فصول في التدمير الذاتي!
4 ذو القعدة 1427

الجمع مابين الرغبة والقدرة على نقد الذات بصورة صحيحة قد لا يتأتى دائماً ، كما أن إساءة تطبيق هذا المفهوم عند البعض بحيث يرتكز النقد على جملة " انتقادات " للمساوئ والعيوب ، و تجاهل مستمر للمحاسن والمزايا دون تقديم حلولٍ جديّة لتجاوز تلك المثالب يحوّل "النقد الذاتي" في لحظة خاطفة إلى صورة مزرية وعقيمة من صور "التدمير الذاتي "! وعلى العكس من النتائج الإيجابية المرجوة من عملية نقد ذاتي صحّي وصحيح ، لا نخرج في العادة من جَلد الذات إلا بأرواح مرهقة منكسرة تعيش حالة "مَرَضية" من الكراهية والاستياء القابلين للامتداد خارج حدود الفرد!

يعتقد البعض أن قمة الشجاعة والموضوعية أن تستعرض عيوبك وعيوب الآخرين وأن تظل ترددها على مسامع من حولك دون تمييز, بينما هناك خيط دقيق يفصل مابين الشجاعة المحمودة والتهور المعيب في هذا الأمر ، أما ادعاء الموضوعية فليس قابلاً للتوظيف هنا لأن أبسط تعريف للموضوعية بمعناها العام هو أنها (إدراك للحقائق عبر نظرة شمولية متفحصة لكل الزوايا من غير التحيز لقطب ضد قطب آخر) فهل في وسع أحد الكمون في الجانب المظلم ويدّعي أنه يرى الأشياء؟؟!

لا يكمن الخطأ هنا في تبني هذه النظرة السلبية في محيطها الفردي وحسب ، بل في تعميم هذه الممارسة الخاطئة للنقد الذاتي على المشهد المحلي والعربي والإسلامي ! وأن تتبنى عملية التدمير الذاتي للشخصية العربية المسلمة أقلام ومنابر إعلامية لا تفتأ تسلخ جلد مجتمعاتها بجريرة أو من دون جريرة! نمط مستقل من الكتابات يطفو فوق صفحات الجرائد ويطل علينا إذا واجهه الضمور عبر بوابة الفضائيات ..لا تحتاج في الحقيقة إلى جهد كبير كي تجمع حصيلة لا بأس بها من الأسماء " التدميرية" الهوى! فصراخها يسبق حضورها.. وقلما تفتح صحيفة لا تجد فيها خمسة كتّاب على الأقل يمارسون هذه الوصلة " السوداء" بشكل مكثف عبر أطروحاتهم! ولا يخرج المتابع لهم بغير كراهيته لنفسه ومجتمعه وأمته !! ويقينه بأنه يعيش وسط جملة من الأخطاء ، و إحساس كئيب يغلّفه بالضعة والدون!

إن المبالغة في استعراض العيوب وتضخيم السلبيات ليست بالعمل الجريء والجبّار الذي تتخيل بعض الأقلام أنها " تتفضل به" لدفع عجلة الثقافة والإعلام وتطور المجتمعات! وإذا استثنينا بعض من غرّر بهم الألم ووطأة المرحلة فجنح بهم تيار العاطفة إلى السخرية والهجوم الهستيري..فإننا نبقى مع عدد من الأقلام يدفع بعضها الجهل والانسياق، وبعضها الحقد ، وبعضها الجبن، وبعضها الشعور بالنقص، وبعضها الجري خلف الأضواء ، يفتّون في عضد الأمة وأفرادها وهي في أشد الحاجة لزرع الثقة والوعي المتبصر وتأصيل معاني النهضة والاستنهاض، وإن كان من الخداع إعطاء صورة مغايرة للحقيقة ، فليس من الصدق " قص" أجزاء من الصورة الحقيقية وإخفاء معالم منها عن سبق عمد! ومهما كان التبرير المساق هنا ،ومهما أثير بين الحين والآخر حول ضرورة تشخيص الأمراض , فمن العبث أن نتخيل أن هذا يعطينا الحق في معاملة النسر المريض كدجاجة!!