"المعلم الصغير " تجربة يمكن أن تصنع جيلا

يعد الطفل الموهوب عملة ماسية نادرة يمكنه إحداث تغيير جذري مستقبلي في مجتمعه من أجل إعلاء شأن أمته إذا حمل هم تلك الأمة, فهو لديه البذرة التي تجعله يأكل ليعيش وينتج ولا يعيش ليأكل ويستهلك , لكنه وكغيره تسير عليه سنن الإهمال , ففي حال إهماله يتلف ويفنى لذا فهو بحاجة أولا إلى الاكتشاف ثانيا إلى الرعاية والاهتمام.
ويكاد يحصر الكتاب طرائق رعاية الموهوبين في ثلاثة أساليب هي: الإسراع وهو الذي يتاح فيه للطالب الموهوب الذي يتميز بسرعة التعلم عن التلميذ العادي إمكانية اختصار المدة المحددة والانتقال إلى مرحلة أعلى وهكذا، والأسلوب الآخر هو الإثراء والذي يوفر للطالب الموهوب برامج إثرائية إضافية تتميز بشيء من العمق وارتفاع المستوى عما يدرسه في الفصل العادي، وتهدف إلى التركيز على مهارات التفكير العليا، وتعطى في أوقات إضافية سواء داخل المدرسة أو خارجها، أما الأسلوب الثالث فهو تجميع الموهوبين في مدارس أو فصول خاصة وإعطاؤهم برامج فيها قدر كبير من الاستقلال والمرونة عن برامج المدرسة العادية، ويختار لها مدرسون متميزون وتوفر لها إمكانيات تستجيب للقدرات غير العادية لهؤلاء الطلاب , هذا عن ما هو شائع في رعاية الموهوبين.
لكن حديثنا اليوم سينصب على تجربة تربوية عملية مختلفة طبقت في بعض الدول العربية وساعدت على غرس الروح التنافسية لدى الطلاب مما سمح بتفتيح المدارك لديهم ومن ثم إطلاق العنان للطاقات الإبداعية لهؤلاء الطلاب , تلك التجربة التي أطلق عليها " المعلم الصغير أو المفكر الصغير " وهذه التجربة تنطلق من مقولة : «إن الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ، وبه آنس وأدعى للتعلم». وهذا الأسلوب طبقه العلماء وكان بمثابة اللبنة لصناعة الجيل الثاني للعلماء فكثيراً ما نجد مجموعة من طلاب العلم هم أقرب للعالم وهم أفضل من ينقل لباقي الطلاب ديدن العالم ومنظوره ومنه جاء نظام المعيد الذي يعيد شرح العالم . كما شاع أيضاً في الكتاتيب ، أسلوب تربوي مجدٍ للغاية، مفاده أن يكلف المؤدب في الكتاب - وبقصد- من حين لآخر، أكثر التلاميذ نباهة برعاية أنشطة رفاقه؛ وذلكم هو التلميذ الذي كان يسمى «العريف».
وتجربة المعلم الصغير تبدأ بالطفل وهو في الصفوف الأولية وهي عملية تحفيزية للطلاب داخل الفصل أو الحلقة أو الدار وتعطى هذه الميزة للطالب الذي يُـنهي حفظه ومراجعته مبكراً ويتصف بخلق وأدب رفيع ويعطى بعض المهام والمسؤوليات السهلة مثل تحضير الطلاب وتسميع المراجعة ويسمح لمن لديهم الاستعداد للقيام بهذا الدور. وينبغي هنا ألا يقف الأمر عند حد السماح لمن لديهم المبادرة بل ينبغي اختبار كافة الطلاب على هذا النظام لأنه من الممكن أن يكون هناك طلاب لديهم المهارات الإبداعية لكنهم يفتقدون إلى روح المبادرة أو الخوف من المواجهة.
وهذا النظام له العديد من الفوائد منها
1-بث الروح التنافسية داخل الفصل الدراسي مما ينعكس على المستوى التحصيلي للطلاب ؛ لأنهم بذلك سيحرصون على الظهور بأفضل صورة ممكنة .
2-اكتشاف أفضل العناصر الطلابية من بين الطلاب مما يؤدي إلى الوصول للطلاب الموهوبين طبقاً لتعريف الموهوب لتقوم إدارة المدرسة بعد ذلك بوضع برنامج آخر لرعايتهم أو فتح قنوات اتصال بينهم وبين مراكز رعاية الموهوبين في الدولة إن كانت موجودة أو المطالبة بإنشاء مركز يقدم تلك الخدمة في حالة عدم وجودها .
3-إرساء مبدأ حرية الرأي والتعبير مما يربي الأبناء على الإقدام وعدم الخوف.
4-تربية الطلاب على الإبداع والتفكير الابتكاري.
5-الاستفادة من ملاحظات المتلقي على أساليب التلقين لأنه هو الأوقع بها ولكنه لم تسنح له الفرصة لنقدها وليست لديه الجرأة للخوض في هذا النقد.
6-صناعة علماء وكتاب وباحثين الغد.
نماذج عملية طبقت فعلياً
أولا .... تجربة المعلم الصغير بالسعودية
قدمت مدرسة هجر الابتدائية بالهيئة الملكية بالجبيل تجربة تربوية وصفت بأنها تعتبر الأولى من نوعها على مستوى المملكة من حيث مدة التطبيق في المرحلة الابتدائية بطريقة منظمة , هذه التجربة التي أطلق عليها تجربة "المعلم الصغير" , حيث استمرت فصلا دراسياً كاملاً، وشارك في تلك التجربة سبعة طلاب طبقوا ثلاثين درساً في الصف السادس ,وبعد هذا الجهد الذي بذل خلال فصل دراسي كامل كلفت المدرسة أحد الطلبة بإعداد درس نموذجي في مادة القراءة ليحضر هذه التجربة رئيس مركز الإشراف التربوي الذي أكد على تطبيق التجارب داخل المدارس؛ لأنها تفتح آفاقاً لتطوير عملية التعلم فالتجربة لا تتوقف عند نهايتها بل نهايتها بداية لتجربة أخرى , وأشار منفذ الفكرة إلى أن هذه التجربة لم تكن إلا نواة لبداية تعليم جديد يكون الطالب هو الذي يديره وهو الذي يشكل ويكوِّن الطريقة التي تناسبه هو ومن هو في سنة من قرنائه.
وقد أكد بعض الطلاب الذين طبقوا التجربة كمعلمين صغار بأنهم استفادوا من هذه التجربة، حيث عرفوا حجم الجهد الكبير الذي يبذله المعلم لأبنائه الطلاب , كما أنها علمتهم وعودتهم على التعلم الذاتي وأن هذه التجربة كان لها فضل كبير بعد الله _سبحانه وتعالى_ من حيث الجرأة وتحمل المسؤولية والروح القيادية.
ثانيا تجربة الطفل يكتب للطفل ... بتونس
تنحصر فكرة «الطفل يكتب للطفل»، بأنها سلسلة قصصية وتجربة مدرسية ينتج تلاميذ المدرسة الابتدائية من خلالها ، قصصًا مقروءة لأقرانهم، بحيث ترعى المدرسة هذه القصص بالطبع والنشر. وقد بدأت تلك التجربة التربوية بالدائرة الثانية للغة العربية في قابس بتونس، وأنتج التلاميذ خلال السنوات الماضية العشرات من العناوين الموزعة على مختلف مستويات المرحلة الابتدائية من الصف الأول حتى الصف السادس.
وتتمثل التقنية التربوية المستخدمة في إنتاج كل قصة، في الاتفاق مع مجموعة من تلاميذ فصل من فصول المدرسة الابتدائية على منطلق معين لكتابة وإنتاج قصة، ينشط المعلم خلاله عملية الإنتاج لعدة أسابيع، فتبنى حلقات القصة تدريجيًا، مرورًا في كل طور بعمل فردي، فعمل جماعي، وعندما ينهي المؤلفون الصغار مشروعهم نصًا ورسومًا، يقدمونه للطبع والنشر ثم يتابعون توزيعه وترويجه للبيع في المكتبات، ثم يقومون بجمع ومراجعة ما أثير حوله من آراء ونقد في الصحافة ووسائل الإعلام وتقييم المسؤولين في الجهاز التربوي له . معنى هذا أن هذه التجربة تتضمن عددًا من المهارات والتجارب الفرعية الميدانية، كالتأليف والإعداد والرسم والطبع والنشر والنقد والتقييم .
وهذه الفكرة يمكنها أن تساعد على اكتشاف المهارات الكتابية والصحفية لدي الطلاب واستثمارها مبكراً بتدريبهم التدريب الصحيح لتستفيد بهم المؤسسات الصحفية ودور النشر والمراكز البحثية وهذا بدوره يوفر كثيراً من الوقت ويجعل المجهودات منظمة ومركزة ويكون لدينا جيل جديد يتحدث بهموم أقرانه وبأدواته .