حرب لبنان وحقيقة الصراع


الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين, أما بعد:
فإن المتأمل اليوم جيداً في واقع الأمة وما تواجهه من واقع مأزوم, بل وما واجهته طوال عهودها القريبة من نكسات وهزائم و إذلال واعتداءات سافرة على أيدي أعداء مختلفين وفي أماكن متفرقة, وبصورة قد لايكون لها مثيل طوال التاريخ لعل أحدثها ما تشهده اليوم الساحات الفلسطينية و العراقية و اللبنانية, أقول إن المتأمل في هذا كله ليخرج باعتقاد جازم أن ثمة خلل كبير وتفريط قاتل تقع فيه الأمة في أمر هو من بدهيات الأمور عند كل الأمم العاقلة بل هو قاعدة هامة من قواعد الفطرة البشرية, بل أنه قبل ذلك هو أمر شرعي رباني نص عليه ربنا في كتابه العزيز, وهذا الخلل يدل على عدم فهم الأمة لطبيعة الصراع و لطبيعة العدو الذي تواجهه. وقبل أن أذكر موطن هذا الخلل الذي تعيشه الأمة, أود أن نلقي نظرة متفحصة للمشهد الحالي, أو للجولة الجديدة من الصراع والذي تعيشه أكبر منطقة للصراع (الأيدلوجي و الاقتصادي) في العالم ألا وهي ما يسمى بمنطقة(الشرق الأوسط). فواقع الحال اليوم يقول بأن هناك عدة أقطاب, وبالأصح عدة لاعبين تتفاوت درجة تأثيرهم وسيطرتهم على مجريات اللعبة في هذه المنطقة, لكن يبقى أنهم هم اللاعبون الأساسيون فيها بل وعلى مدار الصراع فيها. ولكل واحد من هؤلاء اللاعبين أهداف وأجندة و مشاريع ومصالح اقتصادية و أيدلوجية,ولكل واحد منهم مبادئ وأفكار ومعتقدات يسعى لتسويقها وتصديرها أو على الأقل ينبغي عليه ذلك!.

وقد تلتقي مصالح بعضهم مع بعض إلى حد التعاون وقد تفترق إلى حد الصراع, ولكن يبقى أن لكل منهم أهدافه الخاصة. وهؤلاء اللاعبون أو(أطراف الصراع) هم:
1. اليهود و النصارى ويمثلهم إسرائيل و الغرب.
2. الفرس (الرافضة) ويمثلهم إيران ومن دار في فلكها.
3. الإسلام (بمفهومه الصحيح) ويمثله أهل السنة.

وبما أن هؤلاء اللاعبون وكما ذكرت هم اللاعبون الأساسيون في المنطقة على مدار الصراع فيها, فإننا يجب أن نستحضر البعد التاريخي لهذا الصراع مع كل حلقة جديدة منه. غير أن المتأمل لواقع الجولات الأخيرة من هذا الصراع يجد أن أحد أطرافه (بل وأهم أطرافه) يبدو وكأنه غير معني بما يدور حوله, أو أنه على الأقل غير مستعد لتفهم حقيقة هذا الصراع ناهيك عن الاستعداد له, ذلك وبلا شك هو الطرف الثالث. إن الواقع ليخبرنا أن الطرف الأول و الطرف الثاني هما أكثر الأطراف تخطيطاً واستعداداً بل وتعاوناً! في مقابل اعتماد الطرف الثالث على خيار المصالح المشتركة. لكن هذا التعاون الحاصل بين الطرفين الأولين والذي فرضه وجود عدوٍ مشتركٍ, ألا وهو الطرف الثالث, لا يلغي حقيقة أن ثمة نقاط اختلاف لا يمكن تجاهلها وإن اتفق الفريقان على تأجيلها, يصاحبها لعبة توازنات يذهب ضحيتها دائما الطرف الثالث الأضعف.وخير شاهد على ذلك ما يجري في العراق.ففي الوقت الذي يحشد فيه الغرب الجهود لعرقلة برنامج إيران النووي فإننا نجد أنه قد أعطى الضوء الأخضر لفرق الموت (الرافضية) للتفنن في قتل أهل السنة في العراق وبطريقة همجية قلً أن تجد لها نظير في التاريخ بلغت حصيلتها أكثر من مائة ألف قتيل أُستخدم معهم أبشع أنواع القتل, ناهيك عن عمليات التهجير القسري و الاغتيالات المنظمة للعلماء و المفكرين من أهل السنة.
ويمكننا القول أن ما يجري في لبنان اليوم ماهو إلا امتداد لهذه اللعبة ولكن مع تبادل الأدوار.

فالحصيلة النهائية هي لعبة توازنات ومصالح تخدم الطرفين الأولين على حساب أرواح المسلمين! إن موطن الخلل الذي أشرت إليه آنفاً في صدر المقال يتضح الآن وبجلاء!! إن ما ينقص الطرف الثالث من أطراف هذه اللعبة ليكون له تأثير فعلي في الأحداث أو على الأقل ليكون له قدرة على حماية نفسه أن يتنبه لما تحيكه له بقية الأطراف, وأن يسلك مسلكهما في الأخذ بأسباب القوة, فلا مجال للضعفاء في عالم اليوم, على أن هذا الطرف وإن كان هو الأضعف من الناحية المادية, إلا أنه يملك ما لا تملكه بقية الأطراف. فيكفيه أنه الطرف الوحيد الذي على الحق, ويكفيه أن يعلم أن في قوته رحمة للبشرية جمعاء, وأنه يستمد شرعيته من الله عز وجل. إننا ونحن نرى ما يقوم به الطرفان الأول و الثاني من سعى لنشر مبادئها وقيمهما, عبر ما يسمى (بنشر الديمقراطية) أو (تصدير الثورة) لنرى أن الطرف الثالث أحق بأن يصدر مبادئه و ينشر قيمه, لا سيما و أنه بذلك إنما يمتثل أمر الله. غير أنه ينقصه القوة التي تكفي لذلك و التي لا تقتصر على نشر هذه المبادئ العادلة بل تتعداها إلى حمايتها من التشويه كما هو الواقع اليوم. إن من الواجب على أهل السنة اليوم أن يتعلموا من تجارب الآخرين وأن يسعوا للأخذ بأسباب القوة والتي تضمن لهم بعد الله الحفاظ على هويتهم وكرامتهم ودينهم بل واقتصادهم!!لا سيما وأنهم يملكون بحمد الله القدرة المادية, وكذلك عليهم أن يعلموا أنهم هم المستهدفون الحقيقيون من هذه الصراعات وأن خيار المصالح المشتركة إنما هو خيار مرحلي وليس خيار استراتيجي, أخيراً: يجب علينا ونحن نرى ما يحل بإخواننا أن نعلم أن ما يحدث إنما هو نتيجة طبيعية لتخاذلنا في الأخذ بأسباب النصر, فلا يكفي لننتصر أن نكون على الحق ما لم يحق عندنا قوة تحميه.