أنت هنا

العلاقة بين الأقباط والمنظمات الأمريكية
24 رمضان 1426

[email protected]


مع نهاية الحرب الباردة وانفرادها بالهيمنة في العالم ، بدأت أمريكا بإتباع أساليب جديدة تحاول بها فرض عولمتها ومناهجها وثقافتها واقتصادها وإعلامها على العالم، فكانت سياسة أوراق اللعب وهي سياسة تقوم على البحث عن نقاط الضعف في الطرف أو الدولة التي تحس منها أمريكا أنها تريد أن يكون لها دور إقليمي أو عالمي على حساب الهيمنة الأمريكية؛ ونقاط الضعف تلك قد تكون اقتصادية كالديون والعجز المالي، وقد تكون حيوية كالمياه والتحكم فيها، وقد تكون مصدراً للطاقة لا غنى عنه للصناعة والتدفئة وغيره كالبترول، وقد تكون نقطة الضعف دفاعية كدولة تحتاج للأسلحة أو قطع غيار لها أو تخشى جاراً طامعاً فيها أو صوَّرته أمريكا طامعاً فيها وفي ثروتها، وقد تكون نقطة الضعف أيضاً وجود أقليات عرقية أو طائفية داخل الدولة.

وعن طريق أوراق اللعب هذه والتحكم فيها تعيد الولايات المتحدة الدول الشاردة إلى حظيرتها لتدور في فلكها ولا تخرج مرة أخرى عن الدور المنوط بها من قِبَل الهيمنة الأمريكية.
وأدرك أقباط المهجر هذه الخاصية فسارعوا إلى استثمارها؛ ولكن كيف السبيل إلى صانعي القرار في الولايات المتحدة للتأثير عليه؟

إن الطريق الميسر لكل صاحب فكرة في أمريكا يريد أن يصل بفكرته إلى الأجهزة التنفيذية هناك هو الجماعات الضاغطة؛ وليس أسهل من الالتقاء بقوى اللوبي الصهيوني المعروف بعدائه التقليدي لكل ما يمت للإسلام والعرب بصلة؛ وهنا لا يفتأ هذا اللوبي باحثاً عن كل وسيلة وسلاح ليحارب به الإسلام والمسلمين وعندها يجد ضالته في أقباط المهجر عند ذلك تتقاطع المصالح: مصالح الإدارة الأمريكية، ومصالح الأقباط، ومصالح اللوبي الصهيوني.

وتتعدد جماعات الضغط التي تحالف معها الأقباط ومن أهمها:
1 - التحالف المسيحي: وهو منظمة أمريكية تضم 60 جماعة دينية معظمها من الأحزاب اليهودية الأمريكية، ويضم في عضويته اتجاهات اليمين المسيحي برئاسة جيري فويل وهو مبشر بروتستانتي يؤمن بعودة اليهود إلى فلسطين وإعادة بناء هيكل سليمان وهدم المسجد الأقصى كمقدمة لعودة المسيح، ومن أبرز أعضاء هذا التحالف فرانك وولف صاحب مشروع أول قانون لمناهضة اضطهاد الأديان وهو بروتستانتي متشدد. وقد أصدر هذا التحالف تقريراً جاء فيه: "إن الحكومة المصرية تساعد وتساهم في بناء المساجد التي وصل عددها إلى 700 ألف مسجد؛ بينما تضع العقبات أمام بناء الكنائس، كما تقوم الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تناضل ضد الحكومة بأعمال عنف ضد المسيحيين؛ والكنيسة القبطية تجد نفسها في وضع معاناة وهجمات من جانب المسلمين، وتتعرض السيدات المسيحيات للإجبار على الزواج من مسلمين".

2 - رابطة مناهضي التمييز: وهذه تتحالف مع الاتحاد القبطي وتدعمه معنوياً ومادياً، ولها اتصالات كبيرة مع الكونجرس الأمريكي، ونجحت هذه الرابطة في تنظيم اجتماع بين رئيس الوزراء "الإسرائيلي" الأسبق نتنياهو وأعضاء الاتحاد القبطي، واستخدم نتنياهو هذه الورقة أيضاً في محادثاته مع المسئولين الأمريكيين عندما قال لهم: "إن معاملة العرب في إسرائيل أفضل من معاملة الأقباط في مصر".

3 - لجنة مسيحيي الشرق الأوسط: وهو تحالف يضم بالإضافة إلى أقباط مصر موارنة لبنان، ونصارى شمال العراق، ونصارى جنوب السودان. وأعلنوا صراحة: "أن هدف هذا التجمع هو التصدي للسيطرة العربية والإسلامية على الشرق الأوسط"، وفي بيان لها قالت: إن إيجاد دولة إسرائيل يعد تطوراً إيجابياً عظيماً في أعين غير العرب، فالمسيحيون في الشرق الأوسط يدركون أن إعادة ولادة "إسرائيل", وتجميع الشعب اليهودي في أرضهم التاريخية بمثابة بشرى لتحريرهم في المستقبل.

4 - بيت الحرية: وهو مؤسسة يهودية أمريكية يرأسها مايكل هوروفيتز، وهو محامٍ يهودي عمل في إدارة الرئيس الأسبق ريجان، وهو أول من أطلق فكرة ضرورة تدخل الولايات المتحدة لإنقاذ المسيحيين الذين يتعرضون للاضطهاد والموت في العالم، وقد بدأ هوروفيتز حملته من القاعدة بإنشاء شبكة من التحالفات مع عشرات الكنائس الأمريكية في عام 1995م؛ حيث أرسل خطابات إلى 150 كنيسة طلب من مجلس إدارتها أن يقوم المصلون بإرسال خطابات إلى أعضاء الكونجرس الأمريكي لحثهم على تولية عناية أكبر لقضية اضطهاد المسيحيين.
ثم انطلق في تكوين تحالفات معقدة ومختلفة مع التجمعات الكنسية، والتجمعات اليهودية، وعدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي لحثهم ومنظمات سياسية معظمها ينتمي إلى اليمين المسيحي الإنجيلي في أمريكا. وفي يناير عام 1996م انضم هوروفيتز إلى نيتاتشي رئيسة برنامج حقوق الإنسان في جماعة بيت الحرية ومؤلفة كتاب: (في عرين الأسد) الذي يتناول اضطهاد النصارى في العالم، وقد أدلت بشهادتها أمام الكونجرس الأمريكي، ومن ذلك قولها: ".. وفي مصر تتلاشى الأقلية المسيحية تحت وطأة الاضطهاد والعنف؛ حيث أجبر آلاف ألأقباط على الفرار وترك وطنهم خشية ورغبة في عدم اعتناق الإسلام قسراً بعد أن دمرت الجماعات الإسلامية قراهم في صعيد مصر في عام 1996م".

وغير هذه المنظمات كثير مثل منظمة مجلس أبحاث العائلة، ومنظمة تقوية أمريكا، ومعهد الدراسات المسيحية، ومنظمة التضامن المسيحي الدولية، والرابطة الدولية لليهود والمسيحيين في شيكاغو، ومنظمة الدفاع عن حقوق المسيحيين ضد الأسلمة.

وأسهم هذا التحالف القبطي الصهيوني البروتستانتي من خلال وصوله إلى صانعي القرار الأمريكي في صدور قانون الاضطهاد الديني؛ فقرب نهاية عام 1997م تم وضع خطوط أساسية لمشروع القانون هذا، وتضمن أسماء 15 دولة من بينها مصر، وفيها اتهام كل دولة بإساءة استخدام أدواتها القمعية لاضطهاد أقلية دينية ما على أرضها مع فرض العقوبات عليها، ووافق مجلس النواب الأمريكي على مشروع القانون بأغلبية ساحقة بعد أن نجح الرئيس الأمريكي في إضافة بند إليه يسمح للرئيس الأمريكي بتأجيل أو منع فرض عقوبات على أية دولة إذا كان فرض العقوبات سيؤدي إلى الإضرار بالمصالح الأمريكية.

وتبع ذلك زيارة وفد من الإدارة الأمريكية إلى قرية الكشح المصرية في صعيد مصر، ومقابلته للقس المتعصب (ويصا) ثم زيارة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي وولف ممثلاً للكونجرس الأمريكي وإجراؤه تحقيقاً للمذابح التي يزعم أنها تمت للأقباط هناك.

و في الفترة الأخيرة و نتيجة لعوامل ضعف كثيرة أصابت الحكومة المصرية نجح الأقباط في استغلال ذلك الظرف ليحصلوا على كثير من المكاسب التي طالما كانوا يحلمون بها و هذا يفسر إلى حد كبير سر الضغوط التي مورست لتحقيق تلك الأحلام , والتي كان أبرزها تمكين الكنيسة من ممارسة قدر كبير من الضغوط على معتنقي الإسلام من الأقباط و"استتابتهم" داخل الكنيسة بصورة رسمية ومقننة , والتمتع بقدر عال من الحرية في التظاهر والتجمهر وإمكانية التأثير على القرار الرسمي بشكل لم يسبق له مثيل.