الحكمة واللطف عند يوسف عليه السلام
29 جمادى الأول 1426

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ما زالت الوقفات متصلة مع سورة نبي الله يوسف _عليه السلام_، وأقف في هذه المقالة مع قول الله _جل وعلا_: "وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" لما دخلوا على يوسف _عليه السلام_ حصل المطلوب ووفوا بوعدهم له، وقد كان ينتظر هذه اللحظة وهنا تبدأ مرحلة جديدة فأول شيء فعله يوسف _عليه السلام_ أنه آوى إليه أخاه أي أخذه وحده، وقد ذكر المفسرون كيف آوى إليه أخاه أي كيف ضم إليه أخاه بعضها قد يتمشى مع السياق وبعضها تفاصيل لا دليل عليها، فما وافق النص نأخذ به وما عداه فلا، والشاهد هنا أنه قد ضم أخاه إليه وقال له: أنا أخوك، ومن اللفتات التي أقف معها هنا هذه الحكمة والذكاء والسياسة، فلأنه سيسر إليه بأمور حساسة، وكان هذا الوافد الجديد مستحقاً لمزيد من الإكرام، ضمه إليه، وأسر له قوله: أنا أخوك.

فكان هذا أول واحد من أبناء يعقوب يعرف أن يوسف حي وموجود.
ثم ثانياً قال له: "فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"؛ لأن أعمالهم معي وأبي سيكون لها نتائج ستراها في المستقبل فهو يهدئ من روع أخيه حتى لا يفضحه، وهذا دليل على جواز التناجي للمصلحة.

ثانياً: أنه أسر له بسر، وهذا دليل على حفظ بنيامين للسر؛ لأنه لو أفشى السر لانتهى الأمر، وذكر المفسرون أنه أخبره بما سيفعل، تهيئة له إذا اتهم بالسرقة، وأمثال تلك التهم تحتاج إلى استعداد نفسي، ليحسن التعامل معها البريء البعيد عنها.

كل هذه أمور مهمة راعاها يوسف _عليه السلام_ مع أخيه استعداداً للمرحلة القادمة، فضمه أولاً وأخبره أنه أخوه مما يعطيه اطمئناناً وراحة، ثم قال له بالنسبة لتصرفات إخوانه لا تقف عندها، ثم بعد ذلك أخبره أنه سيدس الصواع في رحله من أجل أن يبقيه معه.

وهنا نرى في تصرفات يوسف حسن الأسلوب والحكمة وبعد النظر والتلطف لما يريد ونخلص من هذا إلى أن الأمور العظيمة تحتاج إلى تلطف، وأشار إلى ذلك يوسف _عليه السلام_ "إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ" (يوسف: من الآية100)؛ لأنه يفعل بوحي ويعمل بوحي، الأمور العظيمة تحتاج إلى هدوء فإذا كانت هناك مشكلة كبرى في بيت أو بين أسرتين أو بين عائلتين أو بين بلدين تحتاج إلى لطف في التعامل معها لحساسيتها، العجلة أو التصرفات غير المدروسة تأتي بعكس المراد، فيوسف تلطف بوضع البضاعة في الرحال والتلطف في طلبه لأخيه، والتلطف في تعامله مع إخوانه، والتلطف عندما آوى إليه أخاه، وعندما أخبره وكذلك في وضع الصواع، كل هذه مراحل سلك فيها الحكمة "وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" (البقرة: من الآية269)، فالقادة والمسؤولون سواء في البيوت أو في المؤسسات أو في الدول يحتاجون إلى هذا الأمر ليقودوا من تحت ولاياتهم إلى بر الأمان، وإلا كان البلاء والشقاء، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.