أنت هنا

نحري دون نحرك يا رسول الله
18 ذو الحجه 1426

نشرت صحيفة (جلاندز بوستن) الدنمركية يوم الثلاثاء 26/8/1426هـ (12) رسماً كاريكاتيرياً ساخر.. بمن يا ترى؟! هل كان ذلك بمسؤول كبير.. بجنرال.. برئيس دولة... بل كان ذلك بأعظم رجل وطأت قدماه الثرى، بإمام النبيين وقائد الغر المحجلين صلى الله عليه وسلم. صور آثمةٌ وقحةٌ وقاحة الكفر وأهلة، أظهروا النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى هذه الرسومات عليه عمامة تشبه قنبلة ملفوفة حول رأسه!! وكأنهم يريدون أن يقولوا إنه – مجرم حرب – "أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ" (الأنعام: من الآية31).

ثم في هذه الأيام وفي يوم عيد الأضحى بالتحديد – إمعاناً في العداء - تأتي جريدة (ما جزينت) النرويجية لتنكأ الجراح وتشن الغارة من جديد، فتعيد نشر الرسوم الوقحة التي نُشرت في المجلة الدنمركية قبل! "أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ" (الذاريات:53).

بالله ماذا يبقى في الحياة من لذة يوم ينال من مقام محمد صلى الله عليه وسلم ثم لا ينتصر له ولا يذاد عن حياضه. ماذا نقول تجاه هذا العداء السافر، والتهكم المكشوف.. هل نغمض أعيننا، ونصم آذاننا، ونطبق أفواهنا.. لا وربي.. لا يكون ذلك ما دام في القلب عرق ينبض. والذي كرَّم محمداً وأعلى مكانته لبطن الأرض أحب إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحق وندافع عن رسول الحق. ألا جفت أقلام وشُلت سواعد امتنعت عن تسطير أحرفٍ تذود بها عن حوضه صلى الله عليه وسلم وتدافع عن حرمته.
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم فداء.

ونحن إذ ندافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحمي بذلك ديننا وعقيدتنا، ونؤكد شيئاً من حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم..
إن مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيع برفعة الله له، لن ينال الشانئ منه شيئاً "وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ" (الشرح:4).
قال مجاهد: لا أذكر إلا ذكرت معي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله. نعم لقد رفع الله ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم رغم أنوف الحاقدين والجاحدين، فهاهم المسلمون يصوتون باسمه على مآذنهم في كل مكان.

والله تعالى قد تولى الدفاع عن نبيه صلى الله عليه وسلم "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا" (الحج: من الآية38)، وأعلن عصمته له من الناس "وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" (المائدة: من الآية67)، وأخبر أنه سيكفيه المستهزئين "إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ" (الحجر:95)، سواء كانوا من قريش أو من غيرهم. قال الشنقيطي رحمه الله: وذكر – الله – في مواضع أخرى أنه كفاه غيرهم كقوله في أهل الكتاب: "فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ" (البقرة: من الآية137)، وقال: "أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ" (الزمر: من الآية36). وقال ابن سعدي رحمه الله: "وقد فعل –تعالى-، فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة.أهـ أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل وابن مردويه بسند حسن والضياء في المختارة، عن ابن عباس في قوله: "إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ" قال: المستهزئون، الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عبطل السهمي والعاص بن وائل، فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرني إياهم، فأراه كل واحد منهم، وجبريل يشير إلى كل واحد منهم في موضع من جسده ويقول: كَفَيْـتُكَهُ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما صنعت شيئاً!. فأما الوليد، فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً فأصاب أكحله فقطعها. وأما الأسود بن المطلب، فنزل تحت سمرة فجعل يقول: يا بنيّ، ألا تدفعون عني؟ قد هلكت وطُعنت بالشوك في عينيّ فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً فلم يزل كذلك حتى عتمت عيناه. وأما الأسود بن عبد يغوث، فخرج في رأسه قروح فمات منها. وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه. وأما العاص فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل من أخمص قدمه شوكة فقتلته.(الدر المنثور 5/101)

لقد أعظمت قريش الفرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرمته بالسحر تارة وبالكذب تارة وبالجنون أخرى، والله يتولى صرف ذلك كله عنه لفظاً ومعنىً، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا ترون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً، وأنا محمد"، وهكذا هذه الرسومات التي نشرت على هذه الصفحات السوداء، هي - قطعاً - لا تمثل شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي صور أملاها عليهم خيالهم الفاسد، واعتمدها الشيطان ورسمها لهم السامري!. أما محمد صلى الله عليه وسلم فوجهه يشع بالضياء والنور والبسمة والسرور، لم يستطع أصحابه - رضي الله عنهم - أن يملئوا أعينهم منه إجلالاً له - وقد عاصروه - فكيف بمن لم يجمعه به زمان ولم يربطه به خلق ولا إيمان؟!

لقد جاء خبر الصدق من الملك الحق المبين "إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ" (الكوثر:3) ليبقى كل شانئٍ للنبي صلى الله عليه وسلم وكل معارض لدينه هو الأبتر المقطوع المنبوذ. أين أبو جهل؟ هل بقي ذكره أم التصق به وصف الجهل في حياته وبعد مماته؟! وأين أبو لهب؟ لقد مات ومات ذكره فليس يعرف إلا باللهب؟! و"سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ" (المسد:3)، وأين ملوك الأكاسرة والقياصرة.. أين ماركس ولينين وهتلر وكمال أتاتورك... لقد طمرتهم الأرض ونُسيت رسومهم، ولحقتهم اللعنات، وباءوا بثقل التبعات.
لقد مزق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسخر من رسوله، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزق الله ملكه، فمزّق وقتل على يد أقرب الناس إليه– ابنه –! وروى البخاري في صحيحه من حديث أنس قال: "كان رجل نصراني، فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانياً، فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فِعْل محمدٍ وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته، فعلموا أنه ليس من الناس، فألقوه".

علَّق شيخ الإسلام ابن تيمية على الحديث فقال: فهذا الملعون الذي قد افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يدري إلا ما كتب له، قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مراراً، وهذا أمر خارج عن العادة، يدل كل أحد على أن هذا كان عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً..الخ، ويقول أيضا رحمه الله: "وإنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد، ونظير هذا ما حَدَّثَنَاه أعدادٌ من المسلمين العُدُول، أهل الفقه والخبرة، عمَّا جربوه مراتٍ متعددةٍ في حَصْرِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نَحْصُرُ الحِصْنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه. وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل الغرب – يعني المغرب - حالهم مع النصارى كذلك.أهـ (الصارم المسلول ص 116-117).

وبالمقابل فقد علم بعض ملوك النصارى أن إكرام كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقي فيه الملك ما شاء الله. ذكر السهيليُ أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيماً له، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة، ثم كان عند سِبطه، فحدثني بعضُ أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب، فلما رآه استعبر، وسأل أن يمكِّنه من تقبيله فامتنع.

ثم ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح المنصوري أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق مُصفَّح بذهب، فأخرج منه مقلمة ذهب، فأخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه، وقد التصقت عليه خِرقَة حرير، فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤُنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال المُلْك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ، ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا" أهـ.

إن فضائل النبي صلى الله عليه وسلم لا تكاد تحصى كثرةً فهو منّة الله على هذه الأمة "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ" (آل عمران: من الآية164)، امتدحه ربه ورفع منزلته فهو أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يدخل الجنة، وله المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، والحوض المورود.. إلى غير ذلك من الفضائل والخصائص التي اختص بها عن غيره، وهي مدونة في كتب الدلائل والشمائل والخصائص والفضائل، لقد شهد بفضل نبينا صلى الله عليه وسلم القاصي والداني والصديق والعدو، وأنَّى لأحد أن يكتم فضائله صلى الله عليه وسلم وهي كالقمر في ضيائه، وكالشمس في إشراقها، ولعلّي أورد شيئاًً مما نطق به عقلاء القوم في مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وعلو منزلته وسطرته أيديهم راغبين غير راهبين، مختارين غير مكرهين - ونحن إذ نورد شيئاً من كلامهم لا نورده حاجةً منا إليهم لتزكية المقام المحمدي فقد زكاه ربه وطهَّره ونقَّاه، وإنما نورد ذلك من باب "وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا" (يوسف: من الآية26)، ونورده – تنزلاً – مع مفتونٍ لا يقرأ إلا بالعجمية ولا يفهم إلا لغة أهلها؟! نخاطبه بلغته التي أعجب بها وهام في حبها-..

يقول البروفيسور (راما كريشنا راو) في كتابه (محمد النبيّ): "لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها. ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة. فهناك محمد النبيّ، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامي العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضي، كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلاً".
ويقول (مايكل هارت) في كتابه (مائة رجل في التاريخ): إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي.

وأخيراً: ما هو دورنا؟
إن على كل مؤمن يحب الله ورسوله ويغار لدينه أن ينتصر لرسوله وأن يقدم كل ما في وسعه لرد هذه الهجمة الشرسة. على الدول الإسلامية أن تهب لنصرة نبيها وأن تستنكر ذلك أشد الاستنكار وأن ترفع عقيرتها بالاستنكار والتنديد والمطالبة الجادة وذلك في المؤتمرات والمحافل العامة رعاية لحق من أهم حقوقها. وعلى المؤسسات أن تقوم بدورها من خلال كتابة بيانات تستنكر فيه هذا الفعل المشين، وتطالب بمحاكمة هذه المجلات؛ رداً لاعتبار أكثر من مليار وأربعمائة مليون مسلم!، ثم على المؤسسات والصحف والمجلات والمواقع الإسلامية أن تكتب رداً على هذه الافتراءات، وأن تسطر على صفحاتها- بقلم يسيل عطراً- شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تبين الدور العظيم الذي قام به صلى الله عليه وسلم لإنقاذ البشرية وأنه أُرسل(رحمة للعالمين) وهداية للناس أجمعين.

لقد أحزنني كثيراً يوم دخلت على عدد من المواقع الإسلامية وكنت أتصور أن أجد فيها تفاعلاً يناسب ضخامة الحدث وعظم الهجمة، فرأيت أقل مما كنت أرجوه، بل إن قلت أن عدداً من المواقع لم تعرض للخبر أصلا؟! وهذا أمر يحزن ويزيد من جرأة المعتدين...
ولعلّي أختم الحديث بذكر قصيدة للشيخ جمال الدين الصرصري، الذي قال عنه ابن كثير: الصرصري المادح، الماهر، ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يشبه في عصره بحسان بن ثابت رضي الله عنه. يقول:















محمد المبعوث للناس رحمةً   يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلح
لئن سبَّحت صُمُّ الجبال مجيبةً   لداود أو لان الحديـد المصفح
فإن الصخور الصمَّ لانت بكفه   وإن الحصا في كفه ليُسَبِّح
وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا   فمن كفه قد أصبح الماء يَطفح
وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعةً   سليمان لا تألو تروح وتسرح
فإن الصبا كانت لنصر نبينا   ورعبُ على شهر به الخصم يكلح
وإن أوتي الملكَ العظيم وسخِّرت   له الجن تسعى في رضاه وتكدح
فإن مفاتيح الكنوز بأسرها   أتته فرَدَّ الزاهد المترجِّح
وإن كان إبراهيم أُعطي خُلةً   وموسى بتكليم على الطور يُمنح
فهذا حبيب بل خليل مكلَّم   وخصِّص بالرؤيا وبالحق أشرح
وخصص بالحوض الرَّواء وباللِّوا   ويشفع للعاصين والنار تَلْفح
وبالمقعد الأعلى المقرَّب ناله   عطاءً لعينيه أَقرُّ وأفرح
وبالرتبة العليا الوسيلة دونها   مراتب أرباب المواهب تَلمح
ولَهُوَ إلى الجنات أولُ داخلٍ   له بابها قبل الخلائق يُفْتَح

هذا وأسأل الله أن يعلي دينه وينصر كتابه
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وأله وصحبه أجمعين.

-------------
[email protected]