في المنهج(1): أي منهج أسلم؟
11 ذو القعدة 1426

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحابته ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين وبعد:
من الأسئلة التي تعرض، نص سؤال ورد إلي، ولعل مثله يتردد على غيري ولعل في بيان جوابه خيراً.

أرسل إلي أحدهم ما نصه: سمعت أن بعض المبتدعة في العقيدة يقولون: مذهب السلف أسلم، ومنهجنا أعلم و أحكم، والسؤال: هل تعلمون مصدر هذا القول في كتبهم أرجو الإحالة إلى اسم الكتاب _إن علمتموه_ و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
فآثرت أن أكتب شيئاً فيه جواب ما قال، وأبين فيه أن بعض الأدلة التي تشير إلى قول أهل الحق من أهل السنة والجماعة.

أما من يذكر أن منهج السلف أسلم، فبعضهم يريد أنه أسلم وأعلم، وهذا حق، فهؤلاء يعنون به أن غيرهم خرج عن طريق السلامة،
وآخرون يرون أن منهج السلف أسلم، ومنهج الخلف أعلم وأحكم، فعند هؤلاء أن الخلف عرفوا الشبهات وطرق ردها، وعرفوا طرق إثبات وجود الخالق وتفاصيل ذلك.

وهذا الباطل مذكور في كتب بعض المتأخرين منقول عنهم، ومن هؤلاء الشيخ جلال الدين المحلي في شرحه على جمع الجوامع، كما في حاشية العطار على شرح المحلي على جمع الجوامع للسبكي.
ومنهم كذلك ابن أبي شريف، كما في رسالة الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني، تأليف علي الصعيدي العدوي.
ونحو هذا أيضاً يذكر عن البيجوري، وكذلك هو موجود في شرح سنن ابن ماجة ولعله من كلام الدهلوي.
وقد نسبه أهل العلم كالشوكاني وغيره إلى الخلف ورده.

والصواب أن مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم، وأدلة ذلك كثيرة متضافرة، منها:
قول الله _تعالى_: "وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ َأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
فانظر كيف جعل المتبعين بإحسان للسابقين من أهل الرضوان، فهل يتبع الأعلم الدون! هذا لا يكون.

وقد قال الله _تعالى_: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" ومعلوم أن أول من يدخل في هذا صحابته _رضوان الله تعالى عليهم_ فأثبت لهم العلم.
وشهد لهم بذلك، فقال: "ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق" وأول هؤلاء الصدر الأول من الصحابة، بخلاف المنافقين، ولهذا قال _سبحانه_: "حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قـال آنفاً".

ودلائل هذا فيما ثبت عن أفرادهم لا تحصر فهذا أبوبكر كما في حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ رقى المنبر، فقال: "إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله" فبكى أبو بكر، وقال: بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا. فعجبنا لبكائه أن يخبر النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن رجل خير، فكان المخير رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وكان أبو بكر أعلمنا به.

وكذلك ما ثبت في الصحيح من حديث الزهري، عن حمزة بن عبدالله عن أبيه عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: "بينما أنا نائم إذا أتيتُ بقدح لبنٍ، فقيل لي: اشرب، فشربت منه، حتى إني لأرى الريّ يجري في أظفاري، ثم أعْطَيْتُ فَضْلتي عمر، قالوا: فما أولْتَ ذلك؟ قال: العلم". حتى قال ابن القيم: "ومن أبعد الأشياء أن يكون الصواب مع مَنْ خالفه في فتيا أو حكم لا يعلم أن أحداً من الصحابة خالفه فيه، وقد شهد له رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بهذه الشهادة". وقد نقل قبل قول عبدالله يعني ابن مسعود يرويه عنه أبو وائل: والله لو أن علم عمر وُضِعَ في كفة ميزان وجُعِل علم أهل الأرض في كفة لرجَحَ علم عمر، قال فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فقال: قال عبد الله: والله إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم.

وكذلك ما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ «أنه وَضَع للنبي _صلى الله عليه وسلم_ وَضُوءاً، فقال: مَنْ وضع هذا؟ قالوا: ابن عباس، فقال: "اللهم فَقهِّهْ في الدين"» وقال عكرمة: ضمني إليه رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ فقال: "اللهم علمه الحكمة".

إلى غير ذلك ومن أراد التفصيل فليرجع لـ(إعلام الموقعين عن رب العالمين) للإمام ابن القيم.
فالمنهج الأسلم والأعلم والأحكم هو منهج خير القرون، منهج أهل السنة والجماعة، فاشدد قبضتيك عليه، وخذه جميعه بشموله جانب العلم والعمل؛ الأخلاق والمعاملات.

ومما يؤثر عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قوله: "أيها الناس ، من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفت، أولئك أصحاب محمد _صلى الله عليه وسلم_ كانوا أفضل هذه الأمة: أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم أختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ، فالدين الخالص الذي يرضى به الله هو ما كان عليه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وصحابته الكرام علماً وعملاً واعتقاداً".

ويقول ابن القيم –رحمه الله- عنهم: "تالله لقد وردوا رأس الماء من عين الحياة عذباً صافياً زلالاً، وأيّدوا قواعد الإسلام فلم يدعوا لأحد بعدهم مقالاً".


وخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات فبعد