أنت هنا

نزهة النظر في بيان أحكام السفر
21 جمادى الأول 1427

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: نظراً لحلول إجازة نهاية العام وقد تهيأ كثير من الناس للسفر ناسب ذلك الحديث عن بعض الأحكام المتعلقة بالسفر والمسافرين أُوردها مذكرا بها نفسي وإخواني سائلا المولى جل جلاله التوفيق والسداد فأقول مستعينا بالله تعالى:

سبب تسميته سفرا
سُمِّي السفر سفراً؛ لأنه يُسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم فيظهر ما كان خافيا منها. (لسان العرب 4/368 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 242) ويُروى ذلك عن أمير المؤمنين عمر _رضي الله عنه_. (خلاصة البدر المنير 2/436) فتجد المرء تعرفه السنين الطوال ولم يُظْهِر لك من خُلقه إلا الحسن وما أن تسافر معه بضعة أيام فتراه ليلا ونهارا وعند أكله وشربه ونومه ومعاملته إلا ويُظهر لك أمورا قد لا يسرك معرفتها لذا فقد كان أمير المؤمنين عمر _رضي الله عنه_ إذا شهد عنده رجل لا يعرفه سأل عنه ومما يسأل المزكي عنه: أسافرت معه ؟ فقد شهد شاهدان عنده فقال لهما: إني لا أعرفكما ولا يضركما أن لا أعرفكما ائتيا بمن يعرفكما. فأتيا برجل. فقال عمر: كيف تعرفهما؟ قال: بالصلاح والأمانة. قال: هل كنت جارا لهما؟ قال: لا. قال: هل صحبتهما في السفر الذي يسفر عن أخلاق الرجال؟ قال: لا. قال: فأنت لا تعرفهما ائتيا بمن يعرفكما. رواه العقيلي في تاريخه والخطيب في كفايته والبيهقي في سننه وضعفه العقيلي وقال: ما في الكتاب حديث في إسناده مجهول أحسن منه ا.هـ وصححه أبو علي ابن السكن. خلاصة البدر المنير 2/437 والتلخيص الحبير 4/197وقال صدقة بن محمد _رحمه الله تعالى_: يقال إن السفر ميزان القوم. رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1730).

حكم السفر
السفر ينقسم إلى ثلاثة أقسام من ناحية الحكم الشرعي، وهي:
الأول: سفر طاعة
كالسفر لأداء مناسك الحج أو العمرة أو الجهاد أو صلة الرحم أو زيارة مريض ونحو ذلك عن أبي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ (أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ الله له على مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فلما أتى عليه قال أَيْنَ تُرِيدُ؟ قال: أُرِيدُ أَخًا لي في هذه الْقَرْيَةِ قال هل لك عليه من نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قال: لَا غير أنى أَحْبَبْتُهُ في اللَّهِ _عز وجل_ قال: فَإِنِّي رسول اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قد أَحَبَّكَ كما أَحْبَبْتَهُ فيه) رواه مسلم (2567).

الثاني: سفر معصية
كالسفر لارتكاب المحرمات أو سفر المرأة بدون محرم أو شد الرحال لزيارة القبور فعن أبي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_ يَبْلُغُ بِهِ النبي _صلى الله عليه وسلم_(لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى) رواه البخاري (1132) ومسلم (1397) وعن ابن عَبَّاسٍ _رضي الله عنه_ما قال: سمعت النبي _صلى الله عليه وسلم_ يَخْطُبُ يقول: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ولا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلا مع ذِي مَحْرَمٍ) َقَامَ رَجُلٌ فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وأني اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قال (انْطَلِقْ فَحُجَّ مع امْرَأَتِكَ) رواه مسلم (1341).

الثالث: سفر مباح
كسفر التجارة والنزهة والسياحة البريئة والصيد وغيرها
قال الشافعي _رحمه الله تعالى_:



تغرَّب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تَفَرُّج همٍّ واكتسابُ معيشة وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجد


(ديوان الشافعي /74 فيض القدير 4/82يتيمة الدهر 5/40)


وقال عروة بن الورد


فسِرْ في بلاد الله والْتمس الغنى تعش ذا يسار أو تموت فتُعذرا


(أمثال الحديث 1/93)



رخص السفر
عن أبي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ قال (السَّفَرُ قِطْعَةٌ من الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فإذا قَضَى أحدكم نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إلى أَهْلِهِ) رواه البخاري (2839) ومسلم (1927) قال النووي _رحمه الله تعالى_ " معناه يمنعه كمالها ولذيذها لما فيه من المشقة والتعب ومقاساة الحر والبرد والسري والخوف ومفارقة الأهل والأصحاب وخشونة العيش " ا.هـ شرح النووي على صحيح مسلم 13/70 مرقاة المفاتيح 7/414 وقال الحافظ ابن حجر _رحمه الله تعالى_ "السفر قطعة من العذاب أي جزء منه والمراد بالعذاب الألم الناشئ عن المشقة لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف ... نهمته بفتح النون وسكون الهاء أي حاجته..

وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة واستحباب استعجال الرجوع ولاسيما مَن يخشى عليهم الضيعة بالغيبة ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على العبادة " ا.هـ فتح الباري 3/ 623 وانظر: عمدة القاري 10/138 تنوير الحوالك 2/249
وسئل إمام الحرمين حين جلس موضع أبيه لِمَ كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على الفور: لأن فيه فراق الأحباب. شرح الزرقاني للموطأ 4/506
وقال ابن عبد البر _رحمه الله تعالى_ " وفي هذا الحديث دليل على أن طول التغرب عن الأهل لغير حاجة وكيدة من دين أو دنيا لا يصلح ولا يجوز وأن من انقضت حاجته لزمه الاستعجال إلى أهله الذين يمونهم ويقوتهم مخافة ما يحدثه الله بعده فيهم قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_(كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) "ا.هـ التمهيد لابن عبد البر 22/ 36
قال عبد القادر بن أبي الفتح



إذا قيل في الأسفار خمس فوائد أقول: وخمس لا تُقاس بها بلوى
فتضييع أموال وحمل مشقة وهمٌّ وأنكاد وفُرقة مَن أهوى


(الضوء اللامع4/295 الموسوعة الشعرية/330)


ونظرا لتلك المشاق في السفر فقد رخص الشارع الحكيم للمسافر رخصا عديدة وخفف عنه جملة من الأحكام منها:
أولا: قصر الصلاة الرباعية بحيث تصلى ركعتين قال _تعالى_ [وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً] (النساء:101) وعن يعلي بن أُمَيَّةَ قال: قلت لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ: (فليس عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا من الصَّلَاةِ إن خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا) فَقَدْ أَمِنَ الناس. فقال: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ منه فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ عن ذلك فقال (صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ الله بها عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ) رواه مسلم (686).

ثانيا: الجمع بين الصلاتين
فيسن للمسافر إذا جدَّ به السير أن يجمع بين الظهر والعصر وكذا المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير يفعل الأيسر عليه لحديث عبد اللَّهِ بن عُمَرَ _رضي الله عنهما_ قال: رأيت رَسُولَ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ إذا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ في السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حتى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ. رواه البخاري (1041) ومسلم (703) وعن أَنَسِ بن مَالِكٍ _رضي الله عنه_ قال كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ إذا ارْتَحَلَ قبل أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وإذا زَاغَتْ صلى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ. رواه البخاري (1060) ومسلم (704) وعن مُعَاذٍ _رضي الله عنه_ قال: خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ في غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جميعا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جميعا. رواه مسلم (706).

ثالثا: الفطر في رمضان
قال _تعالى_: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة:184) وعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ _رضي الله عنه_ما قال: كان رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ في سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قد اجْتَمَعَ الناس عليه وقد ظُلِّلَ عليه فقال (ماله)؟ قالوا: رَجُلٌ صَائِمٌ. فقال رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ (ليس من الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا في السَّفَرِ) رواه مسلم (1115) وزاد في رواية أخرى (عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الذي رَخَّصَ لَكُمْ).

رابعا: زيادة مدة المسح على الخفين
عن شُرَيْحِ بن هَانِئٍ قال: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عن الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ؟ فقالت: عَلَيْكَ بِابْنِ أبي طَالِبٍ فَسَلْهُ فإنه كان يُسَافِرُ مع رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_. فَسَأَلْنَاهُ فقال: جَعَلَ رسولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ. رواه مسلم (276).

خامسا: عدم وجوب صلاة الجمعة على المسافر
لأن من شروط وجوب الجمعة الإقامة والمسافر ليس مقيما ولم يكن من هدي النبي _صلى الله عليه وسلم_أن يصلي الجمعة في سفره قال ابن عمر _رضي الله عنهما_: ليس للمسافر جمعة. رواه عبد الرزاق 3/172 وقد حكاه ابن عبد البر _رحمه الله تعالى_ إجماعا. الاستذكار 2/36 وقال ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ " ولا صلى بهم في أسفاره صلاة جمعة يخطب ثم يصلي ركعتين بل كان يصلي يوم الجمعة في السفر ركعتين كما يصلي في سائر الأيام وكذلك لما صلى بهم الظهر و العصر بعرفة صلى ركعتين كصلاته في سائر الأيام و لم ينقل أحد أنه جهر بالقراءة يوم الجمعة في السفر لا بعرفة ولا بغيرها ولا أنه خطب بغير عرفة يوم الجمعة في السفر فعلم أن الصواب ما عليه سلف الأمة و جماهيرها من الأئمة الأربعة و غيرهم من أن المسافر لا يصلي جمعة " ا.هـ الفتاوى 17/480

فإن صلى المسافر الجمعة مع الإمام فإنه لا يجمع معها العصر لأن العصر إنما تُجمع مع الظهر لا الجمعة، والجمعة صلاة مستقلة لها أحكام خاصة فهي صلاة جهرية والظهر سرية، وهي ركعتان والظهر أربعا، وقبلها خطبتان والظهر لا خطبة قبلها، ووقتها يبدأ قبل الزوال بخلاف الظهر فلا يدخل وقتها إلا بعد الزوال وغير ذلك من الفروق (انظر الشرح الممتع 4/582) أما إن صلى مع الإمام ونواها ظهرا مقصورة جاز له جمع العصر معها.

سادسا: التنفل على الراحلة
فيجوز للمسافر أن يصلي قيام الليل والوتر وصلاة الضحى وغيرها من النوافل داخل السيارة وهي تسير به أينما اتجهت لحديث سَعِيدِ بن يَسَارٍ قال: كنت أَسِيرُ مع عبد اللَّهِ بن عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فقال سَعِيدٌ: فلما خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ لَحِقْتُهُ فقال عبد اللَّهِ بن عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فقلت: خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ. فقال عبد اللَّهِ: أَلَيْسَ لك في رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_أسوة حَسَنَةٌ؟ فقلت: بَلَى والله. قال: فإن رَسُولَ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ كان يُوتِرُ على الْبَعِيرِ. رواه البخاري (954) ومسلم (700)

وعن ابن عُمَرَ _رضي الله عنهما_ قال: كان النبي _صلى الله عليه وسلم_يُصَلِّي في السَّفَرِ على رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ إلا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ على رَاحِلَتِهِ.رواه البخاري (955) ومسلم(700).

سابعا: ترك السنن الرواتب عدا سنة الفجر
عن حَفْصِ بن عَاصِمِ بن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال: صَحِبْتُ ابن عُمَرَ في طَرِيقِ مَكَّةَ قال: فَصَلَّى لنا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا معه حتى جاء رَحْلَهُ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا معه فَحَانَتْ منه الْتِفَاتَةٌ نحو حَيْثُ صلى فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فقال: ما يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ قلت: يُسَبِّحُونَ. قال: لو كنت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي يا بن أَخِي إني صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ في السَّفَرِ فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حتى قَبَضَهُ الله وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حتى قَبَضَهُ الله وَصَحِبْتُ عُمَرَ فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حتى قَبَضَهُ الله ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حتى قَبَضَهُ الله وقد قال الله: " لقد كان لَكُمْ في رسول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ".رواه مسلم (689).

وهذه الرخص الفعلية والتركية ينبغي على المسافر المحافظة عليها لقوله _صلى الله عليه وسلم_(عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الذي رَخَّصَ لَكُمْ) رواه مسلم (1115) من حديث جابر _رضي الله عنه_
وعَنِ ابن عُمَرَ _رضي الله عنه_ما قال: قال رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_(إن اللَّهَ يُحِبُ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) رواه أحمد (5866) قال المنذري _رحمه الله تعالى_: بإسناد صحيح. الترغيب والترهيب 2/87 وعن ابن عباس _رضي الله عنه_ما قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_(إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) رواه ابن حبان (354) فإتيان الرخص الشرعية عبادة يغفل عنها كثير من الناس فيشقون على أنفسهم بتركها ظانين أن الأفضل تركها بينما الأفضل والأكمل والأكثر أجرا هو اتباع سنة النبي _صلى الله عليه وسلم_سفرا وحضرا عزيمة ورخصة، وهذه الرخص ذكر العلماء شروطا ثلاثة لجواز الترخص بها في السفر وهي:

الأول: أن يكون السفر مسافة قصر وهي أربعة برد (انظر اختلاف العلماء للمروزي/45 الاستذكار 2/232 المغني 2/46 فتح الباري 2/566) وتعادل تسعة وثمانين كيلو متر على رأي كثير من العلماء لما رواه عطاء بن أبي رباح أن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس _رضي الله عنه_م كانا يصليان ركعتين ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك. رواه البيهقي 3/137 وقد جاء عن ابن عمر ما يخالف ذلك فقد قصر فيما دون هذه المسافة وللعلماء أقوال كثيرة في مسافة القصر قال ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ " ولم يحد النبي _صلى الله عليه وسلم_قط السفر بمسافة لا بريد ولا غير بريد ولا حدها بزمان " ا.هـ الفتاوى 24/127 وفي صحيح مسلم (691) عن يحيى بن يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قال: سَأَلْتُ أَنَسَ بن مَالِكٍ عن قَصْرِ الصَّلَاةِ؟ فقال: كان رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_إذا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أو ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - صلى رَكْعَتَيْنِ.

الثاني: مفارقة محل الإقامة
يظن كثير من المسافرين أن المسافر لا يحل له الترخص حتى يقطع مسافة القصر وهذا خلاف الصحيح بل للمسافر أن يترخص بتلك الرخص إذا تجاوز البنيان لحديث أَنَسِ _رضي الله عنه_ قال صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مع النبي _صلى الله عليه وسلم_ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا والعصر بذي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. رواه البخاري (1039) وعن علي بن ربيعة الأسدي قال: خرجنا مع علي _رضي الله عنه_ ونحن ننظر إلى الكوفة فصلى ركعتين ثم رجع فصلى ركعتين وهو ينظر إلى القرية فقلنا له: ألا تصلي أربعا؟ قال: حتى ندخلها. رواه البخاري 1/369 تعليقا ووصله عبد الرزاق (4321) قال الحافظ " إسناده صحيح " ا.هـ تغليق التعليق 2/421

الثالث: أن لا يكون السفر سفر معصية عند الجمهور
فهذه الرخص مشروعة لمن سفره سفر طاعة أو سفرا مباحا أما العاصي بسفره كقاطع الطريق فلا يترخص بها لأن الرخص لا تُناط بالمعاصي ومن ثم لا يستبيح العاصي بسفره شيئا من رخص السفر (المجموع شرح المهذب 4/223 الأشباه والنظائر للسيوطي /95) وفي الإذن للعاصي بالترخص إعانة له على معصيته والعاصي لا يعان.

آداب السفر
للسفر آداب عديدة منها ما يكون قبله أو أثناءه أو قبيل الوصول أو بعد الوصول والعودة ومنها:
أولا: الاستخارة
فيشرع لمن يريد سفرا أو غيره مما له بال أن يصلي ركعتين ويدعو بدعاء الاستخارة الوارد في حديث جابر _رضي الله عنه_ قال: كان رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الْأُمُورِ كما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ من الْقُرْآنِ يقول (إذا هَمَّ أحدكم بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ من غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللهم إني أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ من فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ ولا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللهم إن كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هذا الْأَمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أو قال عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي ثُمَّ بَارِكْ لي فيه وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هذا الْأَمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أو قال في عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عنه وَاقْدُرْ لي الْخَيْرَ حَيْثُ كان ثُمَّ أَرْضِنِي به) قال (وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ) رواه البخاري (1109) قال ابن أبي جمرة _رحمه الله تعالى_ " هو عام أريد به الخصوص فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه " قال الحافظ ابن حجر معلقا " قلت وتدخل الاستخارة فيما عدا ذلك في الواجب والمستحب المخير وفيما كان زمنه موسعا ويتناول العمومُ العظيمَ من الأمور والحقير فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم " ا.هـ فتح الباري 11/ 184 قال العيني _رحمه الله تعالى_: " فيه استحباب صلاة الاستخارة والدعاء المأثور بعدها في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها أما ما هو معروف خيره كالعبادات وصنائع المعروف فلا حاجة للاستخارة فيها نعم قد يستخار في الإتيان بالعبادة في وقت مخصوص كالحج مثلا في هذه السنة لاحتمال عدوٍّ أو فتنة أو حصر عن الحج وكذلك يحسن أن يستخار في النهي عن المنكر كشخص متمرد عاتٍ يخشى بنهيه حصول ضرر عظيم عام أو خاص " ا.هـ عمدة القاري 7/224 وقال ابن القيم _رحمه الله تعالى_ " فعوض رسول الله أمته بهذا الدعاء عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام الذي نظيره هذه القرعة التي كان يفعلها إخوان المشركين يطلبون بها علم ما قسم لهم في الغيب... والمقصود أن الاستخارة توكل على الله وتفويض إليه واستقسام بقدرته وعلمه وحسن اختياره لعبده وهي من لوازم الرضا به ربا الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك وإن رضي بالمقدور بعدها فذلك علامة سعادته " ا.هـ زاد المعاد 2/443-445

ثانيا: التوبة
وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة إقامة وسفرا قال _تعالى_: "وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (النور:31).

ثالثا: قضاء الدين
فجملة من الناس في هذا الزمان يستدين ويثقل كاهله بأموال كثيرة ليسافر ويتنزه بينما الواجب أداء الدين وإبراء الذمة منه لا زيادته فشأن الدين والتهاون بأدائه عظيم فالذي ينبغي على المسلم أن لا يستدين إلا لأمر يستدعي ذلك أما النزهة والسياحة فليست ضرورية ليستدان لأجلها فتجد الرجل يستدين مالا كثيرا للفسحة والنزهة ويمكث سنوات طوال يضيق على نفسه وعلى أهله النفقة بسبب ذلك فالعاقل لا يأخذ أموال الناس إلا عند الحاجة إليها يقول النبي _صلى الله عليه وسلم_:(مَن مات وعليه دين فليس ثمَّ دينار ولا درهم ولكنها الحسنات والسيئات) رواه الحاكم 2/ 32وصححه وعن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو _رضي الله عنه_ما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ قال (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إلا الدَّيْنَ) رواه مسلم (1886) قال النووي _رحمه الله تعالى_ " ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين وإنما يكفر حقوق الله تعالى " ا.هـ شرح صحيح مسلم 13/29 والديباج على مسلم 4/477 تنوير الحوالك 1/307 وقال ابن عبد البر _رحمه الله تعالى_ " وفيه دليل على أن أعمال البر المتقبلات لا يكفر من الذنوب إلا ما بين العبد وبين ربه فأما تبعات بني آدم فلا بد فيها من القصاص " ا.هـ التمهيد 23/232

وعن ثَوْبَانَ _رضي الله عنه_ عَنِ النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال (مَن فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ وهو برئ من ثَلاَثٍ دخل الْجَنَّةَ الْكِبْرِ وَالدَّيْنِ وَالْغُلُولِ) رواه أحمد (22423) والنسائي في الكبرى (8764) والحاكم2/34 وصححه.

رابعا: أن يترك المسافر نفقة لأهله
فنفقة الزوجة والأولاد واجبة على الزوج بلا نزاع فلا يحل له التفريط فيها وإنك لتعجب من بعض المسافرين الذين لا همَّ لهم سوى أنفسهم فتجد أحدهم يسافر للنزهة ناسيا بل متناسيا تلك الأمانة التي تحملها وهي حقوق زوجته وأولاده عليه فلا يترك لهم النفقة الكافية مدة سفره بل يتركهم عالة يسألون الناس بل إن بعضهم يبيع ذهب زوجته ظلما وعدوانا كي يسافر هو وزملاؤه عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو _رضي الله عنه_ما قال: قال رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_(كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ من يَقُوتُ) رواه أحمد (6495) وأبو داود (1692) والنسائي في الكبرى (9177) وصححه ابن حبان (4240) والحاكم 1/575.

خامسا: أن لا يسافر المرء وحده
فمن سافر وحده خاصة للبلاد التي تنتشر فيها المحرمات فإنه عرضة للوقوع فيها لذا لابد من اختيار الصحبة الصالحة التي تعينه على الطاعة وتبعده عن مواطن الشبهات والشهوات عن عبد الله بن عمرو _رضي الله عنه_ما أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال (الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب)رواه مالك (1764) وأحمد (6748) وأبو داود (2607) والنسائي في الكبرى(8849) والحاكم 2/212 ولفظه: أن رجلا قدم من سفر فقال له رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ (مَن صحبت)؟ فقال: ما صحبت أحدا. فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_(الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب).

سادسا: توديع الأهل وخاصة الوالدين
فعلى كل مَن يريد السفر أن يستأذن والديه قبل سفره فإن أذنا سافر وإلا ترك السفر وبعض الشباب هداهم الله تعالى آخر من يخبر بسفره والداه بل أحيانا لا يخبرهم إلا بعد وصوله مكان سفره بأيام بينما تجده قد أخبر زملاءه وأصدقاءه قبل سفر بأيام ويسألهم ألكم حاجة في تلك البلدة بينما والداه آخر من يعلم بذلك وهذا نوع من العقوق المذموم عن مُعَاوِيَةَ بن جَاهِمَةَ أن جاهمة _رضي الله عنه_ جاء إلى رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُكَ أَسْتَشِيرُكَ؟ فقال (هل لك من أُمٍّ)؟ قال: نعم. فقال (الْزَمْهَا فإن الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلِهَا) ثُمَّ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ في مَقَاعِدَ شَتَّى كَمِثْلِ هذا الْقَوْلِ. رواه أحمد (15577) والنسائي (3104)وصححه الحاكم 4/167 وعن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو _رضي الله عنه_ما قال: جاء رَجُلٌ إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ يُبَايِعُهُ قال: جِئْتُ لأُبَايِعَكَ على الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أبوي يَبْكِيَانِ. قال (فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا فأضحكهما كما أَبْكَيْتَهُمَا) رواه أحمد (6490) وأبو داود(2528) والنسائي (4163) وصححه ابن حبان (419) والحاكم 4/168 وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ _رضي الله عنه_ أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ إلى رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ من الْيَمَنِ فقال (هل لك أَحَدٌ بِالْيَمَنِ)؟ قال: أَبَوَايَ قال (أَذِنَا لك)؟قال: لَا. قال (ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لك فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا) رواه أبو داود (2530) وصححه ابن حبان (422) والحاكم 2/114 قال الحافظ ابن حجر _رحمه الله تعالى_ " قال جمهور العلماء: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا إذن " ا.هـ فتح الباري 6/140فإذا كان الإذن واجبا في الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام فكيف بسفر نزهة وسياحة.

أما كيفية التوديع فقد قال قَزَعَةُ: قال لي ابن عُمَرَ: هَلُمَّ أُوَدِّعْكَ كما وَدَّعَنِي رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_(أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ) رواه أحمد (4781) وأبو داود (2600) والنسائي في الكبرى(10360) وللحديث طرق أخرى.

سابعا: أن يقول دعاء السفر
وهو الوارد في حديث ابن عمر _رضي الله عنهما_ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ كان إذا اسْتَوَى على بَعِيرِهِ خَارِجًا إلى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قال (سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لنا هذا وما كنا له مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ اللهم إِنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هذا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ ما تَرْضَى اللهم هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ اللهم أنت الصَّاحِبُ في السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ في الْأَهْلِ اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ في الْمَالِ وَالْأَهْلِ) وإذا رَجَعَ قَالَهُنَّ وزاد فِيهِنَّ (آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ) رواه مسلم (1342) .

ثامنا: أن يخرج يوم الخميس
لحديث كَعْبِ بن مَالِكٍ _رضي الله عنه_ أَنَّ النبي _صلى الله عليه وسلم_ خَرَجَ يوم الْخَمِيسِ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وكان يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يوم الْخَمِيسِ. رواه البخاري(2790)

تاسعا: أن يكبر إذا صعد مرتفعا ويسبح إذا هبط واديا
لحديث جَابِرٍ _رضي الله عنه_ قال: كنا إذا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وإذا نزلنا سَبَّحْنَا. رواه البخاري (2832) وبوَّب له (بَاب التَّسْبِيحِ إذا هَبَطَ وَادِيًا) وبوَّب له ثانيا (بَاب التَّكْبِيرِ إذا عَلَا شَرَفًا).

عاشرا: أن يكثر من الدعاء في السفر
فالسفر موطن من مواطن إجابة الدعاء فعلى المسافر استغلال هذه الفرصة بالدعاء له ولوالديه وذريته وذوي رحمه والمسلمين بدعوة لعلها توافق ساعة استجابة فيفوز بخيري الدنيا والآخرة فعن أبي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_ أَنَّ النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْوَالِدِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ) رواه أحمد (7501) وأبو داود (1536) وصححه ابن حبان (6629).

الحادي عشر: إذا كان المسافرون جماعة أمَّروا أحدهم وأطاعوه في غير معصية
عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ _رضي الله عنه_ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ قال: (إذا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) رواه أبو داود (2608) قال النووي: " بإسناد حسن " ا.هـ رياض الصالحين / 192ولا شك أن تأمير أحدهم مما يخفف النزاع أثناء السفر خاصة مع اختلاف الرغبات فتجد بعضهم يرغب الوقوف هنا أو هناك ويخالفه غيره فلا بد من أمير يُرجع إليه لرفع الخلاف.

الثاني عشر: التحلي بالصبر والأخلاق الحميدة أثناء السفر وغيره



إذا أنت صاحبت الرجال فكن فتى كأنك مملوك لكل رفيق
وكن مثل طعم الماء عذب وبارد على الكبد الحرى لكل صديق


(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/242)


يُروى عن معاذ _رضي الله عنه_ أنه قال: (سافروا مع ذوي الجدود وذوي الميسرة لأن السفر يظهر خبايا الطبائع وكوامن الأخلاق وخفايا السجايا إذ الأبدان إذا تعبت ضعفت القوة المختلفة في القلة والكثرة لكون الطبائع تبعثها وتبين مقاديرها وزيادة بعضها ونقصان بعض فتظهر محاسن الأخلاق ومساوئها لأنها تميز الطبائع من القوة والقوى من الأحوال والسفر يأتي على مختلف الأهوية والأغذية فمن سافر مع أهل الجد والاحتشام يكلف رعاية الأدب وتحمل الأذى وموافقتهم بما يخالف طبعه فيكون ذلك تأديبا له ورياضة لنفسه فيتهذب لذلك ويهتدي إلى تجنب مساوئ الأخلاق واكتساب محاسنها وأما من سافر مع من دونه فكل من معه يحمل نفسه على موافقته ويتحمل المكاره لطاعته فتحسن أخلاقهم وربما يسوء خلقه فإن حسن الخلق في تحمل المكاره) فيض القدير 4/82

قال أنس _رضي الله عنه_: (خرجت مع جرير بن عبد الله في سفر فكان يخدمني وكان جرير أكبر من أنس) رواه البخاري(2822)ومسلم(6380) وقال مجاهد: (صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني)رواه ابن أبي عاصم في الجهاد(210)وابن عساكر 60/15 .

الثالث عشر: الرجوع إلى الأهل بعد قضاء الحاج
عن أبي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ من الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ فإذا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إلى أَهْلِهِ) رواه البخاري (2839) ومسلم (1927) وقد سبق قريبا بيان معناه.

الرابع عشر: أن يأتي بالدعاء المأثور قبل دخول القرية أو المدينة
وهو ما جاء في حديث صهيب _رضي الله عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها (اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة /367 وصححه ابن حبان (2709) وابن خزيمة (2565) والحاكم 1/614 وحسنه الحافظ ابن حجر كما ذكره ابن علان في الفتوحات 5/174

الخامس عشر: أن يبدأ بالمسجد إذا رجع
لحديث كَعْبَ بن مَالِكٍ _رضي الله عنه_ أَنَّهُ لم يَتَخَلَّفْ عن رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ في غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غير غَزْوَتَيْنِ غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ وَغَزْوَةِ بَدْرٍ قال: فَأَجْمَعْتُ صدق رَسُولَ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ ضُحًى وكان قَلَّمَا يَقْدَمُ من سَفَرٍ سَافَرَهُ إلا ضُحًى وكان يَبْدَأُ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ. رواه البخاري (4400) ولحديث جَابِرَ بن عبد اللَّهِ _رضي الله عنه_ قال: اشْتَرَى مِنِّي رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ بَعِيرًا فلما قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. رواه البخاري (2923) ومسلم (715) وهذه سنة من السنن المهجورة إذ قلَّ مَن يفعلها هذا الزمان فكأن هذه الصلاة شكر لله تعالى على سلامة الوصول وأن يبدأ إقامته بالصلاة التي هي صلة بين العبد وربه وهذه السنة والله تعالى أعلم خاصة بالرجال أما المرأة فإن صلت ركعتين في بيتها فلا بأس.

السادس عشر: أن لا يطرق أهله ليلا
عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ كان لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا وكان يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أو عَشِيَّةً. رواه مسلم (1928) قال أهل اللغة: الطُروق بالضم المجيء بالليل من سفر أو من غيره على غفلة ويقال لكل آت بالليل طارق ولا يقال بالنهار. (فتح الباري 9/340 شرح مسلم للنووي 13/71) وقد بيَّن النبي _صلى الله عليه وسلم_الحكمة من هذا النهي في حديث جَابِرِ بن عبد اللَّهِ _رضي الله عنه_ قال كنا مع رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ في غَزَاةٍ فلما قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فقال: (أَمْهِلُوا حتى نَدْخُلَ لَيْلًا - أَيْ عِشَاءً - كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ). رواه مسلم (715) ومن الحكم كذلك ما جاء في رواية أخرى عن جَابِرٍ _رضي الله عنه_ قال: نهى رسول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أو يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ. رواه مسلم (715) وفي هذا العصر توفرت وسائل الاتصال فعلى المسافر أن يخبر أهله بمجيئه قبل وصوله بوقت كاف وهذا خاص بالزوج والله تعالى أعلم.

السفر للخارج
نعيش في هذه البلاد المباركة في أمن وأمان وطمأنينة واستقرار والحمد لله وهذا بفضل الله تعالى أولا وبتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية امتثالا لأمره تعالى فقلَّ أن تجد منكرا ظاهرا وذلك لوجود رجال الحسبة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمدعومين من ولاة أمر هذه البلاد ونجد كثيرا من أبناء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تهفوا نفوسهم لزيارة هذه البلاد والإقامة فيها لما يجدونه فيها من خير في دينهم ودنياهم ولكن مع الأسف إنك لتعجب من أقوام لا همَّ لهم سوى السفر خارج البلاد إلى بلاد غربية وشرقية لا تكاد تجد للإسلام فيها أثرا والإقامة هناك مدة شهر أو شهرين وللسفر للخارج وخاصة البلاد غير الإسلامية مضار لا تخفى على أحد منها على سبيل المثال لا الحصر:

أولا: التعرض لكثير من المطاعن العقدية بكثرة طرح الشبه مع ضعف العلم وقلة السؤال مما قد يتسبب بتشكيك المرء ببعض المعتقدات الإسلامية.

ثانيا: ذهاب بعض المسافرين إلى الكهنة والعرافين والسحرة والمشعوذين وقراء الكف المأذون لهم بالعمل هناك جهارا نهارا وقد قال النبي _صلى الله عليه وسلم_:(من أتى كَاهِناً أو عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يقول فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ _صلى الله عليه وسلم_) رواه أحمد (9532) والدارمي (1139) وابن ماجه (639) من حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ وصححه الحاكم 1/49 قال الحافظ ابن حجر: " وله شاهد من حديث جابر وعمران بن حصين أخرجهما البزار بسندين جيدين " ا.هـ فتح الباري 10/217 وعند مسلم (2230) عن بَعْضِ أَزْوَاجِ النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: (من أتى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شَيْءٍ لم تُقْبَلْ له صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).

ثالثا: التهاون بأداء الصلاة
فالمؤمن قوي بإخونه فمتى ما بعد عنهم فقد يضعف ويتساهل بأداء الواجبات عن أبي الدرداء _رضي الله عنه_ قال: سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: (ما مِن ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) رواه أحمد(21758) وأبو داود(547) والنسائي(847) وصححه ابن حبان (2101) وقال المراد بالجماعة جماعة الصلاة. والحديث حسنه النووي في رياض الصالحين 1/209

رابعا: إطلاق النظر وصعوبة غضه بسبب انتشار السفور وكشف العورات قال _تعالى_: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا " (النور:31) قال القرطبي –_رحمه الله تعالى_ – في التفسير 12/227: " وبدأ بالغض قبل الفرج لأن البصر رائد للقلب كما أن الحمى رائدة الموت "ا.هـ وقال النبي _صلى الله عليه وسلم_ لعلي:(لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية) رواه أحمد 5/351 وأبو داود (2149) والترمذي (2777) من حديث بريدة _رضي الله عنه_ وصححه الحاكم 2/212 وقال الترمذي " حديث حسن غريب " ا.هـ وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله _رضي الله عنه_ قال سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظرة الفجاءة؟ فأمرني أن أصرف بصري.

خامسا: تساهل بعض المسافرين بدخول المراقص والملاهي التي يعصى فيها الرحمن وتدار فيها الخمور مع رقص الفاتنات عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ _رضي الله عنه_ قال: يا أَيُّهَا الناس إني سمعت رَسُولَ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_يقول: (مَن كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَقْعُدَنَّ على مَائِدَةٍ يُدَارُ عليها بِالْخَمْرِ) رواه أحمد (125) وأبو يعلى (251) بإسناد ضعيف ورواه الترمذي والحاكم من رواية جابر _رضي الله عنه_ قال الترمذي: حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وصححه الألباني _رحمه الله تعالى_ في الإرواء(1949).

سادسا: سهولة الحصول على المخدرات خاصة أن بعض الدول تأذن ببيعها في أماكن خاصة وفي ذلك ما فيه من الأضرار البالغة.

وغير ذلك من الأضرار التي لا تخفى على أحد وفي بلادنا والحمد لله أطهر بقعتين في العالم كله مكة والمدينة كما أن فيها من الأماكن الجميلة والباردة والبحار والرمال ما يغني عن السفر خارج البلاد وقد ذكر العلامة ابن عثيمين _رحمه الله تعالى_ أنه يشترط لجواز السفر للخارج شروطا:
1/ أن يكون عند المسافر علم يدفع به الشبهات.
2/ أن يكون عنده ورع يدفع به الشهوات.
3/ أن يكون محتاجا إلى ذلك.
4/ المحافظة على شعائر الدين.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.