المصطلحات الانهزامية.. أما آن تجاوزها؟

حين يحل الضعف والتخلف والانحطاط بالأمم والأفراد؛ يُفرز هزيمة نفسية، تُدمر المعنويات، وتنشر التخاذل، وتشُل المدارك، وتعطّل النهوض والقيام..
إذ ليس هناك أضر على الأمم من أن يتسرب اليأس والوهن إلى أفرادها، والفتور والإحباط إلى دعاتها. فهي داء عضال لم يتسلط على إنسان إلا أحبطه وأقعده، ولا على أمة إلا أصابها بالعجز واليأس.
وأمتنا الإسلامية اليوم، لا تعاني من شيء كمعاناتها من آثار هذه الهزيمة النفسية، التي حلّت بها وأقعدتها، وزادت ضَعفها وهوانها، وأحبطت تطلعاتها، وحطّمت دوافعها، وأثرت سلباً على إنتاجها وعطائها، حيث يشعر كثير من المسلمين بالعجز والإحباط، وفقد الثقة بالنفس، واليأس من مجرد التفكير في إمكانية عودة هذه الأمة إلى ماضيها التليد ومجدها السليب.
وأثر رجع ذلك الصدى في بعض المثقفين والإعلاميين من أبناء جلدتنا، فأكدوا هذه الهزيمة في نفوسهم أولاً، ثم نقلوها إلى مجالسهم الخاصة ومنتدياتهم العامة في الصحف والمجلات والفضائيات، وعززوها بكتاباتهم وتحليلاتهم الانهزامية القائمة على جلد الذات وتعداد مظاهر التخلف وتضخيمها بأسلوب لا يخلو من التندر والسخرية، وفي المقابل أسبغوا عبارات الثناء المبالغ فيه على الغرب وحضارته وقيمه وقوته وديمقراطيته!!
وهذا فيه جناية عظيمة للأمة الإسلامية بما حباها الله تعالى به من نعم عظيمة، فالأمة وإن كانت متخلفة صناعياً ومنحطة تقنياً، إلا أنها بحمد الله تعالى غير متخلفة وغير منحطة (عقدياً وشرعياً واجتماعياً وأخلاقياً.. )، بل هي بحمد الله بهذه المجالات متقدمة جداً، وكيف لا تكون كذلك وهي أمة مؤمنة موحدة مؤدية لفرائض ربها..، والله تعالى أنزل عليها خير كتبه، وخصّها بأفضل رسله، وشرع لها أحسن شرائعه، وهداها لمعالم دينه الذي ارتضاه لنفسه..، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، وحباها بسبب ذلك بصحة نفسية، وترابط أسري، وتكافل اجتماعي، واستقرار وسعادة..، يغبطنا عليه أهل الأرض. أبعد هذا كله تُوصف الأمة بالتخلف والانحطاط بمعناهما العام؟!!.
فمقياس تقدم الأمم ورقيها، ينبغي ألا يقاس بمقدار تقدمها صناعياً وعمرانياً فحسب، فإن عقلاء كل أمة متفقون على أن تلك الأمور المادية وسائل للتقدم، لا أنها هي التقدم بعينه، وإلا أصبحت الوسائل غايات!!.
فالمقياس الحقيقي لتقدم الأمم والدول، إنما هو بما تدعو إليه من التوازن بين الإعداد (المادي) بعمارة الأرض ونحوه، والإعداد (الروحي) بما تقدمه لشعوبها من إشباع روحي واستقرار نفسي، ومُثل عليا وقيم سامية تدعو إلى السعادة والهناء وراحة البال والتكاتف والترابط ومراعاة حقوق الوالدين والزوجة والأبناء والأقارب والجار..، فهذا هو التقدم والتحضر الحقيقي.
بينما الدول الغربية التي تزعم التقدم والتحضر، تفتقد لكل تلك المقومات والأهداف، فهي (مبهرة) في شكلها الخارجي، لكنها (متخلفة بل ومنحطة) من الداخل، تشكو الفراغ الروحي، والخواء النفسي، والاضطراب الفكري، والترابط الاجتماعي، والتفكك الأسري، والتحلل الجنسي..، الذي أدى إلى شقاء أهلها وتعاستهم في مختلف جوانب حياتهم، وما ظنك بواقع تلك المجتمعات المتخلفة - روحياً ونفسياً وأسرياً واجتماعياً..، - التي خالفت فطرتها، وكفرت بخالقها ورازقها، وجحدت نعمه وفضله..، ألا يكون لذلك آثار عميقة وعواقب وخيمة تهز كيانها وتزلزل أركانها من انتشار الأمراض النفسية والعصبية، وكثرة الجنون والانتحار، والجرائم والموبقات..، ولا أدل على ذلك من الأرقام الكبيرة والإحصاءات العديدة التي تتحدث عن واقعهم وتكشف زيف حضارتهم. وإذا لم يقس التخلف والانحطاط بمثل هذه الأمور فبمَ يقاس إذن؟!. وهل للعلم وغزو الفضاء وناطحات السحاب - حينئذ- أي قيمة، إذا كانت الأخلاق والآداب تحت التراب؟!.