واجب الكُتّاب والصحفيين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه .. أما بعد:
فقد سرّ أهل العلم والإيمان في كل مكان ما تفضل به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وفقه الله ونصر به الإسلام وأهله من توجيه أبوي للكتّاب والصحفيين والقائمين على وسائل الإعلام عموماً بوجوب التمسك بشريعة الإسلام وعدم نشر ما يخالفها مما حرم الله ورسوله : أو يضر الناس في دينهم ويؤدي إلى إثارة الشبهات وإحداث الفرقة والبغضاء بينهم وقد حثهم حفظه الله على تحمل الأمانة الملقاة على عاتقهم وأن يتحروا الخير فيما يوجهونه إلى الناس ولا ينشروا شيئاً مما يفسد أخلاقهم أو أخلاق أبنائهم مما يؤدي إلى غضب الرب وحلول النقم وزوال النعم وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".

وتأكيداً لما تفضل به خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ومن باب النصيحة لإخواني الكتُّْاب والصحفيين وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه فإني أبين بعض ما يجب عليهم على ضوء الكتاب والسنة فمن أعظم ما يجب العناية به هو تقوى الله تعالى فيما يكتبون فإنهم ميتون وعما كتبت أيديهم محاسبون ومجزون فلا يكتبوا شيئاً فيه طعن أو تشكيك في دين الله أو فيه دعوة إلى الفساد والانحلال والاختلاط وغير ذلك مما حرمه الله ورسوله وقد قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ".

وعليهم أن يحذروا من لمز أهل العلم والدعاة ورجال الحسبة والذين استقاموا على دين الله وقد قال الله تعالى : " ويل لكل همزة لمزة " وإذا كان لمز المؤمنين محرم فكيف بأهل العلم والدعوة لا شك أنه أولى بهذا الوعيد الشديد لأنهم ورثة الأنبياء والقدح فيهم قدح في الموروث الذي يحملونه بل الواجب عليهم أن يوجهوا الناس إلى الخير وإلى أهل العلم والفضل للأخذ عنهم والاستفادة منهم فمن فعل ذلك فهو مأجور وموعود بالخير الجزيل والثواب العظيم ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال :"من دعا إلى هدى كان له من ألجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من ذلك من أجورهم شيئاُ ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ .

وأيضاً مما يجب على الكتاب والصحفيين الحذر في كتاباتهم من العدوان والفحش وبذاءة اللسان لأنها ليست من أخلاق المسلم وهي تولد الأحقاد والعداوة بين المسلمين وقد قال تعالى: "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ" بل الواجب عليهم الدعوة إلى آرائهم مما يخالف الكتاب والسنة بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يجادلوا بالتي هي أحسن كما قال تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".

وإذا تيقن الكاتب أو غلب على ظنه أن نشر رأيه سيؤدي إلى مفسدة أو حصول فتنة بين الناس فلا ينشر رأيه لمصلحة درء هذه المفسدة العظيمة ولتأليف القلوب وتوحيد الصفوف وأيضاً من أعظم ما يجب على الكاتب تحري الإخلاص لله تعالى فيما يكتب دون النظر إلى المصالح الشخصية والمنافع الذاتية وتحري الحق والعدل والإنصاف وعدم تلبيس الحق بالباطل حتى لا يغتر بقوله العوام والسذج وينخدع بمقالاته الجهلة من الناس وقد قال تعالى: "وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" .

وأيضاً مما يجب التنبيه إليه أن بعض الكتّاب هداهم الله وألزمهم طريق الاستقامة – يشوش أذهان الناس ويشككهم في دينهم عن طريق تتبع الأقوال الغريبة والآراء الشاذة وإثارة الخلاف عند كل مسألة وهذا مسلك خاطئ حتى وإن رأي في المسألة خلاف فليس كل خلا ف له حظ من النظر فالمعول عليه هو الدليل من الكتاب والسنة والمستدل هو العالم الرباني أو طالب العلم العالم بالأحكام وطرق استنباطها من الأدلة .

وقد جعل ولي الأمر للناس هيئة مختصة بالإفتاء يرجع الناس إليها في الأمور العظيمة والمشكلة التي تهم الأمة فمتى ما أفتت في مسألة فالفتوى منها ترفع الخلاف لمصلحة توحيد الأمة وعدم تفرقها ولا يسوغ بعد ذلك الخروج عن رأيها بحجة أن المسألة خلافية لأن ذلك من شأنه أن يدخل الأمة في فوضى وبلبلة ويكون سبباً في تسليط الأعداء على بلاد المسلمين . ويلاحظ على بعض الكتّاب الخوض في الأحكام الشرعية بدون علم ولا شك أن هذا أمر محرم ومفسدته عظيمة وعاقبته وخيمة بل الواجب أن يكتب كلٌ في اختصاصه وفي حدود مقدرته لا يكلف الله نفساً إلا وسعها فلا يسوغ للطبيب أو المهندس أو الأديب أو الصحفي أو غيرهم أن يفتي ويخبط خبط عشواء ويضرب النصوص بعضها ببعض أو ينقل من الكتب وهو لا يميز أقوال العلماء ومصطلحاتهم ولا يميز بين العام والخاص والمحكم والمتشابه والمجمل والمبين والناسخ والمنسوخ ولا يميز الحديث الصحيح من الضعيف

ولا يعرف قواعد الاستدلال والترجيح وطرق استنباط الأحكام الشرعية ومقاصد الشريعة الإسلامية فمن أقحم نفسه في ذلك فقد جنى على نفسه وعلى غيره جناية عظيمة، وقد قال الله تعالى: "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" فعليه أن يحذر من ذلك غاية الحذر .

وهؤلاء الكتاب غير المختصين في علوم الشريعة عليهم أن يكتبوا ما يفيد البلاد والعباد في مجال اختصاصاتهم كالطب والهندسة والحاسب الآلي والفلك والزراعة وغير ذلك فالبلاد في حاجة للاستفادة من هذه العلوم وتطويرها عن طريق الأفكار النيّرة والآراء الصالحة والمقترحات المفيدة.

وأخيراً أقدم نصيحة إلى أخواتي الكاتبات فكثيرٌ منهن - ولله الحمد – لهن كتابات مفيدة وآراء سديدة تحث على الخير تحذر من الشر وتناقش قضايا بنات جنسها على بصيرة وعلم من الكتاب والسنة فجزاهن الله خير الجزاء إلا أن البعض – هداهن الله – انطلت عليه بعض الشعارات البراقة والدعايات الجوفاء والأساليب الخداعة مما يخالف الكتاب والسنة فحملن لوائها ورفعن شعارها ونادين بها في كل محفل وهن لا يشعرن بمدى خطورة ما يكتبن ولا يعلمن عظيم جنايتهن على المجتمع المسلم لا سيما في هذا العصر الذي انتشر فيه دعاة الإباحية والسفور تارة باسم الحرية وتارة باسم التقدم والرقي وتارة باسم الإصلاح والانفتاح فعليهن أن يحذرن من ذلك ولا يكنّ صدىً لكل ناعق ومطية لكل حاقد بل عليهن أن يتمسكن بدينهن وحجابهن ويشاركن في تقدم المجتمع المسلم في حدود ما جاءت به الشريعة وليعلمن أن الذي فرض عليهن الحجاب والستر والعفاف ليس الرجل حتى يطالبنه بتحرير المرأة من ذلك بل فرضه الله ورسوله ولا خيار لهن إلا الرضا والانقياد والاتباع لأمر الله ورسوله وقد قال الله تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً".

أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لقول الحق وقبوله والعمل به وأن يجمع قلوبنا على الحق والإيمان حتى نلقاه وأن يصلح ولاة أمرنا ويعينهم على ما فيه خير البلاد والعباد إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.