أنت هنا

المقاومة "الأفغانية" تخطف الأضواء من "العراقية"!
20 جمادى الثانية 1426

على الرغم من أن هناك قناعة داخل أجهزة الاستخبارات الأمريكية بأن مجموعات المقاومة الأفغانية وعلي رأسها حركة طالبان لا تزال قوية ومنتعشة في العديد من المدن الأفغانية لحد أنها تسيطر علي بعض المدن الطرفية قرب الحدود مع باكستان، كما أن العمليات هناك لم تتوقف يوميا ولكنها توارت في نشرات الأخبار أمام سيل أخبار المقاومة العراقية، فإن أكثر ما أصبح يربك ويرهق القوات الأمريكية هناك هو إتباع طالبان نفس أساليب حركة القاعدة بزعامة بن لادن وسياسة الكر والفر.

وجاءت عملية إسقاط طالبان لمروحية اميركية في أفغانستان الأسبوع الماضي وعلى متنها 17 جنديا اميركيا، واختفاء ثلاثة جنود أخرين لتسلط الأضواء علي استمرار عمليات المقاومة التي تقودها طالبان وتسرق الأضواء قليلا من عمليات المقاومة العراقية، ولتختتم سلسلة من العمليات القتالية التي لا يعلن عنها غالبا بسبب سيطرة أنباء العراق علي الأحداث العالمية.

فعملية إسقاط الطائرة شينوك غرب مدينة أسد أباد وقتل الجنود الأمريكيين الذين علي متنها، تأتي في أعقاب ثلاثة أشهر من العمليات القتالية غير المسبوقة بين القوات الأمريكية وفلول طالبان وتنظيم القاعدة أسفرت عن مصرع 465 من المقاومين و27 جندياً أمريكياً و43 رجل شرطة أفغانية بجانب 125 مدنياً، وهي تنذر بتصاعد غير عادي في المعارك مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والمحلية الأفغانية في سبتمبر المقبل ووسط مخاوف من حالة فوضي بسبب عجز الحكومة الأفغانية عن تأمين حتى أعضاءها.

ويبدو أن اقتراب موعد الانتخابات العامة في سبتمبر 2005 والتي تسعي من خلالها قوات الاحتلال الأمريكية لتثبيت دعائم حكومة الرئيس قرضاي علي الطريقة العراقية، إضافة الي إعلان وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد - خلال زيارته الأخيرة لأفغانستان في مايو الماضي – عن سعي واشنطن لإقامة قواعد عسكرية دائمة هناك فضلا عن حلول موسم الصيف الذي تكثر خلاله العمليات العسكرية، كلها عوامل سوف ترفع حرارة الأوضاع هناك وتزيد حجم المقاومة وتتدهور الأوضاع الأمنية.

فالانتخابات الرئاسية الأفغانية التي جرت يوم 9/10/2004م والتي أسفرت عن فوز الرئيس المؤقت حامد كرزاي أو قرضاي نجحت في تدعيم المشروع الأمريكي هناك الساعي لاستبعاد "لوردات الحرب" من قادة الجهاد الأفغان السابقين ضد الاتحاد السوفيتي، وزادت ثقة كرزاي بنفسه ومن ثم قلة اعتماده على الأحزاب الجهادية السابقة، والسعي – عبر الانتخابات المقبلة- للتخلص من هذه المجموعات المسلحة المتبقية منذ عهد المجاهدين السابقين مثل رباني وعبد رب الرسول سياف وتشتيتها، مقابل تقوية دور الأحزاب العلمانية والجهات التي وقفت مع حامد كرزاي في معركته الانتخابية، مثل الجبهة الوطنية لسيد أحمد جيلاني، وحزب "أفغان ملت" وهو الحزب القومي المؤسس على التعصب للعرقية البشتونية.

ومنذ نهاية عام 2001، تحطمت تسع مروحيات تابعة للقوات الأمريكية في أفغانستان بينما كانت تحلق فوق المناطق الأفغانية الوعرة، من بينها المروحية الأخيرة، وهو رقم كبير في ظل اتساع رقعة أرض أفغانستان وانتشار الجبال الوعرة وظروف الطقس وضعف قدرات حركة طالبان نسبيا.

وتشهد مناطق جنوب أفغانستان معارك متصاعدة اعترف الجيش الأمريكي أنه قتل فيها العديد من رجال الجيش الأفغاني الموالي له، وكذلك العشرات من المقاومين من طالبان، وهي "أسوأ خسائر يُمنى بها الجيش الأفغاني "وفق الجيش الأمريكي، اذ يجري الحديث عن "حمامات دماء تشهدها "قندهار" و"زابول" نتيجة للعمليات التي تشنها القوات الحكومية الأفغانية والقوات الأمريكية والبالغ قوامها 18 ألف عنصر، ضد فلول طالبان والمليشيات المسلحة الأخرى.

وقد اعترف المتحدث باسم الجيش الأمريكي، العقيد جيمس يونتس، بأن العناصر التي شاركت في العمليات "مزيج من عناصر طالبان والمليشيات المعادية للتحالف"، وقال أنها مجموعات ذات "تدريبات عالية وجيدة التسليح وليست شرذمة مسلحين، لم يفروا أمامنا، بل ثبوا وقاتلوا "، وهو ما يزيد المعارك صعوبة علي القوات الأمريكية.

قواعد أمريكية في أفغانستان:
في مؤتمر صحفي بالعاصمة الأفغانية كابول قال وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد عقب زيارته الأخيرة إن أمريكا وأفغانستان تبحثان إقامة قواعد أمريكية في أفغانستان، واكتفي بالقول أن هذه المسألة قيد المناقشة على مستوى الرؤساء.

وهذا الغموض الأمريكي المتعمد والتعتيم علي تفاصيل هذه المسألة التي تكشف الرغبة الأمريكية في البقاء حتى بعد الانتخابات البرلمانية، تكرر قبل ذلك خلال زيارة وفد من الكونجرس الأمريكي لأفغانستان في مارس 2005، قيل أنه ذهب لتفقد حالة الجنود هناك، ثم كشف رئيس الوفد الأمريكي السناتور "جون ماك كين" عن هذه القواعد عندما قال: "تعهدنا بأن تكون لنا برامج إستراتيجية ومساعدات طويلة الأمد في أفغانستان يجب أن تستمر لسنوات طويلة، وستشتمل هذه البرامج على المساعدات التقنية والاقتصادية والعسكرية، ويمكن أن تشمل المساعدات العسكرية إنشاء قواعد عسكرية أمريكية دائمة في أفغانستان"!!.

صحيح أن هذه هي المرة الأولى التي تقترح فيها جهة أمريكية سياسية ذات ثقل كبير إنشاء قواعد عسكرية دائمة في أفغانستان، وتعطي مصداقية للشائعات التي كانت تدور في الدوائر الأفغانية والعالمية منذ دخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان قبل أربع سنوات لإسقاط نظام طالبان، والتي تقول بأن أمريكا جاءت إلى أفغانستان لتبقى في المنطقة لأهميتها، ولكن الصحيح أيضا أن المعلومات علي الأرض تشير الي أن أمريكا شرعت بالفعل في عام 2004م في إنشاء قواعد عسكرية حصينة في الولايات الأفغانية التالية كما يقول الخبير في الشئون الأفغانية مصباح الله عبد الباقي: كابل، وهرات المتاخمة للحدود الإيرانية، وبلخ، وبكتيكا، وخوست، وقندهار، والولايات الثلاث الأخيرة متاخمة للحدود الباكستانية.

وكانت قد تعددت أواخر 2004 تقارير الصحف الغربية حول هذه القواعد، وبدأت الصحف المحلية تشير إلى أن القوات الأمريكية تنشئ لنفسها قواعد دائمة في أهم المناطق الأفغانية، مما اضطر الناطق الرسمي باسم قوات التحالف في أفغانستان "مارك ماك كين" أن يعلن يوم 24-11-2004م بأن الولايات المتحدة تنشئ هذه القواعد للجيش الوطني الأفغاني، ولا ترغب في البقاء طويلا في أفغانستان وهو ما نفاه رامسفيلد في زيارته الأخيرة وأكد ضمنا إنها قواعد أمريكية!.

الانتخابات التشريعية لتعزيز الموالين لواشنطن:
ويبدو أن مسألة عقد الانتخابات الأفغانية المحلية والتشريعية مرتبطة بقوة بالسعي لإنشاء القواعد الأمريكية في أفغانستان لأنه من الطبيعي أن يجري الحديث عقب الانتخابات عن ضرورة خروج قوات الاحتلال طالما استكملت البلاد بناء أجهزتها الرسمية، وهنا ستكون القواعد جري الاتفاق عليها مسبقا بين رئيس أفغانستان وأمريكا كما أشار لهذا رامسفيلد!.
حيث أعلنت الأمم المتحدة أن انتخابات البرلمان الأفغاني، الذي يتكون من مجلسين، وكذلك انتخابات المجالس المحلية ستجرى في 18 سبتمبر المقبل.

وهناك تساؤلات تثار عن سر انتشار تجارة المخدرات في عهد الحكومة الحالية والقوات الأمريكية بعدما نجحت قوات طالبان في تحجيم انتشار هذه الظاهرة وعلى صعيد آخر، حيث أشار تقرير للأمم المتحدة تم نشره مؤخرا أن تهريب المخدرات يهدد بتقويض الاستقرار في أفغانستان التي تسعى لنفض غبار الحروب والتطلع نحو الديمقراطية، وحذر تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة للأمم المتحدة من الانتشار الواسع لإنتاج المخدرات في أفغانستان "الأمر الذي يمثل تهديداً بالغاً للديمقراطية الجديدة والاستقرار والانتعاش الاقتصادي للدولة ككل "، اذ بلغ إنتاج أفغانستان من المخدرات معدلات غير مسبوقة عام 2004 الماضي، وذلك في تحد لجميع جهود محاولة مكافحة الظاهرة.

ويواكب هذا شائعات غير مؤكده عن أن موالون للحكومة قد يستخدمون أموال هذه المخدرات في تثبيت دعائم نفوهم خلال الانتخابات المقبلة، رغم أن أنباء أخري تتحدث عن زراعة المخدرات أيضا في مناطق تابعة لطالبان ومعارضي الوجود الأمريكي.

فهل تشهد أفغانستان المزيد من العمليات وتمثل ضغوطا وصداعاً أكبر في عقل الجيش الأمريكي الذي لا يزال يعاني بعنف أثر ضربات المقاومة العراقية؟ وهل تخطف المقاومة في أفغانستان الأضواء من المقاومة العراقية في الشهرين المقبلين قبل موعد الانتخابات التشريعية الأفغانية التي يسعى من خلالها الرئيس الأفغاني وقوات الاحتلال لفوز أنصارهم العلمانيين واستبعاد رموز الجهاد الأفغاني ولوردات الحرب السابقين؟