الغرب وخيار الشعب المسلم
28 محرم 1427

الحمد لله وبعد، فإن الأيام تبدي حيناً بعد حين ازدواج معاير الغرب، وتشهد للقائلين بأن علمانيته ونظمه الديمقراطية قائمة على معاداة الدين.
فكثيراً ما يتبجح الغربيون بالديمقراطية، وينادون باحترام كلمة الشعب، وفي طيات ذلك مخادعات فهم يعدون القوانين الصادرة عن ممثلي الشعب في البرلمان والتي ربما لم تعبر عن رأي جل الشعب إلاّ بالتخرص، فمن قال إن من انتخب فلاناً فقد وافقه في كل ما يقول ويُصدِر!
ومع ذلك هم يعدون تلك التشريعات البرلمانية دساتير مقدسة لايجوز لأحد تجاوزها، والحجة هي احترام خيار الشعب المظنون بل ربما المدعى عليه كذباً وتلفيقاً.

ومع أن هذا النموذج الغربي للديمقراطية يتصادم مع مبادئ الإسلام، القاضية بأن الحكم لله "أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" [لأعراف:54]، فهو _سبحانه_ أعلم بمصالح من خلق، وأرحم بهم من أنفسهم، ولهذا فإن المسلم لايكون مسلماً حتى يرضى بحكم الله ويسلم له، فإن خالف رأي الأغلبية حكم الله وحكم رسوله _صلى الله عليه وسلم_ فلا عبرة به عنده، ولا ينبغي لمن يليه أمر المسلمين أن يخالف كلام الله وكلام رسوله _صلى الله عليه وسلم_ لأهواء بشرية، وعقول أرضية، قاصرةٌ نظراتُ أصحابها على بعض زخرف الحياة الدنيا.

إن الديمقراطية الغربية -في أحسن أحوالها- قائمة على عدم التزام الدين في شئون الحكم دون تقصد لمخالفته، فلا يلزم من النظام الغربي الديمقراطي مخالفة الدين في كافة تفاصيله ورفض دستوره وأحكامه بنداً بنداً، ولا يجب على الديمقراطي العلماني مخالفة الدين في كل جزئية ليبني قانونه الخاص، ولكنه يأخذ منه ماء شاء، ويحكم بالوضع على ما شاء، فهم يقولون: "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، فإذا أعطى الله قيصراً عطية فلا يلزم ردها على كل حال، وإذا جاءهم المرسوم الرباني أو الدستور (الكتاب) فلهم أن يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض أو يتخذوا بين ذلك سبيلاً!

ولهذا فإنك لاتعجب إذا وافق خيار الديمقراطية الحق والصواب، وليس تلك تزكية لها، بل كفى بها إثماً أن تخالف الشرع ولو في مسألة واحدة تتخذ ديناً وشريعة مقدسة لا تجوز مخالفتها.

بيد أن العجب يتبدى والحقيقة تتجلى عندما يخرج الغرب عن قاعدته فيرفض الديمقراطية ويأباها إذا وافقت خياراً صحيحاً ارتضاه شعب مسلم، بل يهدد ويتوعد ويلوح بالعقوبات، فما أسرع أن نسى الغرب الديمقراطية يوم اختار الشعب المسلم (حماس) حكومة لدولته، عندها ركل الغرب الديمقراطية وشرع في محاولات لتغير خيار الشعب وتفريغه من محتواه بالضغط والتهديد تصريحاً وإيماءً، من أجل أن تتنكر حماس لشعبها، الذي اختارها بناء على سيرتها الأولى.

وعندما اختارت الشعوب المسلمة خيار المقاطعة لدولة لم يأخذ حكماؤها على أيدي سفهائها المستهزئين بالرسل _عليهم السلام_، عندها عد سفهاء الأحلام من حكامهم خيار الشعب همجية وبربرية.

وليت شعري أين الديمقراطية وأين التمدن والحرية أفي سجون البريطانيين بالبصرة! أم في دول لا تراعي المواثيق الدولية القاضية باحترام الأنبياء.
والشاهد أن هذه خيارات الشعوب المسلمة يرفضها اليوم من ينادي بالديمقراطية.

فما أقبح أن يزعم الغربيون بعد ذلك تمسكهم بمبادئ ديمقراطية لا تعادي دين المسلمين، وأشد من ذلك أن يغتر بهذا البلهاء من المستغربين، ورجاؤنا أن تفتح هذه الأحداث أعينهم المغمضة على حقائق الواقع، وتغلق أفواههم الصائحة بشعارات الغرب، ليسمعوا وينظروا، وبعدُ: "مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" [الأعراف:178]، جعلني الله وإياك من أهل هدايته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.