أنت هنا

10 آيات من وسط ركام إعصار كاترينا
8 شعبان 1426

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، أما بعد

لقد أمرنا الله عز وجل أن نسير في الأرض وننظر كيف كان عاقبة المكذبين، لأن ذلك مما يزيد الإيمان بقدرة الله وعظمته ويثبت الجماعة المؤمنة المتمسكة بوحدانية الله ويبعث فيهم اليقين بوعد الله ونصره وانتقامه لأولياءه من أعداءه.

ومن هذا الباب كان لزاماً علينا أن لا نمر على حادثة إعصار كاترينا دون اعتبار أو تأمل، وكل منا حين يفكر في هذه الآية الربانية التي تسميها الإعلام بـ "كارثة طبيعية" فإنه حتماً سيستخلص منها الدروس والعبر، فمقل ومستكثر والله يؤتي فضله لمن يشاء.

الوقفة الأولي: الله جل جلاله هو الذى بيده مقادير كل شيئ يدبره ويصرفه كيفما شاء، لا يسأل عما يفعل. ومن ذلك ما اقتضته مشيئة الله الشرعية من بغضه للكفر وأهله وما ظهر من علامات هذا البغض في أعداءه على شكل سنن كونية من المشاكل الإجتماعية والنفسية والأمراض والأوبئة والزلازل والبراكين والطوفان والريح المدمرة، وكل ذلك من جنود الله التى لا يعلمها إلا هو.

الوقفة الثانية: قد يستدرك أحدهم بأن هذه الكوارث تصيب المسلمين أيضاً، فهنا نقول أن الله يفعل ما يشاء وأنه قد يعذب بعض الجماعة المسلمة بسبب ذنوبهم (قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم)، ولكنه من لطفه بهذه الأمة المرحومة لا يستأصلهم كلهم، وذلك لأن منهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية التي تقوم بواجب الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب، ولكنه يرحم وينصر المسلمين، ويبغض ويعذب الكافرين، وإذا فعلت جماعة من المسلمين فعل الكافرين، فإن نسبتهم للإسلام لا تفيدهم ما داموا متشبهين بالكافرين، ولذلك فإن على الأمة المسلمة في كل مكان ألا تغتر بنسبتهم فقط للإسلام دون العمل على طريقة السلف. وألا نأمن مكر الله، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

الوقفة الثالثة: إذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له. فهل نفعت أمريكا صور الأقمار الصناعية للإعصار وهي تقترب من سواحلها؟ وهل تقدم العلوم والتقنية نفعت أرقي دولة في هذا المجال من عقاب الله وبطشه؟ ذلك بأن الله قوي وشديد المحال وأن تقدم البشر لا ينفع شيئاً في دفع عقاب الله أو تحويل مساره أو التخفيف من حدته (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله، يصيب به من يشاء من عباده)

الوقفة الرابعة: من عظيم بطش الله أن آثار عقابه تتمثل في جوانب كثيرة في الجماعة المعذبة، فتجد أن عقوبة واحدة تعمل الدمار في مناحي شتى من حياة تلك المجتمع. فإعصار أمريكا لم تخلف آثارها في المباني والأحياء فقط، بل أتت على جوانب شتى من النواحي الإقتصادية، والصحية، والإدارية، والخلقية، والأمنية، وغير ذلك، وصدق الله (ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين)

الوقفة الخامسة: من الحقائق المخفية عن كثيرين أن مدينة نيو أورلينز مشهورة بمهرجاناتها الخليعة التي تنظمها الفساق واللوطية بمباركة من محافظ المدينة، ومن هذه المهرجانات: "Southern Decadence " و "Mardi Gras " ولكن الإعلام الغربي لا تربط هذه الحوادث بهذه المهرجانات، ولكننا نحن المسلمون نربط بينهما لما وجدنا الربط الواضح في نصوص الشريعة وحوادث التاريخ. بل إن المنظمات النصرانية ربطت بينهما بناءً على نصوص التوراة. وصدق الله في سياق الكلام عن عقوبة قوم لوط : (مسومة عند ربك، وما هي من الظالمين ببعيد )

الوقفة السادسة: لم تسقط مدينة أو مدينتان في إعصار كاترينا، وإنما سقطت الحضارة الأمريكية بكاملها، وسقوط المثل والقيم الأمريكية مقدمة –بإذن الله- لسقوطها من الواقع، ذلك بأن الحضارة المريضة الآذنة بالإنحطاط تظهر آثار المرض وعوارضها للمتأمل قبل أن تسقط صريعاً أمام العيان. فقد أظهرت هذه العقوبة مدى ضعف هذه الدولة التي تتزعم العالم، وتزعم أنها تغيث الفقراء والمنكوبين في إفريقيا وآسيا وتزيل الفقر وتنشر العدل والصحة في العالم، وتملك المؤسسات العالمية لهذا الغرض من المنظمات التابعة للأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرهما.

ولكن الله يذل هؤلاء القوم ويريهم ضعفهم وفقرهم، فدولة مثل بنغلاديش "تساعد" أمريكا بمليون دولار، وكوبا تريد أن تستنجد عدوها بالأطباء لا لحب وإنما لشماتة فيما يبدو، فسبحان من مكن هؤلاء الضعفاء أن يشتموا بهذا العملاق في عنفوان قوته (تعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير)

الوقفة السابعة: العجب كل العجب من الأصدقاء المخلصين لأمريكا من المسلمين، يريدون أن يسترضوا عدو دينهم وشعوبهم، ولو استفتوا شعوبهم عن أمريكا لما سمعوا إلا كل شماتة ولعنة، ولكنهم مع ذلك يضحون بما تمليه عليه واجب الولاء والبراء العقدي وبما تمليه مبادئ الديمقراطية من سلطة حكم الغالبية، يضحون بذلك كله من أجل استرضاء حفنة من المحافظين الجدد اللذين يسمعون الويلات واللعنات اليومية من بني جنسهم، ويستطيبون بسماع عبارات الإسترضاء و الثناء من بعض حكام المسلمين. ولو كان هؤلاء يعتبرون بالسؤال الأخروي قبل أن تزول أقدامهم (وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه) لامتنعوا من تسيير الأموال من بيت المال لأغنى دولة وكافرة ومحاربة.

الوقفة الثامنة: إن شعارات المساواة في أمريكا تلقت ضربة قاسية عقب الإعصار ليرى العالم العنصرية البغيضة التي تعيشها المجتمع الأمريكي. إن السود وإن تحرروا من الرق العضوي فهم لا يزالون مكبلين في آصار الرق المعنوي في أرقي دولة تزعم أنها تمثل القيم العليا للحضارة البشرية. فلم يكن لغالبية السود مكان للجوء إلى الفنادق لأنها محجوزة للبقية المتبقية من البيض اللذين لم يغادروا المدينة. وإذا ظهر أسود ومعه متاع في وسائل الإعلام فإنه سارق، أما أخاه (أو سيده بالأصح) إذا ظهر بنفس الهيئة فإنه نبيل يسعى لمساعدة إخوانه المتضررين. إنهم لم يفرقوا بين فقير يموت جوعاً يسرق مواداً غذائية حين لم يغذيه أحد، وبين مفسد يسرق أجهزة كهربائية مثلاً. إن هذا الشعب بحاجة أن تتلقى دروس في حقوق الإنسان من الإسلام التي بنيت أسسها على الرحمة والمواساة.

الوقفة التاسعة: إن الدول التي تسعي لكسب ود أمريكا عليها أن تعتبر بكاترينا، ولو عملت عقولها لأيقنت أن دولة لا تحسن إدارة أزمتها لا يمكن أن تغيث أبعد الناس عنها في الملة والموقع. لقد حان الآوان لأولئك الحكام أن يمتنعوا عن التشبث بمزاعم أمريكا عن الحرية والعدالة وغيرها مما يتشدق به بوش في كل مناسبة. إن آخر ما برر به بوش حين لم يستطع التبرر بوجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، أنه يريد أن يبقي لشعب العراق آبار النفط آمنة من استيلاء العناصر الإرهابية، فياليته استطاع أن يؤمن شعبه من مكر الله قبل أن يؤمن دولة بعيدة. ولو صدق بوش الكذوب لأفصح عن الأبعاد الحقيقية لحرب العراق: الأبعاد الدينية التوراتية، والأبعاد الإقتصادية البترولية، وتوفير الأمن لإسرائيل.

الوقفة العاشرة: جميل أن تأتي كاترينا في نهاية أوغسطس حتى يجد شعب أمريكا فرصة للربط بينها وبين 11 سبتمبر، ولو بعد الزمان لقلت المناسبة وضعف العزم على إيجاد العلاقة. فرق كبير بين 11 سبتمبر 29 أغسطس في التناسب العكسي بين الأضرار وموقف الحكومة. فأضرار 11 سبتمبر الإقتصادية والبشرية ضئيلة مقارنة بأضرار كاترينا، ولكن اهتمام الحكومة بـ 11 سبتمبر لا تقارن بتخاذلها إزاء ضحايا كاترينا، ويحق لكل عاقل أن يضيف هذه الظاهرة في قائمة الشكوك الكثيرة المؤيدة أن 11 سبتمبر لم تكن سوى عملية مدبرة من الحكومة غرضها إسقاط الدول مقابل أبراج نيويورك.

لقد وجد المحافظون الجدد متنفساً لأخذ ثأرهم من مدبري 11 سبتمبر فراحوا يعيثون الفساد في البلاد والعباد، فما عساهم أن يفعلوا الآن؟ إن كانوا يظنون أن الطبيعة عدوهم فاليقهقروها إن شاءوا، وإن كانوا يظنون أن رب الطبيعة لهم بالمرصاد فكيف لهم بمحاربته؟ إذن فاليرجعوا للصواب وليستمعوا لعقلائهم من المتأملين في التاريخ والمتدينين اللذين ينصحونهم ليل نهار قبل الغرق في الوحل العراقي والوقوع فريسة في أيدي المسلمين اللذين تثبت تاريخهم أنهم الأمة المنصورة وأن ما من قوم غزاهم في عقر ديارهم إلا كسروا وخذلوا.