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد تختلف من بلد لأخر وخصوصا كلما اتجهنا لبلاد الغرب.. لذلك يواجه الكثير منهم تلك المشاكل في بداية فترة الإبتعاث خصوصا إذا كانوا مع عائلة".

الطالب خليل اليحيا يورد بعض المشاكل الأخرى، قائلاً: " يتعرض المبتعث بشكل عام إلى جملة من المشاكل والمعوقات أثناء فترة الإبتعاث. بعض هذه المشاكل والمعوقات وقتية كضعف مستوى اللغة الإنجليزية وعدم القدرة على التخاطب في البدايات واختلاف عادات القوم وأنماط حياتهم وألبستهم وأمزجتهم وطبيعة العلاقات التي تحكمهم، والبعض الآخر من هذه المشاكل دائم يرافق الطالب المبتعث كمشاكل تجديد الفيزا ووجود الهاجس الأمني الذي يتعامل مع الطالب السعودي والمسلم كمتهم حتى تثبت براءته.. وتحظى بعض المشاكل بأهمية أكبر من غيرها لتأثيرها على حياة الطالب واستقرار نفسيته كالمكافأة الشهرية التي لا تتناسب مع بعض الولايات الغالية في وعيشتها، وصعوبة تجديد الفيزا مما يجعل الكثير من الطلاب يؤثر البقاء سنوات في الغربة على أن يُغامر في زيارة قصيرة للوطن خوفاً من ضياع المستقبل الدراسي بسبب هاجس الفيزا".

وربما توجد مشاكل نفسية وأمنية من نوع آخر، هي ما يرويها الطالب يوسف، بالقول: " أمنية وهي مشكلة السوشل سكورتي.. وهو مثل رقم بطاقة الأحوال.. يكون كسجل تاريخي لحامله يسجل فيه كل ما يحدث له، ويقوم به.. مثل انتظامه في سداد إيجار البيت مثلاً، أو أقساط أو سداد فواتير الهاتف.. هذا الرقم يمنح للمواطنين الأمريكيين والعاملين في أمريكا حتى لو كانوا أجانب... بالنسبة لنا كطلبة دوليين بتأشيرة طالب لا يحق لنا العمل، وبالتالي لا نستطيع الحصول عليه.. وهذا يسبب لنا صعوبات في الحصول على هاتف جوال مثلاً، أو استئجار منزل، فنضطر للتعويض عن ذلك بدفع مبالغ تأمينيه".

هذا بإيجاز شديد؛ بعض من مشاكل طلابنا في دول الاغتراب، الذين سافروا إلى الخارج لأجل التعليم.. فواجهتهم مشاكل بات لزاماً عليهم أن يتعلموا أولاً.. التأقلم معها، قبل أن يستطيعوا استكمال مشوارهم هناك.