القصة والقصاص
2 جمادى الأول 1427

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
لقد أحببت التنبيه في هذه العجالة على مفهوم شاع بين بعض طلاب العلم وقد يكون فيه من الخطل ما فيه، ذلك هو مفهوم القصة والقصاصين، فلعل واقع الحال –وليس بجديد- أضفى على أذهان بعضهم ارتباط هذا التعبير بالخرافة والكذب وضياع الأوقات فيما لا فائدة فيه! فأضحى بعضهم تنقبض نفسه من القصة، ويزهد في معرفتها أو سماعها، أو تربية أولاده الصغار بها.

والحق أن القصة أسلوب تربوي مهم أولاه القرآن الكريم عناية خاصة، فحفلت الكثير من سوره بعدد من القصص، بل سميت سورة كاملة فيه بسورة القصص ومما يندرج في القَصص القِصص، والله _جل وعلا_ قد بين في آخر آية من سورة يوسف؛ السورة التي كانت القصة محورها الرئيس، بين أهمية القصة، فقال: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ".

والنبي - صلى الله عليه وسلم- كان يعالج الكثير من المواقف من خلال القصة؛ جاءه بعض الصحابة وهو في ظل الكعبة وقد بلغ بهم أذى المشركين كل مبلغ، فقالوا له: يا رسول الله ألا تدع لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فقال لهم _عليه الصلاة والسلام_: "كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤتى به فيوضع في الحفرة ويشق مابين لحمه وعظمه..." الحديث(1). والسنة المطهرة فيها عشرات القصص التي تعالج قضايا اجتماعية مثل قصة أم زرع وأبي زرع(2). بل يعلق النبي _عليه الصلاة والسلام_ على قصة موسى والخضر في سورة الكهف، فيقول: (وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما)(3)، أي ودَّ النبي _صلى الله عليه وسلم_ أن موسى _عليه السلام_ لم ينه الموضوع في المحاولة الثالثة لعجيب خبرهما.

وهذه دعوة للدعاة والمربين ليولوا هذا الجانب عناية خاصة، شريطة الالتزام بالضوابط الشرعية للقصص؛ فيتجنب ما علم كذبه، كأن تكون القصة مما قد وقع حقاً، كما نقرأ في قصص القرآن، أو أن تكون من قبيل ضرب المثل والتشبيه غير المنسوب إلى معين، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم-: "كان فيمن كان قبلكم"، أو (يؤتى بالرجل)، وليس المراد حالة فرد، إنما هي أحوال متعددة.

وأيضاً لا ينبغي أن يؤخذ منها تشريع إلاّ أن تكون ثابتة عن معصوم، وإنما يهيج بها ويوجه إلى مكارم ومعان ثابتة بالنصوص.
وكذلك يسوغ الإخبار بما حكي ولم يعلم كذبه لأجل أخذ العبرة، أو التنويه بمقصد شرعي صحيح دلت عليه الأدلة، شريطة ألا يصدق وترتب عليه الأحكام، ومن هذا القبيل الرخصة في التحديث عن بني إسرائيل.

ويتجنب كذلك ما لا فائدة فيه وإن كان حقاً، ولهذا فقد أعرض الله _تعالى_ عن ذكر بعض التفاصيل والأخبار في قصص القرآن بل في سورة يوسف عليه السلام مع تفصيلها وذلك لعدم الفائدة، فالتفصيل والإسهاب بما لا فائدة فيه قد يكون لغواً في أحسن أحواله، وما فيه الحكمة البالغة والعبر المعتبرة جم غفير فحري الاشتغال به عما سواه.

ولعل الغرب قد أحسن في استخدام القصة وسيلة للباطل، وتبعه في ذلك جمع من مستغربينا، والواجب أن يطغى هذا الواقع على الأذهان فينفر من القصص والقصاص بإطلاق، ولكن يدعى لإصلاحه، والإفادة منه فهو هدي قرآني، وسمت نبوي، وسيلة استفاد منها الجيل الأول فما أحرانا بالإفادة منها في اعتدال. والله أعلم.

_______________
(1) صحيح البخاري 3/1322.
(2) صحيح البخاري 5/1990، ومسلم 4/1901.
(3) صحيح البخاري 4/1757.