عدد المسلمين.. وعدد المصلين 1/2
15 جمادى الثانية 1426

قد يكون العنوان غريباً، لكنها ظاهرة معاصرة مؤلمة، ولو قيلت هذه العبارة في القرون الأولى لما كان لها معنى؛ لأن عدد المسلمين كان هو نفسه عدد المصلين، وعدد المصلين هو نفسه عدد المسلمين، لكن هذه العبارة في العصر الحديث صار لها معنى مؤلم، ومدلولات خطيرة، فالفرق بين عدد المسلمين وعدد المفرطين في الصلاة منهم كبير، والجهود في معالجة هذا الفَرق والقضاء عليه لا ترقى إلى مستوى هذه القضية الخطيرة.

وإذا كانت الإحصائية المشهورة المتداولة تقول بأن عدد المسلمين في العالم يتعدى المليار ونصف المليار ، فالسؤال هنا هو: أكل هؤلاء يقيمون الصلاة المفروضة حقاً؟ أعتقد أن الإجابة لو كانت نعم لما كان هذا هو حال المسلمين من هوان وضعف، فالواقع يكشف أن هناك أعدداً غير قليلة من هذا المليار ونصف المليار مفرطة في فريضة الصلاة، ومع أنه لا توجد إحصائيات تبين عدد المفرطين في الصلاة؛ فإنه يمكننا بتحليل بعض الشواهد والمظاهر العامة تكوين صورة قريبة من الواقع، وحتى تتصور نسبة المفرطين في الصلاة أذكر شيئاً مما أشاهده في أحد المجتمعات، وقد يشاهده بعض منا، ففي إحدى المحطات انتظر الركاب موعد السفر، ودخل وقت الفجر ولم يذهب للصلاة إلا عدد قليل منهم، وبعد تحرك الحافلات طلعت الشمس وخرج وقت الفجر دون أن يصلي الباقون. وفي بعض الرحلات يجد من يهتمون بأمر الصلاة صعوبة في إقناع السائق حتى يتوقف للصلاة قبل خروج وقتها، في حين لا يهتم الركاب الآخرون،
وهذه بعض المشاهدات الأخرى التي يراها كثير منا، والتي تدل على مدى تفريط الكثيرين في أمر الصلاة:
- لا يشغل عدد المصلين في صلاة الفجر ربع أو ثمن مساحة المسجد، وفي صلاة الجمعة ترى المساجد لا تكفي المصلين، حتى تمتلئ بهم الطرقات، فأين ذهب، لا أقول نصف هذا العدد بل، ربع هذا العدد في صلاة الفجر؟!
- كم هو عدد المصلين في الأحياء الشعبية والأزقة والحارات، أو القرى والأرياف في بعض البلاد، كم امرأة فيها تصلي، كم شاب بالغ يصلي، حين يمشي المرء للصلاة وكثير منهم جلوس على أبواب بيوتهم أو وقوف على ناصية الطريق أو في دكاكينهم أو في المقاهي، ثم يعود وهم على هذه الحال لم يصلوا، وكما حكى لي بعض الدعاة أنه كان يجد من بين هؤلاء من لا يعرف كيفية الصلاة والوضوء.
- وعندما تراقب قليلاً تجمعات الشباب في المدارس والجامعات، ستشاهد بنفسك حجم الإهمال في الصلاة، وكيف أن مئات من الشباب لا يقيم الصلاة ولا يحافظ عليها.
- وحينما تمر في الأسواق في أوقات الصلاة، سوف تشاهد أعداداً كثيرة من البائعين وغيرهم لا يتحركون لأداء الصلاة لا في وقتها ولا بعد وقتها.
- وهناك المباريات التي تمتلئ لها المدرجات بالمشاهدين، وكثيراً ما يأتي عليهم وقت العصر المغرب، وهم جلوس في مدرجاتهم لم يصلوا.
هذه وغيرها شواهد كثيرة محزنة تدل دلالة واضحة على تفريط كثير من الناس في الصلاة، وتضييعهم لها.

ويتفاوت الناس في مدى التفريط في أمر الصلاة على درجات: فمنهم من يفرط في صلاة الجماعة، ومنهم من يفرط فيصليها بعد ذهاب وقتها، ومنهم من يصلي أحياناً ويترك الصلاة أحياناً أخرى، ومنهم من يصلي الجمعة فقط، ومنهم من يصلي وقت ما يتيسر له، أما في أوقات العمل والشغل فلا تسمح له نفسه ببعض الوقت لأداء الصلاة في أوقاتها، فيجمع ما فاته كله مرة واحدة، ومن الناس من لا يصلي تماماً.

لقد وصل التفريط إلى درجة أنه صار كالعرف العام لدى بعض الناس، حتى إنهم يُطلقون على من يواظب على الصلاة لقب "شيخ" و"مولانا" لكونه يستحق في نظرهم هذه الألقاب الكبيرة، وخصوصاً إذا كان يهتم بها في الظروف التي يفرط فيها بعض الناس في الصلاة كالسفر والعمل. وصار من يريد أن يمدح رجلاً وصفه بأن رجل مواظب على الصلاة! وكأن المواظبة على الصلاة صفة طيبة زائدة ُيمدح من التزم بها وليست ركناً من أركان الإسلام، وهذه الحال تدل على أن التفريط لدى بعض الفئات من الناس صار عادة حتى إن المواظب عليها يستحق المدح، كما تدل على أن معنى عبارة "الصلاة ركن من أركان الدين" صار معنى مائعاً غير راسخ في قلوبهم.

ولو تساءلنا عن أسباب هذه الحالة في أغلب بلاد المسلمين، وكثير من المجتمعات الإسلامية في غير بلاد المسلمين، فسوف تجد أنها تدور حول المحاور الآتية: الجهل بمكانة الصلاة، الحواجز التي تحول بين المفرطين وبين مصادر تعلم الدين، ضعف دور الأسرة في تربية الأبناء على الصلاة، محاربة النظم العلمانية للدين.
وهناك محاور أخرى، من أهمها ضعف الخشية والخوف، ولكني أظن أن المحاور السابقة لها الدور الأكبر في تفريط هؤلاء في الصلاة، لأنه حينما تسأل أحد هؤلاء المفرطين عن تركه للصلاة يتألم كثيراً لحاله ويحزن، كما أن بعضهم حينما يستمع لموعظة مؤثرة يتوب ويحافظ على الصلاة، لكنه لأسباب أخرى غير متعلقة بالخشية والخوف– كالأسباب المذكورة سابقاً- يعود فيفرط في الصلاة، فليست العلة إذاً محصورة في ضعف الخشية، فالأسباب متعددة ومن أبرزها المحاور السابقة.

ولنقف قليلاً أمام هذه المحاور لتوضيح كيف تسبب تفريط بعض الناس في الصلاة:
الجهل بمكانة الصلاة وأهميتها:
يتمتع عصرنا الحديث بوسائل كثيرة للاتصال والإعلام، وكان ينبغي لها أن تكون معينة في زيادة التمسك بأركان الدين وواجباته، لكن على الرغم من ذلك زاد جهل الناس بالدين وأركانه وواجباته، والسبب هو أن أغلب تلك الوسائل وُجهت أساساً لأمور أخرى غير الدين، ويعرض الدين فيها – لو عُرض - بصورة غير مؤثرة لا تصل إلى قلوب الناس ولا تخاطب مشاعرهم. أما المناهج التعليمية في كثير من بلاد المسلمين فهي لا تعلم الدين، إذ لا يخصص لتعليم أساسياته إلا بعض الكتب المختصرة التي لا تكفي لتربية النشء على تعظيم مكانة الصلاة ومعرفة أحكامها، كما أن تلك المناهج عرضة دوماً تحت الضغوط الخارجية إلى التقليص والتشويه.
والجهل هنا إنما هو جهل في الغالب بمكانة الصلاة في الإسلام، وحكم تاركها، والجهل بمعنى كونها ركناً عملياً في الحياة اليومية لو تعمد الإنسان تركه انهدم دينه، وبسبب هذا الجهل تهاون الناس ووقع كثير منهم في التفريط فيها. ومن ذلك الجهل بفقه الطهارة والصلاة، فبسبب الجهل بأحكام الصلاة ورخصها، كرخصة القصر في السفر، والجمع للحاجة، والتيمم لفقد الماء، يفرط بعض الناس في الصلاة، لأنهم يظنون أن إقامتها في هذه الظروف كإقامتها في الأحوال المعتادة، فيصعب عليهم أداؤها، ويفرطون فيها بسبب الجهل بما شرعه الله تعالى لنا من تيسير. حين سُـئل بعض الناس عن سبب تركهم لبعض الصلوات ذات مرة؛ كانوا يقولون لا يوجد ماء، فقيل لهم تيمموا، فاستعظموا ذلك كيف يصلون بغير وضوء ويكتفون بالتيمم، وظلوا هكذا تضيع منهم الأوقات حتى حصلوا على الماء، وكثير من المرضى في المستشفيات وغيرها يقع منهم التفريط ليس بسبب جهلهم بأهمية الصلاة أو عدم إيمانهم بها، ولكن لجهلهم بفقه طهارة المريض وصلاته، فيترك كثير منهم الصلاة ويفرط فها طيلة مرضه.