علام نُعطِي الدَّنية أما آن لها أن تنتهي؟

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله تعالى بالسيف بين يدي الساعة، وجعلَ الذلة والصغار على من خالف أمره أما بعد
فالعدو اليهودي يَفْجُر وبقذائفه يقصف فتحرق الأخضر واليابس، والأرض تلتهب والنيران تشتعل، يُقتل الرجال والأطفال والنساء، ومن نجا فلا يجد ملجأ ولا عائلا، أنحن في حلم مزعج؟ لا بل نحن في لظى الحقيقة، هاهم اليهود لعنهم الله تعالى يقتلون إخواننا في فلسطين التي بها بيت المقدس مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدكون الحصون يقتلعون الأشجار يهدمون البيوت، ينسفون الجسور، يهاجمون محطات الكهرباء والمياه والمستشفيات وكأنها قلاع عسكرية، فماذا نحن فاعلون؟ إن أمتنا العربية والإسلامية اليوم وأكثر من أي يوم مضى على محك الاختبار، فإما أن تكون وإلا فعليها العفاء، ماذا ننتظر حتى نتحرك التحرك الصحيح في الزمن الصحيح وفي المكان الصحيح؟ إذا لم نتحرك اليوم فمتى نتحرك؟.

منذ عدة عقود استولى اليهود الشعب المقطع الأوصال في بلدان العالم، على أرض فلسطين وأقام على أشلاء الكثيرين من أهله دولته، فماذا كان موقف العالم الذي يدعونه متحضرا لقد اعترف بتلك الدولة، وأقرها على ما فعلت ليكون الغصب والقدرة على الفعل هو القانون الذي يسير العالم، بغض النظر عن كون القوة مساندة للحق، أم هي لفرض الباطل، وظل كثير من زعماء الأمة فيما مضى يخدِّرون الناس بوهم القومية العربية والدفاع العربي المشترك، حتى نُحر ذلك كله قُربانا لرعاة البقر، ومغتصبي الحقوق من أصحابها.

إن من حق إخواننا في فلسطين أن يبذلوا كل ما وسعته طاقتهم، في تحرير أرضهم ممن اغتصبها بأي طريق كان، فالظالم أظلم وعلى الباغي تدور الدوائر، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّار" ، لقد قام إخواننا الفلسطينيون بأسر أحد جنود الظلم والعدوان وهذا حقهم، فلقد خطف اليهود من قبل أرضهم وخطفوا الكثير من شعبهم، وقتلوا منهم أكثر مما خطفوا بلا حق لهم في ذلك، فماذا فعل العالم الذي يتشدق صباح مساء بحقوق الإنسان والشرعية الدولية حينذاك؟ ِدعوة للتهدئة، دعوة لضبط الأعصاب، الإعلان عن الشعور بالقلق لما يجري، دعوة للفلسطينيين للاحتكام إلى العقل وقبول ما هو متاح، دعوة للتنازل عن دم الشهداء عن الديار عن الأوطان، وأما اليوم فالضغوط تتوالى من كل حدب وصوب، ومن العدو والصديق بالسياسة حينا وبالقوة العسكرية أحيانا، وكأن شعبا بأكمله من المسلمين لا يساوي جنديا من اليهود.

إن الفلسطينيين عندما أسروا ذلك الجندي لم يقوموا بقتله ولم يطلبوا نظير فكه فديه كل ما طلبوه نظير ذلك فك أسراهم الذين امتلأت بهم سجون اليهود، حتى النساء الحوامل لم يسلمن من الأسر حتى تضع الأسيرة طفلها هناك فيكون الآخر هو مأسورا من أول لحظة يقدم فيها إلى الدنيا
قد لا يكون الخطأ خطأ العالم (المتحضر) فإنه لم يخالف أصوله، بل ظل وفيا لتاريخه القائم على الظلم والبغي والعدوان، وإنما الخطأ راجع إلى من صدَّق هذه الخزعبلات واطمأن إليها وراح يبشر بها، ومن أجلها يتنكر لثوابته ويقفز على تاريخه، أليس العالم (المتحضر) عالم استعماري احتلوا الكثير من البلدان وأزهقوا أرواح الأهالي واستنزفوا الخيرات، فكيف يرجى منهم نصر حق أو إزالة باطل، وإلا فقولوا لنا: كيف يحتل اليهود أرض فلسطين منذ ما يقارب ستين عاما ثم لا يحصل الفلسطينيون على حقوقهم، بينما العالم (المتحضر) يمتلك كل الوسائل التي من شأنها أن تحقق له ما يريد، وقد بيَّن القرآن أن من كانت له إرادة وكانت عنده القوة الكافية فلا بد أن يحصل مراده، ولا يتخلف مراده إلا في أحد حالين: أن تكون القوة غير كافية، أو تكون الإرادة غير جازمة، قال الله تعالى: [ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة] {التوبة:46} فبين الله تعالى أنه لم تكن لهم إرادة الخروج، ولو أرادت الدول (المتحضرة) نصرة الفلسطينيين لفعلوا، ألم يقفوا بجوار تيمور الشرقية (ذات الأغلبية النصرانية) حتى فصلوها عن الدولة الأم (إندونيسيا الإسلامية) في زمن يسير، والأمثلة كثيرة، لكن لماذا نحن ننتظر من غيرنا أن يدافع عن حقنا أو أن يحصل لنا عليه؟ إنه ما لم تكن لدينا القدرة على انتزاع حقوقنا انتزاعا فلن يعطيناها أحد من الناس ولن يسمع لشكوانا أو يستمع لأنيننا أحد، فإن العالم اليوم أشبه ما يكون بحديقة الوحوش لا يحترم فيها إلا الأقوياء

واليوم بعدما حاول الفلسطينيون أن يردوا شيئا هو أقل من القليل بكثير مما لحق بهم وقاموا بأسر جندي من جنود اليهود، هاج اليهود كأنهم بغال شموس وعاثوا في الأرض الفساد، واستباحوا الحمى وقتلوا أكثر من أربعين قتيلا (نحسبهم شهداء ولا نزكي على الله أحدا) والمئات من الجرحى، واختطفوا العديد من الوزراء والنواب، الذين لهم حصانة بمقتضى (الشرعية الدولية المزعومة).
فماذا كان موقف أمريكا (راعية الحريات ونشر الديمقراطية في العالم) من ذلك؟، لقد صرحت على لسان المسئولين فيها: إن لليهود حق الدفاع عن النفس، أي نفس هذه؟ النفس الظالمة المحتلة التي استولت على الأرض من أصحابها، أما أصحابها الأصليون فلا حق لهم في الدفاع عن النفس، ألا شاهت وجوه أقوام لا يستحون من الكيل بمكيالين، وينصرون الظالم المعتدي، ويتبجحون بذلك أمام الناس ولا يبالون بأنات الأيتام والأرامل والجرحى والمرضى،ألم يقتل اليهود من قَبْل الفلسطينيين؟ ألم يخرجوهم من ديارهم؟، ألم يذهبوا وراءهم آلاف الأميال في تونس ليقتلوهم هناك؟، ألم يخطفوهم من بيوتهم بل حتى من السجون التي كانت تحت حراسة القوات الدولية؟ لكن هل فعلت أمريكا ومن مشى في دربها المظلم شيئا يخالف منهجها الظالم، الذي ما ترك قضية للإسلام، إلا وقف ضدها وساند من يعاديها، فماذا كان رد فعل العالم-الذي تحرك من أجل أسر جندي محارب والسلاح في يده-إزاء ذلك كله؟

وها هي الدول الكبيرة لا تكاد ترى خللا في بلاد المسلمين-وقد تكون هي الداعمة له-إلا طالبت بالتدخل الدولي وإرسال قوات من الأمم المتحدة، لتكون بمثابة رأس الحربة التي يتوكأ عليها أعداء الإسلام، فها هم اليوم يحاولون التدخل في شئون السودان بحجة مشكلة دارفور الداخلية، بينما لا نجد أحدا يتكلم عن مثل هذا في أرض فلسطين رغم أنهم في أشد الحاجة لمن يكف عنهم بأس اليهود، وهاهي أمريكا تستصدر من الأمم المتحدة قرارا يعطي جنود الاحتلال في العراق-الذين عذبوا المواطنين وهتكوا لأعراض وقتلوا النفوس المعصومة ومثلوا بالجثث-الحصانة ضد المحاكمات، بينما لا يستحون من المطالبة بمحاكمة أعضاء من الحكومة السودانية أمام المحاكم المعنية بمحاكمة مجرمي الحرب من أجل المشاكل المصطنعة التي في دارفور.
فيا حكام قومي ويا حكام أمتي إن كنتم تريدون أن يكون لكم شأن في هذا العالم، ولا تكون بلدانكم مجرد بقرة حلوب يستدرون منها الحليب والدسم، فقد جاء دوركم وحانت الساعة، قفوا وقفة رجل واحد، وهبوا هبة لا التواء فيها ولا تلعثم، إن العالم اليوم لم يعد يعترف بالأخلاق ولا بالمثاليات، ولا يفهم إلا لغة واحدة، لغة القوة التي تذهل الخليل عن خليله كما قال عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وهو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية:
خلوا بني الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله
يا رب إني مؤمن بقيله
قال الله تعالى وهو يستحثنا على نصرة المظلومين: [ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا] {النساء:75}

إن الهرولة أمام اليهود والمشي في ركابهم وفتح السفارات، والاستعداد لفتح سفرات أخرى، وإقامة العلاقات الاقتصادية لا يزيدكم إلا وهنا على وهن، ولا تزيدهم إلا طغيانا وتجبرا، كما الله تعالى في الإنس الذين كانوا يستعيذون بالجن فزادوهم بالاستعاذة بهم طغيانا قال الله تعالى:[وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا]{الجنّ:6} والرهق: الطغيان
إن المعركة ليست معركة اليهود مع الفلسطينيين، إن المعركة هي معركة الأمة جميعها وهي معركة الكفر مع الإسلام، وقد ظن الكفر أن الساعة قد حانت، وأن أوان القضاء على الإسلام قد حل، وما يجري اليوم بالفلسطينيين ليس إلا صورة لمن يمكن أن يحدث لغيرهم، وحينئذ لن ينفع القائل قوله: [ياليتني قدمت لحياتي ] {الفجر:24} وما تجرأ الأمريكان على غزو أفغانستان والعراق من بعدها، إلا لما رأوه من رد فعل المسلمين الذي لم يرق لمستوى الحدث الجلل في فلسطين.
لقد ملأت أمريكا والغرب من وراءها الدنيا ضجيجا بالحديث عن الإرهاب، فماذا تسمون الهجوم بالطائرات والدبابات على شعب أعزل، وماذا تسمون تدمير الجسور ومحطات الكهرباء والمياه أليس ذلك إرهابا، بل ماذا تسمون ضرب الشواطئ وقتل الأطفال الأبرياء الذين يلعبون على رمالها ألا يستحق هؤلاء أن تقف الدنيا كلها أمام ظلمهم وعدوانهم لكن الأمر كما قال الشاعر العربي
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
فيا دعاة التطبيع ويا دعاة الاستسلام باسم السلام كُفُّوا عنا جُشاءكم، فما جنت أمتنا من وراء لهاثكم وراء ذلكم السراب سوى التعب والإرهاق الفكري والعقدي، ثم حصدت ذلك ذلا وضعفا وتخاذلا وهوانا على الناس، حتى لم يعد يحسب أحد حسابا لهذه الأمة ولولا هوانها على الكفار ما تجرأ أحد أن يسخر من خير البرية صلى الله عليه وسلم لكنهم قاتلهم الله سخروا ولما طلب منهم مجرد الاعتذار لم يعتذروا، فما تحركت جيوش ولا أساطيل، ولا أقلعت الطائرات من مطاراتها، ولا خرجت النيران عن مرابضها، وكل ما قدمته الشعوب المسكينة هو مجرد المقاطعة الاقتصادية، لقد ظللنا زمانا نتعجب ونستغرب من اقتصار الرد الرسمي على مجرد الشجب والإدانة وإصدار بعض البيانات، فصرنا اليوم لا نجد إلا الصمت والسكون.
إن الواجب اليوم ليس واجب الفلسطينيين وحدهم، لكنهم هم الواجهة والطليعة، وهؤلاء هم أصحاب أرض الشام، الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوأهم، وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، قلنا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: « بأكناف بيت المقدس"

وأنتم أيها الفلسطينيون الأباة اثبتوا على اختياركم واثبتوا على دينكم وعضوا عليه بالنواجذ ولا تفرطوا فيه ولا تستمعوا لصوت ضعيف كليل قد أجهده السير، أو قد رغب في الدنيا ورضي بالدَّنية، ولماذا ترضون أنتم بها أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ؟
وأنتم أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها إن حيل بينكم وبين مناصرة إخوانكم بأجسادكم، فأين أموالكم لماذا لا تصل إليهم؟ وإن منعت أموالكم من الوصول إليهم فأين أنتم من سهام الليل التي لا تخطئ؟ فاجتهدوا في الدعاء لهم كأنكم تدعون لأنفسكم أو لأولادكم من أصلابكم، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبح الذين ظلموا على ما أسروا في أنفسهم نادمين، وحينها لا ينفع الندم، وما ذلك على الله بعزيز، ولعل أيامه قد اقتربت، اللهم أنت القوي العزيز انصر إخواننا في فلسطين وفي سائر البلدان على من عاداهم وناوأهم واجعل عاقبتهم خيرا