أمسك عليك لسانك
18 رجب 1426

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى.
أما بعد:
فمع مشهد آخر من مشاهد سورة يوسف، ونقف اليوم مع بنيامين _عليه السلام_ لما وُجد الصُّواع في رحله، لم يقل والله ما سرقت، ولم يتحدث.

وهذه مسألة في غاية الأهمية نأخذ منها:

أولاً: أن بنيامين كان عنده خلفية عن الموضوع؛ قد أخبره أخوه وبيَّن له أن لا يفشي سراً.
ثانياً: إذا اتُهم إنسان معروف بحسن السيرة والسلوك وما أُخِذ عليه شيء لا في ظاهره ولا في باطنه، فإياك أن تتعجَّل في الحكم عليه، حتى لو قامت الظواهر. لست ملزماً بذلك. القاضي من حقه أن يحكم بالظاهر، لكن بالنسبة لك أنت يا من أعفاك الله من القضاء لماذا تحمل نفسك ما لا تطيق.

ولست مطالباً بأن تكذب الأمر ما دام قد صدر فيه حكم، لا تكذِّبه؛ لأن الذي حكم أمامه أدلة وهو مسؤول عن حكمه أما ربه، وليس من مصلحتك أن تشيع هذا الأمر وأن تصدر أنت حكماً لم تبدو لك بيناته، فقد يكون الأمر خلاف ذلك، فقد يكون المتهم قد وُرِّط، أو أُوقِع به.

فقد يقبض على إنسان وتضبط معه قطعة من المخدرات في سيارته، ويُحكَم عليه لأنها وُجِدت معه، لكن قد يكون هذا الإنسان بريئاً وُضِعت المخدرات في سيارته من أجل توريطه من أطراف أخرى.

والشاهد عليك ألا تستعجل الحكم على الأشخاص وأن تبقي على الأصل فيهم طالما أن أدلة الاتهام لم تظهر لك، مع أن الأدلة قد تظهر لغيرك فيصدر حكماً قد يكون صواباً وقد يكون خطئاً معذور في حكمه به، ولكن ليس لك عذر إذا قلدت إنساناً في إصدار حكم هو منه براء من غير أن تكون لك عليه بينة.

ثالثاً: كان سكوت بنيامين _عليه السلام_ من قبيل مراعاة المصلحة. فقد يسكت الإنسان لمصلحة يراها، وليس بالضرورة أن من سكت فهو متهم. قد يتهمه بعض الناس بحجة أنه لم يدافع عن نفسه. القاضي هو الذي يحكم بالنكول أو غير النكول، لكن أنت لا تقل اتُهِم وسكت؛ لأنه قد يكون راعى في سكوته مصالح ومفاسد لا تعلمها أنت، فقد يكون علم أن كلامه قد يضره، وأمامنا مثال حي واقعي وهي قصة بنيامين _عليه السلام_.

نسأل الله أن يجعلنا ممن يكف لسانه إلا من خير، وأن يجعلنا ممن يسخر نعمة اللسان والبيان فيما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.