حاجتنا للعلم
23 ذو الحجه 1426

إن حاجتنا إلى العلم لا تقل عن حاجتنا إلى المأكل والمشرب، إذ به قوام الدين والدنيا قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، وقال الإمام الشافعي: "من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم"، وما احتل المستعمر بلاد المسلمين إلا لأسباب من أهمها جهل المسلمين، وانتشار المذاهب الهدامة، ولم يكن ذلك إلا لخواء عقول كثير من المسلمين، ومما يؤسف له انتشار الجهل بين حملة مشاعل الخير في كثير من البلدان الإسلامية، ولأمة أول ما نزل في كتابها: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ"، فسبق العلم الدعوة وقد بوب البخاري في صحيحه باب: العلم قبل القول والعمل، مستنداً على قوله _تعالى_: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ".

وإن من أعظم أسباب ضعف المسلمين في هذا العصر، قلة العلماء العاملين الذين نذروا أنفسهم لبذل العلم ونشره، فإن أصغر بلد من بلاد المسلمين يحتاج إلى أعداد غفيرة من الأطباء المتخصصين في معالجة الأمراض الجسدية، ولكن حاجة هذه الأقطار إلى أطباء القلوب أشد وأعظم، وهل أطباء القلوب إلا علماء الشريعة!

فإن كان الأطباء يجلي الله بسببهم الأبصار، فهو _تعالى_ يذهب يجلي بعلماء الشريعة البصائر، ويحيي بهم القلوب كما يحيي الأرض الجدباء بوابل المطر، وينتفع بهم كل شيء، ولذلك استحقوا أن يستغفر لهم كل شيء، كما قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء"، أما في الآخرة فيالفوز العلماء قال _تعالى_: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" بل ونصيب طلبة العلم من السعد في ذلك اليوم عظيم قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة".

ومن مصائبنا التي أقعدت مجتمعنا المسلم سوء خطط التعليم في مراحل الدراسة المختلفة، فكثير من دول المسلمين خطط برامجها التعليمية العلمانيون واليساريون وغيرهم من أصحاب الأفكار المستوردة، فكانوا عونا لأعداء الأمة عليها، وثقل في ميزان خصومها وعونا لهم غزوهم الثقافي لأبناء المسلمين، وكذا نجد من العوامل الداخلية ضعف الهمم والعزائم، فتجد الشيخ يبدأ الدرس العلمي ومعه جمع غفير من الطلاب، ثم لايستمر معه إلا قليل منهم، وينفض من حوله الناس، وكذلك انفتاح الدنيا والانشغال بملذاتها وحطامها عن طلب العلم الذي به النجاة في الآخرة والفوز والنجاح في الدنيا، وقد كان سلف هذه الأمة لا يصرفهم عن طلب العلم صارف، رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر ليسمع حديثا واحدا، ورحل أبو أيوب الأنصاري من المدينة لعقبة بن عامر بمصر ليسمع حديثا واحدا، وهو: "من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"، ورجع بعد أن سمعه مباشرة، وقال بسر بن عبيد الله إن كنت لأركب إلى مصر من الأمصار في حديث واحد، وقال أبو العالية: كنا نسمع الحديث من الصحابة فلا نرضى حتى نرحل إليهم فنسمعه منهم.

وكذلك كثرة وسائل الترفيه واللهو والتخصصات الجزئية التي أضعفت العلوم الشرعية فتجد العالم يحصر نفسه في تخصص واحد من تخصصات الشريعة مثل أصول الفقه مثلاً، وقد كان العلماء سابقا يجمع أحدهم التفسير والفقه والحديث وأغلب العلوم الشرعية، وكذلك الانهزام النفسي أمام العلوم المادية والنظرة إلى العلوم الشرعية نظرة دونيه.

فكل هذه أسباب أضعفت التوجه نحو العلم في زمن الناس أحوج ما يكونون فيه العلم، فهل تكون لأجيالنا عودة إلى ما كان عليه سلفهم وسابقيهم إلى العلم والعمل؟
أرجو أن يكون ذلك.