رمضان حلَّ فلنحتفل

*المستشار الأسري

ها هو رمضان على حلَّ على الأمة الإسلامية بروحانيته الرائعة وبمشاعره الفياضة وإني أرى أن في قدومه ما يستوجب علينا عدم تضييع الفرصة في استثماره بشكل إيجابي وبطريقة تصب في النهاية إلى صلاح النواة في المجتمع ألا وهي الأسرة.
نعم ها هو رمضان يأتي هذا العام – تقبله الله منا ومنكم – وإني أريد أن نستغل نعمة الله علينا ببلوغه برفع شعار جديد للقضاء على المشاكل الأسرية والمنغصات المنزلية التي لا يكاد يخلو منه بيت من البيوت إلا أن منا المقل ومنا المكثر.

فما هو هذا الشعار يا تري الذي نريده أن يحتل مساحة لا بأس بها في حياتنا الزوجية، إن الشعار الذي أريد أن نرفعه هو شعار ( رمضان حلَّ... فلنحتفل ).
نعم ليحتفل كل زوج وزوجته بتوديع تلك المشاكل التي حصلت بينهما خلال عام مضى أو خلال أعوام سابقة، نعم ليحتفل كل زوج وزوجته بتفاهم أعمق وبروح واحدة، نعم ليحتفل كل زوج وزوجته نحو تربية واعية لأبنائهم، نعم ليحتفل بتأسيس مجالس للحوار نعم لنحتفل فرمضان حلَّ.
ولعل مما يساعد على آلية هذا الاحتفال هذه الخطوات التي سأتطرق إليها في مقالي هذا, هي خطوات ستكون –بإذن الله – معينة على رفع الشعار الأسري الرمضاني ( رمضان حلَّ... فلنحتفل ).

فإلى هذه الخطوات:
الخطوة الأولى:
أن يبادر كل من الزوج وزوجته إلى أن يتساعدا في فهم بعضهما البعض، نعم أن يبادرا في ذلك، ذلك أنه في كثير من الحالات هناك ما يمكن أن نسميه ( ألاَّ فضية ) بمعنى أنه حصل بينهما بعض المسائل والأمور التي ملأت خزانات الألم بلا داعي لها، فهنا يأتي دور المبادرة في إنهاء ما حصل، وتفريغ تلك الخزانات مما امتلأت به.
ولعل أحدكم يتساءل من المسؤول عن المبادرة هل هو الزوج أو الزوجة؟ والذي أقوله جوابا على التساؤل: أن المسؤول كلا الزوجين، ولكن يبدو لي –والله أعلم- أن الزوج له من ذلك النصيب الأكبر، أي أنه مطالب بالمبادرة بشكل أكثر من الزوجة؛ والسبب في ذلك هو ما يمكن أن نستنتجه من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه – عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع أعوج..." متفق عليه.

فهنا أوصى الرسول _صلى الله عليه وسلم_ كل الرجال بالنساء خيرا، وإن من الخير المبادرة إلى حل الخلافات وعدم تأخيرها وتأجيلها. قال الشيخ عبد الله بن بسام: "فهذا الوصف الرائع والتصوير البارع والوصية الكريمة منه _صلى الله عليه وسلم_ يحدد موقف الرجل من زوجته، فيسلك معها سبيل الحكمة والرحمة والبر والإحسان" (توضيح الأحكام: 4/444).

وبالتالي فإن من الحكمة والرحمة المبادرة إلى حل الخلافات كما ذكرت آنفا. وهذا لا يعني أن المبادرة هي حق للزوجة على زوجتا بالله كما قال عليه الصلاة والسلام: "خيركم الذي يبدأ بالسلام" فالمبادرة مطلوبة من الطرفين.

الخطوة الثانية:
أن ما يدور في ذهنك تجاه بعض تصرفات زوجتك لا يلزم منه أن يكون هو الحقيقة. ذلك أننا في كثير من الأحيان نتعجَّل الأحكام، ونعلن الحرب، ولو تمهلنا وتثبتنا لوجدنا أن الوضع مختلف جدا، ولعلي أضرب نموذج واقعيا تذكره أحد الأخوات:
أم إياد، معلمة في أحد المدارس، ومتزوجة وعندها عدد من الأولاد، وزوجها يعمل في وظيفة وترفرف عليهما السعادة ولا يشتكيان من أي منغص، حتى جاء ذلك اليوم والذي سافرت فيه الخادمة لزيارة أهلها، مما زاد الحمل على أم إياد، فأصبحت فجأة غارقة ما بين ولد يصيح، وزوج يريد غداءه في وقت محدد، وما بين دفتر تحضير، وأوراق طالبات تحتاج تصحيح.
وهكذا وفي يوم من الأيام وعندما كانت تستعد لبرنامج الغسيل، وعندما كانت تفرغ ما في جيوب زوجها من الأوراق، سقطت عينها على ورقة مكتوب عليها ( فاطمة ورقم جوال؟؟؟؟؟؟0505 ).
جنَّ جنونها، ودخلت في نوبة بكاء عميق، وسقطت على الأرض، ولم تستطع أن تكفكف دموع أمام أولادها وبناتها، ولما جاء الزوج لم تستقبله كعادتها، ولما رأته انفجرت بالبكاء.

تقول أم إياد: فاستمريت على هذا الوضع لمدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع حدثتني نفسي أن اتصل، وأعنف هذه المرأة، وأخذ بثأري منها إذ كيف تجرؤ على أن تتحدث مع زوجي، وفعلا هذا ما حدث حيث اتصلت أم أياد على ذلك الرقم.
أم أياد: ألوه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وردَّت امرأة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أم إياد: أنت فاطمة.
قالت: لا لست فاطمة.
أم إياد: من تكونين إذا.
قالت: أن أم فاطمة.
أم إياد: إن ابنتك قليلة الأدب، وتحتاج إلى تربية، وهي لا تخاف الله، وتتحدث مع زوجي.... وانطلقت بشكل عنيف على أم فاطمة.
ولأن أم فاطمة تعرف ابنتها بشكل جيد، وهي واثقة منها، وهي من قامت بتربيتها لم تتفاعل بشكل واضح، فآثرت الإنصات والمتابعة. ولما انقطعت تلك الطلقات، وهدأ السيل الجارف.
قالت أم فاطمة: يا ابنتي إن ابنتي من المستحيل أن تفعل ذلك.
قالت أم إياد: إذا أخبريني كيف وجدت رقمكم في ثوب زوجي.
قالت أم فاطمة: يا ابنتي نحن نعمل في خدمة البيوت، ومن الطبيعي أن تجدين رقمنا في ثوب زوجك، ثم إنه قد اتصل بي لأنه يرغب بمن يعمل لديه في البيت.
أم إياد: وتعلوها الدهشة ماذا ما ما ماذا!! وسكتت ولم تستطع أن تتحدث وعرفت لماذا كان الرقم في ثوب زوجها.

فتأملوا كم بالله عليكم نقع بمثل هذه التصورات الظنية مع زوجاتنا ومع أولادنا ومع جيراننا ومع كل من نعرفه. ثم إن التثبت أمر وردت فيه النصوص، فما لنا نتعجَّل.

الخطوة الثالثة:
أن تتجاوزا كل ما مضى لصناعة حياة مشرقة جديدة تبدأ من رمضان 1427 وهكذا تستمر إلى ما لا نهاية – بإذن الله – وإني ومن خلال ما أجده من واقع الاستشارات الأسرية أن هناك من يعيش في الماضي بشكل مستمر.
مثاله: اتصل بي أحد الأزواج في يوم من الأيام وقال لي: إن زوجته قد جرحته بشكل كبير، وأثرت على نفسه وفكره ومزاجه.
ولما تساءلت عن السبب؟
قال: لقد قالت لي قبل مدة من الزمن: أني لم أكن راغبة في الزواج بك، ولكن لأنك أصريت رضيت بالواقع. ويستطرد الزوج قائلا: هذا الكلام حصل قبل عدة أشهر، ولكني لم أستطع أن أمسحه من نفسي.
وبغض النظر عن مناقشة صحة طرح هذه الزوجة أو خطأه إلا أني أقول: إن على الجميع أن يتجاوز عما تزل به الألسنة، وما قد تتعمده في بعض الأحيان، وكذلك نكوِّن في أنفسنا قواعد راسيات وأرصدة مملوءات بالعفو والمغفرة، ولا نكون كمادة الغراء اللاصقة التي تمسك بكل ما مرَّ به أو ما قاربها.

الخطوة الرابعة:
أن يدرك كلا من الزوجين أنهما هما المسؤولان الأولان والأخيران عن التطوير والتغيير والتجديد في حياتيهما، نعم هما المسئولان وحسب، وليس المستشار الأسري أو الشيخ أو العالم؛ نعم قد يكون هؤلاء مساعدين بما يطرحونه من بعض الحلول والاقتراحات، بمعنى آخر عندهم مجموعة المفاتيح المساعد لفتح قضية معينة، ولكن عليك أيها الزوج وعليك أيتها الزوج اختيار المفتاح المناسب وإدارته وهنا نجد أن هناك فعلا يصاحب المفتاح هذا الفعل هو ما لا يمكن أن يقوم به أحد غيرك أيها الزوج وكذلك أنت أيتها الزوجة.

فإذا ما أدرك الزوجان هذه المسألة استطاع –بإذن الله – تيسير شؤونهما دون كثير من الابتعاد، وأصبح كل واحد منهما ينظر بأفق أوسع وأنه مسؤول عن هذه الأسرة.
أسعد الله قلب كل زوجين، وجمع بينهما بخير، وها هو رمضان حلَّ فلنرفع الشعار ونحتفل...