حماس... وساعة العسرة

ثمان سنوات من الأذى والاضطهاد ورسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ماض في دعوته, ثابت لا يتزلزل, صابر لم ييأس, وهاهي الدعوة المحمدية تؤذن بالتوسع, وأخبارها طارت بها الركبان في كل موقع.
أما قريش... فقد حاولوا إيقافها بكل وسيلة, وقعدوا لها كل مرصد, ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره.

ازدادت حيرة قريش وأعيتهم الحيل, فما من وسيلة تصد عن الدعوة إلا اتخذوها, وما من طريق يوقف الخير إلا قعدوا فيه.
اجتمعوا وتحالفوا على حصار بني هاشم وبني المطلب ومن أسلم مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_, حتى يُسلِموا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ للقتل.
و علقت الصحيفة الآثمة في جوف الكعبة (ألا يناكحوهم, ولا يبايعونهم, ولا يجالسونهم, ولا يكلمونهم حتى يتم لهم ما أرادوه).
وهكذا استمر المسلمون ثلاثة أعوام من الحصار والجوع والمخمصمة, الأطفال يتضاغون جوعا, والنساء والرجال على حد سواء, حتى إن سعد بن أبي وقاص _رضي الله عنه_ ليقول: (خرجت ذات ليلة لأبول فسمعت قعقعة تحت البول فإذا قطعة من جلد بعير يابسة فأخذتها وغسلتها ثم أحرقتها ورضضتها وسففتها بالماء, فقويت بها ثلاثا)..
فماذا كانت النتيجة؟
لقد بذل المسلمون أسمى آيات الصبر على البلاء, والصمود في وجه الشرك, ولم يزدادوا في رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إلا محبة وتعظيما, ولم يزدهم إلا تمسكا بدينهم وثباتا على الحق, وما لبث أن انفك الحصار وبطل ما كان يفعل المبطلون.
ولم يمض على هذه الحادثة إلا ثلاثة أعوام حتى مكّن الله نبيه وأظهر دينه وأصبحت لهم دولة يقيمون فيها دينهم, وينشرون الإسلام في أصقاع الدنيا..
وتأتي غزوة تبوك أعظم أيام الإسلام وأشدها على المسلمين, حتى سماها الله في كتابه: ساعة العسرة, فالحر شديد, والمكان بعيدو والثمر مستطاب, والمال عزيز, والنبي _صلى الله عليه وسلم_ يدعو إلى الإنفاق: (تصدق رجل من درهمه, تصدق رجل من ديناره), لكن الإيمان قوي فجعل كل واحد من المسلمين يأتي بما يستطيع قل أو كثر حتى إن بعض الصحابة تصدق بمُد أو مدين, فتم الإعداد واستعد الجيش.
أما المنافقون.. فمنهم من يلمزك في الصدقات, ومنهم من يقول ائذن لي, ومنهم من يقول لا تنفروا في الحر, ومنهم من اتخذ مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المسلمين... أما النبي _صلى الله عليه وسلم_ ومن معه فخرجوا على قلة من العتاد يتعاقب الثمانية عشر رجلا على بعير, ويأكلون أوراق الشجر,,, حتى وصلوا إلى تبوك وأظهر الله دينه وخُذِل الروم, وقعد الذين كذبوا الله ورسوله.
وفي ذلك يقول الله: "لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " [ التوبة: 117]
وهكذا تتوالى الأيام والسنين تلو السنين, ليشهد التاريخ أن طريق الإسلام والدعوة والإصلاح واحد "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ "[ العنكبوت: 2 ].

فهاهي حماس الأبية, ما إن اختيرت لتسلم زمام السلطة إلا وكشّر الكفر العالمي عن أنيابه, وقد خلع عباءة الديمقراطية خلف ظهره ليبين أن عدوه الوحيد هو الإسلام, فحين لم يفلح بضرب حماس وكسر شوكة المسلمين في فلسطين, ثم كانت الطامة الأكبر بفوزهم في الانتخابات!! اتخذوا وسائل أكثر سوءا, وأعظم ظلما اقتداءً بأسلافهم من الكفار, فليتهم توقفوا عن الدعم كما يقولون, لكنهم منعوا وصول أي مساعدة للمسلمين هناك حتى تعترف حماس بإسرائيل!!!
سبحان الله,, وما ذا يبقى لحماس إذا اعترفوا بالمحتل (إنه حصار الشعب المعاصر) نسأل الله أن يفرجه عن إخواننا في فلسطين عاجلا غير آجل.
أما الشَّعب الفلسطيني فنجدهم مع ما يلاقونه من ساعات العسرة المريرة إلا أنهم لا يزالون يهتفون لحماس, بقوة وحماس, فقد وجدوا فيها الصدق, والعمل, مع قلة ذات اليد, وإنك لتقف معجبا من ذلك المنظر الإيماني المثير حين يبسط الشعب الفلسطيني رداءه ليجمع المساعدات والتبرعات وقبل ذلك يتبرع بعض قياداتهم بجزء كبير من رواتبهم ليقفوا جميعا صفا واحد ضد الاحتلال الإسرائيلي الكافر. رجاء أن تنكشف الكربة وتنجلي العسرة.
أما المنافقون والطابور الخامس الذين شرِقُوا بحماس, فعبست وجوههم وانقلبت موازينهم, فمنهم من يلمزهم في الصدقات, ومنهم من أوهنوا في الشعب الفلسطيني يبغونهم الفتنة, بل منهم من (فتح) باب الفتنة على مصراعيه, بالقتل والضرب والتخريب بين إخوانه المسلمين,,
فيا سبحان الله كيف يعيد التاريخ نفسه؟ إنها أيام الصبر يا أبطال حماس "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً "[ الشرح: 5 ، 6 ] ولن يغلب عسر يسرين.

وبين ما سُقْتُه من أحداث السيرة وما حصل لإخواننا في حماس أجدني أقرأ بعض الوقفات بين سطور هذه الأحداث:

إن الفوز كل الفوز والانتصار حقيقةً؛ هو انتصار المبادئ الإسلامية ومحكمات الدين, فكفار قريش قد عرضوا على النبي _صلى الله عليه وسلم_ المغريات الكثيرة, بل وصل الأمر على أن يُمَلِّكوه, على أن يترك ما يدعو إليه, أو يميع دين الله (فيعبد إلههم سنة، ويعبدون إلهه سنة) ولكنهم لم يجدوا من النبي _صلى الله عليه وسلم_ إلا الثبات العجيب في السراء والضراء، بل إنه لما كان يعرض نفسه على القبائل, لم يكن الغرض من ذلك الأمن والراحة,, كلا,
بل كان يقول: من يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي, فلا خير في السلطة إن ذهبت المبادئ.

وضوح الهدف: مهما تغيرت الأحوال.. وادلهمت الخطوب فإن أصحاب الهدف الواضح يعملون على تحقيقه, قد تتغير الوسائل, وتتبدل الأساليب, لكن حكم الله لا يتغير, هكذا كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ في جميع أحواله سواء في مكة أو المدينة,, والآن (حماس) في منعطف خطير وخيارهم في شتى الظروف هو المقاومة وتحرير القدس, وإلا فما فائدة (حماس), قد تتغير أساليبهم ووسائلهم في دفع ما يجدونه من ضغوطات وأزمات,, لكن الذي نرجوه وندعو الله لهم: هو أن يثبتهم على الحق ويعينهم عليه, حتى يصلون إلى هدفهم المنشود.

الصبر مفتاح الفرج: لقد لاقى النبي _صلى الله عليه وسلم_ وأصحابه من الأذى ما لاقوا, لكنهم واجهوا هذا الأذى بالصبر والإيمان, فعلى تلك الصخرة تبددت أمواج الكفر, وتكسرت سيوف الظلم الغاشم، فبعد ثلاث سنين من الحصار والجوع والأذى يفتح الله على نبيه بالهجرة إلى المدينة, ونشر الإسلام. ويقتل بلال _رضي الله عنه_ أبي بن خلف, ويُرمَى أبو جهل ومن معه من الكفار في قليب بدر كفارا خاسئين, ويفتح الله على نبيه مكة فتحا عظيما... فالله الله بالصبر, فهما اشتد البلاء فالفتح قريب _بإذن الله_. " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطو واتقوا الله لعلكم تفلحون".

التعاون الصادق، البذل والتضحية في نصرة دين الله, ومهما استصغر الإنسان شيئا فليعلم أنه عند الله عظيم إذا خلصت النية وصدقت العزيمة, فقد سبق درهم مئة ألف درهم.

إن الأمة التي لا تتخذ كتاب الله وسنة رسوله منهجا في طريقها وطريقتها فهي مفضوحة منكوبة, مهما تنادوا بأسماء شرعية, ومهما رفعوا شعارات إسلامية فمع أول هزة تنكشف الحقائق, ويظهر النفاق, ويبدأ الأذى والإرجاف.
هذا ما حصل للنبي _صلى الله عليه وسلم_, وهذا ما يحصل الآن, ومهما حاولوا التخفي, فقد فضحتهم سورة التوبة, وأفعالهم وأقوالهم واضحة للملأ, فإلى كل من غصَّ (بحماس) لكونها تدعو إلى رفع الاحتلال, ورفع العدوان... أقول لهم: قل موتوا بغيظكم

وأخيرا... (فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة) فأسأل الله أن يوفق المسلمين في فلسطين, وأن يثبتهم, وأن يؤيدهم وينصرهم ويعينهم على الحق إنه على كل شيء قدير...