أنت هنا

دور الإعلام في ظل هذه الأوضاع السياسية
27 ذو القعدة 1427

يردد البعض مقولة زائفة تقول إننا نعيش عهد الشفافية، ولم تعد هناك أسرار، العالم أصبح قرية صغيرة، ونحن نعيش في عهد السماوات المفتوحة.
وهى مقولة زائفة وكاذبة لأنها تقول نصف الحقيقة، ونصف الحقيقة كذب. الجانب الصحيح من هذه المقولات، إنه بالفعل أصبح لدينا الوسائل التكنولوجية لتحقيق كل هذه الأهداف والشعارات، ولكن القوى العالمية المسيطرة على الإعلام تحول دون أداء الإعلام لرسالته الكاملة في نقل الحقائق.

العراق أكبر مثال على هذا الذي نقول، فالعراق يحتل أكبر مساحة ممكنة من الإعلام الفضائى والصحافة والإذاعة ولكن أكثر هذه المادة تؤدى إلى التشويش أكثر من إجلاء الحقائق وفهم حقيقة ما يجرى هناك. إن أغلب المادة الخبرية المتلفزة أو المذاعة أو المكتوبة يغلب عليها طابع التجهيل فلا تعرف من فعل ضد من، وإنما عراقيون ضد عراقيين ويعطيك انطباعًا بأن حرب المقاومة ضد أمريكا أضحت هامشية مقابل الحرب العراقية- العراقية، وقد بدأ هذا التوجه الإعلامى حتى قبل تصاعد عمليات العنف الطائفى في الشهور الأخيرة، وكأنه كان يمهد لها الطريق.

وقد وصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد مؤامرة التعتيم الإعلامى على المقاومة العراقية "السنية" وقد كان ذلك بتوجيه أمريكى وصل إلى حد استخدام أقصى درجات العنف. وذلك بتصفية عشرات الصحفيين مع سبق الإصرار والترصد وكانت الرسائل واضحة في كل مرة ولماذا تم قتل هذا الصحفى بالذات؟ وتم إستخدام سلطات الحكومة العراقية لإغلاق بعض المكاتب (كالجزيرة). وبالتالى ارتكبت جرائم كبرى في الظلام.

كما اتضح حجم النفوذ الأمريكي- الصهيوني على منظومة الفضائيات العربية التي فرحنا بها للوهلة الأولى. واستنادًا إلى أرقام تم تسريبها في الإعلام الأمريكي نفسه من خلال بعض تقارير الكونجرس، فإن عمليات المقاومة ضد الاحتلال لا تقل عن مائة عملية يوميًا وتصل في أوقات أخرى إلى 200 أو 300 عملية في اليوم. بينما لا يذاع عادة إلا عن عملية واحدة أو إثنين يوميًا. بينما تكون المساحة العظمى للمادة الإعلامية حول سيارة أو عدة سيارات مفخخة مشبوهة تم تفجيرها في الأسواق الشعبية أو المساجد والحسينيات.

إن أكبر ظلم تعرض له مجاهدو المقاومة (ذوى الأغلبية السنية)، هو هذا التعتيم المنهجى المنظم، من قبل الإعلام الغربى، والإعلام الرسمى العربي، والذي انسحب إلى ما تسمى القنوات المستقلة، وما هي مستقلة، فهى خاضعة للنفوذ الأمريكي ونفوذ الجهات العربية الرسمية الممولة لها، حتى لقد لجأت المقاومة إلى تصوير الفيديو، واستخدام الأقراص المدمجة سى.دى، وإذاعة العمليات على الإنترنت. وذرًا للرماد في العيون فقد بدأت قنوات فضائية محدودة إذاعة " ثوان " ولا نقول دقائق من هذه الشرائط.

وقد فرضت المقاومة نفسها بين حين وآخر على الإعلام ببعض العمليات الكبرى التي لا يمكن اخفاؤها، وآخر مثال لذلك: القصف الذي نال قاعدة صقر الأمريكية. وأصبح مشهوداً لكل سكان بغداد.

ولا يزال الإعلام الرسمى العربي يصر على الإلتزام بالأرقام الهزيلة الرسمية التي يعلنها الجيش الأمريكي عن عدد قتلاه الذي يقترب حثيثًا الآن من ثلاثة آلاف، بينما يصل الجرحى إلى 18 ألف وأكثر من نصف هؤلاء- حسب تقارير وزارة الدفاع الأمريكية لا يستطيعون العودة إلى الجيش بعد معالجتهم-بينما تشير تقارير امريكية أخرى إلى أن عدد الجرحى يتجاوز 50 ألف وأن الجرحى والقتلى معًا يمكن أن يصلوا إلى 70 ألف في تقديرات أخرى، وهى أرقام تتناسب مع أرقام العمليات التي تقوم بها المقاومة والتى يعترف بها الجيش الأمريكي في بعض جلسات الكونجرس. لأنه لا يمكن القيام بعملية كل 15 دقيقة كما جاء في الكتاب الأخير لبوب ورد، وتكون النتيجة إصابة جندى ومقتل جندى آخر كما تدعى البيانات الأمريكية كل يوم، ويلتزم الاعلام الرسمى العربي بهذه البيانات أكثر من التزامه بالقرآن الكريم ويذيع بجدية هذه " الحقائق " كل يوم. وهذه أول مرة نجد أمة في حالة حرب مع أمة أخرى لا تلتزم ببيانات المقاومة (جيش الأمة) وتلتزم ببيانات العدو!!

ورغم بعض المبالغات في بيانات المقاومة إلا إنها أقرب إلى الصدق بكثير من بيانات الامريكيين. وقد برهنت الأيام على صدق المقاومة. فأزمة الجيش الأمريكي الآن أكبر مما يمكن اخفاؤه، بل صدرت تصريحات شبه رسمية تتحدث عن وصول الجيش البريطانى إلى حافة الإنهيار.
إن المقاومة فرضت نفسها أولاً على الاعلام الغربى، والأمريكي، فبدأ الاعلام الرسمى العربي يصبح أكثر إنصافًا للمقاومة.

وقد اعترف الجيش الأمريكي على سبيل المثال بتجاوز خسائره مائة قتيل في شهر أكتوبر الماضى، وهذا أقل من الرقم الحقيقى.
إن الفظائع التي ارتكبت في الفلوجة في المعركتين الأولى والثانية، خاصة الثانية، مثال واحد ولكنه فاقع ويكفى للحديث عن جرائم الاعلام العربي الرسمى.

لقد حدثت إبادة كاملة لبلدة بأكملها، وباستخدام مواد محرمة دولياً، ولكن أحدًا لم ينبس ببنت شفة، من حكام العرب الاشاوس ولا من اعلامهم الرسمى أو المستقل. وقد جرت هذه الابادة في شهر رمضان، وانتظم المسلمون في أداء صلاة القيام والتهجد، ولم نشهد مظاهرة واحدة لمساندة أهلنا من سنة العراق. ولم تخرج المظاهرات إلا في مناطق العراق المختلفة، وكان لبعض القوى الشيعية موقف إيجابى في هذه الأزمة من الناحية السياسية. أما بالنسبة للحكام فلم يعلن تضامنه مع أهلنا في الفلوجة (وبالمناسبة توجد نسبة من الشيعة فيها) إلا هوجو شافيز رئيس فنزويلا الذي استنكر استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وكانت وزارة الصحة العراقية قد أكدت في حينه هذه الأنباء.

في خضم هذه الأزمة (الحملة الثانية على الفلوجة) كان الاعلام الرسمى والمستقل ملتزمًا بصورة حرفية وأحادية بالبيانات العسكرية الأمريكية (تم منع أحمد منصور مذيع الجزيرة من الوصول إلى الفلوجة على خلاف المرة الأولى).

إن النقد الذي نوجهه هنا للإعلام فهو يخص القرار السياسي المهيمن على الإعلام، ولا يخص الاعلاميين كأفراد فهؤلاء برهنوا على بطولتهم وفدائيتهم وقدموا نماذج مشرفة حين عرضوا أنفسهم للخطر واستشهد بعضهم خلال أداء الواجب القومي والإسلامي.

أما المقاومة العراقية فقد أبدعت أيما إبداع وقدمت فروعها الاعلامية جهدًا جبارًا، وأحيانًا كان حرفيًا على أعلى مستوى، في بعض الأفلام التسجيلية التي تم إخراجها. ولكن حتى الآن لم يوجد موقع ثابت للمقاومة أو داعم للمقاومة على مستوى مهنى عال. والحقيقة هذه مهمة أنصار المقاومة خارج العراق حيث يعملون في ظروف مريحة نسبيًا.

إن تطوير استخدام الإنترنت واستخدام الأقراص المدمجة هو الوسيلة الرئيسية لمواجهة الهيمنة الأمريكية على قطاع الفضائيات والاعلام الرسمى العربي.

الإعلام المكتوب في الغرب أو بلاد العرب كان يتضمن قدرًا أكبر من الحقائق بما لا يقاس عن الاعلام الفضائى. والاعلام الفضائى- على خلاف الظاهر- هو الأقل في المعلومات، والأكثر خضوعًا للسيطرة السياسية من خلال امتلاك الدول للأقمار الصناعية، وامتلاك أمريكا النفوذ على أصحاب الأقمار الصناعية العربية، كما على المستوى القطرى فإن الرقابة السياسية تكون أعلى على الاعلام المرئى والمسموع لأنه يصل إلى كل بيت، وتكون الرقابة أكثر تسامحًامع الاعلام المكتوب مع تناقص دائرة انتشاره.

وما ينطبق على الجانب العسكرى يسرى على الجانب السياسي، فأحوال السجون العراقية تحولت إلى مجرد فضيحة مدوية لسجن واحد اسمه (أبو غريب)، والحقيقة أننا أمام منظومة متكاملة من السجون داخل العراق وأفغانستان وعلى مستوى العالم يتم فيها تصفية المجاهدين السنة.

ودار الإعلام العربي في فلك الاعلام الأمريكي وحصر اهتمامه- إلا قليلاً- بموضوع أبو غريب وهو ليس إلا سجن ضمن عشرات السجون في العراق.
كذلك الأمر فيما يتعلق بالنواحى السياسية فالإعلام لم يفهم منه أحد لماذا تأخر تشكيل الحكومة العراقية 3 أو 4 شهور، ولماذا تم استبدال المالكى بالجعفرى؟

ولماذا تستمر محاكمة صدام حسين بهذه الصورة العبثية المفتوحة؟ وأين المليارات التي ضاعت في العراق؟ وكم تنهب شركة هاليبورتون (شركة تشينى) من بترول العراق؟ وما الذي حدث في تلعفر؟ وما الذي يحدث حقًا في القائم؟ وما الذي يحدث في المنطقة الكردية؟ ولماذا قام الحجاج الأكراد باستخدام جوازات سفر كردية؟ ولماذا قبلت السعودية التعامل مع هذه الجوازات؟

ولم نستمع إلى برنامج تلفزيونى واحد، ولا إلى تحقيق موضوعى صحفى واحد يبحث بجدية وموضوعية جذور الفتنة الطائفية ولماذا تتطور؟ ومن المسئول عنها؟ نحن نسمع في الأغلب الأعم أنواع من الغوغائيات.. فهذا طرف لا يعرف من المقاومة إلا إنها إرهاب، وطرف آخر لا يعرف من الشيعة إلا الكفر والخيانة والعمالة لايران. إن الاعلام العربي عن العراق كان يقدم من الاسئلة المحيرة أكثر مما يقدم من الإجابات الشافية.

والاقتراح أن يتولى الإعلام العربي والإسلامى:
- إعطاء أولوية قصوى للتغطية الأمنية لأخبار المقاومة باعتبارها هي المحور الأساسى لحل مشكلة السنة والعراق والعرب والمسلمين عمومًا في آن معاً. وإننا نقترب من لحظة الإنهيار الأمريكي في العراق ولابد للاعلام أن يقدم المظلة لهذا التحول ولهذه اللحظة التاريخية التي تقترب بإذن الله- من كل بد.

- أن كل تركيز إعلامى على المقاومة ضد العدو الأمريكي من شأنها أن توحد العراقيين حول الهدف الاساسى.
ويكفينا ما قاله الصحفى البريطانى النزيه روبرت فيسك: " لو أن الشيعة والسنة توحدوا بعضهم مع بعض كما حدث عام 1920 في أثناء التمرد ضد البريطانيين فهذا يعنى شيئًا واحدًا، هو انتهاء تواجدنا (البريطانى والأمريكي) في العراق. وأن هذا سيعنى أن العراق فعليًا سيكون متحدًا ".

- معالجة المشكلات التي يواجهها السنة بروح الموضوعية وبروح حل المشكلات لا بروح تأجيج الفتنة الطائفية، مع تقدير الدور الذي لعبته بعض التنظيمات السنية المتشددة في إذكاء هذه الفتنة، والتى وصل تشددها إلى حد خلق فتنة سنية- سنية. ولنلحظ أن هذا يحدث أيضاً على الجانب الشيعى، أي تصادمات شيعية- شيعية.

- نعلم أن الإعلام الموضوعى صعب في حالة العراق، لأن الأطراف تستخدم العنف لتصفية الصحفيين. لذلك فإن القنوات الفضائية العراقية والصحف العراقية لن تكون أداة مناسبة لفهم ما يجرى. وإن كنا لا نطلع أساسًا على الصحف العراقية إلا فيما ندر. ولكن القنوات الفضائية العراقية تعانى من أزمة الخوف، وهى آخر مصدر يمكن للعربى أن يفهم منه شيئاً عما يجرى في العراق!

- لذلك نرى أن الدور الاعلامى الأساسى سيكون على الإنترنت، ولكن لابد أن يكون من قبل إعلاميين مستقلين حقاً، ونقصد مستقلين عن الحكومات العربية والأمريكان.

- حتى الآن فإن حالة التشرذم على أرض الواقع إنعكست على الإنترنت فالمواقع العراقية متشرذمة، ولم نجد بعد المواقع التي تحتضن جميع أطراف المقاومة العسكرية والسياسية. ونجد الحملات المتبادلة بين أطراف المقاومة.
وهذا لا يقلل من دور بعض هذه المواقع كما ذكرنا في ترويج أفلام عن العمليات البطولية، وتقديم تحليلات سياسية وعسكرية مفيدة في فهم الواقع العراقي.

- ولكننا نطمح في المزيد ونطمح في تعاون عراقى- عربى- إسلامى في تطوير المواقع القائمة أو إستحداث مواقع جديدة تتميز بالمهنية العالية وبالروح الجبهوية والوحدوية قدر الإمكان. فمما يؤسف له أن بعض المواقع الإسلامية لعبت في مرحلة سابقة دوراً رائعًا في فك الحصار عن المقاومة، تحولت بصورة حادة إلى مواقع معادية للشيعة أكثر من معاداة أمريكا والغرب!! والملفت للإنتباه أن هذا حدث في وقت حقق فيه شيعة لبنان (حزب الله) إنجازًا كبيرًا ضد الأعداء، على الأقل قام بشئ في مساحة الاهتمام المشترك.

فإذا ببطولات حزب الله التي أذلت عدو الله اليهودى، تستثير أوسع حملة في بعض المواقع ليس ضد الشيعة عمومًا فحسب بل ضد حزب الله بشكل خاص والسيد حسن نصر الله على وجه أخص!
وهذه الروح لن تؤدى إلا إلى أشعال الفتن، وخدمة الغزاة الذين وصلوا بالفعل إلى كل حرمات المسلمين.

فإذا كان العراق ساحة حدثت فيها بالفعل تفاوت في التقديرات السياسية وضعت أساسًا يمكن أن يستثمر في فتنة طائفية.فإن الوضع في لبنان لم يكن كذلك أبدًا، حيث يركز حزب الله على مقاتلة الإسرائيليين، وحيث لا توجد أزمة أو فتنة أصلاً بالمعنى المفهوم بين السنة والشيعة لا في هذه الآونة ولا قبل ذلك.
والفتنة التي تهدد لبنان والمقاومة تأتى من أطراف عميلة لاسرائيل وأمريكا وفرنسا.

- نقترح أن يضع الاعلام العربي- الاسلامى اتفاق مكة في بؤرة الاهتمام، وأن يقوم بكل ما من شأنه أن يحوله إلى ثوابت، ويحاصر أي خروقات تجاهه.

- على الإعلام العربي والإسلامي أن يركز على حث الدول العربية والمنظمات الأهلية على تقديم العون لأهل السنة، بالاهتمام ببناء مساجدهم ودعم مؤسساتهم الدينية، وبعثاتهم التعليمية والعلمية،والاهتمام بدعم هيئاتهم الاجتماعية كالمستشفيات ومدهم بالمطبوعات والدعاة إذا لزم الأمر ذلك، والتدخل بقوة لحل مشكلاتهم، وإطفاء البؤر المشتعلة هنا وهناك.

وإن لمنظمتنا (الحملة العالمية لمقاومة العدوان) دورًا كبيرًا في هذا الصدد، ذلك أن الجمعيات الأهلية السنية هي الأساس الذي يمكن أن نعول عليه، أما حكوماتنا التي نأت بكلكلها على أهل السنة في بلادها، فهى لا تعرف كيف تنجد أهل السنة في العراق، وهم في أغلب قيادتهم من الاسلاميين، ان هذه الحكومات تتحرك بتوجيه أمريكى وتصب البنزين على النار ضد إيران والشيعة، لأن الدور جاء على ضرب إيران، وتم الضغط على الذر في واشنطن، فتحركت هذه العواصم. إن الخلافات مع إيران والشيعة في العراق تعالج بالأساس من خلال الحركات الاسلامية الشعبية العربية التي لها وزن أدبى واحترام على مستوى الرأى العام المحلى والعالمى، ومن خلال إجراء حوار حقيقى ومتصل ولا مانع من وجود لجان مشتركة مؤقتة حتى يتوقف نزيف الدم العراقي، فهذه أولوية قصوى.

وبالتالي لا بد للإعلام العربي والإسلامي أن يعالج المسألة بهذه الروح التي تسعى لضم الصفوف وتوحيدها ضد المحتل والغاصب الأجنبى، وإبراز الوجه المتعقل والمعتدل من الجانبين.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه.