طاش!! قراءة هادئة وسط الضجيج

طاش وما طاش!! قضية رمضانية موسمية اعتدنا أن يحتدم الجدل حولها في كل عام بل صدرت فيها الفتاوى ودبِّجت فيها الخطب وكتبت فيها القصائدّ! ومع ذلك فلا تزيد هذه القضية إلا اشتعالاً! فهل تستحق هذه القضية فعلاً كل هذا الزخم؟ أليس من المبالغة أن نتوجه بكل هذا النقد لهذا المسلسل بدلاً من الاستفادة منه؟ هل صحيح أن سبب مهاجمتنا لهذا العمل هو خوفنا من النقد؟ أم أن هذا المسلسل قد تجاوز حقاً قضية النقد إلى أمور أبعد من ذلك؟ وأخيراً كيف استفاد (بوش) من طاش!!؟

تساؤلات عديدة ومواقف متباينة، لكن يبقى أن كل الذين شاهدوا طاش في هذا العام يجمعون على أنه دخل مرحلة جديدة!! فما طبيعة هذه المرحلة؟ وكيف ينبغي لنا التعامل معها بصورة صحيحة معتدلة؟
يقول البعض عن هذا المسلسل إنه عمل درامي كوميدي هدفه التسلية فقط وليس الهدف منه علاج الظواهر الاجتماعية أو النقد السياسي، ولذلك فهو غير مُلزم بالمعايير الموضوعية أصلاً، وأما ما نشعر به من حساسية مفرطة تجاهه فإن ذلك بسبب ما تعودناه من تضخيم وتهويل لكثير من مشاكلنا وقضايانا.

فيما يرى آخرون أنه عمل ناقد وذو رسالة يحاول توظيف الكوميديا الساخرة والطرح الجريء لعلاج بعض مظاهر الخلل في المجتمع وبخاصة في تلك القضايا التي تعتبر في عرف البعض خطاً احمر وأما يثار حوله من ضجيج فذلك مؤشر نجاح له نظراً لأن من طبيعة جميع الأعمال الناجحة الجريئة التصادم مع كثير من المفاهيم التقليدية والممارسات السلبية السائدة في المجتمع، لكنه قد لا يوفق أحياناً في معالجة بعض الموضوعات.

وفي المقابل فهناك من يخالف الرأيين السابقين ويعتقد بان هذا العمل هو أكثر من كونه عملا كوميدياً أو ناقداً، أو على الأقل فقد تحول من كونه عملاً كوميدياً ناقداً إلى عمل مبرمج وموجه ومحدد السياسة، وعليه فهم يرون فيه صفحة جديدة من صفحات الحرب الليبرالية على ثوابت ومسلمات وأعراف هذا المجتمع! ويُلحظ ذلك من خلال وجود التطابق والتناسق التام في طريقة معالجة هذا المسلسل لبعض القضايا الحساسة كالتطرف الديني وقضايا المرأة والتعليم وقضايا الحسبة وغير ذلك وبين الطريقة التقليدية المعروفة والتي ينتهجها بعض الكتاب والمفكرين الليبراليين في علاج تلك الأمور بل إن المشاهد لبعض الحلقات الأخيرة من هذا المسلسل ليشعر وكأنه أمام أحد المنتديات الإلكترونية الليبرالية، أو مقالاتهم الصحفية والتي تعوَّد القارئُ لها ألا يجد فيها مناقشة موضوعية أو محاولة جادة للوصول لحل أيٍ من تلك القضايا،بل كل ما هنالك هو محاولة لاستغلال الأخطاء التي تقع من بعض من ينتسب إلى الدين وتضخيمها وسحبها على كامل التيار الإسلامي.

وعليه فأصحاب هذا الرأي يرون بأنه قد تم توظيف هذا المسلسل من قبل التيار الليبرالي وذلك لتصفية الحسابات مع خصومهم الإسلاميين، وأن دور هذا المسلسل إنما هو دور تكميلي لما تقوم به بعض الصحف والبرامج الفضائية والمواقع الالكترونية الليبرالية.

ومن الأساليب التي تمت ملاحظتها في هذا العمل والتي هي من صميم الأساليب الليبرالية في الحرب على ثوابت وعادات هذه البلاد ما يلي:
1. الاستهزاء السافر ببعض الشعائر الدينية ومحاولة تشويها، وبخاصة شعيرة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل قد تعدى ذلك إلى الاستهزاء بالسيرة النبوية من خلال ذكر بعض فصولها في معرض السخرية وكذلك أسماء الصحابة.
2. تشويه صورة علماء هذه البلاد وقضاتها ومحاولة إلصاق صفة الغفلة والفساد بهم! وكذلك وصفهم بالتشدد والانغلاق وبخاصة فيما يتعلق بالمرأة.
3. إعطاء صورة مظلمة لواقع المرأة في هذه البلاد، وإظهارها بمظهر المرأة المقهورة المظلومة المهدرة الحقوق والتي لا قيمة لها.
4. محاربة النوادي الصيفية والمجتمعات الدعوية وإلصاق تهمة الإرهاب بها.
5. محاربة خصوصية هذه البلاد، وذلك عن طريق تصوير أن واقع أهل هذه البلاد لا يختلف عن غيرهم من الانحلال والتفسخ وأنهم على استعداد لمقارفة المنكرات متى ما وجدوا فرصة لذلك.

ولذلك فأصحاب هذا الرأي يرون أن هذا المسلسل هو في الحقيقة خدمة للغرب ودعماً لوجستياً له، بل لا يستبعدون أن يكون لبعض الجهات الأجنبية دور في تمويله ودعمه خاصة بعد أن أصبح من المعلوم عند الجميع أن هناك من يتعاون مع بعض الجهات الأجنبية ضد دينهم ووطنهم وهذا ما صرح به سمو وزير الداخلية،

وأياً كان الرأي الصحيح فإن الجميع يتفق على أن هذا العمل قد سقط سقوطاً ذريعاً، وأنه قد وصل إلى مرحلة الإفلاس والشيخوخة،وأن المستفيد الأول منه هو أولئك ممن تسرهم الشماتة بهذا البلد وبدينه وقيمه.

ولكن يبقى السؤال: ما هي أفضل طريقة لمواجهة مثل هذا المسلسل؟
وقبل الإجابة على هذا التساؤل لا بد من الإشارة إلى هناك من يرى أن هذا المسلسل قد استفاد من طريقتنا الخاطئة الدائمة في التعامل معه والمتمثلة في الاكتفاء بكثرة النقد له، بل وتخصيصه ببعض الفتاوى ويرون أنه كان الأجدر ألا يعطى قدراً زائداً عن غيره من المسلسلات الهابطة وعلى كل حال فإني أرى أن من الواجب علينا حيال هذا المسلسل وغيره من المسلسلات التي تشاركه نفس التوجه ما يلي:
1. الثقة في ديننا وعقيدتنا وثوابتنا، والاعتقاد بأنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتأثر بمثل هذه المهاترات الدرامية الفجة.
2. سلوك مسلك الحكمة والعقل والحذر من أي ردة فعل غير محسوبة، أو مخالفة للشرع.
3. التعريف بخطر مثل هذه الأعمال لدى المسئولين وأصحاب القرار، وتبيين أن مثل هذه الأعمال قد تكون بمثابة الزيت الذي يزيد النار اشتعالاً وأنها قد تولد ردود فعل عنيفة مضادة، وعليه فإن الواجب أن توقف مثل هذه الإعمال الاستفزازية، ونحن نعلم بأن قادة هذه البلاد لا يقبلون أن يمس بعقيدة هذا البلد أو أمنه.
4. بذل النصيحة للقائمين على هذا المسلسل بطريقة شفيقة رفيقة، وتذكيرهم بالله عز وجل وكذلك نصح القائمين على القناة التي قامت بعرض هذا المسلسل.
5. إظهار الصورة الصحيحة والحقيقة لكثيرٍ من القضايا التي أساء تناولها هذا المسلسل وحاول تشويهها والتأصيل الشرعي لها، ومن ذلك ما يتعلق بقضايا المرأة، وعندها فلن نخاف من تأثير هذا المسلسل أو غيره، " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
6. ألا ننسى ونحن في غمرة الغضب والنقد لهذا المسلسل قضية النقد الذاتي والتي نحن بحاجة ماسة لها في كل وقت، لأننا ونحن ننتقد هذا العمل لا ندّعي بأننا معصومون من كل عيب وخطأ وليس صحيحاً قول القائل:


وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل

بل يبقى أن فينا من العيوب ما ينبغي لنا السعي في التخلص منه.

ختاماً أسأل الله _عز وجل_ أن يرشدنا للحق وأن يهدي ضال المسلمين وأن يجعلنا من المتعاونين على نصرة ديننا ووطننا، والحمد لله رب العالمين.