أنت هنا

"مختل الإسكندرية": فتنة ـ طوارئ ـ تدويل
19 ربيع الأول 1427

قوبل البيان الرسمي الذي ألقى بالمسؤولية عن الهجوم على الكنائس الثلاث بالإسكندرية باستهجان الأقباط وكثير من المفكرين والكتاب المصريين, ولكلٍ أسبابه في ذلك, فكهنة الأقباط وساستهم اعتبروه لململة جرح على قيح الاضطهاد الذي يعدون أنهم يلقونه في مصر النظام والشعب, والمفكرون عدّوه تسطيحاً لأزمة تمور تحت رماد العلاقة المتوترة بين المسلمين والأقباط في مصر, لكن الأجهزة الأمنية تبدو قانعة بهذا التفسير الذي أطلقته مع الساعات الأولى للهجمات بعد أن ألقت القبض على شابٍ ملتحٍ, قالت: إنه تفوه في التحقيقات بكلمات غير مفهومة, وجسدت قناعتها تلك في حملة أطلقتها بحثاً عن المختلين العقليين في المحافظات حتى حصدت منهم 150 بحسب قناة الجزيرة الليلة الماضية.. وبدا في الأمر مفارقة لمسها المتابعون للشأن الأمني في مصر, إذ أعقبت هذه الحملة لتوقيف المختلين العقليين تسوية أمور 900 من أعضاء الجماعة الإسلامية المصرية (المتهمة سابقاً بالإرهاب) وجدوا أخيراً طريقهم إلى خارج أسوار السجون بعدما قضوا سنوات خلفها..
غير أن هذه المفارقة لا تخدم طموحات الراغبين في مد قانون الطوارئ والذي يسعى ناشطون ومعارضون لإلغائه, فمعطيات الأجهزة الأمنية المصرية تفيد بأن الخطر الإرهابي الحديث هو لفئة المتخلفين عقلياً الذين أنحت عليهم بمسؤولية العديد من أعمال العنف في الآونة الأخيرة مثل حوادث الاعتداء على السياح في أكتوبر من العام قبل الماضي, ومذبحة بني مزار بصعيد مصر العام الماضي والتي لم يكن لها أية أسباب سياسية, وأحداث الإسكندرية الأخيرة.. وهذه المعطيات السالفة تنسف مبررات استمرار قانون الطوارئ الذي لم يتمكن من منعها ابتداء ـ سواء أكان مرتكبوها عقلاء أم مختلين ـ كما أنه ليس من مشمول دائرة نفوذه التعامل مع المختلين عقلياً..
قانون الطوارئ لا يمكن في الحقيقة أن يقدم نفسه كأكاديمي طبي يبحث في صيرورة المختلين العقليين في مصر ـ من دون البلدان الأخرى ـ قنابلَ متحركةً و"مشاريعَ إرهاب".

هذا إذا ما أردنا الاسترسال في هذه الفرضية المبسطة والمعتمدة على هذه المعطيات الرسمية والتي لا تخدم تمديد قانون الطوارئ منطقياً, خلافاً لما ذهب إليه بعض المحللين, وإلا فالأمر بعيد جداً عن ذلك, وهو يفتح جملة تساؤلات تشكك في احتمال أن يتمكن مختل عقلي في إثارة فتنة وتجييش تظاهرات وأعمال شغب احتجاجية قبطية مضادة, ومن ثم سعي جهات لخلق مظلمة تستدعي تدويلاً للمسألة القبطية في مصر, وتسأل عن سرعة رد الفعل الأمريكي, وبراعة الكنيسة في التعبئة, وجهوزية جملة المطالب القبطية بين عشية وضحاها, بدءاً من اللوحات الورقية التي كتبت عليها SOS (أنقذونا ـ للغرب ـ بالإنجليزية) وانتهاء بطلب بعض القيادات الشعبية القبطية بتشكيل ميليشيات لحماية الكنائس, بالإضافة إلى المطالب التقليدية وجديد المطالب القبطية التي لاحظ الأمن المصري ـ وفقاً لبعض الصحف المصرية المستقلة ـ أنها تتشابه إلى حد كبير مع مطالب أقباط المهجر الذين بدوا حاضرين في الاحتجاجات بأيديولوجيتهم المتطرفة..

والآن وإن هدأت الأوضاع قليلاً؛ فإن القادم مخيف, لاسيما والاحتقان يزداد شيئاً فشيئاً في نفوس الطرفين, وما لوحظ من امتشاق بعض المتطرفين لسيوفهم في معرض تظاهراتهم الاحتجاجية ورفعهم غابة من الصلبان الخشبية بما يشير لشحن باتجاه مظلمة مدعاة, يعني أن تبسيط الأزمة كلها في شخص فاعل مختل أكان أم عاقل والوقوف عند حد الفعل ذاته, من دون اكتراث بما خلفته الأحداث من ردات فعل تتنامى في عنفوانها في الجانب القبطي, وأعمال عنف لم تكن من قبل مألوفة على هذا النحو, هو أمر عبثي, ويعني أننا ندفن رؤوسنا بالتراب بانتظار مزيد من الإثارة.. مزيد من التدويل .. مزيد من التدخل.

بقلم : أمير سعيد