المؤثرات المعاصرة في التربية
29 جمادى الأول 1427

تحول الدور المؤثر والكبير في التربية الآن من المؤثرات الأساسية، وهي الأسرة والمسجد والمدرسة، إلى مؤثرات جديدة معاصرة، تتجاوز حدود البيئة المحلية، إلى بيئة لا هوية محددة لها، ولا ضوابط واضحة تحكمها، وصار لها الكلمة الأولى في تحديد أخلاق الأجيال وثقافتها، هذه المؤثرات هي التلفزيون, وأطباق الاستقبال، والكمبيوتر, والإنترنت، والمحمول، وألعاب الفيديو جيم وغيرها..!

لم يكن أحد يشعر بآثار هذه الوسائل السلبية، لأنها قد تكون لها آثار إيجابية متوقعة, وحاجة الحياة المعاصرة إلى هذه الوسائل كبيرة وملحة، كما أن آثارها السلبية لم تظهر مرة واحدة – برغم تحذيرات كثير من التربويين منها قبل انتشارها -، وإنما ظهرت أولاً بشكل محدود نوعاً ما، ثم أخذ أثرها السلبي في الظهور والاتساع بمرور الزمن, وتطور تلك الوسائل وانتشارها.

والخطير في هذه القضية هو حجم التأثير الكبير والعميق وسرعة التغيير الذي تحدثه تلك الوسائل المعاصرة في مستوى التدين والثقافة والسلوك والمفهومات والذوق العام على شبابنا وفتياتنا، فمحاولات التغريب كانت تسير في مجتمعاتنا ببطء شديد، ولم يكن دعاة التغريب يحلمون بحدوث التغيير إلا بعد أجيال عدة، أما بعد انتشار تلك الوسائل الإعلامية والثقافية فمكاسب التغريب أكبر كثيراً مما كان يحلم به أولئك، فالتغيير في الأخلاق والمفهومات أصبح الآن يحدث عبر جيل واحد مرة أو مرتين.

وهذا التغيير السريع والتأثير الفوضوي الكبير يؤدي إلى إخفاق العملية التربوية في المجتمع، ويسبب لها الإرباك والتهدم، وتتفسخ الروابط بين الأجيال، ويرى كل جيل لنفسه الحق في التبرؤ من الجيل الذي سبقه، والاستقلال عن مفهوماته وأجوائه، حتى يفقد الوالدان القدرة على التفاهم مع أولادهما، ويقعان في حيرة في اختيار نوع التوجيه المناسب لهم، ويعجزان عن السيطرة على تصرفاتهم وتقويمها، بل قد لا يجدان الوقت لممارسة التوجيه والتربية سواء بالمواقف أو الأقوال، ليس لانشغالهما؛ بل لأن أولادهما لا وقت لديهم، لانشغالهم بالدش والكمبيوتر أو الإنترنت!

ولا يتسع المجال هنا إلا للإشارة إلى بعض ما في هذه العوامل المعاصرة من سلبيات تؤثر في عملية تربية الأجيال الناشئة، وتتوزع الآثار السلبية لهذه الوسائل على جانبين:
الجانب الأول: هو آثار المميزات التقنية لهذه الوسائل:
فمن أهم مميزات الوسائل الحديثة السرعة والانفتاح، حيث تتيح الوصول السريع لكل ما هو معروض ومتاح، وإذا كانت السرعة في عرض المفهومات التربوية الإيجابية غير صحية في تنشئة الطفل والمراهق، حيث يجب مراعاة المرحلة العمرية في تقديم المفهومات ومراعاة الوقت في ترسيخها؛ فما ظنك حينما تكون ميزة السرعة التي توفرها تلك الوسائل الحديثة مستغلة في الوصول إلى المفهومات الفاسدة!

وكذلك الانفتاح الكبير الذي يزداد يوماً بعد يوم مع تطور تقنية تلك الوسائل، مما يؤدي إلى فوضى كبيرة في عرض العقائد والثقافات والأفكار والعادات، وهو ما لا يصح في عملية التكوين التربوي، فقد يرى المراهق ويطلع على عقائد باطلة ومفهومات فاسدة عبر تلك الوسائل المنفتحة وهو لا يملك من المعايير الصحيحة ما يميز به بين الحق والباطل.

ومن آثار هذا الانفتاح الإخلال بتقديم الأولويات التربوية، ومن ثم تيسر الوسيلة الوصول المبكر لمفهومات اجتماعية قبل وقتها، عبر ما يعرض من ألعاب أو أفلام أو إعلانات متلاحقة، كمفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة، فمن السهل جداً أن يرى ملامح تلك العلاقة طفل, لم يبلغ الخامسة أو السادسة, في كثير من أفلام الأطفال، فكثير من أفلام الكارتون التي تعرضها قنوات الأطفال الفضائية العربية مثلاً، تحوي في مضمونها وإسقاطاتها عوامل هدم وفساد، وإذا ذهبنا إلى ما بعد الطفولة، فهناك الأفلام والأغاني والبرامج التافهة والإعلانات الساقطة، والتي تعمل على إثارة الشهوات وغرس الرذائل، مما له تأثير ضار في الإنسان، وخصوصاً فيمن هم في سن المراهقة.

قبل انتشار الوسائل الحديثة كان الوالدان يستطيعان التحكم في التغذية العقلية للطفل، فيتحكمان فيما يسمع وفيما يقرأ وفي الأماكن التي يرتادها وتكوين الصداقات، لكن الوسائل الحديثة الآن بما توفره من سرعة وانفتاح تهدم سيطرة الوالدين وتخرجهما تماماً من التأثير في العملية التربوية.

ولا شك أن لميزتي السرعة والانفتاح أهمية كبيرة على مستوى الكبار سناً على وجه العموم، وكلما ارتفعنا في المستوى الثقافي أو التجاري وغير ذلك ازدادت أهمية سرعة تلك الوسائل وانفتاحها بالضوابط الشرعية، لكن كلما نزلنا إلى مستويات أقل في المراهقة والطفولة وثقافات أقل؛ تحولت تلك الأهمية للسرعة والانفتاح إلى خطورة ومفاسد، مما يحتم أهمية وجود إشراف من أولياء الأمور لتنظيمها وتوجيهها.

ومن ميزات تلك الوسائل تقديمها المواقف بصورة ممثلة مصحوبة بمؤثرات مرئية وصوتية، وهي ميزة لها آثار إيجابية كثيرة ونافعة، لكن مع ذلك لها آثار غير صحية في التربية، قد تضر بالنفس والعقل إذا ما تُركت مطلقة بلا ترشيد وتوجيه، حيث تؤدي إلى ملء خيال الطفل بها، مما يؤدي إلى ثبات هذا المواقف في الذاكرة بصورة قوية وملحة، والخطر هنا يكمن في أن تكون تلك المواقف والمشاهد غير مناسبة لسن الطفل أو المراهق، أو مواقف فاسدة، أو مواقف مفزعة تسبب الفزع للطفل أثناء النوم، أو تزرع فيه الخوف والقلق والاكتئاب، أو مواقف دافعة لارتكاب الجرائم والفواحش.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من الأفلام التي تقدمها قنوات الأطفال الفضائية من النوع الذي يقدم شخصيات خيالية مفزعة تتمتع بقوى خارقة، وتقوم مواقف الفيلم كلها على الصراع والتدمير، كذلك الحال في ألعاب الفيديو جيم التي ينتشر فيها ألعاب الصراع الدموي العنيف، وهي ألعاب لا تزرع الشجاعة والقوة في نفس الطفل والمراهق، بل تزرع فيه إما العنف والقسوة والظلم، وإما القلق والخوف.

كما قد يكون لكثرة الملازمة للمواقف المصورة التي يمر بها الطفل أو المراهق عبر الوسائل الحديثة تأثير في قدرته في التصور العقلي، حيث يعتاد العقل مشاهدة كل شيء مصوراً أمامه، جامداً على الصورة المشخصة التي تقدمها اللعبة أو فيلم الكارتون، فيضعف فيه حس الخيال والتصور النظري، بل قد يصل الحال إلى عجزه عن تصور مسألة حسابية بسيطة وحلها دون كتابتها على الورقة، بسبب ما قد تصيب به تلك الوسائل العقل من سلبية في التلقي، التي ينبغي أن تكون مزيجاً من التفاعل بين السماع والرؤية والنقاش والتفكير.

وهناك خطر آخر في ميزة تصوير كل شيء للمشاهد، فالطفل والمراهق الذي يشاهد الآن التمثيليات والأفلام والإعلانات ويرى فيها كثيراً من القصص والمواقف التي لها إسقاطات ودلالات كثيرة قد تولّد آثاراً خطيرة في النفس من الصعب معالجتها بعد ذلك، لأن التقليد بالنسبة إلى الطفل أو المراهق يغلب التفكير العقلي، فعلى سبيل المثال قام طالب بمحاولة السطو على بنك في مصر بعد مشاهدته لفيلم عربي، والذي تضمن مشاهد عن قيام أبطال الفيلم بالسطو على بنك بواسطة خداع الموظفين بلف السيجار بالأسلاك الكهربائية على أنها ديناميت، فقام الطالب بتنفيذ ما شاهده في الفيلم على الطبيعة محاولاً السطو على 50 ألف جنيه.

وتقف ميزة الجذب الشديد لتلك الوسائل على رأس مميزاتها، فهي وسائل تتمتع بقوة جذب شديدة التأثير، تؤدي في كثير من الأحيان إلى نوع من الإدمان، وقد تكون أخي القارئ قد شاهدت بنفسك صوراً من ذلك، فيمن يدمن مشاهدة القنوات، أو ينكب على الحاسوب، أو رأيت ذلك في إدمان الأطفال لألعاب الفيديو جيم والكمبيوتر، حيث يقع هؤلاء تحت تأثير تلك الوسائل وجذبها، فمنهم من يفقد الإحساس بنداء الصلاة، ومنهم من يفقد الإحساس بمن حوله فلا يشعر بنداء، ومنهم من يفقد الإحساس بالوقت حتى يضيع مسؤولياته وواجباته.

نشرت بعض الصحف منذ سنوات محاولة انتحار فتاة ألقت نفسها من شرفة المنزل، هذه الحادثة لفتت انتباه المجتمع المصري، لأن أسبابها لم تكن عاطفية أو دراسية أو مالية، وإنما كان إدمان الإنترنت، ومع أن والد الفتاة أستاذ بإحدى كليات الهندسة، ووالدتها ذات منصب كبير في التلفزيون، لكن ذلك لم يهيئ لها البيئة التربوية التي تحميها من أمراض العصر، فأدمنت الإنترنت بلا حدود على مدار 24 ساعة، مما دفع والديها إلى منعها خوفاً على صحتها، فكان ردها هو الانتحار!

والجانب الآخر: هو آثار المضمون الذي يُقدم من خلال هذه الوسائل:
لا يخفى أن هذه الوسائل وما يتطور عنها وظفها الغرب، كما وظفها كثير من الفاسدين في مجتمعاتنا، لتحقيق مآربهم الخبيثة في التغريب، للسيطرة على الأجيال القادمة وتذويب هويتها، وحققوا في ذلك تقدماً عظيماً، ومما زاد الطين بلة غياب أو ضعف الرقابة الفعالة، سواء على مستوى الهيئات الرسمية أو على مستوى الآباء والأمهات في الأسرة، والإهمال في تحمل المسؤولية الدينية والتربوية والثقافية، فأصبحت الكلمة الأولى والأخيرة في التربية لمن يسيطر على توجيه تلك الوسائل، ويضع لها المضمون الذي يُبث من خلالها، وتُركت تلك الوسائل المعاصرة وحدها لكي تشكل العقول، وتغرس العادات والتقاليد، وتؤصل الثقافات، وتصوغ المفهومات التربوية والاجتماعية بحسب رغبة مالكيها والقائمين عليها وتوجهاتهم الفكرية.

ونتاج التربية الواقعة تحت سيطرة هذه الوسائل المسخرة لتغريب مجتماعتنا المسلمة لن يكون إلا الفساد والانحلال والفوضى الأخلاقية والاجتماعية، وهذه بعض نماذج تمثل هذا النتاج:
1- (نموذج الهوس بأهل المجون): قال رب أسرة من مدمني التلفزيون: "إن اللهجة اللبنانية يجب أن تكون هي اللغة العربية الأم". وهذا في الحقيقة ليس لأن اللهجة اللبنانية قريبة من الفصحى، ولكن لهوس ذلك الرجل ببعض ماجنات الغناء.

2- (نموذج ستار أكاديمي وسوبر ستار وعلى الهوا سوا): حيث تُفاجأ بحجم المتابعات الكبيرة لهذه النوعية من البرامج الفاسدة، والذي يثبتها ويدل عليها الكم الهائل من المكالمات التي يجريها الجمهور لترشيح نجمتهم أو نجمهم المفضل في تلك البرامج الساقطة، إضافة إلى الرسائل التي تظهر على الشاشة، والتي تحتوي على عبارات فاضحة هي في الوقت نفسه مصدر دخل عظيم لهذه القنوات.

3- (نموذج الولع بأرقام المحمول المميزة): حيث تقام في بعض دول الخليج مزادات يتنافس فيها الأثرياء لشراء أرقام هواتف جوال مميزة، وعلى سبيل المثال فقد تم بيع رقم خط لهاتف جوال في مزاد علني تم تنظيمه في الدوحة بمبلغ عشرة ملايين ريال قطري بما يعادل 2.754 مليون دولار، بعد مزايدة حامية عليه بين 8 من الأثرياء.

4- (نموذج الإقبال على المواقع المنحرفة): في دراسة للدكتور عبد العزيز كابلي -كلية المعلمين بالمدينة- ذكر أن 50 % من استخدام الشباب للمقاهي العنكبوتية هو من أجل أمور منافية للأخلاق والقيم.
كيف يمكن أن نتخيل صورة أجيال تنشأ في ظل هذه الأجواء! كيف لو أردنا أن نصف صورة شخص ترعرع عوده على إسفافات التلفزيون، وفضائحيات الدش، وإباحيات الإنترنت، وأنغام السديهات والكاسيت، وغراميات المحمول!

موقفنا من تلك الوسائل المعاصرة:
نشرت بعض الصحف خبراً، له دلالات كبيرة مفيدة في موضوعنا هذا إن صح، مضمون الخبر أن سكان قرية كوبال الباكستانية جمعوا كل أجهزة التلفزيون وأقراص الكمبيوتر وأشرطة الفيديو في قريتهم ثم أحرقوها، لأنهم رأوا أنها مسؤولة عن انتشار الرذيلة، وسبب ظهور المجون والخلاعة والأمراض الاجتماعية (الجمـهورية- مصرية- 13 / 3/ 2006)، فهل ما أدركه سكان هذه القرية من خطر لتلك المؤثرات لا تشعر به سائر المجتمعات؟ الجواب أن صيحات التحذير ظهرت مبكراً، وهي كثيرة ومتكررة إلى الآن، حتى في تلك الدول التي ظهرت فيها الوسائل الإعلامية والثقافية المعاصرة قبل غيرها، ومن ذلك على سبيل المثال كتاب (أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون) للكاتب الأمريكي جيري ماندر.

لكن هذه التحذيرات كانت تسير في طريق مسدود، لأنها كانت تطالب بإلغاء ما يصعب إلغاؤه في الواقع، وقد يتبع ما فعله سكان هذه القرية، بعد مدة من الزمن، ردة فعل قوية تطالب بفسح المجال لاستعمال تلك الأجهزة. وقد حدث مثل هذا، فعندما ظهرت أطباق الاستقبال الفضائية حاولت بعض الدول منعها، لكن الأمر آل في النهاية إلى انتشارها وانكسار أصوات التحذير وقرارات المنع أمام موجة التقنية الحديثة العاتية التي تجتاح العالم.

إذاً فالحل – في رأيي- ليس هو المنع المطلق لتلك الوسائل ومحاربتها والمطالبة بالتوقف عن استعمالها، لأن ذلك أولاً لا يتماشى مع واقع الحياة المعاصرة وحاجات الناس، ولعل من المشاهد المعبرة عن ذلك حينما هز زلزال 92 أرجاء مصر، هرع الناس من بيوتهم إلى الشوارع ينشدون النجاة، غير أن رجلاً في إحدى المدن التي تأثرت بالزلزال انطلق يعدو من بيته هارباً بجلده بينما كان يضم إلى صدره التلفزيون!

وثانياً لأن هذه العوامل الحديثة في التربية يمكن أن يتم تطويعها لتكون عوامل تربوية إيجابية في بناء الأجيال، لأنها مجرد آلات وليس الشر أو الفساد حالاً أو وصفاً ملازماً لها لا تنفك عنه، وخصوصاً مع تطور التقنية التي تتيح قدراً أكبر من التحكم في تلك الأجهزة على المستوى الفردي، ومع ظهور الإيجابيات التي تتيحها تلك الوسائل ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، وكثرة المضمون النافع الذي يعرض في تلك الوسائل وتنوعه.

وإن كان الحل الأمثل لتجنب فساد تلك الوسائل قبل سنوات والأولى هو المنع المطلق، فالأولى – في رأيي- الآن، وبعد تطور تقنيات التحكم وظهور القنوات والمواقع الإسلامية، ونمو الإنتاج الثقافي والترفيهي الإسلامي نوعاً ما، هو دعم الدعوة إلى التعامل الصحيح مع تلك الوسائل، والتمييز بين خيرها وشرها، ووجوب اتخاذ الإجراءات التي تمنع أو تحد من مفاسدها، على مستوى المجتمع أو مستوى الأفراد، ومن ثم ينبغي أن تتوجه الجهود التربوية والدراسات نحو البحث في آثار هذه العوامل الحديثة، والوقوف على سلبياتها وإيجابياتها، والعمل على تقديم التصورات والأفكار القائمة على أسس إسلامية أصيلة، والتي تتيح لنا الاستفادة منها تربوياً وحماية أجيالنا من آثارها السلبية، حتى نتمكن من تحويلها من مؤثرات سلبية إلى مؤثرات تربوية نافعة، والسيطرة على أثرها التربوي في المجتمع.

وهذه بعض التصورات التي تساعد في تحويل تلك الوسائل إلى وسائل تربوية نافعة:
1- لا يخفى ما ينبغي فعله على مستوى الهيئات والمؤسسات التي تتحكم في تلك الوسائل، وما يجب على الدعاة والمصلحين.

2- لكن العلاج الأساسي مع ذلك كله، وهو في متناول الجميع، هو أن يؤدي كل واحد واجبه الشرعي في ذلك " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

3- العمل على بناء إعلام إسلامي قوي، يكون له حضور جذاب، فهذه الوسائل الثقافية والإعلامية المعاصرة إن لم نملأها بإنتاج إعلامي إسلامي راق وكبير؛ فسوف تُملأ بإنتاج مليء بالباطل, وعلى الرغم من التقدم الواضح في السنوات الأخيرة في مجال استثمار تلك الوسائل إسلامياً؛ فإن المسافة لا تزال كبيرة بين الإنتاج القوي الذي يغطي احتياجات المجتمعات المسلمة في مجال تلك الوسائل المعاصرة، وتكون على المستوى الراقي الجذاب المطلوب، وبين واقع الإنتاج الإسلامي الحالي.

4- نشر التوعية بطرق استعمال تلك الوسائل استعمالاً مفيداً تربوياً، يعطي للآباء نظماً ومناهج ونصائح تعينهم على توجيه الأبناء لحمايتهم من آثارها السلبية، وتشجعهم على تنظيم تعامل أولادهم مع تلك الوسائل، والاستفادة منها.
5- الترويج لمواقع الإنترنت المفيدة، والقنوات الفضائية الإسلامية، وقنوات الثقافة والترفيه التي تخلو من الأضرار التربوية والمخالفات الشرعية، وألعاب الكمبيوتر النافعة.

6- العمل على نشر الأجهزة والبرامج التي تمكّن أولياء الأمور من السيطرة على تلك الوسائل، والتعريف بها وشرح استعمالها، كمميزات تشفير أو إلغاء القنوات المنحرفة في أجهزة الاستقبال الفضائية، والبرامج التي تمنع ظهور الصور الإباحية في مواقع الإنترنت، أو التي تمنع الدخول للمواقع المخلة بالآداب، أو التي تضبط وقت الجلوس أمام الحاسوب، أو التي تنبه لأوقات الصلاة.. وما شابه ذلك، وبيان الأهمية الدينية لاتخاذ إجراءات الحماية والوقاية التربوية.

7- العمل على توجيه الدول المصنعة لتلك الأجهزة على توفير ما يلزم فيها من تقنية للتحكم، أو مراعاة القيم الإسلامية في إنتاج البرامج.. وغير ذلك، والأولى أن تدخل مجتمعاتنا في معترك إنتاج تلك الوسائل. وهناك كثير من الأمثلة الواقعية التي تدل على استعداد بعض الدول لمراعاة قيمنا وأخلاقنا تحقيقاً لمصالحها الاقتصادية، ففي مجال الاقتصاد مثلاً أكدت تقارير "أن اليابان تدرس القواعد المالية التي تراعي الشريعة الإسلامية على أمل جذب العائدات النفطية إلى مصارفها والدخول إلى الأسواق المالية في الدول الإسلامية، إثر الارتفاع الكبير في أسعار النفط الخام" (موقع جريدة الاقتصادية 19/06/2006 م).

8- العمل على توجيه وسائل الإعلام التي تسير في طريق يخالف دين المجتمع وهويته وثقافته الأصيلة، وتقديم النصح لها، ونقدها عبر وسائل الإعلام إن لم تصحح مسارها وتوقف مفاسدها.

إن الخطر عظيم، وسرعة تطور وسائل الاتصال والثقافة والترفيه وتنوعها كبيرة، وإن لم نسرع باتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل الصحيح معها فإنها سوف تغرقنا بآثارها السلبية، والقضية لا تتعلق بفرد أو أسرة أو مدينة هنا أو هناك، إنها قضية أمة، وقضية أجيال، قضية دين ووجود وهوية، والتقصير في معالجة هذا الأمر يعني انهيار الأمة من داخلها، وعلى يد أبنائها.