أنت هنا

بعد اكتساح حماس .. لماذا يفوز الإسلاميون في الانتخابات العربية ؟
29 ذو الحجه 1426

في مارس 2003، التقي وفد من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي مع (الرئيس المصري) حسني مبارك للتباحث حول الديمقراطية في الشرق الأوسط، وجري التطرق للإسلاميين ومشاركتهم في الانتخابات، ومع أن اللقاء كان خاصا، فقد سرب يوسف مايكل إبراهيم (كبير مستشاري هذا المجلس) ما جرى في مقال نشره بصحيفة "نيويورك تايمز" 23 أبريل 2003 (ونقلته عنها جريدة القدس العربي 20 أبريل 2003)؛ والذي كان يدور حول مخاوف الزعماء العرب من الديمقراطية الأمريكية.
ونقل إبراهيم عن الرئيس مبارك قوله - في الحوار الخاص الذي ذكر أنه جرى معه لمدة 3 ساعات قوله: "عندما يبحث الأمريكان بتوعك عن الديمقراطية.. من يعتقدون أنه سيأتي إلى الحكم إذا جاءت الديمقراطية؟ ديمقراطيون!!.. ثم أجاب: "سيأتي الإخوان إلى القاهرة وعمان والرياض وفلسطين "!
ولهذا كانت أحد مصاعب خطة (الرئيس الأمريكي) بوش لنشر الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي - وفق نظرية تقول أن العنف الذي تم تصديره لأمريكا من الشرق الأوسط كان نتيجة غياب الحريات والديمقراطية – تقوم على معارضة مصر هذا التوجه الأمريكي للضغط بأساليب مختلفة علي الأنظمة للانفتاح الديمقراطي دون التفات كبير لـ "الفزاعة الإسلامية" التي كانت تحذر منها الأنظمة العربية.
ومع أن فوز عدة حركات إسلامية أواخر عام 2002، والذي تراوح بين الكاسح والمتوسط في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أربع دول عربية وإسلامية، هي: باكستان والمغرب والبحرين وتركيا في أقل من شهرين؛ كان مؤشرا علي هذا الفوز للإسلاميين في حالة إجراء انتخابات حرة، فقد كان المحك الحقيقي لاختبار نظرية بوش بشأن نشر الديمقراطية في العالم العربي هو انتخابات البرلمان المصري التي انتهت في ديسمبر 2005، والبرلمان الفلسطيني اللتان أسفرتا عن فوز هام للإسلاميين.
حيث شكل فوز الإخوان بـ 88 مقعداً في مصر وهزيمة الليبراليين واليساريين الجدد، أول صدمة لهذه الخطة الأمريكية التي تعتمد علي فوز الليبراليين والعلمانيين لا الإسلاميين في الانتخابات، وجاء فوز حماس في انتخابات المحليات ثم البرلمان الفلسطيني باكتساح بلغ 76 مقعدا (80 بالموالين لها) من أصل 132 مقعد، ليشكل الصدمة الأكبر، ليس لأنه أظهر أن خطة بوش جاءت بنتائج عكسية وفي صالح الإسلاميين، ولكن لأنه سمح – لأول مرة في التاريخ العربي – بقيام حركة إسلامية بتشكيل حكومة عربية وفي أرض محتلة ما يطرح إشكاليات داخلية وأخري خارجية تمس المصالح الأمريكية!
بعبارة أخرى أصبح الفوز الساحق لحركة حماس في الانتخابات الفلسطينية أشبه باختراق غير عادي تقوم به الحركات الإسلامية العربية – خاصة المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين - لصناديق الاقتراع من المغرب إلى العراق إلى الكويت إلى البحرين مرورا بمصر ثم فلسطين، وطرح تساؤلات حول رد الفعل العربي الرسمي والغربي علي هذا الاختراق الذي عبر عن رأي الجماهير ولا يمكن إرجاعه إلي ما سماه البعض "التصويت الاحتجاجي" لأن الجماهير في مصر وفلسطين كان أمامها أكثر من عشرة قوائم حزبية وانتخابية أخرى اختارت منها التيار الإسلامي خصيصاً وكان من الممكن أن تختار غيره لو كانت ستصوت ضد حزب السلطة فقط احتجاجا!
أيضا ترجع خطورة فوز حماس تحديدا بنسبة 57.5% من المقاعد وبالتالي حقها في تشكيل الحكومة منفردة، إلى أن غالبية التوقعات السياسية لا تعطي "الأحزاب الدينية" أو القوى الإسلامية أكثر من 20% من الأصوات ويعدون هذا هو الوزن الحقيقي للتيار الإسلامي، وهو ما ثبت أنه غير حقيقي، خصوصا في ظل حقيقة أن جماعة الإخوان في مصر لم تنافس سوى علي 150 مقعداً في البرلمان المصري تشكل ثلث عدد المقاعد كي لا تغضب السلطة، وقالت: إنه كان في إمكانها زيادة عدد مقاعدها في برلمان 2005.
وإذا كان فوز الإسلاميين يمثل لهم مشكلة في الانتقال إلى دفة الحكم أو التشريع وبالتالي تحميلهم مسؤولية المشاكل المتراكمة من فساد وتضخم وبطالة وغيره على المستوى الداخلي، فهو يمثل مشكلة أكبر لحركة حماس كونها مطالبة بمواجهة مشاكل الداخل الفلسطيني التي تراها سهلة، ومشاكل الخارج أيضا باعتبار أن انتصارها يضعها في ورطة بمواجهة الضغوط الأميركية والأوروبية والدول التي تمول السلطة الفلسطينية وضربات الدولة الصهيونية بشكل يصعب مهمتها حتى في إدارة شئون الداخل.
أيضا سيكون علي الإسلاميين العرب أن يقرروا عدة أمور ويكتسبوا خبرات حقيقية في السلطة ربما ينتهي معها الجدل الدائر حول الإسلام والحكم والنموذج الأمثل للحكم: هل هو النموذج التركي البرجماتي أم النموذج الذي تتحدث عنه حماس بفرض آليات جديدة وعدم تحمل فاتورة أو أعباء الحكومات السابقة مثل اتفاقات السلام مع العدو الصهيوني.
لماذا يفوزون.. وكيف؟!
ويبقى السؤال: لماذا يفوز الإسلاميون في الانتخابات العربية رغم التحذيرات والقيود الحكومية ونشر فكرة الفزاعة من القوى الإسلامية؟! هنا نشير إلى أربعة أسباب تتردد على ألسنة المحللين وظهرت في الانتخابات المصرية والفلسطينية هي:
أولا: الرغبة في التغيير والإصلاح ووقف انتشار الفساد والفقر:
وهذه وضحت في مصر وفلسطين عندما رفع التيار الإسلامي علي التوالي شعارات انتخابية تدعو إلى (معا من أجل الإصلاح) و(التغيير والإصلاح)، وهذا السبب يعده البعض سببا رئيسا لفوز الإسلاميين؛ خاصة أنه مرتبط بمصلحة النظم الحاكمة والقوى الأجنبية صاحبة النفوذ فيها بعدما نخر سوس الفساد في العظم، وبدأت تنتشر الاحتجاجات الشعبية بما يهدد العروش نفسها والاستقرار السياسي برمته، فضلا عن أنه شعار ترفعه الكثير من الحكومات.
و ما يجب التأكيد عليه أن هذه الشعارات ضاربة الجذور في هذه الأحزاب والقوي الإسلامية التي رفعت هذه الشعارات وليست وليدة الانتخابات فقط، حيث خاض الإخوان سلسلة مظاهرات في مارس 2005 أدت لاعتقال قرابة ألفين منهم تحت شعار (الإصلاحات الدستورية)، في حين خاض نواب حماس الانتخابات وهو يحذرون من فساد السلطة الفلسطينية وتحويل أموال المعونات لجيوب متنفذين فيها، غير الأتاوات وغيرها من مظاهر الفساد.
ثانيا: اكتساب الإسلاميين خبرات كثيرة سابقة:
وهذا السبب تحديدا لا يمكن إغفاله، وأشار إليه بعض قادة هذه الأحزاب الإسلامية الفائزة، حيث شاركت جماعة الإخوان بمصر في عدة انتخابات سابقة منذ السبعينات ودخلت البرلمان، واكتسبت خبرات، كما شاركت حماس في إدارة شؤون الدولة الفلسطينية عمليا قبل نشأة السلطة الفلسطينية ذاتها، وخاضت انتخابات المحليات وفازت فيها بـ 40% من مقاعد الضفة و70% من مقاعد غزة.
وهذه الخبرات ظهرت في تصريحات قادة الإخوان في مصر حينما تحدثوا عن طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة والتزامهم بالاتفاقات الدولية الموقعة باعتبارها اتفاقات وقعتها (مصر) كلها بما فيها كافة القوى، والتراجع عنها أو النظر فيها يجب أن يتم من خلال كل القوى أيضا وليس الإخوان وحدهم.
كما ظهرت في تصريحات قادة حماس – خاصة خالد مشعل – عندما تحدثوا عن التعامل معها "بواقعية شديدة "، وعن الالتزام بالاتفاقات الدولية ماعدا ما انتهى أجله منها، وهو نفس ما فعله الإسلاميون المغاربة (العدالة والتنمية) من قبل عندما شددوا على أنهم مع الدستور المغربي، والباكستانيون الذين تحدثوا عن قبول التعايش مع الوجود الغربي على أرضهم لحين التوصل لاتفاقات أخرى!
ولا يعني هذا تنازلات بقدر ما يمكن أن نطلق عليه "فهما صحيحا للعبة السياسية" وإدارة العلاقات الدولية وفق المضامين الدولية السائدة، والتعامل مع الأمر الواقع بدرجة من المرونة دون التخلي عن الثوابت.
ثالثا: رد فعل للهيمنة والغزوات الأمريكية
وهو سبب مهم، ومنطقي في ظل تحول الهجوم علي أمريكا في 11 سبتمبر إلى حملة أمريكية ضد ما يسمى الإرهاب تحولت عمليا لهجوم غير مبرر على الإسلام ومحاولة التدخل في الشؤون العربية والإسلامية لحد تغيير المناهج وحظر التبرعات والجمعيات والوقف الخيرية، وحتى التطاول على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في العديد من الدول الغربية بلا مبرر منطقي.
وربما لهذا رأي محللين عربا أن أحد الأسباب التي تدفع الناخبين لانتخاب الإسلاميين هي اختيار الغرب ميدان المعركة "دينيا" أو هكذا ما بات يدركه المواطن العربي والمسلم، خاصة بعدما تحدث بوش وأركان حكمه عن (حرب صليبية) ويتمحور التفكير الاستراتيجي لإدارة الدولة الصهيونية حول الفكر التوراتي، فلماذا لا يختار العرب والمسلمون من يفهم هذه اللغة ليدير المعركة بكفاءة أكبر؟!
وهذا السبب – رد فعل جماهيري عاطفي نحو اختيار التيار الديني - تردده غالبا الأوساط الغربية التي تعتبر أن النشاط الإسلامي الزائد في البلدان العربية والإسلامية ما هو إلا رد فعل احتجاجي على حملة الإرهاب الأمريكية التي تطال المسلمين والدول الإسلامية، وتشبه حربا صليبية جديدة.
رابعا: ضعف الحكومات العربية ورضوخها للغرب
وهذا السبب يعبر عن احتجاج شعبي تجاه أمر خارجي يتعلق بتزايد تغلغل النفوذ الغربي (الأمريكي تحديدا) في الأوساط السياسية العربية الحاكمة، وهو ما يظهر بوضوح في دول تستجيب للأجندة الأمريكية أو تستضيف القواعد الأمريكية، أو ترضخ للضغوط الأمريكية.
فقد زادت حالة العجز الرسمي العربي والإسلامي تجاه ما يحدث في فلسطين وترك العرب القضية لأهلها فاختاروا المقاومة كبديل ثبت نجاحه في إعادة قطاع غزة، والأمر نفسه حدث في العراق عندما أثبتت المقاومة أنها القادرة حول سحق الاحتلال وإخراجه فالتف حولها الشعب.
فوز حماس ومن قبلها جماعة الإخوان المسلمين لطمة قوية علي وجه مشروع بوش لنشر الديمقراطية في العالم العربي، وعلي وجوه الحكومات العربية معا، وجرس إنذار أخير بالتغيير والإصلاح الطوعي قبل أن تطيح الجماهير بهذه الحكومات في أقرب فرصة، كما أنه تحذير أخر للغرب بوقف سياسة الكيل بمكيالين وفهم الأسباب الحقيقية لكراهية العرب والمسلمين لأمريكا التي تتلخص في وقف تطلعاتهم لديمقراطية حقيقية ووقف التدخل في شئونهم ووقف نصرة الدولة الصهيونية على حساب العرب والمسلمين.