التخبط واللغط في التعامل مع الفتن

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد
أيام الفتن تغيب كثير من المفاهيم عن الناس وغياب هذه المفاهيم يؤدي الى التخبط واللغط في التعامل مع هذه الفتن. ومن خلال هذه المقالة نحب أن نذكر ببعض المفاهيم الغائبة:
عند النظر في الأحداث الواجب ألا يقتصر نظر المحللين على الأسباب المادية المؤثره أو الداعية لهذه الأحداث دون تأمل الأسباب الشرعيه وراء هذه الأحداث. فلبنان مر بأحداث مشابهة في السابق وعندما من الله عليه بالأمن لم يستغل أهله أو قل المتنفذين فيه الفرصة للرجوع إلى الله عز وجل وإصلاح ما بينهم وبينه بل عادوا وللأسف الشديد إلى مبارزة الله بالمعاصي والفجور واقتصر همهم على إعادة لبنان إلى ما كان عليه من مركز للعهر والفجور تحت مسمى السياحة ومسمى الإقتصاد. يقول الله عز وجل : أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126). أي لا يتوبون من ذنوبهم السالفه ولا يذكرون فلا يكررونها في المستقبل. ألا فليتعظ بما يحدث في لبنان من يريد أن يجعل من بلاده مرتعا للفساد تحت مسمى السياحه أو استقطاب الإستثمارات الخارجيه وما إلى ذلك من مسميات زائفة خادعه لن تجلب للبلاد ولا للعباد إلا العواقب السيئة.
المتأمل لبعض الحوارات حول ما يحدث في لبنان يرى ما عليه واقع بعض المسلمين من عدم المعرفة بدينهم وتحكيم إما عقولهم أو عواطفهم في مجريات الأحداث وإن كانت معارضة للدين ومصادمة له. والمؤمل من المسلم الإجتهاد في طلب العلم والتفقه في الدين حتى يكون ممن اراد الله بهم الخير وحتى لا تزل به القدم. قال صلى الله عليه وسلم ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)).
نرى من أهل السنة إغترارا ظاهرا بالكلمات المنمقه والشعارات الرنانه والعبارات الطنانه من بعض المخالفين مما يؤثر في حكمهم على قائليها دون النظر في عقائد القوم وكذلك في ممارسات البقية وخاصة الغالبية منهم. وفي نفس الوقت نلحظ منهم تجاهل لكلام العلماء في هؤلاء المخالفين وحتى ما سجله التاريخ من ممارساتهم اتجاه اهل السنه بل إغفال ممارساتهم اتجاه اهل السنه في الحاضر وربما البحث عن تبرير لهذه الممارسات.
في زمن الفتن تحار العقول وتطيش الأفهام ولا بد فيه من الرجوع إلى أهل العلم الراسخين لمعرفة الحكم الصحيح في ما يجري من أحداث ووقائع. وعلماء اهل السنة قديما وحديثا بينوا مواقفهم من الروافض ولم يكن حكمهم مبنيا على الهوى وإنما على عقائد القوم التي نشروها في كتبهم ومارسوها في واقعهم. وقد ميز العلماء في الحكم على المذهب وعلى طوائفه المختلفه وعلى الأفراد وكذلك في التعامل معهم كل بحسب غلوه في مذهبه وتطرفه في اعتقاده وسلوكه.
ونعجب والله أشد العجب من أقوام يدرسون مذهب أهل السنه والجماعه ويرون ما هو عليه من صفاء ونقاء العقيدة(التوحيد) من تعظيم لله عز وجل وإخلاص له بالعباده ومحبة لرسوله صلى الله عليه وسلم ومتابعة له ومحبة من وما يحبه الله ورسوله وبغض من وما يبغضه الله ورسوله، و صحة وعدالة السلوك(الشريعه) في أداء العبادات وممارسة المعاملات وفق مراد الله ومراد رسوله ثم لا يرون منها الا عدم تعظيم آل البيت والأولياء بإنزالهم منازل لم ينزلهم الله ورسوله إياها بل منازل يزاحمون بها الرب عز وجل. ألا يرى هؤلاء انهم بعملهم هذا ينتقصون مقام الربوببة ومقام الألوهيه والذي هو مقام يختص به الرب تبارك وتعالى. إن كانوا يظنون انهم في عقائدهم وممارساتهم يدافعون عن آل البيت وعن الأولياء فأهل السنة يؤدون حق الله عز وجل بإفراده عز وجل بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. وهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون يتهمون الله بالنقص من خلال وصفهم لآل البيت والأولياء بصفات تخصه سبحانه كالتصرف في الكون وعلم الغيب وكشف الكربات ونحن نصفه عز وجل بالكمال فننفي ذلك عما سواه مع ما نكنه للصالح من آل البيت والأولياء من محبة وإجلال.
"لا إله إلا الله" ليست كلمة رخيصة تلوكها الألسن فتنفع قائلها وإن لم يكن عالما بمعناها عاملا بمقتضاها. لابد من معرفة انها تعني لا معبود بحق إلا الله وأنها تنفي الألوهية عما سوى الله عز وجل وتثبت له الألوهية وحده وهذا يقتضي ألا تصرف العبادة إلا لله وحده وأن يفرد عز وجل بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات. ولابد من الكفر بما يعبد من دون الله مع الإيمان به سبحانه كما قال تعالى: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم (256). فهي العروة الوثقى والتي خلق الله عز وجل من أجلها الخلق والجنة والنار وأنزل الكتب وأرسل الرسل وشرع الجهاد وقسم الثقلين الى مؤمن وكافر يظن انها أمر سهل ينفع التلفظ بها دون اعتقادها وعمل بها، نعم تنفع في عصمة قائلها في الدنيا بحفظ دمه وماله وعرضه. أما في الآخره فالتلفظ بها فقط لا ينفع. وكيف يعقل لمن يقول ""ا إله إلا الله" عالما بمعناها الحق أن يدعو مع الله غيره فيما لايقدر عليه إلا هو وكيف يعقل له أن يصف العبد بصفات المعبود والمخلوق بصفات الخالق.
المصائب لا تحل بالعباد فقط للعقاب بل منها ما هو للعقاب و منها ما هو للإبتلاء والإمتحان فما هو عقاب فهو للعاصين وما هو للإبتلاء والإمتحان فهو للصالحين. فالعصاة يعاقبون بالمعاصي علهم يتوبون ويرجعون إلى الله عز وجل والصالحون يبتلون ويمتحنون ليصبروا على ذلك فينالوا الأجر وتكفر عنهم الخطايا فلنتأمل ذلك من خلال قول الله عز وجل: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41). ومن خلال قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
ما نقوله في الختام، اللهم اهلك الظالمين بالظالمين وأخرج المسلمين منهم سالمين.
دعوة للجميع بالعودة الى الدين الحق وبذل الوسع في التفقه فيه لنعبد الله وندعوا إليه على بصيرة وهدى, أصلح الله الجميع وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم