خطة بناء وتفعيل مجموعات العمل الدعوي والتربوي

يعتمد العمل التربوي مبدأ أساسياً هاماً هو مبدأ التعاون والمشاركة العملية في كل مرحلة من مراحله، وذلك تطبيقاً لقوله _تعالى_: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ..." (المائدة: من الآية2).
وانطلاقا من هذا المبدأ، يحتاج القائد المربي دوماً إلى بناء مجموعات مترابطة للقيام بالدور التربوي والتعليمي التطبيقي الذي يحول النظرية التربوية إلى واقع عملي ملموس.

وللأسف العميق فإن كثيراً من المربين يفتقدون الأساليب الأساسية لتكوين فرق العمل ومجموعات الإنتاج بل ويقتصرون في أدائهم التربوي على وسيلة واحدة هي وسيلة التكليف للأفراد.. وهي وسيلة قد ثبت ضعف تأثيرها وسوء نتائجها في التأثير التربوي في الشخصية المرباة أو في إنجاز المهام المؤثرة – إلا في بعض المواضع التي تدعو الحاجة إليها فعندئذ يتوجه التكليف الشخصي للمهام ويكون له أثر ملموس–.

أهمية بناء فريق العمل:
إن بناء البيئة الإيمانية التطبيقية مطلوب للغاية كحلقة مؤثرة في تكامل الشخصية التي تتلقى العملية التربوية وتتعلمها، ويعتبر فريق العمل هو نوع إيجابي من أنواع تلك البيئات، حيث يمكن التحكم في مختلف العوامل المتغيرة في تلك البيئة وبالتالي توجيه التأثير نحو القدر المراد تقويته أو تقويمه أو تعديله في شخصية الفرد داخل الفريق.

كما يمثل فريق العمل شكلاً نموذجياً مثالياً لتطبيق القيم الإسلامية السامية الخاصة بتعامل الفرد مع أخيه وتعامل الفرد مع المجموع، فتبدو فيه معاني الإيثار والتآخي والتواد والتراحم والمحبة في العقيدة والتواثق على ذات الهدف، إضافة إلى معاني الشورى والمشاركة والتفاني في العمل وقبول الصغير من الأعمال ككبيرها..
وتجد كذلك الطاعة جواً مثالياً لتطبيق مفاهيمها تبعاً للضوابط الحكيمة والخبرة المستقيمة في تطبيقها، سواء من قيادة الفريق أو من أفراده.

ونشأة الفرد المسلم متأثراً بأخلاق فريق العمل الناجح تذيب في داخله معاني العجب بالعمل والكبر كما تذيب معاني التميز على الأقران والاستعلاء على الآخرين وتذيب معاني الحرص والطمع، وتباعد بينه وبين الشعور بالعجز أو الكسل, كما تذهب عنه صفتي الجبن والبخل وتمنعه من الانطواء والانزواء والتقوقع.

الفشل في بناء الفريق..
وبقدر تلك المزايا السابقة التي هي مرشحة للتفعيل من خلال فريق عمل ناجح بقدر الخوف والحذر الذي ينبغي أن يسيطر على المربي من الفشل في تكوين فريق العمل بصورة مقبولة أو يحدث التعثر في مرحلة من مراحل بنائه، وعندها قد تنقلب الإيجابيات – السابق ذكرها – إلى سلبيات تتوالد وتتكاثر فينتج منها أفراد يحملون صفات مرضية قبيحة.

فالفشل في بناء فريق العمل أو عشوائية بنائه بغير مراعاة للأسس الإيمانية و العلمية والنفسية والتربوية الأصيلة يخرج لنا أنواعاً من الأمراض الفردية والجماعية قد لا تقوى الجماعة على تحملها، مما ينذر بخطر محدق على العملية التربوية بأسرها.

فقد ينتج عن سوء اختيار عناصر الفريق ما يمكننا أن نسميه عدم التكيف الجمعي بين الأفراد، أو أن ينتج عن سوء متابعة الفريق أشكال من الصراعات على الأدوار القيادية أو المميزة داخل الفريق، أو أن يصبح فريق العمل مرتعاً خصباً لمظاهر الرياء والتباهي بالعمل أو الافتخار بالإنجاز، أو أن تحدث عمليات الكبت النفسي والإهمال لبعض أفراد الفريق ما ينتج عنه كراهيته للفريق وسلبيته في التعاون معه وغير ذلك الكثير والكثير من الأمراض التي سنحاول أن نفرد لها حديثاً خاصاً عن قريب _إن شاء الله_.

متى يكون الفريق ناجحاً:
هناك خمس علامات أساسية يستطيع بها القائد أن يطمئن على مسار فريق عمله أنه في سبيله لإنجاز أهدافه، وهذه العلامات هي كما يلي - على وجه الإيجاز -:
1ـ عندما يتخلص الفريق من فردية الأداء ويحرص أفراده على تطبيق عامل المشاركة والتشاور وتبادل الآراء في كل خطوة من خطواتهم مع احترام الرأي الآخر والارتقاء بمستوى النقاشات الخلافية في الآراء للوصول إلى المتفق عليه، ومن ثم فهم يتحركون بشكل جماعي لا فردي.
2- عندما يغَلب الأفراد المصلحة العامة على الخاصة غالباً ويطبقون معاني الإيثار مع بعضهم البعض.
3ـ عندما يوجد الدافع القوي، والمحفزات المناسبة لدى أفراد الفريق، لتبني أهداف الفريق والسعي لتحقيقها.
4ـ عندما يسوده روح الثقة في القدرات الجماعية وروح الحب في الله ولله، والاستعداد للتضحية بالأوقات والأموال والمجهودات.
5ـ عندما تتوافر القدرة العالية لدى القيادة وأفراد الفريق لممارسة مهارات العمل الجماعي.

خطوات بناء فريق العمل:
هناك أربع خطوات أساسية في سبيل بناء فريق العمل الناجح وهي على الترتيب:
- دراسة الأهداف ومعرفة ماهية الإنجاز المطلوب تحديدا.
- اختيار أعضاء فريق العمل.
- التكليف والتوجيه
- المتابعة
وسنحاول بيان كل خطوة بإيجاز:

أولاً: دراسة الأهداف ومعرفة ماهية الإنجاز المطلوب:
تمثل تلك المرحلة الخطوة الأولى في إعداد فرق العمل المختلفة، وفيها يجب أن يهتم المربي بالأمور التالية:
1- تحديد الهدف العام من بناء ذلك الفريق ومخاطبة أعضاء الفريق بذلك الهدف العام بألفاظ واضحة كأن يقول لهم: هدفنا من تكوين هذا الفريق هو الارتقاء بأداء تلك المؤسسة مثلاً أو غيره.
2- تحديد الأهداف المرحلية من هذا الفريق وتوضيحها لهم بجلاء ووضوح؛ كأن يقول لهم: أهدافنا المرحلية الخاصة بالهدف العام الذي هو تنظيم عمل هذه المؤسسة والارتقاء بأدائها، هي: (دراسة مستوى الأداء، الوقوف على عيوب الأداء، تقييم عمل المسؤولين، دراسة المشكلات العملية، الخروج بالنتائج).
3- تحديد جدول زمني لكل هدف من الأهداف المرحلية.
4- من الأخطاء الشهيرة السلبية التي يقع فيها المربون عدم تحديد مدة زمنية لأداء فريق العمل بالكلية مما يؤدي إلى ترهل الأداء وانتشار أمراض الفتور وغيره.
5- من الأخطاء التربوية أيضاً عدم وضع ملامح ظاهرة يتم على أساسها تحديد تحقق الهدف المرحلي من عدمه.
6- ينبغي أن يحذر المربي من هلامية صياغة الأهداف وعدم تحديد أطرها بوضوح.
7- يجب أن يحرص المربي على مناقشة أعضاء فريق العمل حول كل هدف مرحلي من أهداف العمل ويحاول إزالة أي نوع من أنواع الضبابية في الفهم أو التصور حول تلك الأهداف.
8- يجب أن يراعي المربي أثناء وضع الأهداف المرحلية أن يضع لنفسه هو أهدافاً مرحلية تفصيلية تختص بعملية تربية الأفراد وتقويم سلوكهم من خلال الإنجاز المطلوب منهم عملياً، ويحسن أن يكون ذلك بالتشاور مع أكثر من خبير ومختص في ذلك.
9- يحاول المربي بوسائل مختلفة أن يتشرب فريق العمل معاني تلك الأهداف، وأن يرغب في تحقيقها رغبة داخلية عن طريق ربطها بالمعاني الإيمانية والقلبية والروحية ومعاني الإنجاز والطموح.
10- يجب أن تكون الأهداف المختارة لفريق العمل موجهة نحو البناء والإصلاح والتقويم بحيث يستفيد منها المجتمع المسلم استفادة ظاهرة.
11- يجب أن تعرض الأهداف العامة والمرحلية على العلماء الشرعيين والخبراء التربويين قبل طرحها على الفريق للإجازة والتعديل، بحيث تكون الأهداف دائماً في إطار المحبوب شرعاً والمرغوب مجتمعاً.