مواجهات فلسطين ..ليميز الله الخبيث من الطيب

هاهو عام مضى على فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات، هذا الفوز الذي بعث التفاؤل في النفوس، وفرحت به الشعوب الإسلامية في كل مكان، ولكن الأحداث التي تجري على ثرى فلسطين المباركة اليوم قد تثير لدى البعض منا مشاعر القلق والخوف وربما اليأس.
ليست المشكلة في حجم المؤامرة الخارجية، ولكن المشكلة هي في حجم المؤامرة الداخلية، وكلما تقدمت المحادثات وجولات الحوار بين الفصائل الفلسطينية يأبى التيار الانقلابي في فتح – مع تحفظي على هذه التسمية فالأولى أن نسمي الأمور بحقائقها فهذا التيار يتجاوز في أهدافه وأفعاله دائرة الانقلاب إلى دائرة الارتداد والعياذ بالله – كلما تقدم الحوار جاءت مسرعة إلى المنطقة حمالة الحطب كوندليزا رايس لتحفيز عملاؤها لتنفيذ أجندتها وإيقاف هذا المد الإسلامي الزاحف الذي لن يكون أثره مقتصراً على فلسطين، وإن ارتضى هؤلاء أن يكون وليهم امرأة فلن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة، فكيف وهي هذه المرأة الأمريكية؟!، وأما يهود فلا تسأل عن قيادة زنوية تُحاكم اليوم على الفساد والاغتصاب والرشاوى والسرقات.
ولو أردنا أن نقرأ هذه الأحداث قراءة عميقة لتبين لنا مدى العجز والخور والضعف الذي وصل إليه الكيان الصهيوأمريكي وعملاؤه في فلسطين بشكل خاص، ولنضرب أمثلة على ذلك كمؤشرات وإلا فإن الحقائق أكبر من حدث هنا وآخر هناك.
عندما قررت حماس الاحتفال بذكرى مرور 19 عاماً على تأسيسها في مدينة رام الله وكان من المقرر أن يكون الحفل يوم الخميس، فقام عدد من مستشاري عباس والأجهزة الأمنية بالاتصال بالدكتور/ علاء الدين الشاعر – نائب الرئيس الفلسطيني إسماعيل هنية – بهدف تأجيل الاحتفال ليكون يوم الجمعة وألا يتضمن استعراضاً عسكرياً خشية على المتظاهرين من الجيش اليهودي، فوافت حماس على التأجيل إلى يوم الجمعة بناءً على هذا الطلب، وانطلقت المسيرة من المسجد بعد صلاة الجمعة، ولكن المفاجأة كانت بعد انتهاء الصلاة هي أن قوات الحرس الرئاسي قد أغلقت الطرق وسرقت الأجهزة الصوتية، وبدأت بقمع المصلين العزل بكل قوة فجرحت قرابة 40، ولولا لطف الله ثم تشكيل النساء المحجبات حاجزاً بشرياً بين قوات حرس الرئاسة والمصلين لوقع عدد أكبر من القتلى، كانت صور الاعتداء التي خرجت في اليوم التالي تظهر مدى بشاعة تلك الجريمة، وحجم السلاح ونوعه الذي كان مع حرس الرئاسة، الشاهد: أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية لم يصبر إذ أعلن في اليوم التالي السبت عن تبرع بمبلغ مقداره 16 مليون دولار إلى حرس الرئاسة لمساعدته في قمع الإرهاب، هذا علاوة على المبالغ التي جاءت لاحقاً من أمريكا ومن إسرائيل، وحالهم كما وصفه لنا قوله تعالى: { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}.
أرأيتم مدى العجز والضعف تنفق هذه المبالغ مكافأة على قمع مسيرة لمصلين عزل، ليس لقمع كتائب مسلحة، فهل يمكن القضاء على المصلين ونداء التوحيد في أرض الأنبياء وأرض المحشر، إنهم يغرفون من البحر بأيديهم فهل سينقص؟!
المشهد الآخر ما جرى بالأمس في الضفة الغربية من اختطاف طلاب مدرسة تحفيظ القرآن الكريم بنابلس وأعمارهم لا تتجاوز 13 سنة، والتهمة أنهم من أفراد القوة التنفيذية التابعة لحماس، لم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل تم أخذهم إلى جوار نقطة التفتيش اليهودية المشهورة – حاجز حوارة – لمنع أنصار حماس من التدخل، أو وقوعهم بيد اليهود، إنهم يحتمون باليهود علانية، وتجمع الناس من جميع الفصائل بما فيها بعض شرفاء فتح للذهاب إلى المكان الذي يحتجز في الأطفال فاضطر الخاطفين إلى إطلاقهم، وفي ذات الوقت كان أفراد الأمن الوقائي يقتحمون مسجد الهداية بغزة ويقتلون الإمام وعدداً من المصلين ويشتمون الذات الإلهية.
هذه المشاهد تظهر حقيقة المعركة، فعندما توجه البندقية إلى المساجد مباشرة، وعندما يطالب هؤلاء بعدم عقد الرئيس الفلسطيني إسماعيل هنية أو وزير الداخلية سعيد صيام المؤتمرات في المساجد، وألا يلقي خطب الجمعة، كل هذه المواقف والأحداث تبين حقيقة المعركة أكثر فأكثر، وتكشف الأهداف وتظهر النوايا، وكما قال تعالى: { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم}، قال الطبري – رحمه الله: " يعني بقوله ما كان الله ليذر المؤمنين: ما كان الله ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق فلا يعرف هذا من هذا حتى يميز الخبيث من الطيب يعني بذلك حتى يميز الخبيث وهو المنافق المُستسر للكفر من الطيب وهو المؤمن المخلص الصادق الإيمان بالمحن والاختبار كما ميز بينهم يوم أحد ثم لقاء العدو ثم خروجهم إليهم".
على الصعيد العسكري لو شعر هؤلاء أنهم قادرين على القضاء على الإسلاميين في فلسطين بالقوة لما ترددوا ولكنهم يدركون أن هذه المرحلة انتهت، أما سياسياً فإن سقف المطالب الأمريكية واليهودية وبالتالي الانقلابيين في نزول فمن القول: بأن العمر المفترض لهذه الحكومة هو ثلاثة أشهر، إلى القول: إنه من العار علينا المشاركة في حكومة حماس، إلى طلب المشاركة بشرط الاعتراف بإسرائيل، نزولاً إلى شرط الالتزام بالاتفاقيات السابقة، نزولاً إلى أخذ الوزارات السيادية، نزولاً إلى أخذ بعض الوزارات السيادية، نزولاً ... إلى قتل المصلين، ولا نعلم إلى أي مستوى سينزل هؤلاء لينزع الله من قلوب المؤمنين - الذين لا يزالون يعيشون على ذكريات فتح المناضلة وفتح الوطنية - ما تبقى من ولاء لهم، وليدركوا أن فتح تسرق اليوم فإما أن تدرك أو تترك.
بالرغم من دموية الأحداث وبشاعة الجرائم المرتكبة إلا أنها توضح أن الصراع اليوم ليس بين حماس وفتح بل بين المسلمين على ثرى الشام وبين العملاء.
وستبقى بلاد الشام محفوظة محروسة برعاية الله وملائكته وجنده، فقد أخرج الترمذي وأحمد وصححه الطبراني والحاكم ووافقه الذهبي من حديث زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله e يقول: "يا طوبى للشام! ياطوبى للشام! يا طوبي للشام!، قالوا: يا رسول الله وبم ذاك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام". قال العز بن عبدالسلام - رحمه الله: [أشار رسول الله إلى أن الله سبحانه وتعالى وكل بها الملائكة، يحرسونها، ويحفظونها].
وأما أولئك المتآمرين فلن يموتوا إلا هماً أو غيظاً أو حُزناًً، فعن خُرَيْمَ بْنَ فَاتِكٍ الْأَسَدِيَّ قال:" أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ كَيْفَ يَشَاءُ وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ وَلَنْ يَمُوتُوا إِلَّا هَمًّا أَوْ غَيْظًا أَوْ حُزْنًا"، انفرد به أحمد وإسناده صحيح موقوف.