أنت هنا

ضرورة عودة المنظمات الإسلامية الإغاثية العالمية
2 جمادى الأول 1427

بثت وسائل الإعلام صور آثار الزلزال في جزيرة جاوا الإندونيسية المروعة على البشر والمنشآت, فإذ أبصار المؤمنين شاخصة في ذهول لهول ما ترى, أكثر من الحوقلة يستحقها المنكوبون, ويتمناها كثير من جموع الموسرين في بلداننا الإسلامية لو أنها تجد بين يديها منظمات إغاثية إسلامية عالمية أمينة تتحرك بحرية وتجد الطريق معبداً لها لطرق أبواب الخيرين الذين يبغون الخلود ببساتين الجنان في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
هذه العولمة ما بالها تنفذ في كل الثغرات إلا ثغرة إنسانية نبغيها نحن لأهلنا في كل أرض يرتفع فيها أذان, لماذا يكفر بها بطارقتها الآن إن جلبت إغاثية إسلامية إنسانية عالمية؟! أحرام هذه العولمة إلا بالسبيل الذي يفرض علينا هيمنته؟! وأي قيمة لهذه العولمة إن عنت تسلطاً وجبروتاً واحتلالاً مغلفاً بكلمات رقيقة؟!
إن الغرب حين أراد أن يسوق لـ"إنجيل" عولمته الجديد, تحدث عن حالة إنسانية واحدة تنصهر فيها الثقافات والأفكار, لكنه عاد فأراد احتكار عولمته بحيث لا يمنح امتيازاتها إلا لمن يفي له بمتطلبات الإذعان والخنوع.
الآن, نحن ـ المسلمين ـ نعاني بأكثر مما يعاني غيرنا فيما يخص الكوارث والمجاعات والحصار المضروب على شعوبنا إن هنا أو هناك.. في فلسطين حصار.. في القرن الإفريقي مجاعات وحروب, للغرب اليد الطولى في التسبب بها.. وفي دارفور يمد يده لتسليح المتمردين ومن ثم يخلق بيئة خصبة لتدفق اللاجئين.. وفي إندونيسيا يتشرد مائتا ألف لا يجدون من إغاثة تساق إليهم في عصر العولمة إلا مغلفة بالصلبان.
ما الذي يعنيه إبطاء الإغاثة الإسلامية في العالم وإسراع الإغاثة التنصيرية مثلما حدث في الجنوب السوداني وتسونامي وألبانيا وإفريقيا وغيرها سوى ترسيخ شعور يتفاقم إلى الحد الذي قد يغير فكرة بعض المسلمين عن الإسلام ذاته الذي لم ينجح ـ بنظرهم ـ عن توجيه معتنقيه إلى واجب التكافل الذي جاء بها.. وسوى اليقين بأن هذا مبتغى الغرب, وأحد أهداف عولمته.
ومسألة الإغاثة الإسلامية قضية متأرجحة بين التنامي والتقلص تبعاً لمستويات القوة والضعف لدى المسلمين, ورهينة بنهضتهم وتتداخل فيها عوامل عديدة ليس جميعها ناتجاً عن تسلط الغرب وحده على كثير من الدول الإسلامية, وإنما ثمة ما يمكن اعتباره نوعاً من الغفلة الداخلية, وحالة اللامبالاة الناتجة عن كثرة ما يلقاه المسلمون هنا وهناك مما جمد المشاعر الأخوية بعض الشيء, لكن مع هذا تظل الضغوط الغربية هي أشد العوامل المؤثرة قوة على نشاط منظمات الإغاثة الإسلامية العالمية, والتي تعرضت جهودها لانتكاسات قوية جداً عقب ضربات وجهتها قوى الشر الأمريكية إليها في أعقاب أحداث 11 سبتمبر التي وجدت فيها الولايات المتحدة الأمريكية مطية لطموحاتها الرامية إلى تقليم أظافر المسلمين والحؤول بينهم وبين سريان مشاعر الأمة الواحدة والجسد الواحد بين شعوبها وأعراقها, وقد تجلى ذلك أكثر من أي وقت مضى حينما سارعت هيئات الإغاثة التنصيرية ووضعت بين أيديها نحو 25 مليون دولار في الأيام الأولى لموجات المد الزلزالي في إندونيسيا تسونامي قبل نحو عامين, وحينما صرخ بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس "إلى دارفور أيها المنصرون", فيما وجدت الهيئات الإسلامية مكبلة وظهرها إلى الحائط تتلقى الاتهامات الإسلامية والغربية على حد سواء, بينما هي عاجزة عن تحقيق "العولمة الإسلامية" التي أبى الغرب إلا إقصاءها..
وإزاء الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها منظمات الإنسانية الإسلامية من قبل الولايات المتحدة التي اتهمتها بتقديم الدعم للإرهاب, حدث انحسار شديد استغل ضد المسلمين لاحقاً, وتراجعت المنظمات وأغلق بعضها..
والآن, بعد أن تكاثرت السهام على الأمريكيين وبدوا كرجل مريض تلاحقه الأمراض, أليس واجباً أن تتحرك هذه المنظمات مدعومة من الدول الإسلامية لفك هذا الطوق عنها؟ أليست منظمة المؤتمر الإسلامي معنية بأن تفعل شيئاً بهذا الخصوص, على الأقل حتى يشعر المسلمون بأثرها المباشر عليهم؟ أليست هذه المؤتمرات التي ترعاها المنظمة تلك بحاجة إلى توجيه باتجاه أكثر فاعلية من الحوار المكتوم الذي يجري بين جنباتها لا يجاوزها إلى ما هو ناهض بالأمة في ميادين نضالها المختلفة, ومنها هذا الجانب التكافلي العملاق, الذي بسببه انتشر الإسلام في ربوع الدنيا, وذاع عنه مد يد العون والمساعدة لأبنائه وللإنسانية, وكم ترك إرسال عمرو بن العاص رضي الله عنه الميرة للمسلمين في المدينة من أثر حينما لفتها المجاعة في عام الرمادة, وقتها لم تكن ثمة عولمة تحول بين المسلمين وإنقاذ إخوانهم مما ألم بهم من بلاء.. والآن نحن بحاجة لاستغلال حال الاضطراب الأمريكي في إعادة الحيوية لمنظمات المسلمين الإغاثية العالمية, والعبور بها من جديد, نحو العالمية إعلاماً واقتصاداً وحشداً وحصانة وانتشاراً وسرعة في الاستجابة والحضور والفعل.
إن الغرب صار يتحكم بالمال في كل شيء ويمد أرجل أخطبوطه الشرير في كل بقعة امتد إليها نفوذه فنفث فيها سمومه, وقد آن لنا أن نتحرر من قبضته, على الأقل في واجبنا الإنساني المسالم تجاه إخوة لنا يتضورون جوعاً ويعاونون من آلام الجراح والتيتم والتثكل بلا دواء أو رعاية أو حتى تجفيف دمع..
فهل طاب لنا لياذاً بقلة الحيلة وضعف المرحلة أن نهمل مآسيهم.. فلله نحن, من قول النبي الرحيم :"المسلم أخو المسلم"...